كتب: ربيع السعدني
وصل معدل التضخم السنوي للإيجارات في طهران إلى 41% في فبراير/شباط 2025، وهو أعلى معدل له منذ 13 عاما، وجاء ذلك على الرغم من تباطؤ معدل نمو التضخم العام وتضخم شراء المساكن هذا العام، وقد أجبرت تكاليف الإيجار المرتفعة بعض المستأجرين على الانتقال إلى أحياء غير مرغوب فيها، والهجرة إلى ضواحي المدن، وفي بعض الحالات، العيش مع عائلات متعددة في منزل واحد، وفي هذه الحالة يطرح السؤال: في أي اتجاه سيتجه سوق الإيجار في السنوات المقبلة؟ هل ينبغي للمستأجرين أن يأملوا تحسن الأوضاع على المديين المتوسط والطويل، أم أن تكلفة توفير المأوى ستجعل المستأجرين أكثر فقرا يوما بعد يوم؟
6 ملايين أسرة تعاني
اضطر أكثر من 6 ملايين أسرة مستأجرة في البلاد، بحسب صحيفة “دنياي اقتصاد”، إلى إضافة تكاليف معيشية أخرى هذا العام تحت ضغط تكاليف الإيجار، وكان الخلل في العرض والطلب على المساكن المستأجرة هو السبب في أن التضخم في الإيجارات كان أسرع من التضخم العام وتضخم الإسكان، وفي ظل هذا الوضع، ونظرا إلى عدم وجود خطة محددة من جانب صناع السياسات لحل تحدي توفير السكن بأسعار معقولة للفئات ذات الدخل المنخفض والمتوسط؛ سيكون من الصعب على المستأجرين تجاوز الوضع الحالي.
كما أصدر مركز الإحصاء تقرير التضخم في أسعار السكن لشهر فبراير/شباط 2025. وبحسب هذا التقرير، كان التضخم الشهري في الإيجارات أقل من مؤشر التضخم الإجمالي في البعد الشهري، على الرغم من أن التضخم من نقطة إلى نقطة والتضخم السنوي في قطاع الإسكان كانا أعلى من مؤشر التضخم الإجمالي. وتشير هذه البيانات إلى أن التضخم في قطاع الإسكان لا يزال يدفع التضخم العام، كما أن ارتفاع تكاليف الإيجار فرض على نسبة كبيرة من السكان (المستأجرين) تحديات في تلبية نفقات المعيشة الأخرى، في حين ارتفع مؤشر التضخم الإجمالي (التضخم العام) لشهر فبراير/شباط 2025 بنسبة 35.3% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، سجل معدل التضخم في قطاع الإسكان ارتفاعا بنسبة 37.6%، كما ارتفع مؤشر التضخم الإجمالي بنسبة 32% في البعد السنوي في (فبراير/شباط)، وبلغ معدل التضخم السنوي للإسكان 40.8%.
تضخم قياسي في سوق الإيجارات
وتشير دراسة للاتجاه الطويل الأجل لتضخم الإيجارات إلى أن تضخم الإيجارات الشهرية ينخفض تقليديا في آخر شهرين من العام، وفي الواقع فإن هذا الانخفاض في تضخم الإيجارات اتجاه موسمي، ويفضل معظم المستأجرين الانتقال قبل الأسابيع الأخيرة من العام، وهو ما يخفض معدل نمو التضخم في هذا القطاع من خلال خفض الطلب في سوق الإيجار.
