كتب: محمد بركات
بعد عدة أشهر، وقبلها عدة سنوات، من الجدل والنقاش حول سياسات الحجب وتأثيرها على المجتمع الإيراني، اتخذت السلطات خطوة جديدة تُعدّ بمثابة نقطة تحوّل في المشهد الرقمي للبلاد. فهذا القرار، الذي جاء في ظل ظروف سياسية واجتماعية معقدة كتحقيق لوعد انتخابي أطلقه الرئيس الإيراني، يطرح تساؤلات حول مستقبل الفضاء السيبراني في إيران، وحدود الانفتاح الرقمي ومدى انعكاسه على حياة المواطنين.
وبين الترحيب والتحفظ، وبين التوقعات والانتقادات، يبقى القرار محط أنظار الجميع، مؤيدين ومعارضين، لتأثيراته المرتقبة على الساحتين الداخلية والخارجية.
فخلال جلسة المجلس الأعلى للفضاء السيبراني التي عقدت الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول 2024 وترأسها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وحضرها محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان، وغلام حسين محسني إيجئي رئيس السلطة القضائية، إضافة إلى باقي الأعضاء، فقد وافق المجلس بالإجماع على رفع القيود عن بعض المنصات الأجنبية واسعة الاستخدام، ومن ضمنها “واتساب” و”جوجل بلاي”، في حين شدد الأعضاء على ضرورة دعم المنصات المحلية.
جدير بالذكر أن الرئيس الإيراني، وقبيل صدور القرار بعدة ساعات، قد نشر تغريدة على حسابه عبر منصة إكس، يلمح فيها إلى هذا القرار، حيث كتب: “ذمتي بما أقول رهينة”.
يأتي ذلك القرار تحقيقا للوعد الانتخابي الذي أطلقه بزشكيان خلال حملته، برفع الحظر عن جميع المواقع والمنصات التي لها تأثير كبير على حياة المواطنين الاجتماعية وأنشطتهم التجارية.
خطوة إيجابية وتحقيق لوعد
قوبل هذا القرار بردود فعل مختلفة من قبل المجتمع الإيراني، فجاءت ردود الفعل بين الترحيب في الأوساط الإصلاحية، وانتقادات شديدة وتحذير من تبعاته من قبل الكتلة الأصولية التي تسيطر على البرلمان.
فقد صرح محسن هاشمي رفسنجاني، عضو المجلس المركزي لحزب كوادر البناء ونجل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، عقب صدور هذا القرار في 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، بأنه “مع قرار المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، حدثت تطورات إيجابية للغاية للشعب والبلاد، ويجب تهنئة المواطنين على هذا التغيير الجديد. وبجانب هذه التهنئة، نأمل أن تُتخذ خطوات إضافية لرفع الحجب عن المنصات الأخرى، مما يسهم في تعزيز رضا الشعب عن نظام الحوكمة في البلاد”.
وأضاف رفسنجاني: “يمكننا أن نأمل أن نشهد في المستقبل تقدما في هذا الاتجاه الصحيح. فحاليا، ورغم رفع القيود عن واتساب وجوجل بلاي، فإن الجزء الأكبر من الحجب على الفضاء السيبراني وشبكات التواصل الاجتماعي لا يزال قائما، وهذا في ظل ظروف يعتمد فيها جزء كبير من المواطنين على الفضاء الافتراضي لإدارة أعمالهم ومصادر رزقهم”.
كذلك، صرح سعيد شريعتي، الناشط السياسي الإصلاحي، في اليوم نفسه، على ذلك الخبر قائلا: “في الحقيقة، شعرت بمزيج من المشاعر المتناقضة بعد سماع خبر رفع الحجب. فمن جهة، شعرت بالفرح لسماع أن جدار الحجب قد انهار، وبالطبع، كيف لا نفرح عندما تتمكن الحكومة من الوفاء بأحد وعودها المهمة؟ لكن من جهة أخرى، فإن هذا أبسط حقوق الشعب، ويجب على الحكومة أن تكمل في مسار تحقيق وعودها إلى أن تصل لتحسين الحالة الاقتصادية للمواطن”.
ومن جانبه، قال تقي آزاد أرامكي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة طهران، معلقا على القرار الأربعاء 25 ديسمبر/كانون الأول: “آمل أن يستمر الشعور الإيجابي الذي صاحب الإعلان الرسمي عن رفع الحجب وأسعد الجميع، لقد قامت الحكومة بتنظيم قانون الحجاب والعفاف الذي أثار استياء العديد من المواطنين، ثم اتجهت نحو رفع الحجب”.
