كتب: محمد بركات
يعتبر النفط أحد أهم العناصر الاستراتيجية الهامة للاقتصاد الإيراني، حيث يمثل مصدرا رئيسيا للدخل القومي، مما يجعل سياسات تصديره عاملا حاسما في علاقات إيران الاقتصادية والدولية، ففي ظل العقوبات الاقتصادية الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الغربية على إيران، تسعى الأخيرة للبحث عن شركاء اقتصاديين مستقرين يمكنهم دعمها في مواجهة التحديات الاقتصادية، وقد استطاعت إيران أن تجد مثل هؤلاء الحلفاء في دول كروسيا والصين، فالتحالف الاقتصادي بين إيران والصين نموذج قوي للتعاون في هذا المجال، فتقدم الصين، بوصفها إحدى أكبر القوى الاقتصادية في العالم وأكبر مستورد للنفط، نفسها كشريك استراتيجي لإيران، بما يسمح لها ببيع نفطها رغم القيود الدولية والعقوبات، من جانبها تضمن إيران تقديم النفط للصين بأسعار تنافسية أقل من السوق العالمي، الأمر الذي اختلف في الفترة الأخيرة.
سبب تخفيضات الإيرانيين للنفط ولماذا تغيرت تلك السياسة؟
كانت إحدى الطرق التي لجأ لها المسؤولو الإيرانيون بعد إعمال العقوبات لبيع الإنتاج النفطي، هي بيعه بأسعار مخفضة عن السوق العالمي، الأمر الذي وجد ترحيبا من العملاق الصيني الذي يحتاج الوقود لضمان دائرة عجلة الاستثمارات الهائلة والتي تنافس أن تكون الاقتصاد الأول عالميا، فكانت تلك سياسة مربحة للطرفين، حيث بلغ الفارق السعري للنفط الإيراني الخفيف للعام 2019 إلى أقل من 4 دولارات للبرميل مقارنة بمؤشر برنت العالمي، ولتبلغ نسبة التخفيض في البرميل الواحد ما بين 5 إلى 6 دولارات خلال العام 2023، وذلك وفقا لتقرير موقع شبكه شرق بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفقا للتقرير، فإن تلك السياسة قد تغيرت مؤخرا، حيث بدأت نسبة التخفيض الإيراني تقل شيئا فشيئا حتى وصلت إلى أقل مستوياتها، لتصل نسبة التخفيض لكل برميل من النفط الإيراني حوالي 3.8 دولار في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري والتي ستسلم في نوفمبر/تشرين الثاني، وستصل نسبة التخفيض للشحنات التي ستصل في ديسمبر/كانون الأول إلى أقل من 3 دولارات للبرميل، وهو أقل مستوى وصلته منذ العام 2019.
ويكمل التقرير أن السبب في انخفاض تلك النسب جاء نتيجة عدة عوامل، من أهمها انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية بسبب تهديد إسرائيل بتوجيه ضربة لمنشآت النفط، ورغم أن هذه الضربة لم تقع فإنها تتسبب في زيادة الأسعار ونقص التخفيضات، كذلك ذكر مصدر آخر مطلع على منشآت التصدير الإيرانية أن تسربا في خط الأنابيب بمنطقة مرسى جزيرة خارك ساهم أيضا في تقليل وتيرة التحميل.
كيف يتم بيع النفط الإيراني للصين رغم العقوبات؟
بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على الاقتصاد الإيراني اضطر الشريكان الدوليان إلى اتخاذ تدابير أكثر حرصا لإتمام صفقات بيع النفط، حيث تتم تلك العملية عبر آليات معينة تسمح لطرفي العلاقة بالتحايل على العقوبات الأمريكية، تعتمد هذه الآليات على وجود وسطاء تجاريين وشركات وسيطة تعمل على إعادة تصدير النفط الإيراني بعد تغيير مصدره الوارد في الوثائق الرسمية ليظهر كأنه قادم من دول أخرى مثل ماليزيا أو عمان، مما يجعل تتبع المصدر الأصلي أصعب على الهيئات الرقابية الدولية.
فالصين، لكونها قوى اقتصادية ضخمة وتحتاج إلى النفط لتقوي حركة الصناعة بها، لم تعر العقوبات الأمريكية على الدول المختلفة أي اهتمام، بل تحاول أن تتجاوزها بما يخدم مصالحها، وهكذا الأمر مع إيران، فغالبا ما يُعاد تسمية النفط المستورد من إيران باسم النفط الماليزي، ويتم بيعه بخصم للمصافي الصغيرة المستقلة الصينية المعروفة باسم “تيبات” (المصافي المستقلة)، في حين تتجنب المصافي الكبيرة الحكومية في الصين شراء النفط الإيراني؛ خوفا من العقوبات الأمريكية، لكن “تيبات” تعتبر أكثر استغلالا للفرص وأقل عرضة للتهديدات من النظام المالي الأمريكي، وذلك وفقا لتقرير صحيفة همشهري أونلاين الصادر في 26 أبريل/نيسان 2024.
