ترجمة: شروق السيد
تناولت صحيفة “شبکه شرق” الإيرانية، السبت 26 سبتمبر/تشرين الأول 2024، قضية زيادة استهلاك البنزين في إيران، والذي يُعتبر من أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الحكومة والشعب على حد سواء، يستعرض التقرير جوانب متعددة من القضية، بداية من الاتهامات الموجهة للإيرانيين حول زيادة الاستهلاك مقارنة بالمعدل العالمي، وصولا إلى التحديات المتعلقة بتهريب البنزين والقيود على واردات السيارات الموفرة للطاقة.
كتب علي متقيان، الناشط الإعلامي، في موقع “شرق”: “قدّم بزشکیان، الرئيس الإيراني، موازنة سنة 2025، وفقا للقانون في الموعد المحدد، للبرلمان الإيراني”.
وأضاف: “إن نجاح الحكومة الرابعة عشر (الحكومة الحالية لرئيس مسعود بزشكيان) في تقديم الموزانة إلى البرلمان طبقا لمقررات الميزانية مع القضاء على الإسراف وبكل احترافية، رغم المشاكل العديدة، يستحق الثناء الكبير”.
من القضايا التي تم تناولها في أثناء تقديم الموزانة وعلى الهامش، تعديل سعر البنزين.
وتابع: “إن الشعب الإيراني العزيز، على الرغم من المشاكل الاقتصادية وتحمل التضخم الذي يتجاوز 40%، متهم بشراء البنزين بأسعار زهيدة وأقل من أسعار الماء، ويستهلكه يوميا بشكل مبالغ فيه، بعبارة أخرى، إنه يستهلك من البنزين عدة أضعاف ما يستهلكه المتوسط العالمي، وتقوم الحكومة بدفع دعم مالي كبير لهذا الأمر”.
تهريب البنزين الإيراني
وأضاف: “لحل هذه المشكلة، تم تقديم العديد من الحلول حتى الآن، ولكن لم يكن أي منها مجديا، إضافة إلى ذلك، وبسبب ارتفاع أسعار البنزين في الدول المجاورة، فإننا نواجه للأسف تهريبا مدبرا أو غير مدبر! على حدود البلاد، خصوصا على الحدود الشرقية والبحرية، والتي تذاع أخبارها أحيانا في وسائل الإعلام بإحصائيات مرتفعة”.
وتابع: “إن تهريب مثل هذه الكمية الكبيرة من البنزين بعيدا عن أعين حرس الحدود مسألة تستوجب البحث، ولكن للأسف، فإن هذه الظاهرة القبيحة والمُضرة قد انتشرت في البلاد، ويتخذ العاملون بها أي إجراء إنساني وغير إنساني وغير أخلاقي من أجل الأرباح الناتجة عن تهريب الوقود”.
قضية تهريب المنتجات النفطية في البلاد ألم قديم يتطلب حلا استثنائيا لعلاجه.
أسباب اتهام الإيرانيين بزيادة استهلاك البنزين
وأضاف: “ما يمكن طرحه بشأن اتهام الإيرانيين بزيادة استهلاك البنزين يعود إلى إهمال المعنيين في الصناعة بأهمية ترشيد استهلاك الوقود، فقد بدأت صناعة السيارات في إيران بغض النظر عن قيود الاستهلاك، منذ أن انتشر طراز (بيكان) في إيران، إلى جانب علامات تجارية مثل شيفروليه، وجيب، ورينو، وآريا، وشاهين، وحصل الإيرانيون عليها من ثلاثة مصانع مشهورة، ولم يتم الاهتمام في الإنتاج بقلة استهلاك البنزين وترشيده”.
وتابع: “وبالفكر نفسه، لم يكن لدى المسؤولين عن الإنتاج أو مستوردي السيارات أي اهتمام بمسألة استهلاك البنزين للسيارات التي كانوا يستوردونها من الخارج أو التي كانت تُجمع وتُنتج في المصانع المحلية، وللأسف، استمرت هذه الثقافة والعادة الخاطئة بعد الثورة، بين المستوردين والمصنّعين”.
