كتب: محمد بركات
بينما يحاول النظام الإيراني ترتيب أوراقه في المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد، أثيرت تساؤلات من قبل بعض الشخصيات السياسية حول مصير الديون السورية تجاه إيران، ديون توضح حجم العلاقات الاقتصادية الكبير الذي حاولت إيران وعلى مر 13 عاما منذ بداية الأزمة السورية في 2011 أن تدعم به النظام السوري، الدعم الذي لم يؤتِ ثماره في النهاية، ما وضع النظام في موقف صعب أمام البرلمان والشعب.
فقد كتب بهرام بارسايي، النائب البرلماني السابق عن محافظة شيراز، على حسابه بمنصة إكس، قائلا إن الديون السورية لإيران قد بلغت 30 مليار دولار، حيث ذكر أنه “حين كنت في البرلمان، بلغت ديون سوريا وبشار الأسد تجاه إيران 30 مليار دولار، ولم تتم المصادقة عليها من قبل البرلمان، مما يُعد مخالفا للمادة الثمانين من الدستور الإيراني! باحتساب سعر الدولار بـ70 ألف تومان، يصبح المبلغ معادلاً لـ2.100.000.000.000.000، أي أكثر من اثنين كوادريليون أو ألفي تريليون تومان، فما مصير هذا المبلغ الضخم؟”، وقد أرفق بارسايي تغريدته بنص المادة الثمانين من الدستور الإيراني التي تقول إنه في حال أرادت الحكومة أخذ أو إعطاء قروض أو تقديم مساعدات داخلية أو خارجية، فيجب أن يتم ذلك بعد موافقة البرلمان. جدير بالذكر أن بارسايي كان نائبا في البرلمان حتى العام 2020.
ولم يكن بارسايي وحده من تحدث في هذا الأمر، فقد نشر حشمت الله فلاحت بيشه، النائب البرلماني ورئيس لجنة الأمن القومي السابق، على حسابه معلقا على سقوط نظام بشار الأسد، حيث كتب: “فليفرح الإيرانيون، فلن يحق لأحدٍ بعد الآن إنفاق أموال الشعب للحفاظ على خيوط العنكبوت، في إشارة إلى نظام بشار الأسد”.
العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا
شهدت العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا في عهد بشار الأسد تطورا كبيرا، حيث ارتبطت هذه العلاقات بالمصالح السياسية والاستراتيجية المشتركة التي جمعت البلدين. وقد تميزت هذه العلاقة بالدعم الإيراني المتواصل لسوريا، خاصة خلال الحرب السورية التي بدأت في عام 2011، وهو ما ظهر على طبيعة وشكل التبادل التجاري بين البلدين، فوفقا لبيانات مصلحة الجمارك الإيرانية، فقد بلغت إجمالي صادرات إيران إلى سوريا في خلال الأشهر الثمانية الأخيرة من هذا العام 2024 نحو 110 ملايين دولار، وبحجم 109 آلاف طن، وفي المقابل، كانت واردات إيران من سوريا في الفترة نفسها نحو 21 مليون دولار، مع حجم 134 ألف طن، وتشير التقييمات إلى أن التبادل التجاري بين إيران وسوريا في هذه الفترة كان إيجابيا، حيث وصل إلى فائض تجاري بقيمة 89 مليون دولار لصالح إيران، وذلك وفقا لما جاء في تقرير موقع أكو إيران بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقد تمثّل الدعم الاقتصادي الإيراني لسوريا في تقديم مساعدات مالية وقروض ضخمة، إضافة إلى استثمارات إيرانية في البنية التحتية السورية. كما قدمت إيران دعما اقتصاديا مباشرا لمواجهة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، شمل هذا الدعم توريد النفط الإيراني بأسعار مخفضة، فقد أشارات بيانات شركة كبلر لمعلومات السلع إلى أن إيران قد قامت بتسليم سوريا نحو 70 إلى 80 ألف برميل من النفط يوميا خلال السنوات الماضية، حيث تقدر قيمة هذه الكميات السنوية من النفط بنحو 2 إلى 2.5 مليار دولار، أيضا وفرت إيران خطوطا ائتمانية بمليارات الدولارات لدعم الاقتصاد السوري.
