كتب: ربيع السعدني
أعلنت وزارة العدل الأمريكية، الجمعة 17 يناير/كانون الثاني 2025، أن محللا سابقا في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أقرَّ بتسريب وثائق سرية حول استعدادات إسرائيل لمهاجمة إيران أواخر 2024.
وقد اعترف “آصف ويليام رحمن“، الموظف السابق في الـ(CIA)، البالغ من العمر (34) عاما، حسبما نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “فارس”، بتحميل وثائق سرية يبدو أنها تظهر خطط إسرائيل للرد على طهران بسبب هجوم صاروخي في وقت سابق من عام 2024، وذلك وفقا لوثائق قضائية وأشخاص مطلعين على الأمر ثم طباعتها قبل تسريبها، في عملية تهدد الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي.
قائمة الاتهامات
كما وُجهت الاتهامات إلى آصف رحمن، أمام محكمة فيدرالية في ولاية فرجينيا الأمريكية بتهمتين تتعلقان بالاحتفاظ المتعمد ونقل معلومات تتعلق بالأمن القومي بموجب قانون التجسس، وقد ألقى هذا التسريب الضوء على عمق المخاوف الأمريكية بشأن خطط إسرائيل، وأظهر مدى تجسس الولايات المتحدة حتى على أقرب حلفائها.
وكان آصف رحمن يعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية منذ عام 2016 ويحمل تصريحا أمنيا سريا للغاية مع إمكانية الوصول إلى معلومات حساسة، وهي بعض المعلومات الأكثر حساسية داخل الحكومة الأمريكية، وألقي القبض عليه في الخارج (كمبوديا) يوم الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، حسبما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز“، ويواجه تهمتين بانتهاك قانون التجسس.
وثائق سرية للغاية
ووفقا لسجلات محكمة أمريكية، حسبما نشرت صحيفة “لوموند“، يوم الجمعة 17 يناير/كانون الثاني 2025، فقد قام آصف رحمن في ربيع عام 2024، بطباعة 5 وثائق مصنفة على أنها “سرية” و”سرية للغاية” من جهاز الكمبيوتر الخاص بالعمل ونقلها إلى منزله، ثم أعاد إنتاجها وتعديلها ومشاركتها مع أشخاص غير مؤهلين قانونا لتلقيها، ولإخفاء سلوكه، حذف رحمن نشاطه من أجهزته الإلكترونية، وأعاد السجلات إلى العمل وقام بتقطيعها.
أما المرة الثانية، في خريف عام 2024، فذكرت ملفات المحكمة أنه طبع 10 وثائق أخرى مصنفة على أنها “سرية للغاية” وأخذها إلى منزله وشاركها مع آخرين، ثم في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024 طبع وثيقتين أخريين تتعلقان بخطط حليف للولايات المتحدة لضرب خصم أجنبي، حسبما ذكرت سجلات المحكمة.
واستندت المعلومات الاستخباراتية في الوثائق إلى صور الأقمار الاصطناعية، من 15 إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، والتي كشفت أن إسرائيل تواصل تحريك أصولها العسكرية، حيث ذكرت وسائل إعلام أمريكية حينها أن مسؤولين أمريكيين اتهموه بتسريب وثائق أعدتها الوكالة الوطنية للمعلومات الجغرافية المكانية (NGA)؛ تقوم هذه الوكالة بتحليل الصور والمعلومات التي تم جمعها بواسطة أقمار التجسس الأمريكية، كما تعمل الوكالة أيضا على دعم العمليات العسكرية الأمريكية السرية.
مضمون الوثائق
وبحسب وكالة “إيسنا” شبه الرسمية، فقد تم القبض على “آصف رحمن” بعد أن اكتشف محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تنزيل وثيقتين مسربتين من جهاز الكمبيوتر الخاص به في السفارة الأمريكية في كمبوديا، وأدت هذه الاكتشافات إلى تأخير تنفيذ الهجوم.
ونُشِرت الوثائق على مواقع التواصل الاجتماعي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024 والتي تُظهر استعدادات إسرائيل لمهاجمة إيران في النهاية، وتم وضع علامة على الوثيقتين على أنهما سريتان للغاية، وكذلك أشارت علامات إلى أنهما كان من المفترض أن يراهما فقط الولايات المتحدة وحلفاؤها في التحالف الاستخباراتي “الخمس عيون” – أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة.
في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تستعد للرد على هجوم صاروخي باليستي إيراني كبير في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، ردا على مقتل شخصيات بارزة في حركتي حماس وحزب الله المدعومتين من طهران والذي شمل إطلاق أكثر من 200 صاروخ باليستي على أهداف في جميع أنحاء إسرائيل والتي ردت بموجة من الضربات على أهداف عسكرية إيرانية في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ضربة محتملة ضد إيران
وتضمّنت الوثائق التي نشرتها شبكة “CNN” يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بعد أن تم تداولها على تطبيق تليغرام حساب “ميدل إيست سبكتيتر Middle East Spectator”، توصيفا للاستعدادات الإسرائيلية لضربة محتملة على إيران لكنها لم تحدد أي أهداف فعلية.
ووفقا لتقرير صحيفة “واشنطن بوست” في 17 يناير/كانون الثاني 2025؛ فإن الوثائق التي أنشأتها الوكالة الوطنية الأمريكية للاستخبارات الجغرافية المكانية وصّفت تدريبات طيران ونقل ذخائر في مطار إسرائيلي، وقد دفع التسريب مسؤولين إسرائيليين إلى إرجاء ضربتهم الانتقامية، وكان تسريب الوثائق مناسبة نادرة كشفت عن تجسس الولايات المتحدة على حلفائها، وخاطرت بتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في وقت كانت فيه إدارة بايدن تحاول الضغط على إسرائيل للحد من عملياتها العسكرية في غزة والخارج.
محاولة لإخفاء التجسس
وتقول وزارة العدل الأمريكية إن آصف رحمن قام بحذف وتحرير بعض مذكراته (أكثر من 1.5 غيغا من البيانات)، في محاولة لإخفاء آرائه الشخصية وإخفاء آثاره وكذلك دمر العديد من الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك هاتف محمول شخصي وجهاز توجيه إنترنت كان يستخدمه لإرسال معلومات سرية وصور لوثائق حساسة.
وفي بيان رسمي، قال مساعد المدعي العام ماثيو أولسن، إن “رحمن، خان ثقة الشعب الأمريكي من خلال مشاركته (مع طرف ثالث) على نحو غير قانوني معلومات دفاع وطني مصنّفة سرية كان أقسم على حمايتها”.
وبموجب اتفاقية الإقرار بالذنب، من المقرر أن يُحكم عليه في 15 مايو/أيار 2025 في تهمتين تتعلقان بالاحتفاظ غير القانوني المتعمد بوثائق سرية في منزله، ونقل معلومات تخص الأمن القومي، وسيواجه عقوبة قصوى بالسجن لمدة 20 عاما عن كلتا التهمتين.