كتبت: سارة محمد علي
بينما تجدد الإمارات العربية المتحدة مطالبتها باسترداد الجزر الثلاث طنب الكبرى والصغرى والكبرى وأبو موسى، التي تعتبرها جزرا محتلة من قبل الجمهورية الإيرانية منذ عام 1971.
أعلنت إيران التي تعتبر الجزر الثلاث ملكية خالصة لها، عن إنشاء مجمع سكني ومنتجع سياحي، يتكرر ذلك الإعلان الإيراني بعد مرور أكثر من عقد على أول مرة أعلنت فيها إيران عن إنشاء مشروعات مشابهة دون أن يتم تنفيذها، فهل تتحقق الوعود الإيرانية تلك المرة وتفرض طهران أمراً واقعاً على أبوظبي؟

أعلن وزير التراث الثقافي والسياحة الإيراني، رضا صالحي أميري، وجود خطة لإنشاء مجمع سياحي ترفيهي وسكني يمتد على مساحة 30 هكتارا في جزيرة أبو موسى المتنازع عليها مع دولة الإمارات.

وقال: “بإمكان جميع المواطنين السفر والإقامة في هذا المشروع بعد إنشائه”، جاءت هذه التصريحات في مؤتمر صحفي على هامش اجتماع للحكومة الأربعاء 30 أكتوبر/تشرين الأول، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
تأتي تلك التصريحات بعد أيام من إعلان أرسلان مالكي، نائب وزير الطرق والتنمية الحضرية في إيران، عن بدء بناء 110 شقق سكنية في جزيرة أبو موسى، مؤكدا أن هذا الجزيرة تتبع أراضي الجمهورية الإيرانية ويحق لها البناء فيها والتخطيط لمشاريع الإسكان، بحسب ما نقله عنه موقع تابناك الإيراني.
وفي مايو/أيار 2023 أعلنت الهيئة الوطنية للأراضي والإسكان في إيران عن التبرع بالأرض بجزيرة أبو موسى، للإيرانيين الراغبين في الإقامة بها، شريطة أن لا يكونوا قد امتلكوا عقارات خلال السنوات الخمس السابقة، بحسب ما ذكره موقع تجارت نيوز الإيراني.
أعقب ذلك إعلان من المرشد الإيراني علي خامنئي، عن إعفاءات من الخدمة العسكرية لسكان تلك الجزر ومن سينتقلون للعيش فيها، بحسب ما ذكره الموقع الرسمي لخامنئي في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبحسب الصحف الإيرانية المحلية، فإعلان إنشاء الوحدات السكنية والمجمع السياحي يأتي إتماماً لتلك الخطة، لكن السؤال: هل ستنفذ إيران خطتها تلك المرة؟
فهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الجمهورية الإيرانية عن إنشاء وحدات سكنية ومنتجع سياحي على جزيرة أبو موسى، دون أن تنفذ ما أعلنت عنه.

