ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
نشرت صحيفة “إيران” الرسمية لسان حال الحكومة الإيرانية، الجمعة 11 أبريل/نيسان 2025، تقريرا استعرضت فيه الانقسام داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن كيفية التعامل مع إيران، بين فريق يدعو إلى التصعيد العسكري وآخر يفضّل الحلول الدبلوماسية.
مبارزة الحمائم والصقور
قالت الصحيفة إن إعلان ترامب الأخير حول استعداده للتفاوض مع إيران، وتعيين ستيف وِيتكوف كمفاوض أمريكي كبير، أدي إلى تهميش ملحوظ لمواقف الشخصيات المتطرفة المعادية لإيران داخل البيت الأبيض.
حتى قبل أيام قليلة فقط، حين تقدمت إيران بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد الولايات المتحدة بسبب تهديدها بقصف إيران في حال فشل التوصل إلى اتفاق، كان كثير من المراقبين يعتقدون أن الكفة تميل تماما لصالح التيار المتشدد في البيت الأبيض، وأن دعاة التفاوض عاجزون عن مجابهة دعاة الحرب.
وتابعت أن تصريحات دونالد ترامب خلال لقائه بنيامين نتنياهو، قلبت كثيرا من الحسابات حتى الآن؛ وخصوصا حسابات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، الذي كان يعتقد أن بإمكانه إقناع ترامب بتطبيق سيناريو نزع سلاح الدمار الشامل في ليبيا على إيران.
في هذا السياق، ومع اتضاح الخلاف بين ترامب ونتنياهو ـ الذي يصرّ على الخيار العسكري ضد إيران ـ سلطت بعض وسائل الإعلام الغربية مجددا الضوء على الانقسام داخل فريق السياسة الخارجية في إدارة ترامب بشأن التعاطي مع طهران.
وبعد الإعلان عن موعد ومكان المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، أبرز موقع “أكسيوس” التوافق بين شخصيات مثل “جي دي فانس” نائب الرئيس الأمريكي، و”ستيف وِيتكوف” المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، حول ضرورة اللجوء إلى الدبلوماسية في التعامل مع إيرن، مؤكدا أن ترامب بات اليوم أقرب إلى معسكر أنصار السلام الذين يفضلون الحلول الدبلوماسية.
الانقسام داخل الدائرة المقربة من ترامب
أردفت الصحيفة أنه لطالما كانت إيران من القضايا المحورية في السياسة الخارجية لدونالد ترامب. فالرئيس الأمريكي لطالما انتقد سياسة إدارة جو بايدن تجاه إيران، سواء خلال حملته الانتخابية أو بعد وصوله للسلطة، مؤكدا على ضرورة انتهاج سياسة “الضغط الأقصى” عبر تشديد العقوبات ومواجهة صادرات النفط الإيراني. لكنه، في الوقت ذاته، شدد على أهمية التوصل إلى اتفاق نووي وتفادي الحرب، ونفى سعيه إلى تغيير النظام في طهران.
وفي هذا السياق، ومع تعيين “ماركو روبيو”، السيناتور الجمهوري المتشدد، وزيرا للخارجية، و”مايك والتز”، المعروف بمواقفه الصارمة تجاه إيران، كمستشار للأمن القومي، من جهة، ووجود “ستيف وِيتكاف” كمبعوث خاص في الجهة المقابلة، نشأ انقسام واضح في الدائرة المقربة من ترامب في ما يتعلق بإيران.
وتابعت أن الأمر يزداد تعقيدا وجود شخصية إعلامية مثل “تاكر كارلسون” إلى جانب الرئيس الأمريكي، والذي يُقال إنه بات يتمتع بنفوذ كبير في البيت الأبيض. وقد طرحت بعض المصادر أيضا اسم “إريك ترامب”، نجل الرئيس، كأحد المؤيدين البارزين للنهج الدبلوماسي.
معسكر أنصار الدبلوماسية في مركز اتخاذ القرار الأمريكي
يرى بعض المحللين أن “ستيف وِيتكوف” هو حجر الزاوية في أي تفاعل أو قرار يتخذه ترامب بشأن إيران. فقد تم تفضيله سابقا على “كيث كلوغ”، المبعوث الخاص لأوكرانيا، لقيادة مفاوضات واشنطن مع موسكو بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وفي تصريحات حديثة له، دعا وِيتكوف إلى التوصل إلى تسوية مع إيران حول الملف النووي، واقترح آلية تحقق مشددة لمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن اقتراح وِيتكوف ينسجم عمليا مع اتفاق أوباما لعام 2015 مع إيران، والذي حظي حينها بدعم كامل من الدول الأوروبية.