وأضاف: “في اليوم الذي استحوذت فيه سيارات (باترول) المستوردة ذات الست أسطوانات والتي تستهلك أكثر من 20 لترا لكل 100 كيلومتر على أعلى معدل استهلاك بين السيارات المتداولة، وسيطرت فجأة على الشوارع والمراكز العسكرية والرسمية، تم إبلاغ المصنعين الأجانب بأننا لا نهتم باستهلاك البنزين عند استيراد السيارات، حتى عندما تم إدخال سيارة (بيجو 405) 2000 باعتبارها سيارة متقدمة وتم تجميعها في شركة إيران خودرو ثم دخلت خط الإنتاج المحلي، ظهرت في المدن سيارة تستهلك أكثر من 15 إلى 18 لترا من البنزين لكل 100 كيلومتر”.
وفي هذا السياق قال: “لقد زاد استيراد مثل هذه السيارات في البلاد، وكان الناس، دون أن يكون لديهم خيار حقيقي، وأحيانا دون أن يدركوا حجم استهلاك سياراتهم المرتفع، يشترون ما كانت تنتجه المصانع المحلية أو تستورده الدولة، ويستخدمون البنزين الذي توزعه الدولة دون الاهتمام بالدور الذي يلعبه استهلاك البنزين العالي ونوعه في تلوث الهواء”.
وتابع قائلا: “ولا يمكن إغفال أن السبب وراء زيادة استهلاك البنزين في البلاد في السنوات الأخيرة يعود إلى تأثير إنتاج مصانع السيارات، ولا يزال كذلك حتى الآن، فرغم التغييرات التي أجريت على نظام الوقود في السيارات، ورغم استخدام تقنيات متقدمة، لا يزال متوسط استهلاك السيارات المنتجة نحو 10 لترات، وهو غير قابل للمقارنة مع السيارات العالمية، وبالأرقام، يمكن القول إن متوسط استهلاك السيارات الحديثة في إيران يبلغ 10 لترات لكل 100 كيلومتر، بينما يصل استهلاك السيارات القديمة إلى أكثر من 15 لترا؛ في حين أن هذا الرقم في البلدان الأخرى يقارب سبعة لترات”.
وأضاف: “ورغم هذه الظروف والإمكانات والسيارات المتاحة، تشير الإحصائيات إلى أن الشعب الإيراني متهم باستهلاك البنزين بمعدل أعلى من الدول الأخرى، غير أن ما يُغفل هنا هو أن الدول التي تُقارن مع إيران تتمتع بوسائل نقل عامة مناسبة داخل المدن وعلى الطرق، مما يقلل من استخدام السيارات الخاصة في الحياة اليومية، حيث يتم استخدام السيارات الخاصة، بشكل رئيسي للتنزه والرحلات العائلية، وتكون هذه السيارات في المتوسط ذات استهلاك أقل من نصف استهلاك السيارات الإيرانية”.
أسعار السيارات في إيران
وتابع: “الإشارة إلى هذه النقطة منسية ومهملة، وهي أن أسعار السيارات في إيران لا يمكن مقارنتها بالدول الأخرى، بناء على بحث أجريته عن السيارات التي تستهلك في المتوسط نحو خمسة لترات لكل 100 كيلومتر، وجدت أن هناك منتجات لطراز ياباني قامت بنقل إنتاجه إلى الهند؛ أي سيارة يابانية مصنعة في الهند! يصل سعر أحد الطرازات الهندية-اليابانية إلى 574 ألف روبية، ما يعادل نحو 4000 مليون ريال بسعر الصرف الحالي في إيران”.
وأضاف قائلا: “في إيران، وبعد عملية طويلة من التسجيل حتى الشراء، تتضمن فتح حساب بنكي، وتجميد 5000 مليون ريال في هذا الحساب لدى البنوك، والتسجيل في النظام وانتظار السحب العشوائي على أمل الحصول على فرصة، يتعين على الشخص، حتى لو حالفه الحظ في السحب، انتظار نحو ستة أشهر لتسلم السيارة، بعد نحو سنة من الانتظار، يجب أن يدفع الشخص أكثر من 1.5 مليار تومان، بعبارة أخرى، وبصرف النظر عن الانتظار وعدم وضوح موعد التسليم، يدفع الإيرانيون ما يزيد على ثلاثة أضعاف السعر في الهند”.
