ترجمة: شروق السيد
بعد حذف الحساب العبري للمرشد الإيراني علي خامنئي، تناولت الصحيفة الإيرانية “جوان” تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في تقويض أو وصول محتوى معين.
كتبت الصحيفة الإيرانية “جوان آنلاين“: في صباح يوم السبت 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، حاول الصهاينة تعويض جزء من سمعتهم المفقودة في عملية “الوعد الصادق 2” عبر التسلل إلى حدود إيران، بعيدا عن الأداء الناجح لشبكة الدفاع المتكاملة في إيران في حماية الشعب ومصالح البلاد، فبعد العملية، شهدنا كثيرا من تقارير تشير إلى أن المنصات الاجتماعية، وعلى رأسها إنستغرام، كانت تسعى لمساعدة الصهاينة في تحقيق أهداف لم يتمكن من تحقيقها جيش الكيان المزيف في الميدان. من المهم تحليل أداء وسائل التواصل الاجتماعي الغربية في دعم أعمال جيش الكيان الصهيوني، بعد بدء المرحلة الجديدة من معركة مقاتلي محور المقاومة ضد الصهاينة لتحقيق هدف تحرير القدس، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود، أخرجت وسائل التواصل الاجتماعي الغربية كل ما في جعبتها، متماشيا مع سياسات بلدها الأم (أمريكا)، لتحقيق أهداف عصابة الصهاينة.
حذف حساب النسخة العبرية للمرشد الأعلى بإيران
وتابعت الصحيفة: كانت أحدث الإجراءات التي قامت بها تلك الشبكات في مواجهتها العدائية مع محور المقاومة هي حذف حساب النسخة العبرية لموقع المرشد الأعلى بإيران من منصة إكس (تويتر سابقا) والرقابة الواسعة على صور جنود الدفاع الجوي للجيش الإيراني الذين استشهدوا دفاعا عن وطنهم ضد عدوان الكيان الإسرائيلي في صباح يوم السبت 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
بدأ حساب مكتب حفظ ونشر آثار المرشد الأعلى بإيران العمل بعد ساعات من الاعتداء الفاشل للكيان الصهيوني على إيران بعبارة “بسم الله الرحمن الرحيم”. كان المنشور الثاني لهذا الحساب إعادة نشر لكلمات المرشد خلال لقائه مع عائلات شهداء الأمن، حيث قال يوم الأحد 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024: “لقد ارتكب الكيان الصهيوني خطأً في حساباته، يجب أن نفهمهم قوة وإرادة ومبادرة الشعب الإيراني وشباب البلاد”، وبعد نشر المنشور الثاني، قامت منصة إكس بحظر الحساب العبري لمكتب حفظ ونشر آثار المرشد.
أثارت هذه الخطوة ردود فعل وانتقادات كبيرة من قبل خبراء ومتخصصين مختلفين، خاصةً أن إيلون ماسك، المالك الحالي لمنصة إكس، حاول عدة مراتٍ أن يُظهر نفسه كداعم لحرية التعبير والنشاطات الفكرية المختلفة على الشبكة الاجتماعية التي يديرها، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك.
حجب المنشورات على منصة إنستغرام
وتابعت الصحيفة: إنستغرام، وهي شبكة تواصل اجتماعي غربية أخرى مقرها في الولايات المتحدة، كانت أيضا تسعى، بعد الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، لتكون أداة لتحقيق دعاية الكيان الإسرائيلي ولحجب الحقائق، وفي هذا السياق، وردت عدة تقارير عن حذف صور قتلى الدفاع الجوي الإيراني تحت ذريعة المنصات الغربية المتكررة، والتي تدعي نشر العنف أو نشر محتوى من منظمات وأشخاص خطرين في الفضاء الافتراضي!
من جهتها، بررت منصة إكس، ردا على استفسارات الصحفيين حول سبب حظر حساب مكتب المرشد رغم وجود استثناءات في لوائح هذه المنصة لحسابات الشخصيات والمنظمات الحكومية والرسمية التي تمكنها من التعبير عن مواقف سياسية، بأنه قد حصل خطأ في هذا الشأن وأن تصنيف الحساب كحساب “خطر” كان سهوا، ومع ذلك، لم يتضمن البيان نفسه أي دلالة على نية هذه المنصة الاجتماعية إصلاح الخطأ.
