كتب: محمد بركات
رغم الاعتراضات البرلمانية حول تعيينه، يسافر محمد جواد ظريف إلى دافوس للمشارك في المنتدى الاقتصادي، مشاركة ليست الأولى له، ولكنها الأكثر جدلا، فمن جهة لم يتخذ البرلمان الإيراني قراره بعد بشأن تعديل قانون تعيين الشخصيات الحساسة، مما لا يعطي لظريف الحق في تمثيل إيران، ومن جهة أخرى، فإن توقيت تلك الزيارة مع تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهام منصبه، قد يفتح الباب لوجود مفاوضات خفية خلالها.
فقد غادر محمد جواد ظريف، نائب رئيس الجمهورية الإيراني للشؤون الاستراتيجية، صباح 20 يناير/كانون الثاني 2025 إيران متجها إلى مدينة دافوس السويسرية وذلك تلبيةً لدعوة رسمية من المنتدى الاقتصادي العالمي للمشاركة في الدورة الخامسة والخمسين للمنتدى.
ومن المقرر أن يشارك ظريف خلال هذه الزيارة في برامج الاجتماع وجلساته النقاشية المخصصة لمواضيع إقليمية وعالمية متنوعة، بالإضافة إلى ذلك، سيجري مقابلة في إحدى الجلسات الرئيسية للمنتدى مع فريد زكريا، مقدم برامج على شبكة سي إن إن.
وسيعقد الاجتماع السنوي الخامس والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) تحت شعار التعاون من أجل عصر الذكاء، بمشاركة كبار المسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص من دول العالم، اعتبارا من 20 يناير/كانون الثاني ولمدة خمسة أيام.
من جانبه، صرح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، خلال مؤتمر صحفي عقد 20 يناير/كانون الثاني 2025، وفي معرض رده على سؤال حول مشاركة المسؤولين إيرانيين في اجتماع دافوس وما إذا تم توجيه دعوات بهذا الشأن لمسؤولي طهران، وقال: “تمت دعوة وزير الخارجية ومستشار رئيس الجمهورية الإيراني للشؤون الاستراتيجية للمشاركة في اجتماع دافوس، وقد سافر السيد ظريف إلى دافوس للمشاركة في هذا الاجتماع”.
كذلك، فقد علق بقائي على مشاركة ظريف على الرغم من أن العرف المتبع عادة هو حضور وزير الخارجية في هذا الاجتماع، قائلا: “في سنوات مختلفة، شارك مسؤولون متنوعون من البلاد في هذا الاجتماع، ومكانة الدكتور ظريف في هيكل الحكومة واضحة تماما، وحضوره في الاجتماع سيكون بالتأكيد فعالا ومفيدا”، مضيفا: “يرجى الانتباه أيضا إلى أن السيد عراقجي كان من المقرر أن يسافر إلى نيويورك لحضور اجتماع مجلس الأمن”.
جدير بالذكر أنه كان من المقرر أن يسافر عراقجي 19 يناير/كانون الثاني 2025 إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة قضية فلسطين، ولكن تم تأجيل هذه الرحلة نظرا لإقرار وقف إطلاق النار.
مهمة ظريف في دافوس
أعاد سفر ظريف إلى دافوس بصفته نائب الشؤون الاستراتيجية الجدل مرة أخرى حول موقعه في الحكومة، حيث إن البرلمان الإيراني ما زال يدرس مقترح الحكومة بشأن تعديل قانون تعيين الشخصيات الحساسة والذي ينص في نسخته الحالية على عدم تعيين الأشخاص الذين يحمل أبناؤهم أو أزواجهم جنسية أخرى، وهو الحال مع ظريف الذي يحمل أبنه الجنسية الأمريكية.
