كتب: محمد بركات
في الوقت الذي تترقب فيه الولايات المتحدة وإيران مصير العلاقات بينهما، أتت تصريحات عراقجي الأخيرة مع شبكة سكاي نيوز لتعطي لمحات عن مستقبل محتمل للعلاقات، فبين التحديات التي تواجهها الحكومة في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، والمواقف الإيرانية من المفاوضات مع الولايات المتحدة، جاءت تصريحاته تؤكد ضرورة بناء الثقة من جديد قبل اتخاذ أي خطوات مستقبلية.
يجب أن نبني الثقة أولا
فخلال لقائه مع شبكة سكاي نيوز البريطانية 27 يناير/كانون الثاني 2025، تحدث عراقجي عن العديد من القضايا الدولية والإقليمية والداخلية الخاصة بإيران، كان على رأسها إمكانية التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، حيث صرح عراقجي: “إن الحكومة الإيرانية تسعى لخلق سياسة خارجية فعالة ومتوازنة، تهدف إلى بناء علاقات متوازنة مع معظم دول العالم، مع بعض الاستثناءات المعروفة، ففي بداية عملي، كان الهدف الأساسي تجنب حرب شاملة في المنطقة، لذلك اعتمدت السياسة الخارجية حينها على الدبلوماسية النشطة لتهدئة التوترات، فقد زرت العديد من الدول بما فيها مصر والبحرين، كما عملت على تجنب التصعيد”.
وتابع: “نحن لا نرد بلغة التهديد، بل بلغة الاحترام المتبادل كما فعلنا في مفاوضات الاتفاق النووي السابقة التي كانت ناجحة بفضل احترام المصالح المتبادلة، ومن جهة أخرى، فقد أظهرت التجربة أن العقوبات لم تكن فعّالة، حيث أصبحنا أكثر تقدما في البرنامج النووي والصناعات الدفاعية بفضل الاعتماد على قدراتنا”.
وحول استعداد إيران للمفاوضات مع أمريكا، أضاف: “كان لدينا الاتفاق النووي الذي كان يُعتبر إنجازا دبلوماسيا، وكما قلت، احتفل به العالم بأسره. الجميع هنأ إيران والدول المشاركة فيه على حل مسألة صعبة جدًا عبر الدبلوماسية، ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ للأسف، لقد قضى هذا الحادث على أي ثقة كانت متبقية بين إيران والولايات المتحدة”.
وأكمل: “أريد أن أقول إنه يوجد الآن عدم ثقة أكبر بيننا، ويجب علينا أولا التغلب على ذلك، يجب أن تكون هناك ثقة كافية لدى إيران للعودة إلى المفاوضات مرة أخرى. أعتقد أننا ما زلنا قادرين على التوصل إلى اتفاق”.
وعن مدى ثقة إيران في شخص ترامب وقدرته على إبرام صفقة مع إيران، خصوصا بعدما أبعد بعض الشخصيات المعادية لإيران من حكومته، أوضح عراقجي: “أنا لا أرفض أي فكرة، ولا أقول لكم إن إيران غير مستعدة لأي مفاوضات. لا، لكننا هذه المرة حذرون جدا، ولا يزال هناك بعض الغموض في الموقف الأمريكي، ولكني أعتقد أن ترامب لديه مستشارون يمكنهم توضيح له حقيقة إيران وكيف تتصرف إيران في مواجهة التهديدات والاستجابة لها”.
جدير بالذكر أنه في مايو/أيار 2018 خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، مما أدى إلى إعادة فرض العقوبات وتصاعد التوترات بين البلدين، كذلك فقد أثار هذا القرار شكوكا عميقة في إيران، خاصة لدى التيار الأصولي، حول جدوى التفاوض مع الغرب، وزاد من معارضته لأي مقترح للتفاوض مع أمريكا والغرب.