لقاء إيلون ماسك بمسؤولين إسرائيليين
وأضافت الصحيفة الإيرانية، أنه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قام إيلون ماسك، مالك شركات إكس وتسلا وسبيس إكس، بزيارة غير معتادة للأراضي المحتلة، حيث التقى مسؤولين صهاينة، وفي تلك الزيارة، أجرى ماسك محادثة مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء ذي الأصول الأوزبكية والمهاجر إلى الأراضي المحتلة، وبحسب تقارير نشرتها وسائل إعلام غربية، قال ماسك لنتنياهو: “لا يوجد خيار آخر، أريد أيضا المساعدة (في العدوان الصهيوني على غزة)”.
كما أشار مالك شبكة إكس قائلا: “يجب إيقاف الأشخاص الذين ينوون القتل، يجب إنهاء الدعاية التي تربي الناس ليكونوا قتلة المستقبل، وفي هذه الحالة، ستزدهر غزة، إذا حدث ذلك، أعتقد أن المستقبل سيكون جيدا”. ورد رئيس الوزراء الصهيوني المهاجر قائلا: “آمل أن تشارك في هذا الأمر أيضا، إن حضورك هنا يدل على التزامك بالسعي لضمان مستقبل أفضل”.
في هذه الأيام، يشارك ماسك بجدية في الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، ويسعى بطريقته لتمهيد الطريق لدخوله مرة أخرى إلى البيت الأبيض، ترامب هو الذي أبدى خلال فترة رئاسته دعمه للصهاينة من خلال إعطاء الضوء الأخضر لإعلان القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، كما بذل جهودا كبيرة لتحقيق الاتفاقيات “الإبراهيمية” بهدف تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والمحتلين.
من الجدير بالذكر أنه لا يوجد اختلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين في دعمهم للصهاينة؛ فأحد الشروط غير المكتوبة لدخول البيت الأبيض وحتى الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي هو إعلان الولاء والدعم المطلق لمصالح الصهاينة، قد تختلف الأساليب بين الحزبين في بعض النقاط، لكنهما يتنافسان في الالتزام بهذا المبدأ.
والدليل على ذلك هو المساعدات المليارية للصهاينة خلال معركة “طوفان الأقصى” والأسلحة الأمريكية التي تقدمها إدارة بايدن للكيان الإسرائيلي لقتل المدنيين العُزل في غزة ولبنان، وذلك لتعويض خسائرهم الميدانية بزيادة أعداد الشهداء، خاصةً من المدنيين.
بعد انتشار خبر حظر الحساب العبري لمكتب حفظ ونشر آثار السيد خامنئي، حاولت بعض وسائل الإعلام المعادية لإيران تبرير هذا الإجراء عبر ادعاء أن مكتب قائد الثورة لديه حسابات أخرى بلغات متعددة على منصة إكس، وحتى مع نشر هذه الحسابات محتويات ضد الصهاينة، لا تزال نشطة.
ومع ذلك، تجاهلوا جزءا من الرواية، وهو أن الحساب المحظور كان باللغة العبرية، يبدو أن ماسك ومنصته، وفقا لتعهداتهما بحماية مصالح الكيان الصهيوني، يحاولون منع وصول صوت القادة الإيرانيين إلى الجمهور الناطق بالعبرية، ويمكن قراءة حظر الحساب العبري لمكتب المرشد في هذا السياق.
تحليل لم تتمكن حتى بعض وسائل الإعلام الغربية مثل “يورونيوز” من تجاوزه، إذ أصدرت “يورونيوز” المقربة من الاتحاد الأوروبي والداعمة للكيان الصهيوني تقريرا حول سبب حذف الحساب العبري لمكتب حفظ ونشر آثار المرشد، وجاء فيه:
“السيد ماسك يدعم إسرائيل ويملك علاقات وثيقة مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، لقد زار إسرائيل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وحضر خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي في شهر يوليو/تموز”.
نظرا إلى أن رسائل المرشد موجهة إلى الجمهور الإسرائيلي باللغة العبرية، فيمكن القول إن حظر الحساب العبري كان بمثابة لفتة من إيلون ماسك لنتنياهو، خصوصا مع استمرار الانتقادات الداخلية في إسرائيل تجاه أداء حكومة نتنياهو في إدارة الحرب وتحرير الرهائن.
رغم تحسن الرأي العام الإسرائيلي نحو أداء نتنياهو خلال العام الأخير، فإنه بعد الهجوم الجوي على إيران، فإن بعض الإسرائيليين لا يريدون أن تتسع رقعة الحرب في المنطقة، ويعتبرون أن أي خطوة أخرى مجرد محاولة لإبقاء حكومة نتنياهو في السلطة”.