وتابع أرامكي مستدركا: “ولكن يجب أن يُنفذ هذا الإجراء بشكل شامل في المستقبل ليشمل تطبيقات أخرى مثل إنستغرام، ويوتيوب، وتليغرام، وتويتر، فهذا السلوك لا يهدف فقط إلى إنهاء الخلاف بين المجتمع والحكومة، بل أيضا إلى حل الخلافات الداخلية داخل الحكومة نفسها”.
كما صرح محمود واعظي، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، واصفا قرار المجلس، بأنه خبر سارٌّ ومشجع للشعب، حيث قال: “كانت خطوة رفع الحجب بمثابة بداية جيدة، ونأمل أن يستمر هذا النهج بقوة”.
وأضاف واعظي: “من الضروري أن يطبق هذا الأمر أيضا على باقي المنصات التي تُستخدم بشكل واسع في المجالات العلمية، والتجارية، والخدمية، التي تمكّن المواطنين من استخدامها لتحقيق دخل وتطوير أعمالهم”.
كذلك فقد قال ناصر إيماني، الناشط السياسي الأصولي، في اليوم نفسه، إن رفع القيود عن منصتي واتساب وجوجل بلاي يُعدّ الخطوة الأولى في المسار الذي وعد رئيس الجمهورية الشعب بالسير فيه.
وأضاف إيماني: “نأمل ونتوقع أن يستمر هذا المسار من تحقيق الوعود، ولكن النقطة المهمة التي يجب الانتباه إليها في ما يتعلق بالخطوة الأولى لرفع الحجب هي أن رئيس الجمهورية استطاع من خلال تحقيق إجماع وتوافق وطني، إقناع المجلس الأعلى للفضاء السيبراني بالتصويت لصالح رفع القيود عن منصات المراسلة الأجنبية، وهذه نقطة تستحق التقدير والاهتمام، فبذلك استطاع أن يحقق التوافق الوطني الذي ينادي به”.
وبهذا الشأن أيضا، كتب محمد جواد آذري جهرمي، وزير الاتصالات بحكومة حسن روحاني والمستشار في حملة بزشكيان الانتخابية، عبر حسابه على منصة إكس، 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، معتبرا أن تلك الخطوة جيدة؛ لكونها أولى الخطوات على طريق رفع الحجب الشامل، ولكنها غير كافية.
حيث كتب جهرمي: “إن الخطوات الأولى دائما ما تكون صعبة، لكنها قد تشكّل بداية لتغييرات كبيرة. رفع الحجب عن واتساب وجوجل بلاي خطوة إيجابية وضرورية تستحق الثناء على الرئيس ووزير الاتصالات وجميع من ساهم في هذا الأمر، ولكن توقعات الناس تتجاوز ذلك، فالمجتمع الذي يتمكن من الوصول إلى أدوات التواصل دون قيود يمكنه التحرك بسرعة أكبر نحو النمو والتطور، إنَّ رفع الحجب عن باقي المنصات مطلب مشروع لا يزال ينتظر تحقيقه”.
طعنة في ظهر الثورة
على الجانب الآخر، ورغم التأييد الواسع لهذا القرار، هناك بعض الشخصيات من التيار الأصولي رأت فيه هدية ثمينة للغرب، على حد تعبيرهم.
فلطالما كان للأصوليين موقف واضح ومتصلب تجاه قضية الإنترنت بشكل عام وحجب المواقع بشكل خاص، فيستند موقفهم إلى أيديولوجية دينية وسياسية ترى في الإنترنت أداة ذات حدين، فمن جهة هي وسيلة للتنمية ونشر القيم الإسلامية، ومن جهة أخرى، هي مصدر للتهديدات الثقافية والأمنية من جهة أخرى.
كذلك، فقد برر الأصوليون موقفهم بعدة أسباب، أولها حماية القيم الإسلامية والأخلاق العامة، حيث يعتقد الأصوليون أن الإنترنت يفتح المجال أمام انتشار المحتوى غير الأخلاقي، مثل المواقع الإباحية أو تلك التي تشجع على الإلحاد أو الابتعاد عن التعاليم الإسلامية.
