كتبت: شيماء جلهوم
في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول، وصل عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى العاصمة المصرية، القاهرة، في أول زيارة من مسؤول إيراني كبير للعاصمة المصرية منذ عشر سنوات.
قبل زيارة عراقجي، مرت العلاقات الرسمية بين البلدين، بكثير من المنعطفات، ما بين التقارب القوي حد المصاهرة في العهد الملكي للبلدين، وبين التعاون والتقارب السياسي، إبان الثورتين التاريخيتين في القاهرة وطهران، ثم الجفاء والقطيعة التي استمرت لثلاثة عقود، انتهت بزيارة رسمية لأحمدي نجاد في عام 2013، ثم عاودت البرودة امتدادها لأواصر العلاقة.
القاهرة طهران.. مصاهرة وانفصال وعلاقة متوترة
بين مصر وإيران تاريخ لا يمكن تجاهله، تاريخ بدأ بالمصاهرة، في عام 1939، بزواج الأميرة فوزية شقيق الملك فاروق ملك مصر والسودان، بولي عهد إيران محمد رضا بهلوي، في ذلك الوقت، كانت إيران هي الدولة الأولى التي اعترفت بمصر كدولة مستقلة عن بريطانيا، وقامت بفتح سفارة لها في القاهرة، علاقة بدأت قوية، وزادها قوةً إقناع علي باشا ماهر، رئيس وزراء مصر للملك فاروق، بإتمام الزيجة، لتعضيد سيطرة مصر على العالم الإسلامي، وإقامة تحالف مع إيران، وافق فاروق على مضض، فهو الشقيق الذي لم يكن يحبذ استخدام حياة شقيقاته في تدعيم ملكه، وتم عقد القران، وتزوجت فوزية بالحاكم الثاني لإيران في ذلك الوقت، وسافرت لتجد حياة مختلفة ودولة لا تعرف الرفاهية التي كانت تحيا فيها في مصر، فتم الانفصال بعد 8 سنوات، ونجم عن الزواج ابنة واحدة، جمعت بين مصر وإيران “الأميرة شاهيناز بهلوي” .
مصدق والنحاس.. زعامة واحدة ومصير مؤلم
في عام 1951، كان التقارب الثاني، بعد حالة التوتر بين البلدين التي حدثت بعد انفصال فوزية، جاء التقارب على خلفية دعوة مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر حينذاك، الدكتور محمد مصدق، رئيس وزراء إيران في ذلك التوقيت. في كتابه “العلاقة بين القاهرة و طهران.. تنافس أم تعاون؟”، كتب الدكتور سعيد الصباغ، أنه في زيارة رسمية بدأت في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1951، زار رئيس وزراء إيران حينها والرجل الأقوى في الدولة الفارسية، الدكتور محمد مصدق، الذي كان رمزا لكل الإيرانيين في ذلك الوقت، بعد اتخاذه قراره الأهم بتأميم البترول الإيراني في أبريل/نيسان 1951، وهو العام نفسه الذي اتخذ فيه رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس، قراره الأهم بإلغاء معاهدة 1936.
في عدد جريدة الأهرام الصادر في صباح 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1951، وصفت الجريدة استقبال المصريين للبطل محمد مصدق، فوصفت هذا الاستقبال بقولها: “خرجت القاهرة عن بكرة أبيها لاستقبال البطل العظيم الدكتور مصدق.. انتظم الشعب بالآلاف في مواكب تهتف بحياة البطل الجبار قاهر الاستعمار، وزعيم المجاهدين الأحرار”، كان مطار فاروق في ذلك الوقت مقصد المصريين من كل الفئات والطبقات، وقال مصدق لمندوب الأهرام: “إن إيران تؤيد مصر تأييدا كاملا، فمصر وإيران مصابتان بداء واحد والعلاج واحد، ويجب أن يكافح البلدان لنيل استقلالهما الكامل”.
