كتب: حسن قاسم
انطلق مسار أستانا عام 2017، ليشكل منصة هامة في الجهود الدولية لحل الأزمة السورية، حيث جمع أطراف الصراع الرئيسية الحكومة السورية والمعارضة المسلحة، تحت مظلة حوار ترعاه كل من روسيا، وتركيا، وإيران.
حقق المسار تقدماً في بعض الملفات، مثل التهدئة العسكرية وإنشاء مناطق خفض التصعيد، إلا أن التحديات السياسية والتعقيدات الميدانية على الأرض ما زالت قيد الخلاف.
ومع سقوط بشار الأسد وانتصار المعارضة المسلحة وانسحاب القوات الإيرانية من سوريا، بقي مصير مسار أستانا غير معلوم.
وفي سياق متصل، صرح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خلال الاجتماع المغلق بالبرلمان الإيراني الذي عقد يوم الاثنين 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، للنظر في آخر التطورات السورية، بأن مصير أستانا مرهون بالتطورات في سوريا، والقرار الذي ستتخذه الدول الثلاث؛ إيران وروسيا وتركيا.
وأوضح عراقجي أن هذا الاجتماع كان يختص ببحث الأزمة في سوريا، ولم تكن الدول العربية الأخرى موضوع أستانا من الأساس، مشيراً إلى عدم مشاركة الحكومة السورية في الاجتماع الأخير من أستانا.
لماذا فشل مسار أستانا؟
أكد عراقجي فيما يتعلق بأسباب فشل مسار أستانا، أن إيران وروسيا وتركيا قد اتفقوا على وقف الهجمات، وضمنوا السلام والهدوء، وأن هذا المسار قد نجح خلال السنوات العشر الماضية ونجح كذلك في تهدئة الأوضاع في سوريا.
وأشار إلى أن الهجمات الأخيرة من قِبَل المعارضة السورية “جبهة تحرير الشام والفصائل المعارضة” كانت مخالفة لمسار أستانا.
وقال إن أحد أهداف أستانا كان يتضمن مساعدة الدول الثلاث للحكومة السورية والمعارضة من أجل تشكيل حوار، ولكنهم تحركوا ببطء في هذا المسار، ولم تكن الأمور على ما يرام، فضلاً عن مرونة حكومة الأسد.
مسار أستانا
بدأت محادثات أستانا في ديسمبر/كانون الأول 2016 بمبادرة من إيران وروسيا وتركيا من أجل حل الصراع السوري وإنهاء الأزمة.
يُعتبر وقفُ إطلاق النار الشامل، الذي تم إقراره اعتباراً من 30 ديسمبر/كانون الأول 2016 باتفاق بين الحكومة السورية ومجموعة من جماعات المعارضة المسلحة في سوريا، كان مقدمة لبدء محادثات أستانا.
وبدأت المفاوضات يوم 23 يناير/كانون الثاني 2017 بمبادرة من روسيا وتركيا وإيران (ضمن الدول الضامنة)، وبمشاركة وفود من الحكومة السورية والمعارضة السورية، إضافة إلى مراقبين من الأمم المتحدة.
تشاور من خلالها ممثلو الحكومة السورية مباشرة مع ممثلي جماعات المعارضة المسلحة لأول مرة خلال يناير/كانون الثاني 2017، بعد 6 سنوات من بداية الأزمة في سوريا، في عاصمة جمهورية كازاخستان.
وانطلقت مفاوضات أستانا بعد فشل اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا والمعارضة السورية في ديسمبر/كانون الأول 2016، والمستند على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي ركّز على صياغة دستور جديد لسوريا وإجراء انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة بهدف إنهاء الصراع السوري.
جولات أستانا وأبرز قراراتها
تم عقد 22 جولة من مسار أستانا للوصول إلى حلول تتعلق بالأزمة في سوريا، منذ انطلاقها في عام 2017، وكانت أبرز نتاج الجولات ما يلي:
انطلقت الجولة الأولى في يناير/كانون الثاني 2017، وتضمنت مباحثات آلت إلى توقيع وقف إطلاق النار بين دمشق وأنقرة.
