كتب: ربيع السعدني
أطلق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، 17 يناير/كانون الثاني 2025، مرحلة جديدة في العلاقات بين موسكو وطهران، بعد التوقيع على “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة” خلال حفل خاص بـ”الكرملين” في موسكو.
وتعد هذه الاتفاقية نتيجة لثلاث سنوات من المفاوضات المكثفة، والتبادلات بين كبار المسؤولين، وتعكس الإرادة المشتركة بين طهران وموسكو لتعزيز العلاقات في مختلف المجالات.
ووصف الطرفان -الإيراني والروسي- الاتفاقية بأنها “تضع أسساً لتوسيع آفاق التعاون في كل المجالات لـ20 عاما المقبلة”، وعلى هامش الزيارة قال الرئيس الإيراني “إن الاتفاق الذي تسنى التوصل إليه اليوم مع روسيا سيفتح فصلاً جديداً في علاقاتنا خاصة في مجال التجارة”.
كما أن إطار التعاون الجديد حسبما أعلن الرئيس الروسي من شأنه أن يمهد لتنمية مستدامة في روسيا وإيران ومنطقة أوراسيا عموماً، مشيراً إلى أهمية الشراكة الروسية – الإيرانية في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
وفي سياق متصل، قال بوتين حسبما نشرت “الرئاسة الروسية”، 17 يناير/كانون الثاني 2025: “إن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع العام الماضي 2024 بنسبة 15%، كما لفت إلى أن 95% من عمليات التبادل باتت تجري بالعملات الوطنية، بعدما تجاوز البلدان الكثير من العقبات، ونجحا في وضع آليات للتعاون المصرفي”.
5 مليارات دولار تجارة مباشرة
بلغت صادرات المنتجات الإيرانية إلى روسيا أكثر من ملياري دولار في عام 2023 وارتفعت لـ 5 مليارات دولار في غضون عام، حسبما أكد ليونيد لوشتشكو رئيس مجلس التجارة الروسي الإيراني، في 15 سبتمبر/أيلول 2024: “إننا مستمرون في تطوير العلاقات التجارية الإيرانية الروسية، وقد بلغ حجم التجارة المباشرة بين البلدين نحو 5 مليارات دولار، ويضاف إلى هذا المبلغ حجم التبادل التجاري غير المباشر الذي يتم عبر دول ثالثة، وبحسب الدراسات التي أجريت فإن التبادل التجاري بين إيران وروسيا يمكن أن يصل إلى 15 مليار دولار.
وأضاف عبر تصريحات لموقع “دنياي اقتصادي” الإصلاحي: “في السنوات الأخيرة زادت العلاقات التجارية بين البلدين ووقعنا 2500 اتفاقية وعقد بعضها لشركات القطاع العام وبعضها لشركات القطاع الخاص”.
وتعتزم طهران وموسكو في إطار الاتفاق الجديد التعاون في إنتاج ونقل وتصدير الطاقة، ومن المقرر أيضاً نقل التكنولوجيات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة.
وبدوره اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه خلال تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز إلى إيران، يمكن أن يصل حجم الإمدادات في نهاية المطاف إلى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا حسب وكالة “ريا نوفوستي”، وتسعى موسكو إلى البحث عن سبل لتنويع تدفقات الغاز وإيجاد مشترين بعد انخفاض حاد في صادراتها إلى أوروبا نتيجة للحرب في أوكرانيا.
مقدمة تاريخية
أبرمت هذه الاتفاقية الشاملة في مقدمة و47 مادة تغطي كامل نطاق العلاقات الروسية الإيرانية المتعددة الأوجه، إذ أعرب الجانبان عن اهتمامهما برفع مستوى العلاقات الودية بين الحكومتين إلى مستوى جديد ومنحها طابعاً شاملاً وطويل الأمد واستراتيجياً، فضلاً عن تعزيز أسسها القانونية، إيماناً منهما بأن تطوير شراكة استراتيجية شاملة يخدم المصالح الأساسية للبلدين.
وفقا لمقدمة الاتفاقية، التي جرت صياغتها استناداً إلى الروابط التاريخية العميقة بين شعبي إيران وروسيا، وتقارب ثقافتيهما وقيمهما الروحية والأخلاقية والمصالح المشتركة وروابط حسن الجوار القوية والفرص الواسعة للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والإنسانية، والعلمية والتقنية وغيرها من المجالات.
مع التأكيد من جديد على الالتزام بروح وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي المعترف بها عموماً فيما يتصل بالتعاون والعلاقات الودية بين الدول، وأخذا في الاعتبار أيضاً جميع الاتفاقيات القائمة بين الطرفين المتعاهدين بما في ذلك الإعلان بين إيران وروسيا بشأن تعزيز القانون الدولي في 16 يونيو/حزيران 2020.
