كتب: محمد علي
بعد مضي 16 يوماً على استقالة جواد ظريف من منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، ظهر مرة أخرى في اجتماع الحكومة الجديدة مع القائد العام علي خامنئي، كان تم تعيين ظريف مطلع أغسطس/آب الجاري، بقرار من الرئيس مسعود پزشکیان، ليعلن بعدها بيوم واحد، استقالته من منصبه، ثم يعود بعد أسبوعين معلناً تراجعه عنها عقب مشاورات أجراها مع الرئيس.
ذكرت وكالة خبر أونلاين الإيرانية، نقلاً عن موقع دنياي اقتصاد، أنه “في 11 أغسطس/آب، تم تعيين ظريف نائبًا للرئيس للشؤون الاستراتيجية بقرار من بزشكیان، كما أسند إليه إدارة مركز الدراسات الاستراتيجية في الرئاسة، وهي مسؤولية وصفها الخبراء حينها بأنها تعني تعزيز أداء المركز بشكل كبير، واعتبروها إشارة إلى تواصل فعال بينه وبين الحكومة، لكن هذا التعيين أثار انتقادات أيضاً، أبرزها كان استناد المعارضين إلى المادة الـ2 من قانون تعيين الأشخاص في الوظائف الحساسة، التي تشير إلى المسؤولين الذين لديهم أبناء يحملون جنسية مزدوجة بأنهم ليست لديهم أفضلية في تولي تلك المناصب، وربما ذلك ما دفع ظريف إلى الاستقالة بعد يوم واحد فقط من تعيينه”.
وتباينت ردود فعل الداخل الإيراني على استقالته حينها، فمنهم من رأى أن هذا هو القرار المناسب في ظل الدستور، وأن وجوده سيضر بمشروع بزشكيان بالكامل، ومنهم من اعتبر أن استقالته جاءت مبكرة، وأنه كان لا بد أن يستمر في منصبه رغم الانتقادات، واصفين قراره بالحساسية المفرطة.
وفي رسالة نشرها في 21 أغسطس/آب، اعتذر ظريف للشعب عن عدم قدرته على متابعة الأمور في دهاليز السياسة الداخلية، وردَّ على أولئك الذين وصفوه بالحساسية المفرطة قائلاً: “أعتقد أنني خلال الأعوام الاثني عشر الماضية، تحملت الهجمات غير المسبوقة أكثر من العديد من المدعين، لكنني أشعر بحساسية كبيرة تجاه قلق وتفكير الناس”.
وفي رسالة أخرى، ردَّ ظريف على الاتهامات التي وجهها له معارضوه حول جنسية أبنائه المزدوجة، موضحاً: “نظراً إلى بعض الشائعات، أود أن أذكر أن أبنائي ولدوا قبل 40 عاماً تقريباً خلال فترة دراستي (وليس مهمتي) في الولايات المتحدة، وبفضل الله، أنا وزوجتي وأبنائي نقيم في إيران العزيزة، وليس لدينا أي مسكن خارج إيران لا بالملكية ولا بالإيجار. أنا شخصياً تحت عقوبتين أمريكيتين وعقوبة كندية، ولا أستطيع أنا وزوجتي حتى السفر سياحياً إلى الولايات المتحدة أو كندا أو بعض الدول الأخرى”.
ومع ذلك كان يساور كثيرين الأمل بعودة ظريف مرة أخرى بعد التصديق على الحكومة، الأمل الذي تحقق بالأمس بوجوده ظريف بين أعضاء الحكومة في لقائهم مع خامنئي، والذي تلاه منشور لظريف عبر صفحته على موقع إكس، قال فيه: “اليوم ذهب أعضاء الحكومة للقاء المرشد الأعلى في ظل وجود كبير للنساء والأقليات والمذاهب في مجلس الوزراء، مما يعكس صدق وشجاعة الرئيس المحترم في تنفيذ وعوده الانتخابية، وآمل أن يستمر ذلك، وأن تتحقق الوحدة الوطنية على أساس التنمية البشرية والمجتمعية. أنا وزملائي في مجلس القيادة واللجان نفخر بأن نحو 70% من الوزراء ونواب الرئيس والعديد من نواب الوزراء والمنظمات كانوا نتيجة للاقتراحات الفنية لهذه العملية الشفافة والمشاركة. إن شاء الله، مع تلافي القصور، سيتم ترسيخ هذه الطريقة. بعد المتابعات والمشاورات الحكيمة من قبل رئيس الجمهورية المحترم، وبتوجيه كتابي منه، سأواصل أداء واجبي كنائب استراتيجي لرئيس الجمهورية، متوكلاً على الله ومعتمداً على دعم وتوجيه الشعب الكريم. أعتذر عن التأخير في الحضور للقاء قائد الثورة”.
وحول عودة ظريف صرح محمد صدر، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ومدير سابق في وزارة الخارجية الإيرانية، خلال حديث أجراه مع وكالة أنباء خبر فوري الإيرانية: “أهنئ السيد ظريف على عودته إلى الحكومة، وأهنئ أيضاً السيد بزشکیان. الحقيقة أن السيد ظريف لعب دوراً فعالاً للغاية في تنظيم الانتخابات الرئاسية، حيث دخل الساحة بكل إخلاص وبكل ما يملك من جهد وفعل كل ما بوسعه”.
