كتب: زينب بيه
شهدت الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان تصعيدا كبيرا خلال الأيام العشرة الماضية، حيث بدأت إسرائيل بتفجير أجهزة البيجر التابعة لحزب الله، ثم استهدفت بعض الشخصيات البارزة في المجموعة، وفي النهاية، مساء الجمعة 27 سبتمبر/أيلول، قامت باغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، باستخدام أحدث الأسلحة، في وقت حذّر فيه بعض المحللين منذ فترة طويلة، من خطر يحيط بالهيكل الأساسي لحزب الله.
تحدث مهدي مطهرنیا، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز سيمرغ الإيراني لدراسات مستقبل الفكر، عن اغتيال حسن نصر الله، والوضع الراهن في لبنان، وآفاق المستقبل في بيروت وطهران، وذلك في حوارٍ خاص مع موقع “خبر أونلاين” الإيراني بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ما بعد اغتيال حسن نصر الله: مستقبل لبنان وحزب الله
أفاد مهدي مطهرنيا بأن الأحداث الأخيرة في لبنان، بدءا من تفجير أجهزة البيجر وصولا إلى اغتيال حسن نصر الله، كانت متوقعة. وأشار إلى أن الوضع في لبنان سيواجه تحديات كبيرة، وذكر أن التوترات الحالية ليست محصورة في لبنان فحسب، بل تشمل غزة وفلسطين كجزء من تغييرات أوسع في النظامين الإقليمي والدولي. ولفت إلى أن الأزمات تتجه نحو طهران في ظل أزمة استبدال النظام العالمي القديم بنظام متوقع أن يظهر بحلول عام 2030.
وأوضح مطهرنيا أن حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، التي تقترب من إتمام عامها الأول، لن تنتهي قريبا، ما لم تتراجع جميع الجهات الفعّالة الإقليمية عن أهدافها المحددة وشعاراتها الأساسية. كما أشار إلى أن تراجع هذه الجهات أمر ضروري، حيث تسعى السعودية وتركيا إلى الابتعاد عن التوترات، بينما تبقى إيران والكيان الصهيوني متمسكَيْن بموقفهما، مما قد يؤدي إلى تصعيد النزاع. وأكد أن التغيير في الوضع الحالي يتطلب تحولا في السياسات الكبرى للطرفين، وهو أمر ليس بالسهل وقد يخلق تحديات عديدة لمستقبل الشرق الأوسط.
احتمالية دخول إسرائيل بَرا إلى لبنان في الأيام المقبلة
وفي حواره مع “خبر أونلاين”، أشار مطهرنيا إلى احتمال دخول إسرائيل بَرا إلى لبنان، حيث تسعى إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة آمنة في شمال الأراضي المحتلة، ولديها خطط تتضمن إنشاء قاعدة قوية في جنوب لبنان.. ويبدو أن إسرائيل ستتجنب تنفيذ دخول بري واسع النطاق، حيث إنهم يعتمدون على الهجمات الجوية والعمليات الأمنية والاستخباراتية.. وبناءً على ما يحدث داخل لبنان والأهداف التي وضعتها إسرائيل، يمكن أن يزيد احتمال الهجوم البري على لبنان أو قد يقل.
الولايات المتحدة في قلب الصراع: العلاقة مع إسرائيل ومواجهة إيران
صرّح مطهرنيا، في مقابلتين مع “خبر أونلاين” العام الماضي، خلال الساعات الأولى من بداية “طوفان الأقصى”: “أكدتُ أن تلك الحرب لم تكن حدثا عابرا وأن إسرائيل كانت مدركة لحدوثها. كما أشرتُ إلى أن النزاع قد يستمر فترة أطول من 22 أو 33 يوما، حيث يمتد حاليا لنحو عام.. وبعد الحرب بين أوكرانيا وروسيا، تطرقتُ إلى خطة (صيد الأفعى) في الشرق الأوسط، حيث إن الصياد هو إسرائيل وهدفه هو إيران”.
