كتبت: سارة محمد علي
تعتبر إيران صاحبة الرقم القياسي في العقوبات بالعالم، حيث يفرض عليها ما يقارب ألفي عقوبة من قبل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى عقوبات أممية، تتنوع بين عقوبات سياسية واقتصادية، وإدراج لشخصيات وكيانات عدة على لوائح الإرهاب الدولي، آخرها كانت ضد بعض شركات الشحن، وربما تنتظرها عقوبات جديدة بعد إصدار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا جديدا ضد طهران وبرنامجها النووي.
تاريخ العقوبات على إيران
يعود تاريخ أول عقوبة فرضت على إيران إلى 15 مارس/آذار 1951 عندما قرر البرلمان تأميم النفط الإيراني الذي كانت بريطانيا تسيطر على الحصة الأكبر منه، بناء على قيامها باكتشافه عام 1908 وتأسيسها أول مصفاة لاستخراجه عام 1912.
وردا على قرار التأميم، كانت العقوبة أن قاطعت بريطانيا، بدعم من الولايات المتحدة، النفط والبتروكيماويات الإيرانية، ثم قاما البلدان بتدبير انقلاب ضد الحكومة الإيرانية أدى إلى سقوطها ووضع رئيس وزرائها محمد مصدق تحت الإقامة الجبرية، واستعادة السيطرة الإنجليزية على النفط الإيراني.
عقوبات احتلال السفارة الأمريكية
العقوبة التالية في تاريخ إيران كانت بعد نجاح “الثورة الإسلامية”، على خلفية احتلال السفارة الأمريكية في طهران 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، من قبل طلاب يسمون أنفسهم بـ”الطلاب السائرون على نهج الإمام الخميني”.
حيث قام هؤلاء الطلاب بمهاجمة السفارة الأمريكية في طهران، وأخذوا 52 أمريكياً من العاملين فيها كرهائن، مطالبين بإعادة محمد رضا شاه الذي أسقطته الثورة، إلى إيران لتتم محاكمته، وعلى أثر ذلك قامت الولايات المتحدة بفرض أولى عقوباتها الاقتصادية والدبلوماسية على طهران.
فبعد عشرة أيام من بداية احتجاز الرهائن الأمريكيين، وقع الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر، قرارا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، يقضي بتجميد الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة.
وفي 7 أبريل/نيسان 1980، أمر كارتر بالقطع الكامل للعلاقات مع إيران، والذي شمل جميع العلاقات الدبلوماسية والتجارية الثنائية، باستثناء صادرات الأغذية والأدوية.
وفي 17 أبريل/نيسان 1980، أصدر أمرا تنفيذيا يحظر على جميع المواطنين الأمريكيين التعامل مع الإيرانيين، ومنع جميع الواردات من إيران، كما تم حجز جميع الأسلحة العسكرية التي سبق أن طلبتها إيران من الولايات المتحدة.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1980، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صادرات النفط الإيرانية.
وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1980، فُرضت عقوبات على جميع ودائع الحكومة الإيرانية في البنوك الأمريكية بالولايات المتحدة وأوروبا.
أبرز العقوبات الأمريكية ضد إيران
منذ تاريخ احتلال السفارة الأمريكية في طهران وعقوبات الولايات المتحدة ضد إيران لا تنقطع، ومن أبرزها:
في يناير/كانون الثاني 1984، حيث وافقت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، على قرار يحظر أي مساعدات أمريكية لإيران، وذلك عقب اتهام واشنطن لطهران بدعمها لمنفذين تفجير قاعدة للمارينز في العاصمة اللبنانية بيروت.
وفي أغسطس/آب 1986، قامت الحكومة الأمريكية، في خطوة أخرى لتوسيع العقوبات، بحظر الأسلحة وقطع الغيار والمعدات ذات الصلة إلى إيران.
في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1987 وقع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، الأمر التنفيذي رقم 12613 الذي يفرض عقوبات على إيران بدعوى دعمها للإرهاب كأداة لسياسة الجمهورية الإيرانية، عقب اتهام أمريكا لإيران باستهداف ناقلات النفط التي ترفع العلم الأمريكي في الخليج.
ووفق ذلك القرار، تم حظر استيراد السلع- ومن ضمنها النفط- والخدمات الإيرانية إلى الولايات المتحدة، ثم تبع القرار تنفيذ عمليات عسكرية أمريكية ضد مصافي النفط الإيرانية في الخليج.
انتهت فترة حكم ريغان، ورغم أن جورج بوش الأب كان نائبا له ومن ثم شريك في قرارات العقوبات الأمريكية ضد إيران خلال تلك الفترة، فإن سنوات ولاية بوش الأب التي تلت سنوات ريغان، شهدت استقرارا في العلاقات الإيرانية الأمريكية، وتم تقليص العقوبات الأمريكية ضد إيران إلى أدنى حد.