وتابع: “ظريف هو أحد الدبلوماسيين المخضرمين والمتخصصين وذوي الخبرة في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، ويمكنه بالتأكيد أن يكون دعماً كبيراً للسياسة الخارجية لحكومة السيد بزشكیان. أعتبر هذه الخطوة علامة إيجابية”.
وأضاف: “هذا عمل إيجابي وتقدير للجهود الصادقة والفعالة التي بذلها السيد ظريف خلال فترة الانتخابات. السياسة العامة للسيد بزشکیان هي الاستفادة من المتخصصين والخبراء، والسيد ظريف واحد من أفضل خبراء السياسة الخارجية والعلاقات الدولية في إيران. لحسن الحظ، تم اتخاذ هذا الإجراء وأشكر الدكتور بزشكیان على الحفاظ على هذا التأثير في الحكومة.” وفيما يتعلق بمشاورات بزشكیان الهادئة لإعادة ظريف، قال صدر: “كان هذا إجراءً فنياً وعاقلاً ونبيلاً ومفيداً للجمهورية الإسلامية”.
وعن احتمال هجوم الأصوليين على الحكومة الجديدة، قال: “هذا الأمر لا يمثل قدراً كبيراً من الأهمية، فلحسن الحظ، ونظراً إلى السياسة التي اتبعها السيد بزشكیان في حكومة الوفاق الوطني، فإن أي تحركات متطرفة من قبل المتشددين لن تكون فعالة، كما أنهم لم ينجحوا في البرلمان. السيد بزشكیان اتخذ سياسات جيدة لدفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الأمام”.
وخلال حديث مع وكالة أنباء خبر أونلاين الإيرانية، صرح رضا نصري، المحلل في الشؤون الدولية: “أعتقد أن الرأي العام سيرحب كثيراً بعودة الدكتور ظريف. انسحابه خلق لدى البعض انطباعاً بأن الشخصيات البارزة والمحبوبة والمتخصصة في البلاد لا تجد فرصة للعب دورٍ فعّال، وأن الوحدة والتماسك اللذين وعد بهما الدكتور پزشكیان خلال الانتخابات لا يمكن تحقيقهما عملياً”.
وفي ما يتعلق بانتقاد التيار الأصولي لعودة ظريف، قال: “أعتقد أنه مع استمرار الاتجاه الحالي وتعزيز الحوار والتفاعل الوطني سيتلاشى شعور التهديد لدى بعض التيارات السياسية تدريجياً، ومن المحتمل أن تتقلص المحاولات لتخريب الشخصيات مثل الدكتور ظريف بشكل ملحوظ.”
وعند سؤاله عن مدى أهمية مشاركة ظريف في حكومة بزشكيان، قال: “الدكتور ظريف لديه علاقة قوية وجيدة مع المجتمع المدني، فخلال فترة الانتخابات، نجح في تنشيط جزء كبير من المجتمع الذي كان في حالة ركود، وأعاد إليه الأمل بالمستقبل. وجود الدكتور ظريف في الحكومة ليس مفيداً فقط لحكومة بزشكیان، بل هو مفيد أيضاً للبلاد وللمجتمع الذي يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى الأمل والحيوية والتماسك، فالدكتور ظريف شخصية معروفة وذات مصداقية على الساحة الدولية، ومشاركته يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة للدبلوماسية العامة للبلاد”.
ورداً على سؤال: كيف يمكن لظريف أن يسهم في تحقيق وعود الرئيس؟ أجاب: “إن ظريف يحظى بدعم المجتمع الأكاديمي والمتخصص في البلاد. لهذا السبب، يمكنه في إطار مهام نائب الرئيس الاستراتيجي تفعيل الإمكانات الكامنة في هذا الجزء من المجتمع وتوجيهها نحو عملية صنع القرار. لديه سنوات من الخبرة العملية في المجال التنفيذي، ويمكنه- بالاستفادة من المجتمع العلمي في البلاد- تقديم توصيات عملية ومفيدة للرئيس لتحسين العمليات الحالية”.
وأضاف: “أعتقد أن الرأي العام سيرحب كثيراً بعودة الدكتور ظريف. استقالته كانت قد خلقت لدى البعض انطباعاً بأن الشخصيات البارزة والمحبوبة والمتخصصة في البلاد لا تجد فرصة للعب دور فعال، وأن الوحدة والتماسك الذي وعد به الدكتور بزشكیان خلال الانتخابات لا يمكن تحقيقه عملياً. أعتقد أن عودة ظريف ستغير هذا الانطباع وستزيد من حماس الناس للمشاركة في العمليات السياسية والانتخابية”.
وعن تقييمه للمشاورات التي قام بها بزشكيان لعودة ظريف، قال: “في رأيي، أظهر الدكتور پزشكیان حتى الآن أن مسألة (الوحدة الوطنية) ليست مجرد شعار انتخابي بالنسبة له، بل هو يؤمن بعمق بهذا النهج في إدارة البلاد. تركيبة حكومته وتعاملاته حتى الآن مع البرلمان والمؤسسات الأخرى تؤكد هذه الحقيقة. يبدو أن سلوك الدكتور بزشكیان الصادق ونهجه وأداءه الذي يتم بعيداً عن إثارة الجدل وتضخيم الأمور إعلامياً قد أكسبه ثقة التيارات السياسية ومراكز القوى المختلفة وجعلهم يتعاونون معه”.