وتحدث مهدي مطهرنيا عن المعلومات الحالية التي تشير إلى أن إسرائيل تمتلك خطة شاملة للتعامل مع جبهة المقاومة. وقد سعت الولايات المتحدة خلال العام الماضي، إلى ضبط التحركات الإسرائيلية تجاه حدود الصراع المباشر مع طهران، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد حكومة مُسيطرا عليها في تل أبيب وحكومة متطورة في فلسطين، لكي تتمكن من السيطرة على الأوضاع في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أضاف مطهرنيا أن إسرائيل الآن في موقع قوة من منظور الولايات المتحدة، ولقد فُرضت مبادئ السيطرة الأمريكية على إسرائيل خلال العام الماضي، والآن هم من يزيلون مبادئ السيطرة لتحقيق أهداف واشنطن في الشرق الأوسط بإدارة إسرائيلية، ورغم أن الأمريكيين يعلنون أنهم لا يستطيعون السيطرة على نتنياهو، فإنهم يمتلكون أدوات للضغط على حكومته، ومع قوة اللوبيات الإسرائيلية في النظام الرأسمالي، يظل دعم الولايات المتحدة لإسرائيل واضحا.

وتُعتبر الأحداث الأخيرة في لبنان، تحديدا يوم الاثنين 24 سبتمبر/أيلول، من أكثر الأيام دموية في تاريخ لبنان خلال العقود الماضية، كما أن الهجمات التي نفذها حزب الله ضد إسرائيل تميّزت بتفاوت في القوة والنتائج.. وبدأت تلك الهجمات باغتيال قيادات حزب الله العسكرية، وتطور الأمر ليشمل تدمير بنيته التحتية، بينما صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بأنهم دمروا كل ما أنشأه حزب الله خلال العقدين الماضيين، مما يعكس بشكل واضح، تصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وفق تصريح مطهرنيا في الحوار مع “خبر أونلاين”.
وإن عدم رد حزب الله وحلفائه على الهجمات الأخيرة قد يهدد قدرة الردع التي اكتسبوها على مدى العقود الماضية. وأوضح أن اغتيال قاسم سليماني، ومحسن فخري زاده، وإسماعيل هنيّة، إضافة إلى أن الإجراءات العسكرية والاستخباراتية السابقة قد بلغت ذروتها الآن. كما أشار إلى إعلان رئيس وزراء الكيان الصهيوني أن الحرب ليست مع لبنان، بل مع حزب الله وطهران، مما يعني أن المرحلة المقبلة ستتجه نحو طهران بعد لبنان، وفق قوله.
ورغم إعلان الولايات المتحدة عدم قدرتها على السيطرة على إسرائيل، فقد كانت أمرا ممهدا سابقا لتخطي هذا الوضع بعد حادثة 7 أكتوبر/تشرين الأول.. وكانت التغيرات في خطاب الولايات المتحدة تجاه إيران خطوة تكتيكية، حيث أشار وزير الخارجية الإيراني إلى أن النزاع بين إيران والولايات المتحدة سيستمر طالما أن نظام الجمهورية الإيرانية قائم، وأن الأطراف الأمريكية هم من يقودون النزاع، ولا يسمحون لإيران بتولي دورٍ في ساحتهم، مما يتطلب من إيران قيادة هذا النزاع بنفسها، بحسب تصريح مطهرنيا مع “خبر أونلاين”.
إيران: قوة مزعجة في ميزان القوى بالشرق الأوسط
يعتقد البعض أن إيران أصبحت عقبة أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يهدد أمن إسرائيل، وذلك بفضل احتفاظها بقواعدها العسكرية في المنطقة وبيعها للأسلحة المختلفة، ويشيرون إلى أن الأزمات في الشرق الأوسط ستظل قائمة بسبب الموارد والطاقة وسوق الأسلحة، ويزعمون أننا أصبحنا أقوياء لدرجة أننا أصبحنا مصدر إزعاج للولايات المتحدة وإسرائيل.. ومع ذلك، لا يتفق مطهرنيا مع هذا الرأي، حيث يؤكد أن وجود الأزمات في الشرق الأوسط عنصر دائم، سواء بالنسبة للوجود الأمريكي في المنطقة أو حتى لروسيا التي تعتبر منافسا للولايات المتحدة، إضافة إلى الصين والاتحاد الأوروبي، وفق ما ورد في التقرير.
وأضاف مطهرنيا: “تُشير التحليلات إلى أن أزمات المنطقة تعكس تعقيدا سياسيا مدروسا، حيث أكد مهدي مطهرنيا أن المنطقة غنية بثروات الطاقة وأسواق بيع الأسلحة، ومن الضروري أن يدرك الناس أن القوى الكبرى لن تسمح بوجود استقرار حقيقي إلا بما يتماشى مع مصالحها، وبالتالي، فإن الحروب الحالية تسهم في تحقيق أهدافها ومصالحها.. وأشار الدبلوماسيون الأمريكيون إلى أن إيران تمكنت من جر إسرائيل إلى حرب استنزاف لتدفع ثمنا باهظا. وهم لا يدركون أن النظام الرأسمالي يقدم حاليا مساعدات بمليارات الدولارات لرئيس أوكرانيا، لإظهار الرئيس الروسي بوتين في الوضع الذي هو عليه الآن.
