كتب: محمد بركات
ألقى علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، خطابا من مدينة قم الإيرانية الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025، وذلك بمناسبة إحياء ذكرى المظاهرات التي اندلعت هناك في العام 1978، وقبل عام واحد من قيام الثورة الإيرانية في عام 1979.
وخلال حديثه تناول خامنئي عدة نقاط، حيث قال: “إن إحياء ذكرى حادثة التاسع عشر من شهر دي، أحد الأشهر في التقويم الفارسي والموافق 9 يناير/كانون الثاني 1978- أمر ضروري من ناحيتين، فأولا؛ لأن هذا اليوم يمثل أحد أهم الأيام في تاريخ بلدنا، حيث يعدّ من أبرز النقاط التي يمكن أن يراها أي شخص يطّلع على تاريخ إيران، ففي هذا اليوم، انطلقت حركة عظيمة أدت إلى ثورة كبيرة هزّت العالم وغيّرت الخريطة السياسية، مما يجعل هذا الحدث قمة تاريخية بارزة”.
وتابع: “وثانيا، لأن التاسع عشر من دي يحمل دروسا يجب أن نتعلّمها، فهذه الحوادث، التي نطلق عليها أيام الله، تهدف إلى تقديم العبر والدروس. لذلك، فإنّ تجمعكم السنوي، سواء هنا أو في قم، حركة ضرورية ومؤثرة نأمل أن تكون فعّالة بإذن الله”.
رؤية أمريكا لإيران قبيل الثورة
حول التحالف الإيراني الأمريكي الذي كان قائما قبل الثورة، ذكر خامنئي أنه “قبل أيام من حادثة التاسع عشر من دي، زار الرئيس الأمريكي آنذاك، جيمي كارتر، طهران، وأشاد بالشاه محمد رضا بهلوي، واصفا إيران تحت حكمه بأنها جزيرة الاستقرار وسط منطقة مضطربة، ولكن، كانت إيران في ذلك الوقت خاضعة تماما لأمريكا، حيث وُجد فيها أكثر من خمسين ألف مستشار عسكري أمريكي يتقاضون رواتبهم من أموال الشعب الإيراني، والتي فاقت ميزانية التعليم آنذاك. من جهة أخرى، كانت السياسة الداخلية تعتمد على قمع كل الحركات المعارضة، مع فجوة طبقية هائلة وتدهور في كل المجالات”.
“أمريكا أخطأت في حساباتها تجاه إيران وما زالت”
وخلال حديثه أشار خامنئي إلى خطأ تقدير الولايات المتحدة للأحداث التي وقعت في إيران، ذلك الخطأ الذي وصفه المرشد بأنه مستمر حتى الآن، حيث صرح: “أولئك الذين ينبهرون بمظاهر الولايات المتحدة وينسون عظمة الأمة المعنوية الخاصة بهم، وينسون الله، ويضعون الولايات المتحدة في مقام عالٍ بأذهانهم، عليهم أن ينتبهوا إلى أن أمريكا دائما ما تخطئ في حساباتها”.
وتابع قائلا: “ففي 9 يناير/كانون الثاني 1978، جاء كارتر إلى هنا وألقى خطابا أشاد فيه بالنظام البهلوي، وبعد تسعة أيام فقط، وقعت مظاهرات قم. هذا مثال على خطأ حساباتهم، لقد كانوا يعتقدون ويفهمون الأمور بطريقة خاطئة تماما، فشعب قم انتفض نيابة عن الأمة الإيرانية، حيث كانوا مدفوعين بدافع وإرادة كانت منتشرة في جميع أنحاء البلاد”.
وأضاف: “ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، وعلى مدى هذه العقود، استمرت الولايات المتحدة في ارتكاب الأخطاء بشأن إيران، فعلى مدار أكثر من أربعين عاما، فشلت أمريكا في معظم السياسات التي اتبعتها ضد إيران والمثال على ذلك هو العقوبات التي فرضت من أجل شل الاقتصاد الإيراني، ومع ذلك، شهدت إيران خلال هذه الفترة أكبر تقدم في العلوم والتكنولوجيا، وأعظم نفوذ إقليمي، وأعلى نسبة من الشباب الجاهزين للعمل في مختلف المجالات”.
أهمية التصدي للحرب الدعائية
وعن الحرب الدعائية وتأثيرها على المجتمع، قال خامنئي: “إن تلك الحادثة التي نحتفل بها اليوم أظهرت كيف يمكن أن تكون الدعاية أداة خطيرة في يد الأعداء. في تلك الفترة، حاول النظام تشويه صورة الإمام الخميني بهدف كسر الروح المعنوية للشعب، لكن قوى الثورة تصدت لهذا المخطط وأبطلت مفعوله. اليوم، يواصل الأعداء استخدام وسائل الإعلام والدعاية لخلق انقسامات وتشويه الحقائق”.