وكما هو واضح، حتى وسائل الإعلام الداعمة للصهاينة لا تستطيع إنكار دعم ماسك للكيان الصهيوني، وتقييم حذف الحساب العبري لمكتب حفظ ونشر آثار المرشد كإجراء من منصة “إكس” لتقليل إمكانية التواصل المباشر مع الرأي العام في الأراضي المحتلة، ومع ذلك، وعكس ما تدعيه تلك الوسائل، لم يشعر سكان الأراضي المحتلة خلال العام الماضي، بتحسن تجاه أداء نتنياهو وحكومته الائتلافية، والدليل على ذلك هو الاحتجاجات الواسعة التي تواصلت باستمرار ضد حكومته.
كما بذلت كل من ميتا، وإنستغرام، وزوكربيرغ، وموسيري كل ما بوسعهم لدعم الكيان الصهيوني، وضمن ذلك حظر الحسابات الداعمة للمقاومة خلال معركة “طوفان الأقصى”، ومنع نشر جرائم الكيان الإسرائيلي بشكل واسع، وحذف الصور والمنشورات المتعلقة بقتلى المقاومة بعد كل عملية اغتيال، إلى جانب التصدي لأي وسم أو محتوى يدعم محور المقاومة.
وعلى الرغم من أن تليغرام يمتلكه مالك من أصل روسي، فإنه أظهر دعمه لجرائم الكيان الصهيوني في مناسبات عدة، حيث قام باتخاذ إجراءات ضد قنوات قريبة من المقاومة ومحتويات ضد الصهاينة، وقد لفتت الانتباه في الأيام الأخيرة إلى دور تليغرام المحتمل في كشف معلومات تتعلق بقادة المقاومة وأشخاص مقربين منهم، فبعد اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، ظهرت مزاعم على الإنترنت تشير إلى صفقة سرية بين الصهاينة وبافل دوروف، مالك تليغرام، عقب اعتقاله في فرنسا، حيث يُقال إن حكم الإفراج عنه تأكد بعد موافقته على إفشاء معلومات تهم الكيان الصهيوني، ورغم أن هذه الأخبار لم تُؤكد رسميا حتى الآن، فإن التمعن في الاستفادة التي يحققها الكيان من وسائل التواصل الاجتماعي يجعل من الصعب استبعاد مثل هذه الادعاءات.
من المهم أن نذكر أن جميع هذه الأفعال العلنية من ميتا، وإكس، وغيرهما من المنصات الغربية لدعم جرائم الكيان الصهيوني تُظهر أسلوبا آخر وأقل تكلفة في قمع المحتوى المناهض لسياساتهم، والذي سبق أن أشرنا إليه في صحيفة “جوان”، ويُعتبر “تبريد وتسخين المحتوى” وسيلة ذات تكلفة أقل للمنصات الغربية، حيث تمكنهم من إدارة توجيه الرأي العام بين المستخدمين بشكل أكثر سلاسة.
إنّ حذف وحظر الحسابات والمحتويات المخالفة لسياسات تلك المنصات يعتبر خيارا مكلفا على المدى الطويل، لأنه يقود المستخدمين إلى استنتاج أن “حرية التعبير” مجرد شعار فارغ لهذه المنصات، مما يعزز تركهم لتلك المنصات أو يقلل من استخدامهم لها تدريجيا، فضلا عن تعرض تلك المنصات لضغط الرأي العام.
تشفير المحتوى بديل تلجأ إليه جميع وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتجنب عواقب الحذف والتصفية الشاملة، فعندما تقوم المنصة بتصفية منشور أو حساب بشكل كامل، فإنها في الواقع ترسل رسالة سلبية إلى كل من مستخدميها، من جهة، يشعر منشئ المحتوى بالإحباط من نشر منشوراته أو من الاستمرار في استخدام الخدمة المضيفة، ومن جهة أخرى، يصبح المستخدمون الآخرون تدريجيا أكثر وعيا بانحياز المنصة وافتقارها إلى الحيادية.
تقليل الوصول إلى المنشورات
وتابعت الصحيفة: لمواجهة هذا التحدي، تتبع وسائل التواصل الاجتماعي أحيانا نهج التصفية غير الرسمية؛ حتى لا يتلقى أي طرف من المجتمع المستخدم رسائل سلبية، وفي هذه الطريقة من الحجب، تجعل المنصات الأمر صعبا على المراقبين المستقلين والصحفيين والخبراء لإثبات حدوث الحجب، حيث لا يُحذف الحساب أو المنشور؛ بل تُتخذ إجراءات تقلل من الوصول إليه، فيما يُعرف بتبريد المنشور أو الحساب ليحصل على مشاهدات أقل.
