كتبت: يسرا شمندي
بعد ساعات من إجراء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، حوارا تلفزيونيا هو الثاني منذ توليه الرئاسة، والأول بعد المئة يوم الأولى من توليه منصبه، أطلق التيار الأصولي داخل إيران، حملات هجوم حاد ضده، عبر بعض وسائل الإعلام التابعة للأصوليين، ورغم مرور عدة أيام منذ إذاعة الحوار عبر التليفزيون الإيراني 2 ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن إعلام التيار الأصولي ما زال مستمر في حملته الهجومية.
تناقضات بزشكيان
في اليوم التالي لإجراء بزشكيان حواره نشرت وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني، تقريرا ما زالت تتداوله الصحف الإيرانية حتى تاريخ كتابة هذا التقرير 5 ديسمبر/كانون الأول 2024.
تحت عنوان “4 أخطاء اقتصادية في حديث مباشر للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان”، واستعرضت الصحيفة ما تصفه بمغالطات في المجال الاقتصادي ذكرها الرئيس الإيراني في أثناء حديث.
وبحسب تقرير الصحيفة المنشور مساء 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، فقد تحدث بزشكيان في حواره، عن وعد الحكومة ببناء مليون منزل، مشيرا إلى أن 800.000 شخص سجلوا للحصول على سكن وحصل 400.000 على قروض.
لكن وفق تقرير الصحيفة فإن الأرقام التي ذكرها الرئيس الإيراني ليست صحيحة، وبحسب التقرير فإن الإحصائيات تشير إلى أن عدد المتقدمين في الخطة الإسكانية بلغ 2.285.000 حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وفقا لإحصائيات وزارة الطرق والتنمية العمرانية، حسبما يذكر التقرير.
أما الخطأ الثاني بحسب التقرير، فيتمثل في قول بزشكيان في أثناء حديثه، إن المصانع شهدت انقطاعا للكهرباء في الصيف، مما حال دون زيادة الإنتاج كما كان مخططا له.
وبحسب وكالة فارس للأنباء نقلا عن تقرير لمركز أبحاث البرلمان، فإنّ تراجع الإنتاج في فصل الصيف ليس بسبب نقص الطاقة، بل نتيجة الركود الاقتصادي وتراجع مبيعات المنتجات الصناعية والتعدينية.
أما الخطأ الثالث في حديث بازشكيان حسبما أفادت وكالة فارس في تقريرها، فهو قول بزشكيان إن محطات الطاقة في البلاد غير كافية لتلبية احتياجات المواطنين، مما دفع إلى قطع الكهرباء لمدة ساعتين يوميًا.
وبحسب التقرير، فمخالفة لحديث بزشكيان، أظهرت إحصائيات وزارة الطاقة الإيرانية، أن السبب الحقيقي لنقص الكهرباء في خريف 2024 كان نقص الوقود، سواء الغاز الطبيعي أو الوقود السائل.
الخطأ الرابع من وجهة نظر وكالة فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني، هو عندما قال بزشكيان في حديثه، إن الأموال المستخدمة في الوقود والطاقة والغاز والمياه والكهرباء تستهلك نحو 150 مليار دولار.
وبحسب تقرير “فارس”، فإن الرئيس الإيراني يبالغ في تقدير الرقم، حيث تشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن دعم الطاقة يتطلب فقط نحو 120 مليار دولار سنويا، ويرى تقرير وكالة فارس أن المبالغة في الرقم الذي ذكره الرئيس الإيراني قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير صائبة في مجال الطاقة، قد تضاعف الأعباء الاقتصادية في المستقبل.
لسان المرشد تهاجم بزشكيان
أما صحيفة “كيهان”، الناطقة بلسان المرشد الإيراني علي خامنئي، فهاجمت الرئيس الإيراني، متهمة إياه بالتركيز على قضايا ثانوية في حديثه مثل دعم الطاقة بدلا من معالجة المشكلات الاقتصادية الأساسية.
وفي تقريرها المنشور 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، اتهمت الصحيفة الرئيس الإيراني بتقديمه معلومات مغلوطة للشعب الإيراني، إضافة إلى تصريحات من شأنها إحداث سخط عام، مثل رفع أسعار الخبز والبنزين.
وأضافت الصحيفة أن تصريحات بزشكيان الأخيرة لا تتوافق مع مواقفه المعلنة سابقاً، قائلة: “إن عبارات (لا نملك)، (لا يمكن)، و(لا نستطيع) ليست ردا مناسبا على مطالب الشعب ومشاكل البلاد”.
واتهمت الصحيفة الناطقة بلسان المرشد، مستشاري الرئيس الإيراني بدعمه بمعلومات مغلوطة، وحذرت من اختراق جماعة وصفتها بالملوثة بالفتنة والنفاق لدائرة الرئيس.
وتزعم الصحيفة، أن هذه الجماعة، التي تحمل تاريخا وسوابق سلبية، وأهدرت فرص حل المشاكل الاقتصادية بالاعتماد على الأمل والثقة بالولايات المتحدة الأمريكية، مما تسبب في تراجع البلاد.
