في خطوة غير مسبوقة، شهد البرلمان الإيراني يوم الأربعاء 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024، استقالة النائب عبد الكريم حسين زاده، من تمثيل منطقة اشنويه ونقده، ليصبح أول نائب رئيس جمهورية من أهل السنة والكرد، وتأتي هذه الاستقالة بعد رفضها سابقا من قبل نواب البرلمان الإيراني، يتناول هذا التقرير تفاصيل الاستقالة، ردود الفعل من النواب، وتبعاتها المحتملة على الوضع السياسي في إيران.
كتب الموقع الإيراني “خبر أونلاين” في صباح يوم الأربعاء 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024، افتتح مجلس النواب الثاني عشر جلسته برئاسة محمد باقر قاليباف، حيث تم النظر في طلب الاستقالة المقدم مجددا من عبد الكريم حسين زاده، النائب عن أشنويه ونقده، من أجل الانضمام إلى حكومة بزشكيان، ووافق النواب هذه المرة على الطلب.
يأتي هذا بعدما كان النواب قد رفضوا في الأسابيع الماضية استقالة عبد الكريم حسين زاده وعارضوا انضمامه لحكومة بزشكيان كنائب الرئيس لشؤون التنمية الريفية والمناطق المحرومة، إلا أن المجلس تراجع عن موقفه في النهاية بعد إصرار الحكومة، ليصبح حسين زاده أول نائب رئيس جمهورية من أهل السنة والكرد.
لماذا قبل حسين زاده عرض بزشكيان دون تردد؟
وفقا للمادة 92 من النظام الداخلي للبرلمان، وبعد قراءة طلب الاستقالة من قبل هيئة رئاسة المجلس، يقوم النائب طالب الاستقالة بالدفاع عن سبب استقالته، وفي هذا السياق، تحدث عبد الكريم حسين زاده من منصة المجلس، مخاطبا النواب بقوله: “يقول البعض إن حسين زاده لديه وظيفتان، لكن أشهد الله أنني لم أذهب إلى ذلك المبنى ولو لمرة واحدة ولم أحضر أي اجتماع، حتى إنهم عينوا فريقا لحراستي لكنني رفضت وقلت إنه ليس لديهم الحق في الاقتراب مني ما دمت لم أغادر المجلس بعد”.
وأشار حسين زاده إلى سبب قبوله طلب بزشكيان قائلا: “قبلت عرض الرئيس لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية لشؤون التنمية الريفية والمناطق المحرومة في البلاد دون أي تردد، لأنني لدي دافع كبير لخدمة المحرومين”.
وتابع: “أيها النواب، أنا واحد منكم وأعلم أنه لا أحد لديه معرفة بالمشكلات التي تواجه البلاد بقدركم، وأنا على يقين أنه إذا سئل أحدكم عن مشكلة معينة في منطقة أو قرية في يوم معين لأجاب،كونوا على ثقة بأنني سأضع سياسات لمواجهة الفقر والأزمات والفساد في البلاد بالتشاور معكم أنتم النواب”.
كما أشار إلى الانتقادات التي وجهها النواب بشأن صدور قرار بزشكيان قبل النظر في طلب استقالته، قائلا: “كان من بين الأمور التي تذمر منها الأصدقاء النواب، وبحق، توقيت صدور القرار الخاص بي وطريقة إبلاغه، فقد انتقدوا الطريقة التي تم بها ذلك، والحقيقة أنني والرئيس لم نكن نرغب قط في أن يتم نشر القرار الموقع من قبل الرئيس قبل استقالتي من مجلس النواب وقبل موافقة المجلس على استقالتي، لكن هذا ما حدث”.
وأضاف: “أشهد الله أن قرار الرئيس كان قرارا مكتوبا لي وليس أمرا مفروضا، وتم نشره في وسائل الإعلام”.
المتشددون يصطفون لمعارضة استقالة عبد الكريم حسين زاده
بعد تصريحات عبد الكريم حسين زاده، تم فتح ميكروفونات النواب للتعبير عن أسباب معارضتهم استقالته، وكان أغلب المعارضين من التيار المتشدد ومن أتباع سعيد جليلي في المجلس، وكان قاسم روانبخش، النائب عن قُم أول من تحدث معارضا استقالة عبد الكريم حسين زاده.
أشار قاسم روانبخش إلى إصرار الحكومة على موقفها، قائلا: “أجد الأمر مثيرا للدهشة والتساؤل، فعندما طُرحت استقالة السيد حسين زاده في المجلس مرة ورفضها المجلس، لماذا تصر الحكومة على هذا الأمر؟ أعتقد أن هذا يعد إهانة للبرلمان، إذ يبدو أن الحكومة تعتبر النواب صوتوا دون تفكير أو تأنٍّ، وأنهم يريدون مرة أخرى التصويت على الاستقالة بحكمة وتدبير”.
وتابع قائلا: “إذا افترضنا أن البرلمان سيوافق على الاستقالة مجددا، قد تثار شكوك في الخارج حول سبب تراجع البرلمان عن قراره السابق، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار توصية المرشد الأعلى التي تنصح بعدم اختيار وزراء أو نواب لرئيس الجمهورية من مجلس النواب، لأن النواب تعهدوا أمام الشعب بالبقاء لمدة 4 سنوات، فعندما نوافق على استقالة السيد حسين زاده، سيحرم أهالي دائرته الانتخابية من وجود نائب لمدة معينة”.