شكَّل عام 1951 علامة فارقة في تاريخ الأمتين، المصرية والإيرانية، ووحدت دعوة النحاس لمصدق نهايتهما معا، فمات مصدق وحيدا في منزله بعد تدبير الولايات المتحدة للانقلاب عليه في أغسطس/آب 1953، وعاش النحاس في ظل الإقامة الجبرية بعد ثورة يوليو/تموز 1952، حتى وفاته.
طهران ومصر بعد ثورة يوليو
بعد عام واحد تغير المشهد في القاهرة، ونجحت ثورة الضباط الأحرار في تحويل مصر من الملكية إلى الجمهورية، لم تسر العلاقات المصرية الإيرانية في ظل عبد الناصر على نحو جيد، فقد كانت العلاقة يشوبها الخوف التقليدي من الثورة على نظم الحكم التقليدية في المنطقة، إضافة إلى كون عبد الناصر هو العدو الأول لأمريكا وإسرائيل في ذلك الوقت، بينما كانت إيران الشاه هي القاعدة الأولى للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، ثم جاء السادات وتغير الوضع.
في سنوات جنوح السادات للسلم، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول، شهدت العلاقة بين القاهرة وطهران مدا جديدا لأواصر التعاون والصداقة بين الشاه محمد رضا بهلوي، الذي اعتبره الرئيس المصري صديقا مقربا، بعد مساعدته لمصر إبان حرب أكتوبر، وأسس البلدان “نادي السفاري” لمحاربة المد الشيوعي بمشاركة السعودية وفرنسا.
ماذا حدث إبان الثورة الإيرانية؟
شكلت الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني، وهروب الشاه محمد رضا بهلوي من طهران إلى مصر، والاستقبال الحافل الذي لاقيه الشاه المعزول، من السادات في ذلك الوقت من العام 1978، منعطفا حادا في تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية، فقد فجر دعم السادات للشاه غضب الخميني والثوار، ثم جاءت معاهدة كامب ديفيد لتغير وجه العلاقة مع مصر للأبد.
مبارك وخاتمي وزيارة تاريخية
مع وصول الرئيس محمد خاتمي للحكم في إيران، بدأت العلاقات المصرية الإيرانية في التقارب ومد جسور التعاون، بعد رفض إيران استقبال أعضاء من الجماعة الإسلامية بعد وصولهم للجوء لطهران، وبدأت المشاركات الاقتصادية والرياضية والمعارض الثقافية تجمع بين البلدين، ثم جاءت الموافقة الجماعية على ضم إيران لمجموعة الـ15 عام 2000 لتبدد أجواء الخلاف بين البلدين، وبدأت مساعي إقامة السوق الإسلامية المشتركة.
وفي عام 2007 جاءت الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني السابق حينها محمد خاتمي، على هامش القمة الإسلامية في القاهرة، واستقبال الرئيس محمد حسني مبارك له آنذاك فيما قال عنه خاتمي إن زيارته للقاهرة “حلم تحقق”.
2013.. عام العودة
بعد ثورة يناير/كانون الثاني وبداية حكم الرئيس محمد مرسي، شهدت العلاقات المصرية الإيرانية تطورا كبيرا، وصل لأول زيارة على المستوى الرئاسي للرئيس الإيراني حينذاك أحمدي نجاد، في زيارة لقبت بالتاريخية بعد قطيعة استمرت ثلاثة عقود، أتت زيارة نجاد على خلفية انعقاد قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في القاهرة، وكان الرئيس المصري آنذاك، محمد مرسي، في مقدمة مستقبليه بمطار القاهرة، وأقيمت له مراسم استقبال رسمية، وصرح نجاد في ذلك الوقت بأنه سيحاول فتح الطريق لتطوير التعاون بين مصر وإيران بعد ثورة يناير، وهي المحاولة التي لم يكتب لها النجاح بعد ثورة 30 يونيو/حزيران، وعاد الجفاء للعلاقة مرة تانية حتى أجبرت التغيرات الإقليمية الحالية الطرفين على بدء عصر جديد للعلاقة، بدأ في ليل السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول بزيارة عباس عراقجي.