كما اتهمت الصحيفة، هذه الجماعة في حكومة بزشكيان التي لم تحدد أفرادها، بأنها تقف خلف العديد من التوجهات والإجراءات السلبية للحكومة الإيرانية، حيث حوّلت أولويات حل مشاكل الشعب وتنشيط الاقتصاد إلى قضايا هامشية، ومع رفع أسعار الخبز، والوقود، والبنزين، زادت من استياء الشعب وخلقت بيئة لانعدام الأمن.
وبحسب الصحيفة، فإن هذه الجماعة داخل دائرة الرئيس الإيراني، تسعى لنشر صورة خاطئة عن البلاد، وضخ اليأس، وإثارة الخوف من خلال الإعلام المتحالف معها.
واختتمت الصحيفة تقريرها بتوجيه رسالة للرئيس الإيراني قائلة فيها: بزيشكيان، (غيِّر مستشاريك).
وعلى نفس صفحات “كيهان” الناطقة بلسان المرشد، شن حسين شريعتمداري ممثل خامنئي في الصحيفة، هجوما على بزشكيان بسبب تصريحاته الأخيرة، ذاكرا ملاحظاته حول الحوار التلفزيوني للرئيس الإيراني، في مقال له بعنوان “بزشكيان! خذ (الغرق الاصطناعي) على محمل الجد “.
ووصف شريعتمداري تصريحات بزشكيان بالمخيبة للآمال، وقد تؤدي إلى نشر اليأس بين الناس، مما يمنح الأعداء فرصة لتوسيع الفوضى والفتن، مضيفا أن هذا ما حذر منه المرشد الإيراني علي خامنئي مرارا وتكرارا، حين قال في أكثر من مناسبة إن العدو يسعى دائما لاستغلال هذه الأجواء لإضعاف عزيمة الشعب الإيراني.
ويقول ممثل المرشد في مقالته، إن الغرق الاصطناعي استراتيجية نفسية تستخدمها الأطراف المعادية لخلق حالة من اليأس في المجتمع، مما يدفعه إلى قبول حلولهم كسبيل للخروج من الأزمة المفتعلة، وتعتمد على توظيف عناصر داخلية مضللة أو أشخاص مغرر بهم لإضعاف الثقة بالقدرات الوطنية.
ويضيف شريعتمداري أن الرئيس الإيراني بزشكيان في مقابلته التلفزيونية قال: “لا يوجد لدينا حل!”، و”لا يمكننا فعل ذلك!”، مما رسم صورة سلبية عن الوضع الحالي في البلاد، مشيرا إلى أن هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول كيفية إدارة البلاد في ظل رئاسة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي التي شهدت تطورات إيجابية بعد 100 يوم من حكمه، بحسب قوله.
وانتقد شريعتمداري ما وصفه بتناقضات الرئيس الإيراني، قائلا: “أشار بزشكيان في المقابلة، إلى عدم قدرته على تقديم حلول مباشرة، وأحال المسؤولية إلى الخبراء والمستشارين، وهذا يتناقض مع مواقفه السابقة وقد يشير إلى تأثير مستشاريه على رؤيته السلبية.
ووجه ممثل المرشد في صحيفة كيهان، رسالة إلى الرئيس الإيراني محذرا له من مستشاريه، إذ قال: “هذه الكلمة الأخوية موجهة إلى بزشكيان، لكيلا يصغي للمسؤولين والمستشارين الذين يبتعدون عن المبادئ الإسلامية والثورية والنظام، لضمان التوجه الصحيح في اتخاذ القرارات بما يخدم مصلحة إيران”.
وفي سياق متصل، نشر موقع آرمان ملي بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، رد نائب طهران في البرلمان حميد رسائي على تصريحات بزشكيان بشأن رفع أسعار البنزين، حيث قال: “نحن نعارض رفع أسعار البنزين”، وأضاف أن بزشكيان كان قد تعهد في حملته الانتخابية بعدم السماح بارتفاع الأسعار، وطالب بزشكيان بأن يتحمل مسؤولية تغييره للموقف، وألا يحمّل البرلمان مسؤولية قرار رفع الأسعار.
كما أشار رجل الأعمال الإيراني والرئيس ابسابق للاتحاد الإيراني لكرة القدم، محمد دادكان، إلى تصريح الرئيس بزشكيان بوجود أزمات في مجالات الغاز والنفط والبنزين والمياه والكهرباء والبيئة، وكذلك في المال، وأعرب دادكان عن استعداده للمساعدة في معالجة الاختلالات المالية بالتعاون مع زملائه في الجامعة، مؤكدا أنه لا يمتلك الخبرة في المجالات الأخرى، وأكد ضرورة محاسبة المسؤولين الذين حولوا أموال البلاد إلى الخارج، ومكافحة الفساد والاختلاسات السابقة مثل قضايا شاي دبش و باباك زنجاني، وإيقاف تحويل الأموال إلى دول الجوار وإنفاقها في غير مصلحة إيران، بحسب موقع تازه نيوز 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.