بعيدا عن بعض القواعد المتعلقة بالسيو أو الأهداف التجارية، تؤثر قواعد إنستغرام السياسية والثقافية بشكل كبير على تبريد أو تسخين المحتوى، عندما يتم تجاهل هذه القواعد أو الخوارزميات، يظهر المحتوى لعدد أقل من المستخدمين على الشبكة، والعكس صحيح، فكلما توافق المحتوى مع لوائح إنستغرام، ساعدت المنصة في زيادة انتشاره ورؤيته بشكل أكبر.
وأضافت الصحيفة: ولذلك لا يمكن إنكار حقيقة واحدة، إذا أراد شخص ما، أن يمارس نشاطه على إنستغرام أو على أي منصة غربية مثل إكس مع الالتزام بمبدأ التأثير ولكن دون التأثر، فلا بد له من الالتزام بقواعد هذه الخدمات، التي تحتوي على لوائح فعالة تمنع نشر المحتوى الإسلامي والمحتوى المرتبط بالمقاومة، خلاف ذلك، لن تساعده المنصة في انتشار المحتوى الذي ينتجه، بل من المحتمل أنه حتى لو لم يتم حذفه، ستؤدي خوارزميات تبريد المحتوى إلى ظروف تجعل عددا أقل من الأشخاص يشاهدون هذا المحتوى بتنوع فكري محدود.
الأمريكيون، الذين لديهم تاريخ طويل في اتخاذ إجراءات مماثلة، عندما شعروا بالتهديد من نشاطات مشابهة على منصات غير أمريكية، وأحسوا فقط أن تطبيق تيك توك قد يمنح المعلومات الأمريكية للصين بسبب قوانين الحكومة الصينية، استدعى المدير التنفيذي له إلى الكونغرس وتم استجوابه.
أحد محاور الأسئلة من ممثلي أمريكا كان موضوع تسخين وتبريد المحتوى وادعاء سعي هذه المنصة لتوجيه آراء المستخدمين الأمريكيين على تيك توك، لذلك، من الواضح أنه لا يمكن تجاهل المنصات في تشكيل آراء مستخدميها بشأن مسائل مختلفة، وهناك حجج دقيقة لتطبيق مثل هذه الإجراءات.
المنصات الاجتماعية هي نتاج استثمارات ضخمة لتطوير خدمة لها أهداف سياسية وتجارية خلف الكواليس، ومن ثم، من الواضح أنها تحاول أيضا لعب دور في إدارة التدفق الكلي للمحتوى.
يكفي أن نتخيل متجرا كبيرا يقدم مجموعة متنوعة من السلع، فمن المؤكد أن مدير ذلك المتجر سيحاول وضع السلع التي يرغب في بيعها بسرعة أكبر في مكان يمكن للزبائن رؤيتها بشكل أسرع، وفي المتاجر الإلكترونية أيضا، تسير الأمور على المنوال نفسه، حيث يسعى المديرون لتصميم صفحات متاجرهم بحيث يبيعون السلع المعنية بشكل أسرع.
كما يكتب الصحفي المعلومات الأكثر أهمية في تقريره أولا قبل النقاط غير الضرورية، ويسعى أصحاب السوبر ماركت لوضع المواد الغذائية الأكثر جاذبية في أماكن يراها الزبائن أولا، ويعرض الجزارون اللحوم الطازجة أمام واجهة المتجر، ويملأ بائعو الفاكهة واجهاتهم بالفاكهة الطازجة والناضجة، تسعى الحكومات إلى إبراز إنجازاتها الإيجابية من خلال وسائل الإعلام في متناول نظر الجمهور، وهناك مئات الأمثلة الأخرى على أن كل مجموعة تحاول تقديم صورتها العامة بما يتماشى مع السياسات السياسية والاقتصادية العامة التي تتبناها.
لا يمكن إنكار أن “explore” أو “time line” أو “الواجهة الرئيسية” أو أي شيء آخر يتم إنشاؤه في الشبكات الاجتماعية لتسخين المحتويات الموجودة على المنصة ليس بعيدا عن السياسات الثقافية والاقتصادية والسياسية لمديري المنصات، المحتويات التي تتماشى مع سياسات هذه المنصات لديها فرصة أكبر للرؤية في هذه الخدمات.
