كتب: محمد بركات
في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، تشهد العلاقات بين طهران ودمشق مؤشرات على إعادة التواصل بعد فترة من الجمود، حيث أكد مسؤولون إيرانيون وسوريون تبادل رسائل غير مباشرة بين الجانبين. تأتي هذه التطورات بعد سقوط نظام بشار الأسد وما تلاه من إعادة ترتيب موازين القوى في سوريا، مما يدفع طهران إلى البحث عن دور في المشهد الجديد. ومع استمرار المشاورات بين إيران وروسيا حول مستقبل سوريا، يبرز التساؤل حول مدى إمكانية تطبيع العلاقات بين طهران ودمشق، وما إذا كانت الوساطات الإقليمية ستنجح في تجاوز تعقيدات الماضي.
فقد التقى محمد رضا رؤوف شيباني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية الإيراني في الشأن السوري، يوم الجمعة 14 فبراير/شباط 2025، في موسكو مع ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص لرئيس الاتحاد الروسي في شؤون الشرق الأوسط والدول الأفريقية، ومع ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، حيث جرت مشاورات حول آخر مستجدات منطقة غرب آسيا، خاصةً الملف السوري.
وخلال اللقاء، أكد الجانبان التزامهما الثابت باحترام وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، مشددين على أهمية الجهود الدولية لتعزيز الاستقرار في هذا البلد وفقا لهذا المبدأ.
وعن هذا اللقاء الثلاثي، صرح شيباني بأنّ “رؤيتنا تجاه تطورات سوريا واستعادة العلاقات مع دمشق هي رؤية مستقبلية، ونحن نرصد التطورات في سوريا بدقة ورويّة، وسنتخذ قراراتنا الخاصة في الوقت المناسب”.
كذلك، فقد أكد أن الموقف الإيراني بشأن تطور الأحداث في دمشق واضح، مشيرا إلى أن سوريا تحتلّ موقعا خاصا في منطقة الشرق الأوسط، ومن هذا المنطلق فإن إيران تؤمن بأن مستقبل ومصير سوريا يجب أن يتحدّد على يد شعبها ووفقا لما نصّ عليه القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة بمشاركة جميع القوى السياسية السورية، مشددا على أنّ استقرار سوريا وهدوءها يحظيان بأهمية خاصة، بالنسبة لإيران، وأن طهران ترفض أي تدخل خارجي في الشأن السوري.
وأشار إلى أنّه أجرى خلال زيارته موسكو محادثات مع المسؤولين الروس، حيث جرت مناقشة تطورات الأوضاع في دمشق. وأوضح أنّ هذه الزيارة تأتي ضمن جولة إقليمية واستمرارا للمشاورات مع الدول المؤثرة في الملف السوري، مضيفا أن هناك توافقا بين إيران وروسيا حول عدد من القضايا المتعلقة بسوريا، وتم الاتفاق خلال هذه الزيارة على تكثيف المشاورات بشكل أكبر.
كذلك، فقد علق المبعوث الخاص لوزير الخارجية الإيراني للشأن السوري على التصريحات الأخيرة لأسعد الشيباني، وزير خارجية الحكومة الانتقالية السورية، بشأن تبادل الرسائل مع طهران، قائلا: “إن الجمهورية الإيرانية على تواصل غير مباشر مع دمشق، وقد تلقينا رسائل بهذا الخصوص”.
جدير بالذكر أن الشيباني قد صرح خلال مقابلة مع صحيفة القبس الكويتية، على هامش قمة قادة الحكومات العالمية في دبي، حول مستقبل العلاقات الخارجية لبلاده، قائلا: “لا أحد يقبل بالتدخل في شؤون بلاده، ونحن نسعى إلى إعادة بناء العلاقات مع روسيا وإيران، وقد تلقينا رسائل إيجابية في هذا الصدد”.
يأتي هذا في الوقت الذي أدلى فيه أحمد الشرع، الرئيس المؤقت لسوريا، بتصريحات عدة حول العلاقات المحتملة بين بلاده وإيران، ففي البداية، انتقد دعم طهران لبشار الأسد، لكنه لاحقا أقرّ بأن إيران قوة إقليمية كبرى، وأن سوريا ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية مع طهران.
مستقبل العلاقات بين البلدين.. بين الوساطة وتعقيدات الماضي
تشير التطورات الأخيرة في العلاقات بين روسيا وسوريا، إضافة إلى المحادثات بين إيران وروسيا، إلى احتمالية سعي طهران لإعادة العلاقات مع سوريا الجديدة بعد الأسد، الأمر الذي شغل الدبلوماسية الإيرانية منذ سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2024، لكن، ووفقا للمعطيات الدولية الحالية وموقف إيران في المنطقة، فهذا الأمر لا يزال محل نقاش.