تشير الاستطلاعات إلى تسجيل تضخم قياسي في سوق الإيجارات لشهر فبراير/شباط 2025؛ وصل معدل التضخم السنوي في إيجارات السكن المنتهي في فبراير/شباط من 2025 إلى 40.8%، بحسب مؤشر مركز الإحصاء، وهو أعلى معدل نمو سنوي في معدل الإيجارات منذ عام
حالة ركود بسوق المساكن
في حين توقف البنك المركزي عن نشر التقارير الخاصة بتطورات سوق الإسكان، فإن السوق لا تزال تتجه نحو ارتفاع الأسعار، يعتقد المستشارون العقاريون أن السبب الرئيسي لهذا الركود هو الافتقار إلى العملاء الحقيقيين والافتقار إلى الطلب الجاد على السكن، وبحسب المستشارين لا يوجد تقريبا أي مشترين للوحدات السكنية في السوق في الوقت الراهن، خاصة في المناطق الشمالية من طهران حتى لو انخفضت الأسعار، لا يزال المشترون مترددين في الشراء، إن الركود في السوق كبير لدرجة أن معظم ملفات المبيعات تظل دون إجراء أي معاملات، ونتيجة للركود التضخمي وعدم قدرة المتقدمين على شراء المساكن بسبب الارتفاع الحاد في الأسعار، لا تزال إعلانات مبيعات المساكن تشير إلى أسعار فلكية.
أسعار جنونية للمتر المربع
على سبيل المثال، يبلغ سعر وحدة سكنية بمساحة 90 مترا تضم غرفتي نوم في المنطقة الشمالية من طهران، والتي تم بناؤها منذ 8 سنوات، 125 مليار ريال أي نحو 1.390 مليار ريال للمتر المربع الواحد، وتستمر هذه الأسعار في الارتفاع، حتى وصل سعر المتر المربع في بعض مناطق طهران إلى أكثر من 2 مليار ريال، بينما شقة جديدة بمساحة 138 مترا مربعا في منطقة ميرداماد، تضم مصعدا وموقف سيارات ومخزنا، معروضة للبيع بنحو 240 مليار ريال (نحو 1.740 مليار ريال للمتر المربع الواحد)، كما أن الأسعار في مناطق أخرى مثل نارماك وفاطمي لا تزال متقلبة، وتتراوح بين 110 مليارات ريال للوحدات الأصغر و268 مليار ريال للوحدات الأكبر.
ويقول أحد وكلاء العقارات في جنوب طهران: “ارتفعت الأسعار بشكل كبير ولم يعد أحد يستطيع شراء أي شيء بعد الآن، حتى لو كانت هناك وحدة مبنية حديثا متاحة في السوق بسعر مرتفع للغاية، فلن يكون هناك مشترٍ حقيقي متاح، وتتم معظم المعاملات في سوق الإيجار، وأصبح بيع المساكن عمليا مشكلة، وبحسب وكالة تسنيم، فإنه في ظل غياب الطلب الجاد وارتفاع الأسعار، فضلا عن التقلبات الشديدة في أسواق الصرف الأجنبي والذهب، يبدو أن سوق الإسكان لن يشهد تغييرات كبيرة على المدى القصير، ويتوقع الخبراء أن يستمر الركود في هذا السوق حتى يتحسن الوضع الاقتصادي للبلاد وترتفع القدرة الشرائية للمواطنين، وبحسب مستشاري العقارات فإن الحل الوحيد للخروج من هذا الركود هو زيادة إنتاج الإسكان وتوفير السكن لفئات الدخل المنخفض”.
48 % تحت خط الفقر
وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العمل، ارتفع عدد الأسر المستأجرة التي تعيش تحت خط الفقر بنسبة 48% بين عامي 2016 و2022، يعيش أكثر من مليون أسرة مستأجرة في المناطق الحضرية على دخل أقل من خط الفقر. علاوة على ذلك، وصلت حصة تكاليف السكن في ميزانية الأسرة الإيرانية إلى أكثر من 50% وهي نسبة مرتفعة للغاية مقارنة بالمعايير العالمية، والتي تتراوح عادة بين 30 و35%، في حين استطاعت العديد من البلدان المتقدمة السيطرة على سوق الإيجار من خلال سياسات داعمة مختلفة، إلا أن بلادنا تعاني من مشاكل عديدة في هذا المجال.
