كتب: ربيع السعدني
بعد فقدان أحد زملائهم في السكن الجامعي، نظم طلاب جامعة طهران مسيرات احتجاجية غاضبة للتعبير عن مطالبهم، وتأكيد إدانة أي استغلال أو إساءة استخدام لمثل هذه التظاهرات من قبل بعض الجماعات الإرهابية، وأعلن الطلاب قائمة مطالبهم على مدار اليومين الماضيين، عبر بيانات مختلفة من قبل المنظمات الطلابية وخطابات الطلاب المحتجين. ويعد توفير الأمن حول السكن الجامعي أحد أهم المطالب الأساسية للطلاب في هذا الصدد.
حملة طلابية من أجل الأمن

وأعرب العديد من طلاب سكن “كوي” الجامعي على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقابلات مع بعض وسائل الإعلام المحلية، عن مخاوفهم المتكررة بشأن انعدام الأمن في هذه المنطقة، وتسعى مجموعة من طلاب جامعة طهران إلى تحقيق هذا الهدف من خلال إطلاق حملة للمطالبة بتوفير الأمن لحركة الطلاب في جامعة طهران، ومن المطالب الأخرى التي رفعها طلاب جامعة طهران في هذا الصدد استمرار تعاون الجامعة مع قوات إنفاذ القانون والبلدية لتحسين إنارة الشوارع وتوفير البنية التحتية الأمنية، والسعي الدؤوب لتحديد ومعاقبة مرتكبي هذا الحادث المؤسف.
وبحسب وكالة تسنيم للأنباء، فإن الخبر المأساوي لمقتل أمير محمد خالقي، وهو طالب يبلغ من العمر 19 عاما، يدرس تخصص إدارة الأعمال بجامعة طهران، يوم الأربعاء 12 فبراير/شباط 2025، بعدما تعرض للطعن إثر اشتباك مع لصوص بالسلاح الأبيض حول مساكن الطلاب بالجامعة بالقرب من أمير آباد، في أثناء عودته إلى سكنه الجامعي، ووفقا لشرطة طهران، فإن منفذَي الهجوم كانا “لصَّين على دراجة نارية” أقدما على طعنه بسكين وسرقة حقيبة ظهره التي تحتوي على جهاز “لاب توب” وهاتف محمول.
وتم نقل أمير محمد خالقي إلى المستشفى في تلك الليلة، إلا أنه توفي في الساعة الـ7:30 من صباح الخميس 13 فبراير/شباط 2025، بسبب خطورة إصابته والنزيف، بحسب ما نشره تقرير صحيفة “همشهري أونلاين”، وقوبل الحادث بردود فعل مختلفة من قبل الطلاب والمسؤولين منذ يوم الجمعة 14 فبراير/شباط 2025، وحاولت وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا ومسؤولو القضاء وإنفاذ القانون ومسؤولو الحكومة إصدار رسائل تعاطف، وإعلان أوامر بتسريع قضية مقتل طالب السكن الجامعي، والمطالبة بتحديد هوية مرتكبي هذه الجريمة المروعة.
اعتقال عدد من المشتبه بهم
وفي هذا الصدد، أعلن القضاء الإيراني توقيف عدد من الأشخاص يشتبه في ضلوعهم بمقتل الطالب الجامعي، وقال علي صالحي، المدعي العام في طهران، بحسب ما نشرته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، السبت 15 فبراير/شباط 2025، وهو يعرب عن تعازيه لأسرة خالقي: “فور وقوع هذه الحادثة المريرة، أمر رئيس السلطة القضائية بمتابعة الأمر بعناية وجدّية وسرعة، لذلك تمت إحالة القضية إلى الفرع الخاص والتحقيق الخاص في جرائم القتل للنظر فيها”.