وفي محاولة لاستقراء المشهد الحالي وتطورات العلاقات بين البلدين، صرح محمد علي سبحاني، في حوار له مع صحيفة “شرق” في عددها الأحد 16 فبراير/شباط 2025، بأن الموقف الإيراني في سوريا لا يزال حرجا، وأفق العلاقات ما زال غير واضح، ذلك مع محاولات أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، للتقرب لدول المنطقة والغرب، في سعيه لإضفاء الشرعية على حكومته ومحاولة رفع العقوبات الواقعة على سوريا.
وحول دور الوساطة المفترض بين الحكومتين السورية والإيرانية، يرى سبحاني أن روسيا ليست وسيطا صادقا لإعادة العلاقات بين طهران ودمشق؛ نظرا إلى سجلها في التطورات السورية ومواقفها السابقة تجاه إيران، سواء في الملف السوري أو في المفاوضات النووية، حيث يعتقد سبحاني أن روسيا لم تتبع سياسة صادقة تجاه إيران، مشيرا إلى أن موسكو ضحت بإحياء الاتفاق النووي لصالح مصالحها في حرب أوكرانيا، كما أن سجل روسيا في سوريا، وضمن ذلك المجازر التي حدثت، جعلها تخسر كثيرا من نفوذها هناك، مما يقلل من فرص نجاحها كوسيط. إضافة إلى ذلك، فإن تحركات بوتين الأخيرة، مثل محادثاته مع ترامب، تثير مخاوف بشأن صدق روسيا في التعامل مع المصالح الإيرانية.
وبدلا من روسيا، يرى سبحاني أن قطر هي الخيار الأفضل للوساطة، بسبب علاقاتها الجيدة مع كل من إيران وسوريا الجديدة، ودعمها القوي لحكومة دمشق الجديدة. كما يمكن أن يكون لبنان خيارا آخر، رغم التوترات الأخيرة في العلاقات بين طهران وبيروت، إذ إن للبنان موقعا جيوسياسيا مهما وتأثيرا في المعادلة السورية.
أما تركيا، فيعتقد سبحاني أنه، ورغم دورها في إسقاط نظام الأسد، فإنها قد تكون وسيطا مناسبا؛ نظرا إلى علاقاتها القوية مع سوريا الجديدة وصِلاتها الوثيقة مع إيران، فأنقرة لديها مصالح مشتركة مع الجانبين، ويمكن أن تلعب دورا مهما في تطبيع العلاقات.
وحول سرعة استعادة العلاقات، فيؤكد سبحاني أن إعادة العلاقات بين إيران وسوريا لن تكون سهلة أو سريعة؛ نظرا إلى التوترات التاريخية والمواقف المتباينة، ومع ذلك، فيقول سبحاني إن هناك تحركات دبلوماسية تهدف إلى تطبيع العلاقات تدريجيا، وهو أمر يعتمد على المواقف السياسية لكلا البلدين، كما أن دخول قطر وتركيا على خط الوساطة قد يسهم في تسريع العملية.
وحول عدم وجود مفاوضات مباشرة بين الطرفين وإمكانية ذلك في المستقبل، يرى سبحاني أن هناك سوء تفاهم بين الشعب السوري وإيران بسبب تدخل طهران المباشر في الحرب الأهلية السورية، وهو ما يجعل الوساطة وتبادل الرسائل غير المباشرة الحل الأفضل حاليا، فإيران كانت من الأطراف المتورطة في الصراع السوري إلى جانب روسيا ونظام الأسد، مما أدى إلى انعدام الثقة. لذلك، فلا يزال الطريق إلى إعادة العلاقات بحاجة إلى وقت لمعالجة هذه التوترات.
وعند سؤاله حول ما إذا كانت العلاقات بين البلدين ستكون شبيهة بعلاقات إيران مع مصر والأردن، يشير سبحاني إلى أن استعادة العلاقات الإيرانية-السورية ستكون أكثر تعقيدا من العلاقات بين طهران وكلتا الدولتين، لأن الوضع في سوريا شهد صراعا مسلحا شاركت فيه إيران، بينما لم يكن هناك نزاع عسكري مع القاهرة أو عمّان، مما جعل إعادة العلاقات معهما أسرع.
ويختتم سبحاني حديثه بأنه في الوقت الحالي، يبدو أن التركيز الأساسي سيكون على تقليل التوترات، بغض النظر عن إعادة فتح السفارات أو مجرد إنشاء مكاتب لرعاية المصالح، حيث يرى أن تحسين صورة إيران في سوريا وتعزيز التعاون الاقتصادي يمكن أن يساعدا في إعادة بناء العلاقات تدريجيا. ومع ذلك، فإن استعادة العلاقات بالكامل قد تستغرق سنوات؛ نظرا إلى الاختلافات العميقة بين المكونات السياسية والمجتمعية السورية.