كتب: محمد بركات
في الاحتفال السنوي لعيد المبعث، وهو اليوم الذي بدأ فيه نزول الوحي على النبي محمد ﷺ وفقا للمذهب الشيعي والموافق 27 رجب، جلس خامنئي وتحدث عن حدث البعثة ودلالته، دلالة كان لها نصيب من السياسة أكثر من الدين، فقد تناول خامنئي دور الأفكار في تغيير المجتمعات، كما حذر من الدبلوماسية الخبيثة التي تظهر عكس ما تبطن، في مجتمع تتعدد فيه الرؤى ووجهات النظر حول كل شيء، وفي فترة حكومة تترقب إشارة التفاوض مع أمريكا لفض الاشتباك الإقليمي والداخلي.
فقد اجتمع على خامنئي، المرشد الإيراني، 28 يناير/كانون الثاني 2025، بعدد من المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم مسعود بزشكيان الرئيس الإيراني، ومحسني إجئي، رئيس السلطة القضائية، ومحمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، في لقاء شعبي حضره كذلك سفراء وممثلون من دول العالم الإسلامي، وتحدث في بعض القضايا على الساحة الإيرانية.
وقد استهل خامنئي حديثه بقوله: “أتقدم بخالص التهاني بعيد المبعث السعيد ولكل شعب إيران، ولكل الأمة الإسلامية العظيمة، ولكل أحرار العالم والمناضلين من أجل الحرية، إن مبعث النبي الأكرم يعد عيدا حقيقيا للأحرار في كل أنحاء العالم، وهذا العام، يتزامن عيد المبعث هذا العام مع شهر الانتصارات بهمن، الشهر الحادي عشر في التقويم الفارسي وبه ذكرى انتصار الثورة الإيرانية 1978، ونأمل أن يستمر تيار الثورة، والحركة التي نقوم بها، والنية التي وضعها مؤسس هذه الحركة على هذا المسار بإذن الله”.
التغيير يبدأ من الأفكار
ويكمل خامنئي: “إن بعثة النبي ليست مجرد حادثة عادية، بل تعد من أسمى وأهم الوقائع في تاريخ الإنسانية، فالأحداث العظيمة لها آثار متعددة في مختلف الجوانب الفردية والاجتماعية، لكن من أهم تلك الآثار، هو إحداث تحول فكري وإدراكي لدى المخاطبين. فالحادثة الكبرى لا يمكن أن تؤثر تأثيرا دائما في واقع حياة الناس ما لم تكن قادرة على إحداث تغيير فكري فيهم. فعندما ينضج الفكر، يستقيم العمل، وهذا هو الأساس. إن نظام الحياة يتشكل وفقا للأفكار والرؤى التي يحملها القائمون على إدارتها. فإذا حدث تحول فكري وإدراكي في البشر والمجتمعات، فإن الأنظمة السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية ستتشكل على أساس ذلك التحول”.
وتابع: “إن عامل هذا التحول يكمن في العقل والإيمان، فالعقل قوة خاصة أودعها الله تعالى في جميع البشر، لكن بعضهم يفعلونها ويستفيدون منها، في حين أن الكثيرين لا يفعلون ذلك. والإيمان، شأنه شأن العقل، مغروس في فطرة كل إنسان، فهو إيمان بالحقيقة، وإيمان بالله، لكن البشر يغفلون عنه، وعندما يبعث العقل والإيمان، تنمو الحياة، فلكل منهما وظيفته. عندها يصبح الإنسان الذي يتحلى بالعقل والإيمان قادرا على اكتشاف طريق الحياة المستقيم والسير فيه”.
أمريكا في طليعة الدول الاستعمارية
وحول ما يسعى إليه الاستعمار، صرح خامنئي: “نحن اليوم في إيران، وكقيادات سياسية لدولة كبيرة ومهمة علينا أن نلتفت إلى الحقائق الكبرى التي تحكم العالم، ونتعامل معها بوعي وإدراك”.
وأضاف: “إن الاستعمار الذي مارسته القوى الظالمة بدأ في الدرجة الأولى والمرحلة الأولى بنهب الموارد، فعند قراءة تاريخ الاستعمار، ستجدون أن أول ما استهدفوه وسعوا وراءه هو الموارد الطبيعية، بعدها انتقلوا إلى المرحلة التالية، وهي تدمير الثقافات الأصيلة للأمم. هذه قصة مؤلمة جدا، فشرحها مما يدعو حقا للبكاء على ما فعلوه بالشعوب والحضارات في إفريقيا نفسها، التي ترونها اليوم، كانت هناك حضارات وثقافات أصيلة، لكنهم دخلوا إليها وقلبوا كل شيء رأسا على عقب، دمروا كل شيء وأحدثوا فيها الخراب، وكان ذلك أيضا نوعا من النهب، نهبا ثقافيا. وفي المرحلة التالية، وجهوا أنظارهم نحو الهوية الوطنية والدينية للشعوب، سعيا للسيطرة عليها”.
