كتبت – ناهد إمام
تزامنًا مع زيارة علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني، علي خامنئي، إلى دمشق وبيروت، أُعلن قبل أيام قليلة، وبالتحديد في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عن إغلاق مصنع تجميع السيارات الإيراني في سوريا “سايبا” أبوابه بعد نحو عشرين عاماً من تأسيسه هناك.
قال الأمين العام لغرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، سعيد عارف: “من بين شركات صناعة السيارات الإيرانية، تأسست في سوريا شركة وحيدة وهي “سايبا”، لكن مصنعها في هذا البلد مغلق الآن، ولا يتم الإنتاج هناك، كما تم إنشاء مصانع أخرى، لكن نظراً لقضايا البلدين، لم يتم تفعيل أي منها حتى الآن”، بحسب وكالة أنباء “إيلنا“الإيرانية.
وأوضح الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران وسوريا أن تكاليف إنشاء مصنع “سايبا” قُدرت بنحو 50 مليون دولار، مشيرًا إلى أن المصانع الأخرى التي أنشأتها إيران في سوريا لا تعمل أيضًا؛ بسبب “مشكلات تتعلق بالبلدين”، ورغم ذلك، أكد عارف أن الشركات الإيرانية لا تزال تقدم خدمات في مجال البنية التحتية والصناعات الفنية والهندسية، مشيرًا إلى أنها نشطة في عمليات إصلاح البنى التحتية وتقديم الخدمات الفنية والتقنية الأساسية، على حد قوله.
بداية القصة
تعود بداية قصة مصنع “سيبا” الإيراني للسيارات في سوريا إلى فترة ما قبل الحرب في سوريا، خلال فترة حكم الرئيس الإيراني محمد خاتمي في عام 2004، إذ تم إطلاق المشروع كجزء من خطة طموحة ثنائية، ثم في عام 2007، تم افتتاح خط إنتاج سيارات “برايد”، في حمص بحضور رئيس النظام السوري وقتئذ بشار الأسد، ورئيس الوزراء السوري آنذاك، محمد ناجي عطري، ووزير الإسكان الإيراني في ذلك الوقت، محمد سعيدي كيا، بحسب تقرير “كجت نيوز” الإيرانية.
وبدأت “سايبا” تصنّع سيارات صغيرة، ومنخفضة السعر، ويتم شحن أجزاء هذه السيارات في صناديق خشبية، إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط، في رحلة تزيد آلاف الأميال عن المسار البري المباشر المغلق عبر العراق.
المشروع الذي أُطلق عليه اسم “سيفيكو”، كانت تمتلك فيه “سايبا” نسبة 80%، في حين كانت الحكومة السورية تمتلك نسبة 20%، واستهدف المصنع إنتاج 15 ألف سيارة سنوياً، مع قدرة إنتاج يومية تصل إلى 10 سيارات في الساعة.
كما سعت شركة “إيران خودرو” إلى إنشاء مصنع في سوريا في عام 2009، لكن هذه المشاريع واجهت صعوبات في تحقيق النجاح مع بداية الحرب، وفشلت محاولات تحقيق الربحية مراراً، كما أن مصنع “سايبا” نفسه لم يتمكن من الاستمرار في العمل بشكل مستدام، على الرغم من ورود أنباء عن محاولات لإعادة تشغيله.
صعوبات واجهتها “سايبا”
وجاء إغلاق “سايبا” انعكاساً للفجوة الكبيرة بين الاستثمارات الضخمة، التي قدمتها إيران لدعم حكومة بشار الأسد، والعائد الاقتصادي الضئيل الذي حصلت عليه.
فقد واجه المصنع صعوبات كبيرة، منها ما يتعلق بإيران وفرض العقوبات وأثر ذلك على تحويل الأموال، وما يتعلق بسوريا التي مزقتها الحرب، وأثرت على بنيتها الاقتصادية التحتية، والقدرة الشرائية للمواطن السوري، إذ بات القليل جداً من السوريين بمقدورهم تحمل تكلفة شراء تلك السيارات حتى مع عرض خصومات.
ففي تقرير لموقع “خبرگزاری بین المللی شفقنا” في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عن المشكلات التي تواجهها “سايبا”، قال عماد علويان، الرئيس التنفيذي لشركة سايبا في سوريا: “إن المشكلة الرئيسية تكمن في الطلب المحدود”.