وأوضح صالحي أن هذه القضية قيد التحقيق والمراقبة الفورية، وبحسب صحيفة “همشهري أونلاین”، أشار المدعي العام في طهران إلى “أننا للأسف لم نصل بعد إلى مرحلة اكتشاف هذه الجريمة، ولكن تم القبض على المشتبه بهم في هذا الصدد والتحقيقات جارية، ونحن نحاول القبض على مرتكب هذه الجريمة في أسرع وقت ممكن ومعاقبته على أفعاله”.
ما هي مطالب الطلاب؟
لكن من وجهة نظر الطلاب، لا يمكن إنهاء قصة مقتل صديقهم وزميلهم في السكن ببضعة أوامر وتحقيقات ولديهم طلبات ومطالب من السلطات، تؤكد لهم أن مثل هذه الحادثة لن تحدث لأي من أصدقائهم مرة أخرى، على الأقل في محيط السكن والسكن الطلابي، الذي يعتبر بيئة معيشية لهم إلى حد ما، ومن بين مطالب طلاب جامعة طهران التي عبر عنها طلاب السكن الداخلي المحتجون في بياناتهم وخطاباتهم، ونقلتها وكالة تسنيم للأنباء يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
- نشر وتخصيص كشك شرطة مجهز وفعال بشكل دائم في مكان مناسب وسهل الوصول إليه داخل السكن الجامعي بهدف تعزيز مستوى الأمن وزيادة ثقة الطلاب على مدار الساعة مع وجود أفراد ذوي خبرة ومدربين.
- تركيب الكاميرات مع تحسين وتطوير إنارة الشوارع المؤدية إلى السكن الجامعي والمساكن بهدف زيادة الرؤية وتقليل النقاط المعرضة للخطر.
- استخدام باب مدخل الكلية الفنية بسبب كثافة الحركة والإضاءة المناسبة وكاميرات المراقبة وذلك بإنشاء مسار بين السكن والكلية الفنية لحركة نزلاء السكن.
- تشكيل لجنة بحضور رئيس جامعة طهران، ونائب رئيس الجامعة لشؤون الطلبة، وإدارة السكن، وإدارة الأمن في الجامعة، وممثلي الطلبة، بالتعاون مع المؤسسات ذات الصلة (أجهزة الأمن والبلدية)، لضمان أمن الطلبة.
ورئيس الجامعة يستجيب
وفي إشارة إلى مطالب الطلاب بهذا الخصوص، قال رئيس جامعة طهران حسين حسيني: “لقد عقد طلاب الجامعة حتى الآن تجمّعين للمطالبة بتوفير الأمن في محيط المنطقة، لقد حضرتُ كلا التجمعين، ربما انتقدوني أو تحدثوا معي بقسوة، لكنهم لم يخلّوا بالبنية وقدموا مطالبهم بحكمة ومنطق”، وأشار إلى أن هذه التجمعات قد تنعكس بشكل مختلف في الفضاء الخارجي والافتراضي، وقال: “ومع ذلك فإن أي سلوك أو تصرف من هذا القبيل لا ينبغي أن يكون أمنيا، ويجب السماح لهذا المسار بالمضي بحكمة ومنطقية مع وجود الطلاب أنفسهم”.
وأكد حسيني، وفقا لوكالة “تسنيم” للأنباء، أن سلسلة من الإجراءات اتخذت لضمان أمن السكن الجامعي وأن إجراءاتهم ستستمر، وقال: “يجب تحديد مجلس نقابة السكن حتى يمكن متابعة مطالب الطلاب من خلال هذه الوسيلة، حيث تشكل المنظمات والمجموعات الطلابية فرصة يمكن أن تساعد المسؤولين على تحسين طريقة إدارة شؤون الجامعة”.
وفي أعقاب جريمة قتل الطالب في جامعة طهران، كلف الرئيس مسعود بزشكيان، وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا بمتابعة مقتل أمير محمد خالقي في الشارع المحيط بزقاق الجامعة.