وتشير الدراسات إلى أنه في ضوء القفزات السابقة في أسعار المساكن، والاتجاه العام للتضخم، وعدم نمو الرواتب والأجور بما يتماشى مع مستوى التضخم على مدى سنوات متتالية، وعدم وجود تسهيلات لشراء المساكن بما يتماشى مع الأسعار الحالية، والحالة غير المنظمة لبرامج الدعم، فمن غير المرجح أن يتحقق تحسن كبير في القدرة الشرائية للمساكن بين غالبية المجتمع في العام المقبل.
مشاكل في سوق الإيجارات
ويظهر فحص سوق تأجير المساكن أن هذا القطاع يعاني من أربع مشاكل أساسية:
- لا توجد سياسات فعالة للرقابة على سوق تأجير المساكن، غالبًا ما تكون زيادات الإيجار تعسفية ودون رقابة مناسبة، مما يضع المستأجرين تحت الضغط، وقد أدى هذا الارتفاع في الأسعار، خاصة خلال فترة الركود الاقتصادي، إلى تعرض المستأجرين لصعوبات مالية وعدم القدرة على تغطية النفقات.
- هناك نقص في عقود الإيجار طويلة الأمد في البلاد، حيث يتم توقيع عقود إيجار السكن لمدة عام واحد، مما يؤدي إضافة إلى خلق عدم الاستقرار، إلى تقليل الأمن النفسي للمستأجرين، علاوة على ذلك، ومع ارتفاع الأسعار باستمرار، فإن إمكانية تجديد العقود بأسعار معقولة للمستأجرين ضئيلة للغاية، خاصة في المدن الكبرى.
- نقص المعروض من المساكن الإيجارية في الواقع، العرض والطلب في هذا القطاع متباعدان للغاية، وتركز سياسات إنتاج الإسكان بشكل أساسي على شراء وبيع المساكن، بينما تحظى تنمية الوحدات الإيجارية بقدر أقل من الاهتمام، ويؤدي هذا إلى زيادة المنافسة على وحدات الإيجار المحدودة، مما يضع بدوره كثيرا من الضغوط على المستأجرين.
- العقبة الأخيرة أمام تحسين وضع المستأجرين هي عدم القدرة على الحصول على القروض المدعومة المناسبة، في حين أن العديد من البلدان الأخرى تقدم تسهيلات عديدة للمستأجرين، مثل القروض ذات الفائدة المنخفضة أو إعانات الإيجار، إلا أن الدعم المالي للمستأجرين في بلدنا محدود. ويؤدي هذا، إضافة إلى الافتقار إلى سياسات الدعم الفعالة، إلى مواجهة العديد من الأسر لمشاكل اقتصادية خطيرة، بسبب عدم قدرتها على تحمُّل تكاليف السكن.
حلول لدعم المستأجرين
إن إلقاء نظرة على تجارب البلدان الأخرى، خاصةً ما يسمى بالبلدان المتقدمة، يظهر أن الحكومات نفذت سياسات متنوعة وفعالة للسيطرة على سوق الإيجار وحماية المستأجرين، على سبيل المثال، في بلدان أوروبية مثل ألمانيا والسويد، تعمل الحكومة على منع النمو الجامح في الأسعار من خلال فرض حدود قصوى للإيجارات، ويضمن هذا الإجراء، الذي يتم تحديده عادة على أساس معدلات التضخم أو المؤشرات الاقتصادية، السيطرة على زيادات الإيجار وحماية المستأجرين من الزيادات المفاجئة في التكاليف، ولذلك تستطيع الحكومة على المدى القصير، بحسب وكالة تسنيم للأنباء، تخفيف بعض الضغوط السنوية على المستأجرين، من خلال التحكم في الإيجارات بما يتماشى مع معدل التضخم وزيادة القروض منخفضة الفائدة للمستأجرين، يمكن أن تساعد هذه الإجراءات المستأجرين على البقاء في منازلهم فترة أطول دون القلق بشأن ارتفاع الإيجارات.