حتى الآن لم نسمع شيئا وأمامنا مسار بديل
هذا وقد رد عراقجي على سؤال المحاور الذي قال بأن إيران لا ترفض التفاوض، ولكنها تريد أن تسمع المزيد من ترامب وحكومته، فقال: “حتى الآن، لم نسمع شيئا محددا حول المفاوضات، كان لدينا إطار للتفاوض سابقا، ولكن هل سينجح هذا الإطار مرة أخرى؟ هذا سؤال قائم. إن الاتفاق النووي ما زال ساريا باستثناء الولايات المتحدة، والمشاركون الآخرون ما زالوا فيه، رغم أننا لا نلتزم ببعض تعهداتنا بسبب عدم استفادتنا من رفع العقوبات. الاتفاق سيصل إلى نقطة حاسمة في أكتوبر/تشرين الأول هذا العام، وقد تكون نقطة أزمة إذا لم نتمكن من التوصل إلى حل قبل ذلك، فبدون هذا الالتزام، سنبحث عن مسار بديل”.
وعن المسار البديل وما إذا كان ذلك يعني خروج إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، أوضح: “إن برنامجنا النووي سلمي وليس جزءا من صناعة الأسلحة، ونحن واثقون في سلمية برنامجنا، لقد بدأنا المفاوضات مع مجموعة 1+5 بسبب أسئلتهم حول طابع برنامجنا. في البداية كانت المفاوضات ناجحة، لكنها انتهت بتجربة سيئة، وعادت العقوبات ولم نعد نستفيد من الاتفاق النووي. ومع ذلك، يبقى برنامجنا سلميا. إذا تم إعادة فرض قرارات مجلس الأمن ووضعنا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول، فهذا يعني أن سياستنا كانت خاطئة وأننا ربما اخترنا الطريق الخطأ. في هذه الحالة، سنبحث عن بديل”.
مضيفا: “شخصيا لا أعرف ما سيكون الخيار البديل بعد، فالأمر لا يزال قيد البحث وهناك نقاشات حامية في إيران حوله، وهذه النقاشات تجري على جميع المستويات، حتى بين الناس العاديين. هناك وجهات نظر مختلفة، ولا أستطيع التنبؤ أي واحدة ستسود في النهاية. ولكن في أكتوبر/تشرين الأول، سنصل إلى نقطة حاسمة يجب اتخاذ قرار بشأنها. الدبلوماسية لا تزال قابلة للعمل إذا تمكنا من أن نكون مبدعين وصادقين ونبني الثقة، ويجب على الأطراف الأخرى أن تبني لنا الثقة أيضا”.
تجدر الإشارة إلى أن الداخل الإيراني يشهد منذ شهور نقاشا متزايدا حول خيار الخروج من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، خاصة في ظل استمرار العقوبات وتصاعد الضغوط الغربية، حيث ترى بعض الأصوات الداعية لذلك بأن البقاء في المعاهدة لم يعد مجديا إذا لم تحترم حقوق إيران النووية، بالمقابل، يحذر آخرون من أن الانسحاب قد يزيد من عزلة إيران الدولية ويؤدي إلى تصعيد أكبر مع القوى الغربية.
الموقف الأمريكي الحالي لا يكفي
وحول استجابة إيران لبادرة ترامب والذي صرح بأن الاتفاق سيكون أمرا جيدا مع إيران، أشار عراقجي: “لا يكفي القول إن الاتفاق جيد لاتخاذ قرار بشأنه، على الحكومة الجديدة معالجة الأمر بوضوح، في الوقت الحالي، تواصل إيران مسارها في برنامجها النووي السلمي، المدعوم بفتوى دينية ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والتي التزمت بها منذ 50 عاما، الهدف هو بناء مزيد من الثقة حول سلمية البرنامج، لذا يجب التركيز على هذه الأسس بدلا من البحث عن خيارات بديلة”.
هذا وقد صرح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، 24 يناير/كانون الثاني 2025، في لقائه مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، إنه واثق من قدرته على إبرام اتفاق مع إيران لضمان عدم حصولها على سلاح نووي بشكل مطلق.