كذلك يدعي التيار الأصولي أن السيطرة على الفضاء الافتراضي يساعد على الحفاظ على الاستقرار السياسي، حيث يُنظر إلى بعض المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي كأدوات تُستخدم من قبل المعارضين لتأجيج الاحتجاجات أو نشر أفكار معادية للنظام.
كما أن منع التدخل الأجنبي كان أحد المبررات لدعم الحجب، فيشدد الأصوليون على أن العديد من المواقع والتطبيقات التي يديرها الغرب تُستخدم كوسيلة للتجسس أو نشر الإشاعات لزعزعة استقرار البلاد.
وكرد فعل على هذا القرار، بعث عدد من نواب البرلمان الإيراني، الذي يسيطر عليه الأصوليون، برسالة يطالبون فيها باستمرار الحجب.
حيث انتقد النواب الموقعون على تلك الرسالة، والذين بلغ عددهم 136 نائبا وفقا لتقرير موقع خبربان بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول، في رسالتهم، قرار رفع الحجب، واصفين هذا الموضوع بأنه هدية مفاجئة للأعداء في الحرب الناعمة، داعين المجلس الأعلى للفضاء السيبراني إلى عدم التأثر بما وصفوه بالأجواء الانفعالية والعاطفية.
من جانبه، وجَّه روح الله مؤمن نسب، أمين هيئة الأمر بالمعروف في محافظة طهران، انتقادا لاذعا إلى محمد قمي، رئيس منظمة الإعلام الإسلامي، بسبب رفع الحجب، وذلك من خلال تغريدة نشرها على حسابه بمنصة إكس، الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث كتب: “عن قصد أو دون قصد، قطعتم رأس إمامكم ووضعتموه على رمح وأرسلتموه إلى يزيد هذا العصر؛ خوفا من جيش الغرب الافتراضي؟”.
وتابع: “كم هو محزن ما قاله القائد: إما أنكم لا تفهمون، وإما أنكم لا تريدون أن تفهموا، أنتم، بتصويتكم لتنفيذ تعليمات نتنياهو، قد وجهتم أصعب طعنة في ظهر الثورة”.
كذلك، فقد انتقد محمد حسن قديري، الناشط الأصولي، في تصريحات أدلى بها الخميس 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، هذا القرار، حيث صرح: “يُتخذ هذا القرار في وقت نشهد فيه أن أمريكا تحظر تطبيق تيك توك وتفرض غرامات باهظة على من يستخدم الشبكات الافتراضية لدخول التطبيق، لماذا؟ لأن تيك توك ليس تحت سيطرة الحكومة الأمريكية، وفي المقابل، يُسمح باستخدام واتساب، الذي يخضع لسيطرة الصهاينة، وتهدف الخطة إلى فتح باقي التطبيقات”.
ويكمل قديري: “إن الأفراد الذين يقومون بمثل هذه الإجراءات مفتونون بالنموذج الحضاري الغربي، الذي هو في جوهره مجرد عرض شكلي. في العديد من الدول توجد مثل هذه الفلترات، لا سيما أننا ندرك أن هذه التطبيقات لا تُستخدم فقط من قبل الإرهابيين لأغراض إرهابية، لكنها تحتوي أيضا على محتويات فاحشة متاحة بِحرية”.
ويضيف: “علاوة على ذلك، فإن معلومات واتساب متاحة بالكامل للنظام الصهيوني وأمريكا، ويبدو ظاهر الأمر أن التطبيق آمن، لكنه ليس كذلك. لا يجب أن ننسى أن اغتيال الشهيد هنية تم بواسطة واتساب، وكذلك تعقُّب الشهيد حسن نصر الله ورفاقه تم باستخدام التطبيقات نفسها”.
وأضاف: “يحدث هذا الآن في الوقت الذي يهدد فيه النظام الصهيوني إيران. لماذا يتم تحرير الفضاء الإلكتروني تدريجيا بينما يرتفع الدولار بسرعة ويتم تسريع التضخم؟ ولماذا يعارضون قانون العفاف والحجاب؟ إن بعض هؤلاء الذين يتبنون هذه الأفكار لن يتوقفوا حتى يجعلوا إيران شبيهة بتايلاند، كما كان أشرف، إشارة إلى أشرف بهلوي، شقيق الشاه، يخطط لتحويل إيران إلى مركز للترفيه، مثل مشروع جزيرة كيش الذي كان هدفه تحويلها إلى ملاذ للأثرياء العرب مع الفتيات الإيرانيات”.