كتب: ربيع السعدني
بأغلبية الأصوات، قرر البرلمان الإيراني سحب الثقة من وزير الاقتصاد والمالية، عبدالناصر همتي، بعد فشله في الحصول على تأييد النواب، وذلك في نهاية جلسة الاستجواب العلنية التي عُقدت يوم الأحد 2 مارس/ آذار 2025.
في هذه الأثناء، من المرجح أن يتم تقديم شخص آخر إلى البرلمان كوزير مقترح للاقتصاد، بحسب موقع “اقتصاد أونلاين”، ولدى بزشكيان ثلاثة أشهر لتقديم وزير الاقتصاد والمالية المقترح إلى البرلمان للتصويت على الثقة، وحتى ذلك الحين، سيتم إدارة الوزارة من قبل وزير بالإنابة، وأصدر الرئيس الإيراني مرسوما بتعيين رحمت الله أكرمي قائما بأعمال وزير الاقتصاد، حسبما ذكرت وكالة تسنيم للأنباء .
مرسوم رئاسي
وجاء في نص المرسوم الرئاسي بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية إيسنا ، ما يلي: “استنادا إلى المادة (135) من الدستور ونظرا لالتزامكم وكفاءتكم وسجلكم التنفيذي، يعين رحمت الله أكرمي قائما بأعمال وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية ونرجو منكم بالاعتماد على الله، وفي إطار الدستور، وأهداف وثيقة الرؤية والسياسات العامة التي أقرها المرشد (علي خامنئي) وخطة التنمية السابعة، وامتثالا لقواعد الأخلاق لموظفي الحكومة الرابعة عشرة، وبالتواصل مع مجلس الوزراء أن تعملوا بجد واجتهاد لتحقيق أهداف الحكومة وحل مشاكل البلاد”.
من يكون خليفة همتي؟
رحمت الله أكرمي، 64 عاما، من مواليد سمنان، يعمل منذ عام 2008 أميناً لوزارة المالية .
وكان من مهام أكرمي الرئيسية إدارة التدفقات النقدية للحكومة وتمويل المشاريع والالتزامات الحكومية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة خلال فترة العقوبات عندما أصبحت الموارد المالية أكثر محدودية، كما قام بتطوير وإصدار آليات لتحسين تنفيذ القوانين المالية بما في ذلك المادة 75 من قانون المحاسبة العامة (طريقة إخطار الائتمان).
كما شغل منصب القائم بأعمال وزير الشؤون الاقتصادية والمالية لفترة من الزمن (من سبتمبر/ أيلول إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) قبل تعيين فرهاد دج بسند، وزير الاقتصاد الأسبق في عهد حكومة حسن روحاني.
أكرمي، الذي تم تعيينه على رأس وزارة الاقتصاد للمرة الثانية، سيتولى الآن القائم بأعمال وزير الاقتصاد لمدة ثلاثة أشهر تقريبا، وزارة مسؤولة عن تحديات إدارة الأسواق، والسيطرة على التضخم، وإدارة مصادر الإيرادات الحكومية، ودفع الرواتب، ومعالجة الضرائب، والاستثمار والتعاون الدولي، والإشراف على القطاع الخاص، والشؤون المالية والمحاسبية في الأيام الأخيرة من العام، والتي تعتبر مهام ثقيلة.
كواليس جلسة العزل
وكان اقتراح عزل همتي على جدول أعمال نواب المجلس في الجلسة العامة، وفي البداية أعلن النواب المؤيدون والمعارضون لقرار العزل عن وجهات نظرهم بشأن قرار العزل، وبعد ذلك دافع الرئيس مسعود بزشكیان عن وزير الاقتصاد، ثم رد عبد الناصر همتي أيضاً ودافع عن أدائه، وبحسب هذا التقرير تم في النهاية طرح قرار العزل للتصويت من قبل النواب، ومن إجمالي 273 صوتًا، وافق 182 نائبا على عزل همتي، وصوت 89 ضده، وكان عدد الممتنعين عن التصويت والأصوات الباطلة واحدًا لكل منهما.
وبحسب وكالة تسنيم للأنباء، فإن أعضاء البرلمان يستطيعون عزل الحكومة أو أي وزير في الحالات التي يرونها ضرورية، ولا يمكن اقتراح العزل في البرلمان إلا إذا تم تقديمه إلى البرلمان بتوقيع 10 نواب على الأقل، ويتعين على الحكومة أو الوزير الذي يخضع للمساءلة أن يمثل أمام البرلمان خلال عشرة أيام من اقتراحه، والرد عليه وطلب التصويت على الثقة من البرلمان.
وإذا لم يكن مجلس الوزراء أو الوزير حاضراً للرد، فإن الممثلين المذكورين سيقدمون التوضيحات اللازمة بشأن عزلهم، وإذا رأى البرلمان ذلك مناسبا، فسيعلنون التصويت على حجب الثقة وإذا لم يصوت البرلمان على الثقة، فسيتم عزل الحكومة أو الوزراء أو الوزير الذي يخضع للمساءلة وفي كلتا الحالتين، لا يمكن للوزراء الذين يخضعون للمساءلة أن يصبحوا أعضاء في الحكومة التي يتم تشكيلها بعد ذلك مباشرة.