وعند سؤال المحاور عن مدى استعداد إيران لتغيير عقيدتها النووية، خصوصا في ظل تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى، مثل كمال خرازي، مستشار المرشد، أوضح: “إن سياستنا لم تتغير. عقيدتنا لم تتغير، ونحن حاليا ليس لدينا أي نية لتغييرها”.
فبهذا الشأن، فقد صرح كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية والدبلوماسي والسياسي الإيراني، في مقابلة مع شبكة الميادين اللبنانية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بأن إيران ستغيّر عقيدتها العسكرية بشأن إنتاج السلاح النووي إذا واجهت تهديدا وجوديا، مؤكّدا أن إيران تمتلك الآن القدرة على صنع هذا السلاح.
العلاقات مع إسرائيل
وحول التهديدات المستمرة من جانب الحكومة الإسرائيلية لإيران، في ظل ادعائها أن إيران قد منيت بهزائم عديدة أضعفتها، قال عراقجي: “إنهم يعلمون أن هذا تهديد غير حقيقي، لأنهم على دراية بقدراتنا على الرد، وقد أعلنّا بوضوح أن أي هجوم على منشآتنا النووية سيواجه برد فوري وحاسم. هم يعلمون جيداً كيف سيكون ردنا. لا أعتقد أنهم سيرتكبون هذا الفعل الجنوني”.
كذلك، فقد عبر عراقجي عن وجهة نظر إيران بشأن خطة ترامب المحتملة لتهجير الفلسطينيين وتطهير غزة، حيث قال: “في البداية تجب الإشارة إلى أن الإسرائيليين الآن يتفاوضون مع حماس، وحماس لن تقبل بذلك وفي ظل فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها فإن هذا غير ممكن، لذا، فأنا أقترح تهجير الإسرائيليين إلى مكان آخر، كنقلهم إلى غرينلاند على سبيل المثال”.
وحول أحقية إسرائيل في العيش والبقاء في فلسطين، قال عراقجي: “إن لكل شخص الحق في الحياة، لكن لا يحق لأحد احتلال أراضي الآخرين، إن فلسطين للفلسطينيين، وهم من يجب عليهم تحديد مصيرهم. نحن لم نقل إن الإسرائيليين أو اليهود ليس لهم حق في الحياة، بل نتحدث عن كيفية إدارة قضية فلسطين. نؤمن بأن الحل الوحيد هو الدولة الواحدة حيث يعيش جميع سكان الأرض الأصليين، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا”.
أيضا فقد تسءل المحاور عن كيفية اعتبار إيران أن ما حدث في فلسطين انتصار في حين أنه قتل ما لا يقل عن 50,000 فلسطيني خلال الأحداث، وفقد أجاب عراقجي: “إن النصر في الحرب لا يُقاس بعدد القتلى. هل تمكنوا من تحقيق أهدافهم أم لا؟ إسرائيل دخلت غزة لتدمير حماس كما ادعت، ولتحرير سجنائها. لكن لم يتحقق أي من هذه الأهداف. بالطبع، لم يتحقق أي من هذه الانتصارات للفلسطينيين دون تكلفة. وأنا أعتقد أن هذا هو خيار الفلسطينيين، لقد عانوا كثيرا خلال الـ 80 سنة الماضية، ولكنهم قاوموا، وهذا يعني التضحية”.
وتأتي تلك التصريحات في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر بين إيران وإسرائيل على خلفية سلسلة من العمليات العسكرية والاغتيالات التي استهدفت شخصيات إيرانية، إضافة إلى الهجمات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وفي المقابل، توعّدت طهران بالرد، مؤكدةً أن أي اعتداء لن يبقى دون رد. كما برزت تهديدات متبادلة بشأن المنشآت النووية الإيرانية، مما زاد المخاوف من تصعيد إقليمي أوسع.