كما شدد المرشد الأعلى على أن “المهمة الأساسية لجهازنا الإعلامي، ومؤسساتنا الثقافية، وإعلامنا، ووزارة الإرشاد، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، ونشطاء مواقع التواصل، هي تمزيق الستار الوهمي لقوة العدو وكسر هذا التوهّم، فعلينا أن نمنع دعاية العدو من التأثير على الرأي العام. هذا هو ما فعله أهل قم في ذلك اليوم، لقد انتزعوا هذه الأداة من يد العدو، وكسروا قوته الإعلامية، وجعلوه عاجزا عن الاستمرار”.
الفرق بين أمريكا والاتحاد الأوروبي
وأوضح خامنئي أن العداء الأمريكي لإيران لن ينتهي، حيث صرح بأن “ثروات إيران، ولعقود طويلة كانت في يد أمريكا، ثم جاءت ثورتكم وانتزعت هذا من أيدي أمريكا؛ مرارة أمريكا من هذا الأمر ليست شيئا يُنسى بسهولة”.
وردا على المفاوضات مع أمريكا، صرح خامنئي بأن “البعض يقول: لماذا لا ترغبون في التفاوض مع أمريكا أو إقامة علاقة معها، بينما تقيمون علاقات مع الدول الأوروبية؟ إن الفرق بين أمريكا وأوروبا هو أن أمريكا كانت تملك هنا، وتم انتزاع هذا من قبضتها؛ كراهية أمريكا لهذا البلد وهذه الثورة هي كراهية شديدة جدا ولا تُنسى بسهولة. هذا يختلف عن تلك الدول الأوروبية. نعم، تلك الدول الأوروبية أيضا ليست صديقة محببة للشعب الإيراني؛ نحن نعلم ذلك جيدا، ولكن هذا يختلف كثيرا”.
وأضاف: “إن سبب تمييزنا بين أمريكا والدول الغربية الأخرى هو أن أمريكا هُزمت في إيران، وهي تحاول أن تعوض هذه الهزيمة؛ لذلك هي تعادي بكل طريقة ممكنة. هذه هي النقطة الأولى”.
“لا تنصاعوا لأمريكا”
وقد خاطب خامنئي المسؤولين في إيران قائلا: “على أولئك الذين يتخذون قرارات في القضايا الثقافية، أو الاقتصادية، أو المتعلقة بالتضخم، أو الإنتاج، أو العملة، أو الحجاب، وغيرها، أن ينتبهوا وألا يراعوا رغبات أمريكا أو مواقف الصهاينة، بل أن يركزوا على مصالح البلاد، فذاك هو السبب الذي اختارنا على أساسه الشعب”.
وأشاد خامنئي بمواقف الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، حيث قال: “لحسن الحظ، فإن المواقف الصريحة والشجاعة التي اتخذها رئيس جمهوريتنا المحترم بشأن النظام الصهيوني قد أفرحت قلوب الشعب وأسعدتهم. لقد أعلن موقفه الواضح والحاسم بشأن النظام الصهيوني وكذلك بشأن التحركات الأمريكية ودعمها”.
وفي الأخير وجه خامنئي رسالة إلى الشعب الإيراني، حيث قال: “علينا أن نتحلى بالأمل، وألا ندع المشاكل الحالية تخفي ما حققناه من نجاحات، علينا أن نبث الأمل ونعمل أن تكون حياة الشعب أفضل”.
ما هي أحداث 19 دي؟
تظاهرات التاسع عشر من شهر دي، الموافق 9 يناير/كانون الثاني 1978، والتي وقعت في مدينة قم، إحدى المدن الإيرانية ومعقل أهم الحوزات العلمية بإيران، والمعروفة رسميا في التقويم الإيراني باسم انتفاضة قم الدامية، هي مظاهرات استمرت عدة أيام وجاءت اعتراضا على نشر مقال مسيء ضد رجل الدين الإيراني وقائد الثورة الإيرانية فيما بعد، روح الله الخميني، الذي كان منفيا بمحافظة النجف بالعراق، بعنوان “إيران والاستعمار الأحمر والأسود” في صحيفة اطلاعات، وانتقلت منها إلى جميع المدن في إيران، في حين يعتبر كثيرون أن تلك المظاهرات كانت الشرارة الأولى للثورة الإيرانية التي أتت بعدها بعام.
في اليوم التالي من بدء التظاهرات، أغلقت الأسواق في قم، وانضم أعداد كبيرة من الطلاب والتجار والمتدينين إلى هذه الحركة الاحتجاجية بجانب رجال الدين، واستمرت التظاهرات.
وقد تعاملت الشرطة حينها بعنف مع المتظاهرين وبدأت عمليات إطلاق النار في تقاطع فاطمي، المعروف الآن باسم ميدان الشهداء، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء والجرحى.
وقد مثلت هذه التظاهرات أول تظاهرات كبرى ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي بعد انتفاضة يونيو/حزيران 1963 والتي جاءت اعتراضا على اعتقال الخميني والتي على أثرها تم نفيه إلى العراق.