فبهذا الشأن قال حسين كنعاني مقدم، المحلل السياسي، في تصريحات له 20 يناير/كانون الثاني 2025 مع وكالة فارس الإخبارية بأن حضور ظريف في هذا الاجتماع بصفته مستشارا رئاسيا لرئيس الجمهورية تمّ رغم أن تعيينه في هذا المنصب يخالف القانون وفقا للبرلمان الإيراني.
وحول سبب السفر، أوضح كنعاني مقدم أن هذا الظهور غير المتوقع لظريف في سويسرا يعزز الشكوك حول وجود مفاوضات سرية بعيدة عن التنسيق الرسمي، مشيرا إلى أنه إذا كان من المقرر حدوث تغييرات على المستوى الدبلوماسي، فيجب أن تتم وفق الأصول وعبر وزارة الخارجية وفي إطار قوانين الجمهورية الإيرانية، مضيفا أن تدخل جهة غير مرتبطة قانونيا في الشؤون الرسمية والخارجية للبلاد يُعد انحرافا آخر عن نص القانون.
وحول أسباب سفر ظريف، صرح دیاكو حسيني، الخبير في السياسة الخارجية، 21 يناير/كانون الثاني 2025 قائلا: “إن هذا المنتدى يحظى بمكانة متميزة بين النخب والقادة العالميين، وأصبح منصة حوار جادة حول قضايا الاقتصاد والأمن، مما يمنحه أهمية استثنائية. لذلك، فإن حضور السيد ظريف في اجتماع متعدد الأطراف بهذا الوزن يُعد خطوة محورية ومهمة للغاية. شخص ظريف بحد ذاته شخصية دولية معروفة تماما، وله دراية عميقة بالأدبيات السائدة والقضايا المطروحة في دافوس، ولهذا أعتقد أنه الشخص الأكثر تأهيلا من بين المسؤولين الحكوميين للمشاركة في هذا المنتدى”.
وأضاف حسيني: “مع انعقاد الاجتماع بالتزامن مع بدء فترة رئاسة ترامب والمخاوف الدولية التي تشمل أوروبا، آسيا، الشرق الأوسط، ومناطق أخرى، فإن المنتدى قد يشهد نقاشات أكثر أهمية، كما أنه يتيح استعدادا أوليا للتنسيق الدولي لمواجهة تداعيات إدارة ترامب الثانية والتغيرات التي تؤثر بالتوازي على أمن العالم، وهذا توقيت مناسب لتقديم وجهات نظر إيران الجادة حول مستقبل المنطقة، الاتفاق النووي، العقوبات، وغيرها من القضايا التي تحيط بالبلاد، وظريف هو بالتأكيد الشخص المناسب لنقل هذه القضايا بوضوح، فضلا عن استماعه إلى وجهات نظر الجهات الدولية الحكومية وغير الحكومية بشأن مختلف القضايا”.
أكد حسيني: “لا أقصد أن هذه المشاركة ستصنع معجزة وتحل قضايا إيران، لكنها ستسهم في تقديم صورة أكثر وضوحاً عن الحقائق الإيرانية، سواء في العلاقات الخارجية أو في القضايا التي تهم الدول الأخرى”.
كذلك فقد تناول حسيني محاور الحوار المحتمل بين ظريف وشبكة سي إن إن، قائلاً: “في ظل الدعاية المكثفة التي تُمارَس ضد إيران في الغرب، فإن الموضوع النووي دائما ما يتصدر الأولويات عند الحديث عن إيران. كما أن هناك صورة خاطئة تم ترسيخها بأن إيران بعد أحداث لبنان، فلسطين، وسوريا، أصبحت في وضع ضعف وهشاشة. هذه الصورة الخاطئة والتقديرات غير الصحيحة قد تؤدي بسهولة إلى كوارث في العلاقات الخارجية وأخطاء في حسابات الإدارة الأمريكية الجديدة، وأعتقد أن ظريف بما له من خبرة دبلوماسية قادر على إيصال الصورة المناسبة للغرب”.