أما أمير حسين ثابتي، اليد اليمنى لسعيد جليلي (المرشح السابق للرئاسة) في البرلمان، فقد كان من المعارضين الآخرين للاستقالة، حيث قال هذا النائب عن طهران: “ليست لدينا مشكلة شخصية مع السيد حسين زاده، ولو كان مكانه شخص آخر لكنت اعترضت أيضا، لأننا في المجلس قبل 3 أسابيع رفضنا استقالته لأي سبب كان، والآن يُطرح الطلب نفسه دون أي تغيير في الظروف؛ أليس هذا عنادا مع البرلمان؟ أتذكر في إحدى الحكومات عندما كان يتم استجواب وزراء الحكومة، كان الرئيس يعينهم مستشارين، وكان يُقال إن الحكومة تعاند البرلمان”.
وأضاف: “المسألة الأخرى هي أننا جميعا حصلنا على أصوات من الشعب وعاهدناهم بالبقاء في المجلس لمدة 4 سنوات؛ فإذا استقلنا من المجلس اليوم بحجة الحصول على منصب آخر، فسيقول الشعب إن المجلس ليس على رأس الأمور وإن النواب يستخدمونه كوسيلة للوصول إلى مناصب أخرى، إضافة إلى ذلك، ووفقا للقانون، فإن مهمة تطوير المناطق الريفية تقع على عاتق وزارة الجهاد الزراعي، فلماذا نقوم بعمل يخالف النظام والقانون وكل شيء؟ المسألة الأخرى هي توصية المرشد بعدم مغادرة النواب من البرلمان؛ كيف يوضح المرشد لنا ألا نترك البرلمان فارغا؟ ما ذنب أهالي نقدة وشنويه حتى يُحرموا من وجود ممثل لهم لعدة أشهر؟ وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “خبر أونلاين“.
لماذا لم يتم قبول الاستقالة في المرة الأولى؟
وفي هذا الصدد كتب الموقع الإيراني “خبرأونلاين” قبل نحو شهر، عندما كان مسعود بزشكيان يحضر الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، رفض مجلس النواب الثاني عشر استقالة حسين زاده، وكان السبب الرئيسي على ما يبدو هو أن جزءا كبيرا من المجلس لم يكن مستعدا بعد لقبول دخول شخص من أهل السنة إلى الحكومة على مستوى نائب رئيس الجمهورية، ولم يستطع تقبل هذا التغيير، وإضافة إلى ذلك، بدا أن التيار القريب من قاليباف لم يصل بعد إلى تنسيق كافٍ واتخاذ قرار موحد بشأن هذه القضية، ولم يتم الحصول على الأصوات اللازمة لقبول الاستقالة.
أما المسألة المهمة الأخرى، فكانت الحساسية الكبيرة لمجلس النواب الثاني عشر، والذي بدا متأثرا من تغطية هذا التعيين في وسائل الإعلام، شعر بعض النواب بالاستياء من أن خبر تعيين حسين زاده قد نُشر في الإعلام أولا، ثم تم النظر في طلب الاستقالة في المجلس، وقد أشار عليرضا سليمي وأمير حسين ثابتي إلى هذا الموضوع بوضوح في تصريحات لهم في ذلك الوقت.
يبدو أن إعادة طرح هذا الموضوع أخذت في الاعتبار هذه الحساسية لدى مجلس النواب الثاني عشر، إضافة إلى ذلك، كان لأدب حسين زاده وأسلوب حديثه، وإشارته إلى أنه لم يكن من المقرر نشر خبر تعيينه قبل مناقشة الاستقالة، تأثير في تغيير هذه الأجواء.
من هو عبد الكريم حسين زاده؟
ولد عبد الكريم حسين زاده عام 1980 في مدينة نقده، يحمل درجة الماجستير في تخصص التخطيط الحضري من جامعة علم وصنعت طهران، هو ممثل منطقة نقده وأشنويه في البرلمان الإيراني للدورة الثانية عشرة، وقد كان عضوا في لجنة الإعمار خلال دورات البرلمان التاسعة والعاشرة والثانية عشرة.
يقال إن حسين زاده أحد أقارب جلال جلالي زاده، المعروف بأنه أشهر سياسي من أهل السنة في إيران، وعضو سابق في مجلس سنندج، كما عمل حسين زاده مستشارا لمؤسسة الإسكان في محافظة كردستان.
لقد لعب حسين زاده دائما دورا نشطا في الدفاع عن حقوق السجناء، في عام 2014، طالب مع عدد من النواب مثل “علي مطهري” و”جواد هروي” و”مسعود بزشكيان” و”محمدرضا تابش” و”عليرضا محجوب” و”إيرج عبدي” في رسالة خطية إلى وزير العدل بالتعامل مع موضوع ضرب السجناء في جناح 350 من سجن إيفين.
كما كان ضمن فريق من عشرة نواب من البرلمان العاشر الذين قاموا بزيارة سجن إيفين في عام 2017 للبحث في وضع السجناء بعد الاحتجاجات في العام نفسه، وبالطبع قضية “انتحار سينا قنبري” من بين المعتقلين خلال تلك الاحتجاجات في السجن.
علاوة على ذلك، كان له دور نشط في البرلمان العاشر في توضيح ومتابعة القضايا المتعلقة بحقوق المواطنين، ولكن عمله الأساسي كان متعلقا بالمنطقة التي يمثلها، يأتي حسين زاده من منطقة يعيش فيها قومان كرد وترك معا، وقد اتهمه خصومه السياسيون بالانتماء إلى القومية، لكنه عكس ذلك، يؤكد وحدة البلاد وأهمية حماية السلامة الإقليمية لإيران، حيث يعتبر أن إيران وطن لكل من الكرد واللر والبلوش والعرب والفرس والترك وكل القوميات الأخرى التي تعيش داخل حدود إيران، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “خبر أونلاين“.