الحظر النفطي على إيران
لكن مع وصول بيل كلينتون للبيت الأبيض عاد الضغط الأمريكي على إيران للتصاعد، ولأول مرة، فُرضت عقوبات بسبب اتهامات حول طموحات إيران لامتلاك أسلحة دمار شامل.
وفي 15 مارس/آذار 1995، أصدر بيل كلينتون مرسوما اتهم فيه إيران بدعم الإرهاب الدولي، وتقويض عملية السلام في الشرق الأوسط، إضافة إلى محاولتها الحصول على أسلحة الدمار الشامل، وعلى أثر ذلك تم اعتماد عدد من العقوبات ضد إيران والتي استهدفت مجال النفط بالدرجة الأولى، وصدرت تحت مسمى “حالة الطوارئ الوطنية”، ورغم مرور ما يقارب ثلاثة عقود على هذا المرسوم، فإنه يتم تجديده سنويا منذ ذلك التاريخ من قبل الرؤساء الأمريكيين.
في الأمر الأوّلي للعقوبات ضد إيران، حظر بيل كلينتون التعاون التجاري والاستثمار لبلاده في صناعة النفط والغاز الإيرانية، وبعد شهرين، أدرج الحظر على أي نوع من أنواع التجارة مع إيران، وصدر ذلك في أمر تنفيذي يحمل الرقم 12959، مؤرخ في 6 مايو/أيار 1995، ومنع الأمر المواطنين والشركات الأمريكية من الاستثمار في إيران أو في العقارات التي تملكها وتسيطر عليها الحكومة الإيرانية.
مدد الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، “حالة الطوارئ الوطنية” في ما يتعلق بإيران عاما آخر. وفي عام 1996، حصل القانون المعروف باسم ILSA (قانون العقوبات على إيران وليبيا) على موافقة الكونغرس الأمريكي ووقعه كلينتون.
ويشرع هذا القانون الحظر السابق إضافة إلى حظر أي استثمار للشركات الأمريكية في ليبيا وإيران.
عقوبات أممية
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية متفردة لسنوات، بأبرز العقوبات ضد إيران، حتى وصل إلى الحكم الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، وأعلن تفعيل البرنامج النووي الإيراني، ورفع أي قيود عن تخصيب اليورانيوم، لتبدأ سلسلة من العقوبات الأممية ضد الدولة الإيرانية.
فجاء القرار 1737 الذي تم تبنيه في 23 ديسمبر/كانون الأول 2006 والذي يحظر على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، توريد المواد التي يمكن أن تسهم في برنامج إيران النووي والصواريخ الباليستية.
كما قدم القرار قائمة بالكيانات الإيرانية والأشخاص الذين يجب تقييد تنقلهم في الخارج وتجميد أصولهم، في البداية، ضمت القائمة 12 شخصاً و10 كيانات، لكن في 24 مارس/آذار 2007، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 1747 الذي وسع القائمة لتشمل شركات وقادة في الحرس الثوري الإيراني.
كما حظر القرار واردات الأسلحة من إيران، وفرض قيوداً على توريد أو بيع أو نقل جميع أنواع الأسلحة، وحث الدول الأعضاء والمنظمات المالية الدولية على الامتناع عن إصدار المنح والمساعدات المالية والقروض الميسرة إلى إيران.
وتزامنا مع ذلك في فبراير/شباط 2007، فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على الأسلحة ضد إيران.
وفي 3 مارس/آذار 2008، قامت الأمم المتحدة بتوسيع قائمة العقوبات بشكل أكبر، فقد دعا القرار 1803 الدول الأعضاء إلى تقييد دخول أو عبور بعض الأشخاص والكيانات في بلدانهم. كما دعا القرار الدول الأعضاء إلى توخي اليقظة حيال أنشطة مؤسساتها المالية مع جميع البنوك التي تتخذ من إيران مقرا لها، ومع فروعها في الخارج، لمنع تمويل برامج إيران النووية والصاروخية.
لكن هذه الإجراءات فشلت في وقف برنامج إيران النووي. وبحلول عام 2010، أنتجت إيران أول دفعة من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وأنشأت محطة فوردو لتخصيب الوقود بالقرب من قم.
وردا على ذلك، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 1929 الصادر في 9 يونيو/حزيران 2010 والذي شدد العقوبات على إيران، وحد من الاستثمارات الإيرانية، وحظر بيع إيران بعض الأسلحة الثقيلة.
كما حظر أي استثمار أجنبي في إنتاج المواد والتكنولوجيا النووية والصاروخية، ووسع القرار العقوبات المالية لتشمل جميع البنوك التي يمكن أن يشتبه في مساهمتها في البرنامج النووي الإيراني، ولم يُسمح لهذه البنوك بفتح فروع أو شركات تابعة في الخارج أو الدخول في أي معاملات مع مؤسسات مالية أخرى.