في 11 أبريل/نيسان 2012، قام الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، بزيارة جزيرة أبو موسى، في زيارة كانت الأولى لمسؤول إيراني رفيع منذ 40 عاما.
وبعد أيام من زيارة نجاد، صادقت الحكومة الإيرانية على قرار يقضي بتحويل جزيرة أبو موسى إلى منطقة سياحية نموذجية، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
وفي 23 أبريل/نيسان من العام نفسه، أعلن وزير الثقافة الإيرانى حينها محمد حسينى، عن اعتزام بلاده افتتاح مجمع ثقافي رقمي في جزيرة أبو موسى في الاحتفال باليوم القومي للخليج الفارسي وهو المسمى الذي يطلقه الإيرانيون على الخليج العربي، وفقا لما نقلته عنه وكالة أنباء فارس الإيرانية.
كما أعلن شفيع أقام حمديان، مدير المركز الثقافي للأفلام الوثائقية حينها، أن إيران ستقيم مؤتمرا للسينما التجريبية في جزيرة أبو موسى.
أعقب ذلك رحلات سياحية عدة إلى الجزيرة قامت الحكومة الإيرانية بتنظيمها لمواطنين إيرانيين من مختلف محافظات الجمهورية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أعلن مدير منظمة السياحة والتراث الثقافي الإيرانية في مدينة هرمزغان حينها، مهدي دريانور، أن إيران توشك على إكمال بناء منتجع سياحي مؤلف من مجموعة ضخمة من المشاريع السياحية في جزيرة أبو موسى، وقال إنه تم إكمال جزء كبير من هذا المنتجع السياحي وسيتم إكماله خلال شهر، بحسب ما نقلته عنه وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”.
وذكر مهدي دريانور أن المجمع السياحي في أبو موسى سوف يضم ميناء سياحيا وحاجزا للأمواج، وسيتم العمل عليه ليصبح جاذبا للسياح الإيرانيين والأجانب.
وأضاف أن هناك خطة أخرى لاستضافة علماء الآثار والبدء في إجراء التنقيبات الأثرية بجزيرة أبو موسى.
تزامنا مع ذلك أنشأ الحرس الثوري الإيراني في الشهر نفسه، قاعدة عسكرية بحرية في محيط منطقة الجزر التي تضم أيضاً جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى، ونشر فيها أنظمة صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، إضافة الى صواريخ بعيدة المدى وقوات من مشاة البحرية، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
لكن لم يتم تنفيذ أي من تلك المشروعات رغم مرور أكثر من عقد على الإعلان عنها، فهل تنفذها إيران الآن؟
ماذا نعرف عن جزيرة أبو موسى؟
جزيرة أبو موسى: هي كبرى الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الإمارات وإيران،
تقع على مسافة 94 ميلاً بحرياً من مدخل الخليج العربي عند مضيق هرمز، وتبعد عن الساحل الشرقي للخليج بنحو 72 كم، بينما تبعد ما يقرب من 60 كم من سواحل دولة الإمارات العربية المتحدة وبصفة خاصة في مقابل ساحل إمارة الشارقة. وهي جزيرة مستطيلة الشكل تبلغ مساحتها نحو 35 كم مربع، أقصى طول لها 5 كم وأقصى عرض 9 كم، يتكون سطحها من سهول رملية منخفضة مغطاة بأعشاب جافة، وبها تل جبلي يطلق عليه سكان الجزيرة جبل الحديد ويقع في منتصف الجزيرة ويبلغ ارتفاعه 360 قدما، كما يوجد جبل آخر يسمى جبل الدعالي (أي جبل القنافد).
كما يوجد فيها العديد من المعادن مثل البترول، وأكسيد الحديد الأحمر، وكبريتات الحديد، والكبريت.
وتوجد في الجزيرة عدة آبار للمياه العذبة، منها بئر عذبة على عمق 30 قدما، وبذلك تتوافر في الجزيرة المياه الصالحة للاستخدام الآدمي والزراعة والرعي.
ويقطن الجزيرة نحو 1500 نسمة، ويعمل بعض السكان المحليين في مناجم استخراج الأكسيد خلال فصل الشتاء، وفي فصل الصيف يعملون في الصيد البحري والملاحة، ويتم تسويق الثروة السمكية إلى السفن العابرة أمام الجزيرة.
ورغم وجود قاعدة عسكرية للحرس الثوري الإيراني بالجزيرة، فهناك أيضا عدة إدارات حكومية تابعة لإمارة الشارقة تؤدي الخدمات للسكان، مثل مدرسة للبنين والبنات وعيادة للرعاية الصحية ومركز للشرطة ومستودعات ومخازن للمواد الغذائية والتموينية.
الأهمية الاستراتيجية لجزيرة أبو موسى
تقع أبو موسى على المدخل الشمالي لمضيق هرمز، والطرف المسيطر عليها قادر على التحكم في حركة الإمدادات النفطية عبر المضيق.
وبحسب دراسة لخبراء الاقتصاد والسياسة في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية بجامعة جورج تاون الأمريكية، فإن 68% من صادرات نفط الشرق الأوسط تمر من مضيق هرمز بشواطئ الجزر الثلاث، وإن هذه النسبة تُشكل نصف الطاقة التي تعتمد عليها صناعة العالم واقتصاده ومتطلبات حياته اليومية.
وبحكم هذا الموقع الجغرافي المتميز فإنها صالحة للاستخدامات العسكرية؛ مما يجعلها مركزا ملائما للرقابة العسكرية على السفن التي تعبر الخليج العربي، أما سواحلها فيمكن استخدامها ملجأ للغواصات وقواعد إنزال آمنة؛ لكون مياهها عميقة وتصلح لإقامة منشآت عسكرية.
إضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لجزيرة أبو موسى وجارتيها طنب الكبرى والصغرى، فلا يمكن إغفال الأهمية الاقتصادية لما تحويه تلك الجزر من ثروات معدنية، وربما لتلك الأسباب لا تتوقف دولة الإمارات عن المطالبة في المحافل الدولية بأحقيتها الكاملة في الجزر الثلاث، بينما تعلن إيران في كل مرة ردا على المطالبات الإماراتية، أنها لن تفرط في شبر واحد منها، وأخيرا تحاول إرساء أمر واقع بتعمير الجزر بمجمعات سكنية ومنتجع سياحي، لكن لا يمكن الجزم بأنها ستنفذ وعودها هذه المرة وتضع الإمارات أمام أمر واقع بفرض السيادة الإيرانية على الجزر، ولم تعلق الإمارات العربية المتحدة حتى تاريخ نشر هذا التقرير، على المشروعات الإيرانية المعلن عنها ولا عن الخطوات التي سوف تتخذها في حال البدء في تنفيذها.