اعتذار من وزير العلوم
وبناءً على ذلك، اعتذر حسين سيماي صرّاف، وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا، وقال في مؤتمر صحفي نقلته صحيفة “كيهان” الأصولية: “أعتذر نيابة عن جميع المؤسسات والمنظمات المسؤولة عن هذا الحادث”، كما أعلن استقالة إدارة مساكن الطلبة في جامعة طهران يوم السبت 15 فبراير/شباط 2025، وأعرب عن خجله من التقصير المحتمل، وقال: “تم عقد اجتماع بحضور مسؤولين حكوميين ومسؤولين قضائيين وأمنيين وتم اتخاذ القرارات، وقد قامت جامعة طهران بالتنسيق مع مركز شرطة المنطقة والبلدية لضمان الأمن والإضاءة، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، ونحن نسعى بشكل جدي لضمان الأمن”.
وأضاف صرّاف أنه “تم وضع وتثبيت كشكين للشرطة في المواقع المطلوبة، وجارٍ تركيب أعمدة الإنارة، وسيتم الانتهاء من تركيب الكاميرات لضمان الأمن خلال اليوم أو اليومين المقبلين”، وذكرت وكالة تسنيم للأنباء، أنه على أثر وفاة الطالب أمير محمد خالقي، عقد صباح السبت 15 فبراير/شباط 2025، اجتماع بحضور وزير العلوم وممثلين عن وزارة الداخلية وممثلي الأجهزة الأمنية وإنفاذ القانون ومسؤولين من جامعة طهران لدراسة أبعاد هذا الحادث واتخاذ القرارات اللازمة، وأعلن وزير العلوم القرارات المتخذة بهذا الشأن، قائلا: “إننا ننعي حادثة مريرة للغاية، فقد تعرض أحد أبنائي لحادث ودُمرت أسرته”.
وأضاف: “لقد أعطاني الرئيس مهمة خاصة لمتابعة هذه القضية، لذا فإنني نيابة عن جميع المؤسسات التي أهملت أو أخطأت، أعتذر لجميع الناس والمجتمع الأكاديمي وأعبر عن خجلي، ومن غير المقبول أن يقوم البعض بتصرفات غير لائقة بشكل اعتباطي تحت ذريعة الشعور بالمسؤولية، ولن نسمح بجر قضية الجامعة خارج الجامعة”.
اعتقال عنصر من منظمة “خلق” الإرهابية
وفي حملته، للقبض على المشتبه بهم في الأحداث، أعلن قائد قوى الأمن الداخلي في العاصمة طهران العميد عباس علي محمديان، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”، الأحد 16 فبراير/شباط 2025، اعتقال عنصر تابع لمنظمة “خلق” الإرهابية في تجمع طلابي بجامعة طهران، وأعرب خلال مقابلة خاصة مع القناة الأولى التلفزيونية، عن تعازيه لأسرة أمير محمد خالقي، الطالب الذي قُتل طعنا على يد لصَّين في حي جامعة طهران، وقال: “كان هذا الشخص قد قام بتركيب معدات على دراجته النارية. بالطبع، ألقينا القبض على شريكه اليوم أيضا”.
نصب تذكاري للطالب بالجامعة
ورغم الوضع الأمني المكثف عقب واقعة وفاة طالب بالسكن الجامعي، فإن طلاب جامعة طهران نظموا تظاهرة احتجاجية حاشدة أمام المكتبة المركزية لجامعة طهران، صباح السبت 15 فبراير/شباط 2025، بحسب ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي على منصة إكس، رافعين شعارات: “أنت طالب، ولا تريد أن تموت، مطالب الطلاب وأمن الطلاب، الدم الذي سفك لا يمكن تنظيفه بأي شيء”.
وجرى تشييع جثمان الطالب أمير محمد خالقي يوم السبت 15 فبراير/شباط 2025، في مسقط رأسه قرية “درميان” بمحافظة خراسان الجنوبية، حيث دُفن هناك، وتخليدا لذكراه دشن عدد من طلاب جامعة طهران نصبا تذكاريا لزميلهم في كلية العلوم الاجتماعية.