وبحسب الموقع، فإن شركة سايبا كانت تساعد السوريين الفقراء المتضررين من الحرب، من خلال إنتاج سيارات صغيرة ورخيصة نسبيا، يضيف علويان: “قدمنا تخفيضات كبيرة للعملاء السوريين لمساعدتهم، لكن الطلب لا يزال منخفضاً”، وتابع: “نحن ليس لدينا مشكلة في إرسال ونقل قطع غيار السيارات إلى سوريا، مشكلتنا هي تحويل أسعار القطع، لأن هناك مشاكل في التحويل المصرفي”.
هذا المزيج من ضعف السوق، والمشاكل اللوجيستية، والعقوبات، والتنافس مع شركات للسيارات من روسيا الحليف الآخر الرئيس لدمشق، فضلاً عن الخلل التجاري الرئيسي بين إيران وسوريا، كلها، مجتمعة، أسباب وجيهة أدت إلى إغلاق سايبا.
في السياق نفسه، وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إيسنا“، 21 من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قدّر محمد أمير زاده، نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية، في اجتماع وفد ممثلي غرفة التجارة الإيرانية، حصة إيران من الاقتصاد السوري بـ 3% فقط، مقارنة بحصة تركيا، التي بلغت 30% من التجارة السورية، مشدّداً على أن ضعف الدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية كان السبب الرئيسي وراء هذا الفشل، وأن هذا الضعف حال دون تحقيق مكاسب حتى في القطاعات التي كان لإيران وجود قوي فيها.
ضربة إسرائيلية
من جهة أخرى، وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نُشرت أخبار تتعلق بقصف مدينة حمص السورية، من قِبل إسرائيل، وكما أُعلن، فقد تسبب هذا الهجوم الجوي أيضاً في إلحاق أضرار بموقع إنتاج شركة سايبا، بحسب تقرير لموقع” أكوايران” الإيراني.
وفي بيان لها، نشرته على موقع كودال التابع لهيئة البورصة في طهران، أوضحت شركة سايبا للسيارات نتيجة الهجوم الإسرائيلي على موقع الشركة، وبحسب البيان، فإن المصنع الذي تعرض للهجوم تابع لشركة “سايباسوريه (سيفيكو)” وتملكها شركة سايبا بنسبة 78%، وكما أعلن مديرو سايبا، فإن آخر الأخبار الواردة تشير إلى أن المبنى، والمركبات الموجودة، والمكاتب، والأنظمة الإدارية، قد تعرضت لأضرار جسيمة، والتقدير الدقيق لحجم الأضرار يتطلب وجود خبراء وتقييم الأضرار”.
وبحسب تقرير “أكوايران”، فإنه قد توقف النشاط الإنتاجي في مصنع السيارات الإيراني “سايبا” في سوريا، نظراً للظروف الخاصة التي تمر بها سوريا، ولمنع زيادة الخسائر المتراكمة للشركة المذكورة منذ السنوات الماضية.
المشكلات بين البلدين
وفي مقابلة مع وكالة أنباء “إيلنا” العمّالية الإيرانية، بعد إعلانه عن توقف مصنع “سايبا” في سوريا، كشف الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة السورية الإيرانية، سعيد عارف، بالأرقام مقدار الواقع التجاري المتردي بين البلدين، موضحاً أن القيمة الإجمالية للتجارة بين إيران وسوريا لم تتجاوز 350 مليون دولار سنوياً، مشيراً إلى أن التوازن التجاري بين البلدين هو بنسبة 1 إلى 10 لصالح إيران.
وأضاف عارف أن اتفاقية التجارة الحرة وُقعت من العام 2014، في عهد حكومة أحمدي نجاد، لكنها لم تنفذ، ولذلك تم فرض رسوم جمركية بنسبة 4% على 2000 سلعة يمكن تصديرها من إيران إلى سوريا، مع استثناء 88 سلعة من هذه الرسوم، وهي المواد الأساسية مثل القمح، إذ تفرض عليها رسوماً أعلى لمنع تصديرها.