كذلك، فقد ركزت إيران على تصدير السلع الأساسية، فمن خلال عدة جهات، منها مركز تنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية، قامت إيران بتصدير المنتجات النفطية، والمواد الغذائية، والأدوية إلى سوريا، ولعبت الشركات الإيرانية دورا كبيرا في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، كمؤسسة المستضعفين ومقر خاتم الأنبياء التابعَين للحرس الثوري، خصوصا في قطاعات الطاقة والإسكان. في المقابل، كانت الصادرات السورية إلى إيران محدودة نسبيا، حيث شملت بعض المنتجات الزراعية مثل الزيتون وزيت الزيتون وبعض المنتجات الصناعية ذات الطابع المحلي. أبرمت الحكومتان عدة اتفاقيات لتعزيز التعاون التجاري، منها اتفاقيات لتخفيف الرسوم الجمركية على السلع المتبادلة وتسهيل التجارة الثنائية.
وفي الإطار نفسه، وقعت إيران عددا من اتفاقيات التعاون والتبادل التجاري مع سوريا، أهمها وثائق التعاون التي وقعت في ديسمبر/كانون الأول من العام 2016 في مجال إعادة الإعمار والاستثمار الاقتصادي، كذلك مذكرة التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين إيران وسوريا لمدة 20 عاما في يناير/كانون الثاني 2019، والتي كانت المرة الأولى التي توقع فيها سوريا مثل هذه الاتفاقية الاستراتيجية طويلة الأمد مع دولة أخرى، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع مسير اقتصادي بتاريخ 4 يوليو/تموز 2020.
ورغم تلك المعدلات الضخمة وتلك الاتفاقيات طويلة الأمد، فإن الميزان التجاري بين إيران وسوريا لم يكن في أفضل حالته خلال السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من أن إيران وفي السنوات الأخيرة قد خصصت جزءا كبيرا من تركيزها على أسواق الدول المجاورة والشرق الأوسط، وبينما شهدت صادراتها إلى الدول العربية مثل العراق والإمارات العربية المتحدة نموا ملحوظا، فإن الأنشطة التجارية المشتركة في سوريا كانت محدودة إلى حد ما، فوفقا للإحصاءات، كانت العلاقات التجارية بين إيران وسوريا قبل الأزمة السورية تتجاوز نصف مليار دولار، لكن حجم التجارة بين البلدين تراجع في السنوات الأخيرة، ورغم أن الاقتصاد السوري كان أكثر حاجة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، ففي عام 2020، كانت حصة إيران من سوق سوريا نحو 3%، مما جعلها تحتل المرتبة السابعة بين الدول المصدرة إلى سوريا، وذلك حسبما جاء في دراسة قام بها مركز ودار نشر بوم سازه للأبحاث بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2024.
حجم الدين السوري لإيران
خلال الأزمة السورية تضاعف مقدار الدين السوري تجاه إيران بنسبة كبيرة، حيث تشير التقارير إلى أن الدين الإجمالي لسوريا لإيران قد وصل إلى نحو 30 مليار دولار أمريكي. وقد أرجع تقرير موقع تجارت نيوز أسباب ذلك إلى عدة عوامل رئيسية، كان أولها الدعم العسكري والسياسي الذي قدمته إيران لسوريا، فمنذ بداية الحرب السورية في عام 2011، قدمت إيران دعما كبيرا لنظام بشار الأسد، سواء عبر المساعدات العسكرية أو المساعدات الاقتصادية، كذلك فقد أرسلت إيران مستشارين عسكريين وقوات للحفاظ على استقرار النظام السوري، وهو ما أضاف عبئا كبيرا على المساعدات المالية، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع تجارت نيوز الصادر بتاريخ 2 مايو/أيار 2023.
كذلك فقد كان التعاون الاقتصادي والمساعدات النفطية أحد تلك الأسباب، في إطار التعاون الثنائي، قدمت إيران لسوريا إمدادات نفطية على مدار سنوات الحرب، والتي كانت تُسدد جزئيا عبر قروض أو بموجب اتفاقيات دفع مؤجلة.
أيضا، لعبت التحديات الاقتصادية في سوريا دورا أساسيا، فمع استمرار النزاع العسكري وتدمير البنية التحتية الاقتصادية في سوريا، أصبحت سوريا أكثر اعتمادا على التمويل الإيراني، مما زاد حجم الديون، فإيران في هذا السياق كانت بمثابة شريك تجاري لا غنى عنه في ظروف استثنائية، حيث ساعدت في إعادة بناء بعض المنشآت الحيوية.
ومن الغريب أن طرق الدفع كذلك كانت سببا في هذا الكم من الديون، فالديون السورية لإيران لم تكن دائما في شكل مدفوعات نقدية، بل شملت العديد من الاتفاقيات التي كانت تشمل السلع والخدمات. فعلى سبيل المثال، كان جزء من الاتفاقات التجارية بين إيران وسوريا يتم عبر المقايضة أو القروض طويلة الأجل، مما جعل الديون تتراكم بسرعة.