في حين عقدت الجولة الثانية في فبراير/شباط 2017، وانتهت بتشكيل لجان لمراقبة وقف إطلاق النار.
وفي مارس/آذار 2017، تم عقد الجولة الثالثة من أستانا ولم يحضر وفد قوات المعارضة السورية الاجتماع.
بينما تشكلت الجولة الرابعة من مفاوضات أستانا في مايو/أيار 2017، وانتهت بتوقيع مذكرة خاصة بإنشاء مناطق لوقف التصعيد في سوريا.
أما الجولة الخامسة فكانت في يوليو/تموز 2017، وبحثت آليات لمراقبة مناطق خفض التوتر ونشر قوات فيها.
وخلصت نتائج الجولة السادسة التي عقدت في سبتمبر/أيلول 2017، إلى الاتفاق على إنشاء منطقة خفض التوتر في إدلب شمالاً.
بينما اختتمت الجولة السابعة دون نتائج لعدم الوصول إلى حل فيما يتعلق بملف المعتقلين السوريين.
وعقدت الجولة الثامنة في ديسمبر/كانون الأول 2017، وجرى خلالها تشكيل مجموعتي لتبادل الأسرى والمفقودين والجثث وإزالة الألغام.
وفي العام التالي استمرت فعاليات أستانا، وخلصت الجولة التاسعة إلى إقامة أربع مناطق في سوريا عرفت بمناطق خفض التوتر.
وفي أغسطس/آب 2018، عقدت الجولة العاشرة في مدينة سوتشي الروسية، وقد ركزت بشكل رئيسي على تشكيل اللجنة الدستورية السورية لصياغة دستور البلاد بعد الحرب، كما اتفقت الأطراف المجتمعة على عقد الجولة الحادية عشرة من محادثات السلام في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 دون أن تحدد مكان المحادثات.
وخلصت نتائج الجولة الحادية عشرة من محادثات السلام في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إلى التأكيد على اتفاق مناطق خفض التصعيد.
وعقدت فعاليات الجولة الثانية عشرة في 2019، واختتمت دون الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية، كما أكدوا ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات في إدلب، والعمل على الحد من سيطرة هيئة تحرير الشام.
واستمرار الخلاف حول اللجنة الدستورية في الجولة الثالثة عشرة دون الوصول إلى حل.
وانتهت محادثات أستانا في جولتها الرابعة عشرة دون أي تقدم يذكر فيما يتعلق بالملف السوري، مع بقاء المسائل العالقة ذاتها وترحيلها لجولة جديدة في عام 2020.
ويجدر القول إن الاجتماعات قد توقفت بعد الجولة الرابعة عشرة في عام 2019 بسبب جائحة كورونا، فيما عقدت الجولة الحادية والعشرون في يناير/كانون الثاني 2024، وشددت خلالها الدول على ضرورة وقف الحرب على غزة وعلى أهمية منع توسيع منطقة المواجهة المسلحة وجذب دول أخرى في المنطقة إليها.
واختتم مسار أستانا بانعقاد الجولة الثانية والعشرين، واتفقت الأطراف المشاركة فيها على بناء خطوات الثقة وإدانة العدوان الإسرائيلي على سوريا وتمديد اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة إدلب.
قبل مسار أستانا
كان هناك مساعٍ عدة من دول مختلفة لإحلال السلام في سوريا، وعملت على التنسيق بين الحكومة والفصائل لحل النزاعات، من بينها خطة جامعة الدول العربية (2011-2012)، وخطة أصدقاء سوريا (2012)، والمبادرة الروسية (2012)، وخطة كوفي عنان (2012)، وخطة الأمم المتحدة مؤتمر جنيف ( عام 2012 وحتى الآن)، ومحادثات فيينا (2015)، ومؤتمر الرياض (2015)، ومؤتمر لوزان (2016)، ورغم أن كلها باءت بالفشل، فإنها مهدت الطريق لوضع أساس المبادرة الجديدة أستانا في ديسمبر/كانون الأول 2016، والتي تنص على إحلال السلام في سوريا.
فشلت كل هذه المساعي في التوصل لحلول على أرض الواقع لوقف الصراع والحرب الأهلية داخل سوريا.