دفاع بزشكيان عن همتي
ويأتي ذلك في حين دافع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان عن وزير الاقتصاد في حكومته، مؤكدا أنه ليس المسؤول الوحيد عن اتخاذ القرارات بشأن السياسات الاقتصادية، لكي يتم سحب الثقة منه ويتحمل المسؤولية بمفرده ودافع عن همتي، محملا العقوبات الدولية وتأخر سداد الديون من العراق وتركيا مسؤولية الأزمة وأشار إلى أنه “يتم اتخاذ جميع القرارات والسياسات الاقتصادية في جلسة المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي بين رؤساء السلطات الثلاث، وأن إظهار شخص واحد كمسؤول بمفرده هو أمر غير عادل”.
ارتفاع في سعر الدولار
وتزامنًا مع تحديد يوم استجواب وزير الشؤون الاقتصادية والمالية، يوم 2 مارس/ آذار 2025 استمر سعر الدولار الأمريكي في إيران، في مساره التصاعدي، ووصل إلى 920 ألف ريال إيراني، وارتفع هذا الرقم في يوم سحب الثقة؛ حيث سجلت المواقع الإلكترونية غير الرسمية، التي تعرض أسعار العملات الأجنبية في السوق الحرة الإيرانية سعر الدولار الأمريكي عند 927 ألف ريال، كما تشير دراسة سوق الصرف الأجنبي إلى تراجع المشترين، ويرجع التجار هذا الانخفاض في الطلب إلى إقالة وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي وبداية شهر رمضان، ما أدى إلى انخفاض الطلب على النقد الأجنبي من قبل التجار والشركات.
كانت عملية عزل عبد الناصر همتي في البرلمان، والتي أدت إلى إقالته بأغلبية 182 صوتًا، متجذرة بشكل أساسي في القضايا الاقتصادية خلال جلسة الاستماع في قضية العزل، انتقد أعضاء البرلمان عدم فعالية السياسات الاقتصادية للحكومة، وارتفاع سعر الصرف والتضخم الجامح، وانعدام الشفافية في الخطط الاقتصادية التي وضعها همتي، حتى أن بعض الممثلين البرلمانيين صرحوا بأن “الشعب عزل همتي في الشارع”.
رد همتي على قرار عزله
ومع ذلك، فإن الطريقة التي دافع بها همتي عن نفسه خلال جلسة الاستماع في قضية العزل أثارت أيضًا انتقادات، وبدلاً من تقديم إجابة منطقية وموجهة نحو البرنامج، لجأ إلى السخرية والاستهزاء على سبيل المثال حسبما نقلت وكالة تسنيم للأنباء قال وزير الاقتصاد السابق لأحد الممثلين: “كنت مسؤولا عن الدعاية للجبهة، وكان عمرك 4 سنوات في ذلك الوقت”، أو زعم أن أسئلة المساءلة كانت منسوخة من عامين مضيا، وهو ما ينسب بطريقة ما المشاكل إلى الحكومة السابقة، ولم يقنع هذا النهج النواب فحسب، بل أكد أيضا اتهامه بعدم الكفاءة وأدى إلى تصويت كبير بحجب الثقة وبالتالي، فإن عزل همتي كان نتيجة لأدائه الضعيف وعجزه عن كسب ثقة البرلمان أكثر من كونه تحركا سياسيا ضد الحكومة.
وعلى صعيد آخر وقف وزير الاقتصاد السابق عبد الناصر همتي خلف المنصة الخضراء والسوداء في البرلمان، وفي دفاعه عن نفسه، حيبما نقلت صحيفة “هم ميهن”، في إشارة إلى الحرب الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الإيراني، قال: “أحاول ألا أعلن لك وللأمة الإيرانية النبيلة ما هو الواقع، لقد زعم الأصدقاء أننا لا نعرف ما هي مشاكل الناس، فكيف يمكن لشخص مشارك في اقتصاد هذا البلد ألا يعرف ما الذي ستفعله 7 سنوات من التضخم بالناس؟”
وأضاف: “إن المساءلة هي مظهر من مظاهر التقدم السياسي، وهذا من اختصاص أعضاء مجلس النواب، ولا يحق لأحد أن يقول إن هذه قضية سياسية، حتى المسألة السياسية تتعلق بحقوق التمثيل، وأنا أحترم هذه الخطوة، ولذلك فإنني أعتذر للشعب أكثر من أي وقت مضى وأقول بحزم أننا سننتصر بالتأكيد”.
بدوره، قال همتي إن التضخم “مشكلة متراكمة”، وأشار إلى سعي الحكومة لتحسين العلاقات بدول الجوار لتخفيف تأثير العقوبات، وأكد: “لا ينبغي لنا أن نقول لمن جاءوا وصوتوا أنه ليس لدينا أي مشكلة، والله نحن أيضا نعلم مشاكل الناس ونخجل منها، لكن لم تحدث هذه المشكلات بين عشية وضحاها ولن تختفي بين يوم وليلة”.