أما “تاكر كارلسون”، المعروف بانتقاده للتدخلات العسكرية الأمريكية، والذي يُقال إنه كان له دور في إثناء ترامب عن مهاجمة إيران خلال ولايته الأولى، فيُعد من الشخصيات المؤثرة على الرئيس فيما يتعلق بالشأن الإيراني. وقد حذر كارلسون ترامب مرارا من أن أي هجوم على إيران سيقود حتما إلى حرب مكلفة ستؤدي إلى مقتل آلاف الجنود الأمريكيين في المنطقة.
مساعي صقور إدارة ترامب لدفع نحو المواجهة مع إيران
أشارت الصحيفة إلى أن الصورة ليست بهذا الوضوح فقط. فعلى الطرف الآخر من طاولة الأمن القومي في البيت الأبيض، تقف شخصيات متشددة تُعرف بمعسكر دعاة الحرب والتدخل العسكري، وهي ترى أن السبيل الوحيد لوقف البرنامج النووي الإيراني هو الخيار العسكري أو التهديد الجدي باستخدامه، أو تفكيك البرنامج النووي بالكامل من خلال استخدام القوة والضغوط السياسية.
ويُعد “مايك والتز”، الذي يتصدر فريق الأمن القومي في البيت الأبيض، الشخصية الأبرز في هذا المعسكر. ففي مقابلة له مؤخرا مع شبكة “NBC News”، صرح بأن جميع الخيارات مطروحة، ولم يستبعد استخدام القوة العسكرية ضد إيران.
بل ذهب أبعد من ذلك عندما دعا إلى الإنهاء الكامل لبرنامج إيران الصاروخي والتسليحي، وإيقاف دورة تخصيب اليورانيوم بشكل نهائي. وأضاف والتز: “يمكن للإيرانيين تسليم هذه الأمور والتخلي عنها بطريقة قابلة للتحقق، أو عليهم الاستعداد لعواقب أخرى”.
ويرى بعض المحللين أن والتز، بعد فضيحة “سيغنال غيت” (تسريبات محادثات سرية لمسؤولين أمريكيين حول حرب اليمن عبر تطبيق Signal)، فقد إلى حد ما ثقة ترامب، خاصةً أن “جي دي فانس”، نائب الرئيس، يعتبر مواقفه مفرطة في التشدد، وهو ما يفاقم حالة الانقسام داخل فريق السياسة الخارجية الأمريكي.
وأضافت الصحيفة أن “ماركو روبيو”، وزير خارجية إدارة ترامب، يُعد شخصية ذات وزن في صياغة القرارات النهائية للبيت الأبيض تجاه إيران. ولم تكن مواقفه المتشددة ضد إيران يوما سرا، فقد عرف عنه ذلك منذ توليه منصب السيناتور. ورغم أن الأدوار التنفيذية تختلف عن الخطابات السياسية، فإن خلفيته الفكرية تبقى على حالها.
من يُحدد الخط النهائي لسياسة البيت الأبيض؟
في ظل هذا الانقسام بين مستشاري الأمن القومي، يبدو اتخاذ القرار النهائي بشأن إيران أمرا غير سهل للرئيس الأمريكي. وبحسب بعض المراقبين والمحللين، فإن مواقف ترامب في الأشهر الماضية تُظهر حالة من التردد والحيرة حيال هذا الملف.
فمن جهة، لا يزال يعتبر إيران العدو الأول، لكنه، من جهة أخرى، لا يرغب في خوض حرب جديدة، ويفضل التوصل إلى اتفاق، حتى وإن كان ذا طابع دعائي، يسمح له بتقديمه على أنه انتصار، ولو كان أقل شمولا من اتفاق أوباما.
وحتى الآن، يبدو أن ترامب يحاول حل الملف النووي الإيراني عبر التفاوض. فقد أعلن، خلال لقائه رئيس وزراء إسرائيل في واشنطن، عن انطلاق الجولة الأولى من المفاوضات مع إيران يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، وهو تصريح تصدر عناوين الأخبار العالمية وأثار دهشة كثيرين.
وهذا التأكيد على بدء المفاوضات يدل على ميل ترامب إلى إعطاء فرصة للخيار الدبلوماسي. لذا يمكن القول إن النهج التفاوضي والميل إلى الحوار هما، حتى إشعار آخر ومع تغير التطورات، التوجه السائد داخل البيت الأبيض تجاه إيران.