وفي هذا السياق قال: “عند استلام السيارة بعد كل هذا الانتظار، تكون السيارة التي اشتريتها تستهلك 5.5 لتر من البنزين لكل 100 كيلومتر، وإذا افترضنا أن متوسط مسافة السير لكل سيارة في إيران هو 200 ألف كيلومتر، فإن الفائض الذي دفعه المستهلك الإيراني منذ البداية، والذي يزيد على مليار تومان، يعني أنه مقابل كل لتر من البنزين المستهلك (لحساب المسافة 200 ألف كيلومتر بمتوسط استهلاك 5.5 لتر لكل 100 كيلومتر)، ما هو مقدار البنزين الذي يحتاجه؟”.
وأضاف: “وبناءً على هذا، إذا اعتبرنا أن أكثر من مليار تومان كقيمة زائدة يدفعها الإيرانيون مقابل سيارة هندية يُحسب كفارق سعر البنزين، فما هو المبلغ الذي دفعه الإيراني عن كل لتر من البنزين عند شراء السيارة تحت عنوان رسوم أو ما إلى ذلك؟”.
وتابع: “على الرغم من أن هذا النوع من الحسابات قد لا يكون دقيقا، فإن الحقيقة أيضا هي أن الشعب الإيراني يدفع بنحوٍ ما بتكلفة الدولار الحر، بينما يتلقى راتبه بالريال، ويُتهم دائما بأن استهلاكه مرتفع أو أن الطاقة المتاحة له رخيصة ويستهلكها بسهولة، لكن،كم يكلف الحكومة توفير البنزين والطاقة؟”.
ما هو الحل؟
وأضاف قائلا: “الحل يكمن في إلزام شركات تصنيع السيارات المحلية بإنتاج سيارات منخفضة الاستهلاك، أو إزالة الرسوم التي تُفرض على الشركات المصنعة والمستهلكين، ومن ناحية أخرى، فتح باب الاستيراد بحيث تشعر الشركات المحلية بالمنافسة وتقدم للمواطنين منتجا اقتصاديا”.
وتابع: “في حال لم يتحقق ذلك، وبينما ينتظر المواطنون شهورا للحصول على سياراتهم عن طريق السحب، ويدفعون مقدما لشرائها، ويضطرون لانتظار نحو 10 أشهر للحصول على سيارات أجنبية بأسعار ثلاثية، ستبقى الشوارع مليئة بالسيارات التي مضى على إنتاجها أكثر من 10 سنوات وتستهلك أكثر من 15 لترا، وستتعامل الشركات مع العملاء كما تشاء، لأن العميل لا يملك خيارا آخر ويضطر إلى شراء سيارة منخفضة الجودة ودفع أعلى الأسعار، وانتظار وقت طويل، وعند استلامها يجدها أقل جودة مع استهلاك بنزين بعيد عن المعايير العالمية”.
وأضاف: “ويُتوقع في حكومة الوفاق الوطني، أن يهتم الدكتور بزشکیان بتوفير وسائل النقل العام وتوسيعها لتوفير راحة المواطنين، وأن يولي اهتماما خاصا بصناعة السيارات المحلية، ويلزم الشركات بالإنتاج بجودة عالية وباستهلاك أقل، وفي نفس الوقت يسعى لفتح باب استيراد السيارات ذات الجودة العالية”.
واختتم قائلا: “في هذه الحالة، يمكن أن نأمل في وقت ليس ببعيد أن يصل استهلاك البنزين بإيران إلى مستوى عالمي، وأن يكون هناك أمان على الطرق للمستهلكين بفضل استخدام سيارات آمنة، وألا يتحمل الإيرانيون تكاليف باهظة لشراء السيارات”.