على الجانب الآخر، فقد عبّر رحمن قهرمان بور، الخبير في الشئون الخارجية، خلال تصريحات له 21 يناير/كانون الثاني 2025 عن عدم تفاؤله بحضور إيران في هذا الاجتماع، حيث قال: “إن مؤتمر دافوس يتمتع بأهمية بسبب مشاركة سياسيين وتجار وأصحاب شركات كبرى، لكنه فقد شيئا من تأثيره خلال السنوات الأخيرة، ويعود هذا التراجع إلى التغيرات التي طرأت على مسار العولمة. فقد فشلت بعض التنبؤات التي قدمها المنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل العالم في التحقق”.
وأضاف قهرمان بور: “أعتقد أن مشاركة السيد ظريف في هذا المؤتمر لن تكون ذات فائدة كبيرة لإيران، فأولاً، لأنه لم يعد وزيرا للخارجية. وثانيا، لأن الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، لم تعد تراهن كما في السابق على التيار الداعم للإصلاحات في إيران لتحقيق تغييرات ملحوظة. كما أن أهمية دافوس تراجعت بسبب تغير المسارات العالمية. نحن نشهد الآن تراجعًا في التجارة العالمية، وظهور حروب تجارية، بينما كان الأساس الذي بني عليه مؤتمر دافوس هو تعزيز العولمة، والتبعية المتبادلة، وزيادة التجارة العالمية. لكن بعد حرب أوكرانيا، اتجهت السياسة الدولية نحو العسكرة، ولم تعد قضايا الاقتصاد والتجارة تحتل الأولوية كما كانت سابقا”.
وأوضح قهرمان بور: “إن الوضع الحالي مختلف تماما عن أيام المفاوضات النووية والتوصل إلى الاتفاق النووي، فهناك تغيرات كبيرة حدثت، مثل حرب أوكرانيا واحتجاجات عام 2022 في إيران، كما تغيرت الأوضاع الإقليمية، وزاد نفوذ إسرائيل في المنطقة، والآن عاد ترامب إلى السلطة. في ظل هذه الظروف، نجد أن السيد ظريف يتعامل غالبا مع دبلوماسيين مؤيدين للعولمة والديمقراطية ونشر القيم العالمية لحقوق الإنسان، وهم سياسيون فقدوا نفوذهم منذ سنوات. كما أن ترامب، الذي أدى اليمين في الكونغرس، لا يؤمن كثيرا بهذه الأساليب الديمقراطية وما شابهها”.
ما هو المنتدى الاقتصادي العالمي؟
المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) هو منصة دولية تأسست عام 1971، ويُعد أحد أبرز الفعاليات الاقتصادية التي تجمع قادة العالم من الحكومات، والشركات، والمجتمع المدني، والخبراء الأكاديميين لمناقشة القضايا الاقتصادية العالمية والتحديات التي تواجهها.
ويعقد المنتدى سنويا في مدينة دافوس السويسرية، حيث يناقش المشاركون مواضيع متنوعة تشمل الاقتصاد العالمي، الابتكار التكنولوجي، تغيرات المناخ، الأمن، والتنمية المستدامة.
ومن بين أبرز المشاركين في اجتماع هذا العام فلاديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، دينغ جويانغ، نائب رئيس الوزراء الصيني، أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر، محمد مصطفى السفاريني، رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية، إسحاق هرتسوغ، رئيس الكيان الصهيوني، أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، روبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبي، ومن المقرر أن يبلغ عدد المسؤولين الحكوميين المشاركين هذا العام 350 شخصا، من بينهم 60 من رؤساء الدول والحكومات.
جدير بالذكر أنه في عام 2013، حضر حسن روحاني المنتدى بصفته رئيسا للجمهورية، كذلك في عامي 2014 و 2016، شارك محمد جواد ظريف كوزير للخارجية، بينما لم تشارك إيران في بعض دورات هذا المنتدى، مثل الأعوام 2017، 2019، و2020، كذلك ففي العام 2010 لم تدع إيران للمشاركة.