كتب: ربيع السعدني
تشهد الأسواق الإيرانية اضطرابًا حادًا في أسعار المواد الغذائية الأساسية؛ فبعد الزيت والبطاطس، جاء الآن الدور على الأرز، الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير، وصلت أحيانًا إلى ارتفاع بنسبة 100% بما يصل إلى 3 مليون ريال للكيلو في ظل ندرة المعروض، سواء من الأرز المحلي أو المستورد، وذلك على الرغم من أن الأرز يعد من المواد الأساسية في سلة استهلاك الأسر الإيرانية.
قبل عام من الآن، وفي مثل هذه الأيام، كنا نتحدث عن التضخم السلبي لأسعار الأرز (استقرار في أسعاره) ولكن الآن يعلن مركز الإحصاء الإيراني عن التضخم السنوي للأرز المحلي والمستورد على حد سواء بأكثر من 20% منذ بداية شهر يناير/كانون الثاني 2025، وصل ارتفاع الأسعار في سوق المواد الغذائية إلى الأرز، وبعد البطاطس ومنتجات الألبان، جاء الدور على أكياس الأرز الإيراني لتصبح أكثر تكلفة.
3 مليون ريال لكيلو الأرز
وتشير دراسات السوق الأخيرة إلى أن سعر الأرز المحلي ارتفع إلى 3 مليون ريال للكيلوجرام، ويتحدث الخبراء عن تخزين الأرز ويأمل مسؤولون من وزارة الزراعة في إعادة الاستقرار إلى السوق من خلال إضافة الأرز المنظم للسوق، بعد أن سجل سعر الأرز المحلي في يناير/كانون الثاني 2025 معدل 1,312,870 مليون ريال للكيلوجرام، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 21.8% مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني 2024 وهذا الرقم نفسه هو حصيلة جميع أنواع الأرز الإيراني، وكقاعدة عامة فإن شراء الأرز من الدرجة الأولى مثل الهاشمي والطارم والصدري قد يكلف أكثر.
وبحسب بيانات مركز الإحصاء، ارتفع سعر الأرز المحلي إلى 1.600 مليون ريال للكيلوجرام في يناير/كانون الثاني 2025 ويعتبر أدنى سعر للأرز مليون ريال للكيلو وفي تلك الفترة من عام 2024 لم يصل متوسط سعر الأرز المحلي إلى 1.100 مليون ريال للكيلوجرام، وهذا الرقم يشير إلى انخفاض أسعار الأرز بنسبة 11% مقارنة بشتاء عام 2022.
ما هو السعر الحقيقي للأرز في السوق؟
وصل سعر الأرز الإيراني إلى 3 مليون ريال للكيلوجرام، وفي المتاجر الإلكترونية، يتم بيع عينة من أرز طاريم تحت اسم أرز جيلان طارم في كيس 10 كيلو جرام مقابل 29,370,000 ريال، بما يعادل 2,937,000 ريال للكيلو الواحد، رغم أن نفس الكمية من الأرز كانت تباع بـ28,480,000 ريال مع خصم 3%، قد بلغ قبل شهر 22,250,000 ريال وارتفع سعره خلال هذه الفترة بنسبة 32% ويمكن أن تجد في السوق أي عدد تريد من عينات الأرز المحلي بأسعار تصل إلى 2 مليون ريال للكيلوجرام، بينما يبلغ سعر أرخص عينات الأرز الإيراني حوالي 1.5 مليون ريال للكيلوجرام.
ما أسباب ارتفاع أسعار الأرز؟
يعود ارتفاع أسعار الأرز في الأسابيع الأخيرة بحسب صحيفة “ديدبان إيران” إلى عدة أسباب:
- يربط بعض الخبراء في سوق الصرف بين طريقة تخصيص العملة الحكومية للمستوردين وارتفاع سعر الأرز الإيراني وبحسب هذه المجموعة فإن تحويل عملة نيماي إلى العملة المتفق عليها يضيف المزيد من التكاليف إلى كاهل المستورد، ومع ارتفاع سعر الأرز المستورد فإن الأرز المحلي أيضاً في طريقه إلى أن يصبح أكثر تكلفة.
- زيادة سعر الصرف سبب آخر لارتفاع سعر الأرز، ولكن الأمر الأكثر غرابة هو انخفاض المعروض من الأرز في السوق وذهب عدد من الخبراء إلى أبعد من ذلك وأعلنوا رسميا عن تخزين الأرز المحلي، حدث له معنى من حيث تقليل العرض في السوق وليس له نتيجة أخرى سوى زيادة سعر الأرز.
- الحظر الدوري على استيراد هذا المنتج كل عام، خلال موسم حصاد الأرز المحلي، تقوم الحكومة بحظر استيراد الأرز لدعم المزارعين، لكن هذه السياسة، إلى جانب ضعف الرقابة على السوق، أدت إلى ارتفاع الأسعار وخلق بيئة مواتية للاستغلال والاحتكار.
- بالإضافة إلى حظر الاستيراد والتخزين، فإن انخفاض إنتاج الأرز المحلي أدى أيضا إلى تأجيج الأزمة القائمة، انخفض حصاد الأرز في المحافظات الشمالية من البلاد هذا العام بسبب الظروف الجوية ونقص الموارد المائية وزيادة تكاليف الإنتاج وقد أدى هذا، إلى جانب الطلب المرتفع في السوق، إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر.