وعكس القرارات السابقة، ربط القرار 1929 بين عائدات النفط وتمويل البرنامج النووي الإيراني، وتم استخدام هذا البند لاحقا من قبل الدول الفردية لتبرير عقوباتها ضد قطاع الطاقة الإيراني.
إذ وقع الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، في يوليو/تموز 2010، “قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات” بعد إقراره من الكونغرس، ليصبح قانونا نافذا.
ووسّع هذا القانون بشكل كبير، العقوبات ضد إيران، كما أضاف أنواعا جديدة منها، وركَّز بشكل خاص على استهداف قطاع الطاقة الإيراني وقطاع إنتاج السيارات، والمؤسسات المالية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ووكالاته.
وبالتزامن مع القرار الأمريكي شدد الاتحاد الأوروبي عقوباته على طهران، إذ قرر في 12 أغسطس/آب 2010، حظر إقامة أعمال مشتركة مع شركات إيرانية تعمل في مجال صناعتي النفط والغاز الطبيعي وأي فرع أو منشأة تقع تحت إدارة هذه الشركات.
ومع حلول عام 2011، كان النظام المالي الإيراني بأكمله، وضمن ذلك البنك المركزي الإيراني، خاضعا للعقوبات الأمريكية، وفي الوقت نفسه، وسَّع الاتحاد الأوروبي عقوباته ضد إيران.
ففي عام 2011، وضع الاتحاد الأوروبي قوائم عقوبات تشمل ثلاثمائة فرد وجهة، وضمن ذلك جهات تملكها وتديرها الخطوط البحرية الإيرانية، وفرض على الجهات تجميد الأصول وحظر السفر على الأفراد الذين تشملهم العقوبات.
وفي عام 2012، حظر الاتحاد الأوروبي استيراد المواد الهيدروكربونية من إيران وتصدير معدات التعدين والمعادن والمعدات البحرية إلى إيران، كما قام بتجميد الأصول المالية المملوكة لطهران، والبنوك الإيرانية ومنع وصول إيران إلى شبكة سويفت.
كما حظر دخول الشحنات الجوية من إيران إلى أراضيه وفرض قيودا على تجارة قطع الغيار وخدمات صيانة الطيران الإيراني، إضافة إلى حظر وصول التكنولوجيات المرتبطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بتطوير الأسلحة النووية إلى الطلاب أو الباحثين الإيرانيين في جميع أنحاء أوروبا.
وبالتوازي مع إجراءات الاتحاد الأوروبي، غرمت الولايات المتحدة في أغسطس/آب 2012 ، “بنك ستاندرد تشارترد” في بريطانيا 340 مليون دولار، بعد اتهامه بإجراء تعاملات مصرفية نيابة عن إيران.
كما غرَّمت في يونيو 2014، مجموعة “بي إن بي باريبا”، ومقرها فرنسا، 9 مليارات دولار بدعوى مساعدتها إيران في انتهاك العقوبات الأمريكية.
إنهاء العقوبات
ظلت العقوبات الأممية ضد إيران قائمة إلى أن تقرر إلغاؤها جميعا كجزء من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، والتي تم التوقيع عليها من قبل إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، واعتمدها مجلس الأمن في قراره رقم 2231، لكن رغم أن الولايات المتحدة كانت عضوا في الاتفاق، فإنها أبقت على جزء من عقوباتها، كما جدد أوباما العمل بخطة الطوارئ الوطنية بشأن إيران.
ظلت العقوبات ضد إيران هادئة نسبيا إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، لتبدأ سلسلة عقوبات أوسع ضد إيران وصلت في مجملها مع نهاية رئاسة ترامب الأولى إلى 1500 عقوبة بينما كانت في عهد أوباما 370 عقوبة.
وبعد دخول جو بايدن البيت الأبيض مطلع عام 2021، واصل سياسة فرض العقوبات على إيران بدعوى انتهاكات حقوق الإنسان، وبيع الأسلحة الإيرانية إلى روسيا، والمشاركة في الهجمات السيبرانية.
كما فرضت أمريكا وكندا وبريطانيا وأستراليا والاتحاد الأوروبي عدة مجموعات من العقوبات ضد إيران بسبب قمع احتجاجات “المرأة – الحياة – الحرية” التي جابت إيران عام 2019 عقب وفاة الشابة مهسا أميني إثر توقيفها واحتجازها من قبل شرطة الأخلاق.
وفي عامي 2022-2023، عززت بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوباتها بشكل كبير، خاصة ضد الحرس الثوري الإيراني.
ومنذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وزيادة التوتر بين إيران وتل أبيب وتبادلهما الهجمات الصاروخية، طالت إيران حزمة جديدة من العقوبات الأوروبية والأمريكية.
ولا تخرج العقوبات الجديدة في مضمونها عن العقوبات السابقة التي طالت إيران على مدار تاريخها، والتي شملت كافة مؤسسات الدولة تقريباً، فقط ما يختلف حديثا هو أسماء الأشخاص والكيانات التي تتم إضافتها إلى قوائم العقوبات.