يجب الاعتراف بأن الولايات المتحدة، بوصفها الدولة التي تمتلك أكبر عدد من المنصات الاجتماعية الأكثر استخداما في العالم، قد استفادت إلى أقصى حد، من هذه الإمكانية لتحقيق السياسات الكبرى لدولتها، وذلك بدعم من المديرين التنفيذيين للمنصات الرقمية، خاصةً وسائل التواصل الاجتماعي، وقد سعى مديري المنصات الأمريكية، مثل نظرائهم في صناعة البنوك والاقتصاد خلال السنوات الماضية، إلى الحد من أصوات معارضيهم بقدر استطاعتهم.
بعد الحرب العالمية الثانية، وحقبة الحرب الباردة، وبداية القرن الحادي والعشرين، كانت تلك فترة قامت فيها الولايات المتحدة وشركاتها التابعة والنظام المصرفي بتطبيق سياسات أمريكية قاسية على كل من يعارض السياسات المفروضة والمعلنة، سواء كانت دولة أو فردا، وذلك بهدف شل حياتهم، هذه الظاهرة، التي تبدو كأنها معدية، توسعت أيضا إلى الفضاء الإلكتروني بعد انتشار الخدمات المستندة إلى الويب من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وشهدنا على مدى السنوات الماضية، العديد من الإجراءات غير المبدئية من قبلهم تجاه الدول والمحتويات التي تتعارض مع السياسات الغربية والأمريكية، من بينها تصفية المحتوى المناهض للصهيونية على المنصات الغربية.
أدت الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في استخدام العقوبات بشكل مرضيّ ومتحيز، في مواجهة الدول المستقلة، إلى ظهور تحالفات مثل “بريكس” التي وفرت روابط وقدرات اقتصادية جذابة جدا للدول المستقلة، يبدو أن الوقت قد حان لكي يحدث مسار مشابه في ما يتعلق بالخدمات الأساسية على الإنترنت، حيث يجب على الدول ذات السيادة والشعوب الحرة في العالم، وكذلك الدول ذات الروابط الثقافية والدينية القوية، تشكيل منصات مشتركة، وتوفيرها للاستخدام الدولي لشعوبها، لكسر احتكار وقوة التصفية الأحادية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
الواقع هو أنه لا يمكن أن يؤدي استخدام خدمة تحت سيطرة تيار معادٍ للإسلام والثقافة الإيرانية وغيرها من الثقافات غير المندمجة في الثقافة الليبرالية الرأسمالية إلى انتصار محور المقاومة ضد الفكر الغربي والصهيوني، كما أن وجود أولئك الذين لا يتأثرون ويؤثرون في هذه الساحة يعود أيضا إلى عدم انتشار البنى التحتية المشابهة المصممة في محور المقاومة أو في دول الكومنولث بين شعوب مختلفة.
محور المقاومة، كما أنه نظر إلى الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي على مدار أكثر من ثلاثة عقود بعد الحرب الإيرانية العراقية وهجوم نظام البعث العراقي على إيران، حيث تم تجهيز العديد من الدول الحرة لمواجهة مطامع النظام الأمريكي والإسرائيلي، فإنه يحتاج اليوم أيضا إلى تطوير بنى تحتية دون الاعتماد على الغرب أو الشرق، بحيث يتم إقناع الرأي العام في دول مختلفة لاستخدامها وكسر احتكار المنصات التي تعارض فكر المقاومة.
بالطبع يجب أن نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار حتى لو لم نقبلها وهي أن منصات مثل إنستغرام أو إكس تقدم دعما ماليا مباشرا للصهاينة، وتشجعهم على قتل المدنيين في لبنان وغزة، وحتى لو استطاعوا، في إيران، يجب الاعتراف بأن زيادة وجود واستخدام مستخدمي دول محور المقاومة في هذه المنصات، بالنظر إلى كونها موجهة نحو المستخدمين، تؤدي إلى زيادة إيراداتها وزيادة الضرائب المدفوعة للحكومة الأمريكية وتعزيز قدرتها على دعم الصهاينة، لذلك، من أي زاوية ننظر إليها، فإن تعزيز المنصات الحالية في محور المقاومة وتطوير خدمات تطبيقية مع دول الكومنولث بتشكيل مجلس إدارة متوازن من الدول المديرة، دون وجود حقوق تمييزية مثل حق النقض، يبدو أنه أمر لا مفر منه.