ورداً على سؤال حول ضعف التبادل التجاري رغم العلاقات الجيدة بين إيران والنظام السوري، قال عارف: “صحيح أن العلاقات السياسية بين البلدين جيدة، لكن خلال السنوات الماضية، لم تتجاوز القيمة الإجمالية للتجارة بين البلدين 350 مليون دولار سنوياً، وفي العام الماضي انخفض هذا الرقم إلى 124 مليون دولار”.
وأضاف أن إجمالي الواردات السورية سنوياً يصل إلى 5 مليارات دولار، والتوازن التجاري بين البلدين هو بنسبة 1 إلى 10 لصالح إيران، وهذا الأمر ليس مرغوباً للسوريين، إذ يشكل الإيرانيون أقل من 2% من إجمالي قيمة الواردات إلى سوريا، موضحاً أنه مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة، انخفضت الرسوم الجمركية على تصدير السلع بين البلدين من 4% إلى الصفر، وأصبحت كلفة التصدير محصورة فقط بتكاليف النقل.
وعن سبب الخلل في التوازن التجاري، أوضح عارف أنه “لا توجد إمكانية لاستيراد البضائع السورية لإيران، لأن البضائع التصديرية السورية إما تنتج في إيران، أو لا يوجد طلب عليها”، وتابع: “هذا الخلل جعل اتفاق التجارة الحرة بين البلدين جذابة فقط لإيران، ولم تلق ترحيباً كبيراً من الجانب السوري”.
الخلل التجاري وتحديات أخرى
وأضاف الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة السورية الإيرانية عدداً من التحديات الأخرى فيما يتعلق بالمشكلات بين البلدين، قال: “لا تقتصر التحديات على الخلل في التوازن التجاري، بل هناك مشاكل أخرى، مثل التأخير في المصادقة وتنفيذ بنود اتفاقية التجارة الحرة، وتخصيص خط الائتمان الإيراني فقط للقطاع الحكومي والشركات شبه الحكومية، وعدم وجود بنية تحتية لنقل الأموال من إيران إلى سوريا، وعدم وجود بنية تحتية للنقل البري لإرسال البضائع إلى سوريا”.
وأضاف: “القطاع الحكومي الإيراني لا يتواجد في السوق السورية بسبب رؤيته الخاصة، ولم يتم تحديد مكانة القطاع الخاص في أي من الاتفاقيات أو التفاهمات بين الجانبين حتى الآن”، وعن القطاع الخاص، قال: “لا يوجد حضور فعلي نشط للقطاع الخاص الإيراني في سوريا، إن كان في شكل تمثيل أو استثمار مشترك”، مشدّداً على أن ذلك بسبب غياب الاستقرار الاقتصادي والسياسي الناتج عن الحرب في سوريا، مما يزيد من مخاطر خسارة رأس المال، وأضاف: “نتيجة لذلك، لعب الوسطاء دوراً رئيسياً في هذه التجارة، فيما أدى عدم إمكانية إرسال البضائع مباشرة أو التجارة المباشرة مع سوريا، ما جعل التجار العراقيين يعملون كوسطاء في هذه التجارة، ومع مرور الوقت تم استبدال البضائع الإيرانية بمنتجات أخرى”، وتابع متحدثاً عن المنافسة مع تركيا: “إن وجود حدود مشتركة لسوريا مع تركيا والعراق أدى إلى تسهيل التجارة عبر التهريب، ما ساهم في الانتشار الواسع للمنتجات التركية في السوق السورية، حتى سيطرت تركيا على نصف السوق”.
ولفت عارف إلى مشكلة النقل للبضائع، قال: “النقل البحري منخفض بسبب خلل التوازن التجاري بين الجانبين، ولا يوجد تأمين للصادرات في التجارة مع سوريا في إيران، وهناك قانون صارم للتحكم في العملات في سوريا، ولا يمكن إجراء معاملات بالليرة السورية، حيث لا يتم تداولها أو شراؤها أو بيعها في أي مكتب صرافة في إيران”.
واختتم مقابلته بالحديث عن “سايبا”، موضحاً أنه من بين شركات صناعة السيارات الإيرانية، كانت شركة “سايبا” فقط هي التي استقرت في سوريا، إلا أن مصنعها هو الآخر، هناك، أغلق أبوابه حالياً، ولا يتم فيه أي إنتاج.