- كما أن حظر الاستيراد، جعل الأرز المستورد الذي دخل البلاد في السابق يُعرض الآن بأسعار أعلى في السوق المفتوحة، وقد أدى هذا إلى عدم تمكن العديد من الأسر من الحصول على الأرز المستورد عالي الجودة، كما تأثر سعر الأرز المحلي أيضًا بهذه الزيادة في الأسعار.
التكديس.. لعبة التجار مع الأسعار
كما تشير تقارير السوق إلى أن بعض المستوردين وتجار الجملة قاموا بزيادة الأسعار من خلال الاحتفاظ بالأرز في المخازن وتوفير إمدادات التغذية بـ”التنقيط”، هؤلاء الأشخاص الذين يدركون انخفاض إمدادات الأرز في السوق، يستغلون الوضع ويحاولون تحقيق أرباح ضخمة، ونتيجة لذلك، يضطر المستهلكون إلى شراء الأرز بأسعار أعلى بكثير.
الحاجة إلى مراقبة السوق وحماية المستهلك
ويرى الخبراء أنه لمنع استمرار التقلبات في أسعار الأرز، ينبغي مراقبة السوق عن قرب إن منع الاحتكار، وإدارة الواردات بشكل صحيح، ودعم الإنتاج المحلي من بين التدابير التي يمكن أن تساعد في الحد من التهاب السوق، وإلا فإن سعر الأرز سوف يستمر في الارتفاع، وسوف تتعرض سبل عيش الأسر الإيرانية لمزيد من الضغوط، ولهذا السبب تدخل مسؤولو وزارة الزراعة وتم اتخاذ قرار ببيع الأرز المنظم في السوق، ومن المقرر طرحه في السوق بسعر 500 ألف ريال للكيلوجرام.
ليست الزيادة الأولى
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى، التي تشهد فيها السوق الإيرانية زيادة مفاجئة في أسعار الأرز؛ ففي عام 2021، وعلى الرغم من أن سعر الأرز المحلي كان قريبًا من الأرز المستورد، فإن القيود المفروضة على استيراد الأرز تسببت في زيادة أسعاره بصورة كبيرة، ومن جانبه حذر مدير إدارة الزراعة حسین برزكار في محافظة تشهارمحال وبختياري الإيرانية من أزمة الجفاف، في إشارة إلى انخفاض هطول الأمطار في العام الزراعي الحالي، قائلا: “نظراً لحالة هطول الأمطار، فإن الزراعة في هذه المحافظة تواجه أزمة جفاف بسبب الموارد المائية”.
تعميم حكومي
وفقًا للتعميم الحكومي، الذي صدر لأول مرة في عام 2023، أصبح مستوردو الأرز، الذين غالبًا ما يكونون تابعين لشركات قابضة كبيرة، ملزمين بشراء طن واحد من الأرز المحلي مقابل كل طن من المستورد، وطُبقت هذه السياسة بشكل أكثر صرامة هذا العام، مما دفع المستوردين إلى الدخول في سوق الأرز المحلي.
وقد أدى هذا التعميم عمليا إلى ظهور نوع من الاحتكار في سوق الأرز المحلي، وجعله تحت سيطرة المستوردين، وهو أمر اعتبره المتحدث باسم اتحاد بنوك الطعام في طهران، حسين فرهادي، تمهيدا لظهور “سلاطين جدد” في السوق، ويُشار إلى أن مصطلح “السلطان” دخل إلى الأدبيات الإعلامية الاقتصادية منذ عقد التسعينات، وهو يشير إلى السيطرة الاحتكارية على الأسواق من قِبل شخص أو مجموعة معينة.
وأرجع فرهادي ارتفاع أسعار الأرز بهذه الزيادة المطردة إلى قضية استبدال العملة السوقية المتفق عليها بعملة “نيماي” الجديدة، ما أرسل إشارة إلى السوق بأن سعر العملة المخصصة لاستيراد هذه السلع قد يرتفع مستقبلا، في وقت نحن على أعتاب شهر رمضان وتزامنه مع عيد الفطر، ونتيجة لذلك يتزايد الطلب على هذه السلع، لذلك من الضروري تكثيف الرقابة الحكومية على عرض وأسعار السلع المذكورة، خاصة بالنسبة للمستوردين والمنتجين الذين حصلوا على العملة الحكومية.
فساد في استيراد الأرز
وظهرت اليوم حالات فساد في مجال استيراد الأرز، وفقا لوكالة تسنيم للأنباء في 13 فبراير/ شباط 2025 كشف نائب مدينة لانغرود في البرلمان الإيراني، مهرداد لاهوتي، عن أن احتياجات البلاد السنوية من الأرز تبلغ 2 مليون و800 ألف طن، وحتى الآن تم استيراد 900 ألف طن من الأرز إلى البلاد، وتم تنسيق 400 ألف طن أخرى من الأرز من قبل مقر تنظيم السوق لدخول البلاد، وأكد لاهوتي على ضرورة تفويض المهام للشعب، وقال: “يجب أن نثق في الشعب ونفوض إليه المهام، إن اقتصاد هذا البلد قابل للإصلاح، ونحن بحاجة إلى التحرك في الاتجاه الصحيح”.