أبرز بنود الاتفاقية
وفيما يلي نستعرض أبرز بنود هذه الاتفاقية البالغة (47) مادة والتي نشرتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، 17 يناير/كانون الثاني 2025.
▪︎ العمل على تطوير التعاون التجاري والاقتصادي والصناعي وخلق مزايا اقتصادية متبادلة بما في ذلك الاستثمارات المشتركة وتمويل البنية التحتية وتسهيل آليات التجارة والأعمال والتعاون في الشؤون المصرفية والترويج وتوفير السلع والعمل والخدمات والمعلومات والمنتجات بشكل متبادل.
▪︎ العمل على توفير الظروف القانونية والاقتصادية والمالية والتجارية المواتية للأنشطة الثنائية والمتعددة الأطراف والاستثمارات المشتركة في أراضي كل منهما وفي بلدان ثالثة.
▪︎ العمل على تطوير التعاون على المستوى الإقليمي باستخدام الفرص والإمكانات المتاحة لديهما في مختلف المجالات، بما في ذلك النقل والطاقة، وتوسيع التعاون في مجال النفط والغاز على أساس مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة.
▪︎ العمل على تعزيز تطوير العلاقات طويلة الأمد والمفيدة للطرفين بغرض تنفيذ المشاريع المشتركة في مجالات النقل والطاقة، بما في ذلك الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء المحطات والصناعة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والرعاية الصحية.
▪︎ عقد مشاورات دورية وتبادل المعلومات والخبرة في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية من أجل التعرف بشكل أفضل على بعضهما البعض والاستفادة من إمكانات كلا البلدين في هذه المجالات.
▪︎ إجراء المفاوضات، واتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الاستقرار وضمان الأمن، وزيادة مستوى التعاون في المنطقة.
▪︎ العمل على تسهيل الأنشطة التجارية في البلدين لرجال الأعمال والمتخصصين العاملين في مواقع التعاون المشترك إلى أقصى حد، وتوفير الظروف اللازمة لعملهم وإقامتهم.
▪︎ يتعهد الطرفان بعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات المتبادلة وعدم استخدام أراضيه لارتكاب أعمال عدوانية أو تخريبية أو انفصالية ضد الطرف الآخر.
▪︎ بعد التصديق على الاتفاقية، ستكون صالحة لمدة 20 عامًا.
حجم التجارة بين البلدين
شهد حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة على كلا البلدين، وووفقًا للبيانات الرسمية، فقد وصل حجم التبادل التجاري بينهما عام 2024 إلى نحو 5 مليارات دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين، حسبما صرح إبراهيم رضائي، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين إيران وروسيا وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، ورغم ذلك أوضح “أن هذا أمر غير مرض للبلدين”.
وأضاف رضائي في تصريحات نقلتها وكالة أنباء “إرنا” الرسمية يوم توقيع الاتفاقية الشاملة في 17 يناير/كانون الثاني 2025: “ومن المتوقع أن يرتفع حجم التجارة بين البلدين إلى 50 مليار دولار مع زيارة الرئيس الإيراني لموسكو، والتوقيع على الشراكة الاستراتيجية الشاملة؛ ومن شأنه أن يزيد من مستوى التعاون المشترك في مجالات: الأمن والصحة، والطاقة والتجارة والزراعة والنقل والنفط والغاز بين البلدين”.
وبلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران وروسيا خلال الأشهر التسعة الماضية نحو 3 ملايين و447 ألف طن من السلع بقيمة مليار و902 مليون دولار، وأفادت وكالة “تسنيم” للأنباء التابعة للحرس الثوري أنه منذ مارس/آذار 2024 حتى ديسمبر/ كانون الأول بلغت حصة صادرات السلع غير النفطية الإيرانية إلى روسيا مليوناً و56 ألف طن بقيمة 803 ملايين دولار، ما يمثل زيادة بنسبة 14% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023، وبحسب تقرير الجمارك، تم خلال هذه الفترة استيراد مليون و491 ألف طن من السلع بقيمة مليار و99 مليون دولار من روسيا إلى إيران.
وفيما يتعلق بالسلع التصديرية الإيرانية إلى روسيا، صرح المتحدث باسم لجنة تنمية التجارة في غرفة الصناعة والتعدين والتجارة روح الله لطيفي، في 14 يناير/كانون الثاني 2025: “كان الفلفل الحلو هو السلعة التصديرية الأولى لإيران إلى روسيا خلال هذه الفترة، حيث سجل زيادة بنسبة 175% من حيث الوزن مقارنة بنفس الفترة من عام 2024”.
وأضاف لطيفي: “منذ مارس/آذار حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت أولى السلع المستوردة من روسيا إلى إيران هي الذهب الخام بوزن 3,595 كغم وبقيمة 281 مليون دولار”.