وحول أمريكا ودورها، تابع: “نحن اليوم نعاني من كل هذه المراحل الثلاث للاستعمار، فالقوى الشيطانية المستبدة في العالم لا تزال تطمع في الموارد الطبيعية للدول والشعوب، وتسعى إلى تدمير ثقافاتها الأصيلة وهوياتها الوطنية والإسلامية. ولكن بالطبع، ليسوا جميعا بنفس الدرجة، وأمريكا في طليعة هذه القوى. فاليوم، عندما نتحدث عن الاستعمار والاستكبار، فإن أوضح مثال عليه هو الحكومة الأمريكية، التي تقع تحت نفوذ القوى المالية العالمية. فاليوم، تتحكم أقوى الجهات المالية في العالم بعدد من الحكومات الغربية، وأبرزها الحكومة الأمريكية، بل ربما أكثرها خضوعا لهذه القوى”.
لا يجب أن ننخدع بالدبلوماسية الكاذبة
وخلال حديثه، شدد خامنئي على ضرورة الحذر من الدبلوماسية الكاذبة، حيث قال: “إن العداوة ظاهرة في كلامهم، في خطاباتهم، في أفعالهم، لكن ما تخفيه صدورهم أشد وأعظم. ففي بعض الأحيان، تتجلى هذه العداوة في مواقف واضحة، مثلا عندما يقف أعضاء الكونغرس الأمريكي تصفيقا وتشجيعا لمجرم قتل آلاف الأطفال، أو حينما يقوم قائد مدمرة أمريكية بإسقاط طائرة ركاب مدنية وقتل نحو ثلاثمائة شخص، ثم يمنح وسام الشرف، في إشارة منه للحادثة التي وقعت في العام 1988 عندما استهدفت المدمرة الأمريكية فينسنس طائرة تابعة للطيران المدني الإيراني بصاروخين في أجواء الخليج العربي بسماء الخليج الفارسي، فهذه هي حقيقة ما يضمرونه”.
وتابع: “هذه العداوة غالبا ما تختبئ خلف الابتسامات الدبلوماسية، لكن علينا أن نفتح أعيننا وندرك هذه الحقائق، بل يجب أن نكون واعين بمن نتعامل معه، ومع من نتحدث، وما هي أهدافهم. الإدراك هو المفتاح، فحتى لو تعامل الإنسان معهم، يجب أن يكون على وعي بما يفعله”.
تيار المقاومة بدأ من الثورة الإيرانية
وحول دور الثورة الإيرانية في المقاومة، قال خامنئي: “في عصرنا الحالي، فإن تيار المقاومة هو انعكاس لروح البعثة النبوية، فالمقاومة التي انطلقت من إيران أيقظت الشعوب المسلمة، وأخرجت بعضها إلى الساحات، وأحيت وجدان العديد من غير المسلمين أيضا، لقد تم كشف النظام الاستعماري العالمي وتعريف الشعوب به، في حين أن كثيرين لم يكونوا يدركون وجوده أصلا”.
كما أشار إلى غزة ودور حزب الله، فقال: “انظروا إلى غزة هذه البقعة الصغيرة المحاصرة استطاعت أن تذل الكيان الصهيوني المسلح، والمدعوم كليا من الولايات المتحدة، فغزة أجبرت الكيان الصهيوني على الركوع، هل هذا أمر بسيط؟ هذا هو تجل من تجليات البعثة، إنه نتاج الإيمان والعقل، وحزب الله، الذي فقد شخصية عظيمة بحجم السيد حسن نصر الله، لم ينته كما ظن العدو والصديق، بل أثبت أنه لم يزدد إلا صلابة وعزما في مواجهة الكيان الصهيوني”.
وأكمل: “أما على مستوى العالم، فقد اهتزت الضمائر، فوفقا للإحصاءات التي وصلتني، فقد نظمت نحو 30 ألف مظاهرة ضد الصهيونية في 619 مدينة حول العالم، فخلال هذه الفترة استيقظ الناس، وانبعثت الضمائر، وهذا كله جزء من روح المقاومة. حتى في قلب أمريكا، اجتمع بعض الأمريكيين وهتفوا: الموت لأمريكا، أليس هذا تحولا إدراكيا؟”.