مصير حزب الله في ظل الأزمات السياسية والعالمية
تواجه جماعات مثل حزب الله، بغض النظر عن توجهاتها، خطر أن تصبح ضحية للصراعات السياسية الإقليمية والعالمية، حيث يسعى زعماؤها لتحقيق مكاسب سياسية على حسابهم. ويعتبر حزب الله، كحركة ثورية شيعية، أكثر استقرارا تحت قيادة شخصيات مثل حسن نصر الله.. وكان قد أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي عن خطط لتدمير ما بناه الحزب على مدار 20 عاما، مؤكدا أن القوات الإسرائيلية قد دمرت جزءا كبيرا من تلك الإنجازات، كما أن البدائل المتاحة للجماعات الداعمة لحزب الله ستكون باهظة التكلفة، حيث إن تكاليف الحرب تتكبدها إسرائيل كما أن القوات المعاكسة أيضا تتحمل تبعاتها، وفق تصريح مطهرنيا لـ”خبر أونلاين”.
ويطرح مطهرنيا تساؤلا مهما حول أي من الجبهات تتمتع بمنافع مالية أكبر في الساحة، مشيراً إلى أن المعطيات الاقتصادية العالمية والإحصائيات تُظهر أن الموارد المالية في الجهة المقابلة أكثر وفرة.. ويوضح أن حزب الله يواجه وضعا أكثر تعقيدا مما كان عليه سابقا، نتيجة لتداعيات جائحة كوفيد-19 والعقوبات المفروضة على موسكو وطهران، إضافة إلى توجهات العالم العربي نحو حل قضاياه من خلال التحالف مع تل أبيب.
وفي الأسبوع الماضي، استُقبل رئيس دولة الإمارات في الولايات المتحدة لأول مرة، حيث التقى الرئيس بايدن الذي أبدى احتراما كبيرا له. ورغم النزاع القائم في المنطقة، فإن الإمارات لم تقم باستدعاء سفيرها من نيويورك.. وفي ظل هذه الظروف، هل يمكن اعتبار وضع حزب الله مشابها لوضعه في عام 2006، مما يتيح له إعادة بناء هيكلة نفسه ومواصلة أنشطته بقوة؟ وفق تصريحات مطهرنيا.
التنوع الطائفي في لبنان: تأثير حزب الله وتحديات الانقسام
يواجه لبنان تحديات كبيرة تتعلق بالتنوع الديني والطائفي، حيث يُعتبر حزب الله من قبل المسيحيين والمسلمين السُنّة قوة سياسية وعسكرية، إلا أنهم تحملوا تكاليف باهظة نتيجة ذلك، ويُعتبر لبنان بلدا طائفيا ودينيا، حيث تتشكل بنيته السياسية على أساس الانقسامات العرقية والطائفية، مما يعكس التفوق الطائفي بشكل واضح. وفي هذا السياق، يُعتبر حزب الله ممثلا رئيسيا للشيعة في لبنان. ومن ناحية أخرى، إذا زادت الأعباء على الطوائف الأخرى في لبنان بسبب حزب الله، فسيؤدي ذلك إلى الانقسام شيئا فشيئا، بحسب ما صرح به مهدي مطهرنيا لـ”خبر أونلاين”.
حزب الله: من القوة العسكرية إلى الساحة السياسية
وأضاف مطهرنيا أن حزب الله ابتعد في السنوات الأخيرة عن دوره العسكري ودخل الساحة السياسية، حيث تمكن من الحصول على عدد أكبر من الوزراء والممثلين في البرلمان، مما أدى إلى ارتباط العديد من التحديات والقلق بمسؤوليته.. ويميل الناس إلى التركيز على كفاءة الأنظمة السياسية في تلبية احتياجاتهم بالشرق الأوسط، بدلا من القضايا الأيديولوجية. ورغم أن حزب الله لا يزال يحتفظ بمكانة مهمة في لبنان، فإنه لم يشهد تطورا ملحوظا على مر الزمن، سواء في لبنان أو في عموم الشرق الأوسط.