في الوقت نفسه، تُظهر بيانات شركة كبلر، وهي شركة متخصصة في مجال المعلومات التجارية الدولية، أن واردات الصين من النفط الإيراني في شهر أغسطس/آب للعام 2024 بلغت 1.75 مليون برميل يوميا، وهذا أعلى مستوى تم تسجيله منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث كانت الواردات في ذلك الوقت 1.66 مليون برميل يوميا، وحاليا، تشتري الصين 50% أكثر من النفط الإيراني، معظمها من خلال مصافي تكرير النفط المستقلة الصينية، تيبات، مما يمنح هذه المصافي حافزا أكبر لزيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة الطلب على النفط الخام في الوقت الذي تعاني فيه المصافي الصينية من هوامش ربح ضيقة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وذلك وفقا لتقرير موقع تجارت نيوز الصادر في 31 أغسطس/آب.
ووفقا للتقرير، فلطالما كانت المياه الماليزية نقطة تحويل للنفط ومنتجاته بين ناقلات النفط، مما يتيح استخدام هذه الطريقة لإخفاء المصدر الأصلي للنفط، فعلى الرغم من أن الصين لم تشتر النفط الإيراني رسميا منذ يونيو/حزيران 2022، فإن شراء النفط الإيراني من الصين وصل إلى أرقام قياسية غير رسمية، في يوليو/تموز الماضي، استوردت الصين أكبر كمية من النفط الخام من ماليزيا، حيث وصلت إلى 6.21 ملايين طن، أي ما يعادل 1.47 مليون برميل يوميا، وهو ما يعادل تقريبا ثلاثة أضعاف متوسط الإنتاج اليومي لماليزيا في عام 2023، مما يؤكد أن تلك الكميات الكبيرة قد جاءت من الطرف الإيراني.
ويرجع التقرير سبب تفضيل النفط الإيراني على غيره هو أنه يعتبر من أرخص الخيارات للمشترين الصينيين، وهو حتى أكثر جدوى من النفط الروسي. لذلك، تفضل العديد من المصافي الصينية المستقلة شراءه لتحسين هوامش الربح.
وأخيرا فهناك عدة طرق يمكن لإيران من خلالها الحصول على أموال النفط المبيع رغم العقوبات المفروضة على نظامها البنكي، وقد ذكرها موقع ميز نفت في تقريره الصادر في 4 أكتوبر/تشرين الأول، وهي:
1. مقايضة النفط بالسلع والاستثمار: تقوم إيران بتأمين احتياجاتها مباشرة مقابل النفط بدلا من بيع النفط للحصول على عملات أجنبية، ما يساعد على تجاوز التعامل عبر الشبكات المالية الدولية.
2. شبكة الصرافة: تستخدم إيران شبكة من مكاتب الصرافة الإقليمية، خاصة في دبي؛ لتجنب العقوبات الأمريكية وتحويل العوائد.
3. استخدام البنوك الصغيرة: تتعاون إيران مع بنوك صغيرة في دول مثل الصين لتسوية جزء من عائدات النفط.
4. قنوات مالية منفصلة: تعتمد على حسابات غير رسمية، مما يصعّب تتبع المعاملات الصغيرة على نظام SWIFT.
5. التسوية بالعملات الوطنية: تتلقى إيران عائدات النفط بالعملات المحلية وتستخدمها لشراء احتياجاتها مباشرة من الدول.
التحالف الاقتصادي بين إيران والصين:
يرتكز التحالف بين إيران والصين على سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، أبرزها “اتفاقية التعاون الشاملة” التي وقّعها البلدان عام 2021، والتي تتضمن استثمارات صينية ضخمة في البنية التحتية الإيرانية وقطاع النفط والغاز، مقابل تأمين إمدادات نفطية طويلة الأجل للصين، وفي إطار هذه الاتفاقية، تلتزم الصين باستثمار 400 مليار دولار في إيران خلال فترة الاتفاقية، حيث يأتي هذا الاستثمار في إطار رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث تهدف إيران والصين إلى زيادة قيمة التجارة الثنائية من نحو 20 مليار دولار حاليا إلى 50 مليار دولار، بينما تضمن إيران تدفق النفط الخام إلى الصين بأسعار تنافسية، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء تسنيم الإخبارية بتاريخ 28 مارس/آذار2021.
ووفقا للتقرير، يُعتبر القطاع المصرفي الصيني أيضا أداة حيوية في هذا التحالف، إذ تتعاون بنوك صينية صغيرة ومتوسطة الحجم مع إيران لتسهيل العمليات المالية وتجاوز العقوبات، مما يمنح إيران القدرة على الحصول على العملات الأجنبية دون المرور بالنظام المالي الأمريكي. ويشمل هذا التحالف أيضا اتفاقيات لنقل التكنولوجيا وإنشاء مشاريع صناعية مشتركة، ما يدعم إيران في تحسين قطاعاتها الإنتاجية وإعادة تأهيل بنيتها التحتية، كما تتضمن هذه الشراكة جوانب سياسية وأمنية، حيث تسعى الصين لتعزيز وجودها في منطقة الخليج كموازن للقوى العالمية، بينما تستفيد إيران من دعم الصين الدبلوماسي والاقتصادي في المنظمات الدولية.