كتب: محمد بركات
في ظل تفاقم الأوضاع التي يشهدها الداخل السوري، ما زالت إيران متمسكة بدعم بشار الأسد، لكن ذلك الدعم، الذي ظهر في تصريحات ممثليها الرسميين و حراكها الدبلوماسي، الرئيس الإيراني، أثار حفيظة العديد من دول المنطقة إضافة إلى واشنطن وتل أبيب، وسعوا إلى قطع الروابط بين طهران ونظام الأسد تارة بالدبلوماسية وتارة بالتهديد.
محاولات الضغط
لطالما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إبعاد إيران وأدواتها عن الساحة السورية، وبحسب وكالة رويترز للأنباء، فقد قدمت الولايات المتحدة عرضا للنظام السوري برفع العقوبات في مقابل قطع علاقته مع إيران.
وذكرت الوكالة، نقلا عن خمسة مصادر مطلعة لم تسمها، أن الولايات المتحدة الأمريكية وبالشراكة مع دولة الإمارات قد قدمتا عرضا لبشار الأسد، وذلك قبل حوالي أسبوع من هجوم فصائل المعارضة المسلحة على حلب وإدلب .
وبحسب مصادر رويترز، فالعرض مفاده أن الولايات المتحدة لن تجدد العقوبات المفروضة على النظام السوري، والتي من المقرر لها أن تنتهي في 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، مقابل ابتعاد بشار الأسد عن طهران وقطع طرق تسليح حزب الله في لبنان، وهو ما رفضه الأسد، بحسب تقرير الوكالة المنشور في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي الإطار نفسه، سبق أن حذرت إسرائيل، بشار الأسد من التدخل في جبهة القتال بينها وبين حزب الله المدعوم من إيران، حيث ذكرت صحيفة إسرائيل هيوم العبرية، في تقرير لها 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن لديها معلومات تفيد بأن الكيان الإسرائيلي حذر الأسد من أنه إذا لم يتعاون في منع نقل الأسلحة إلى حزب الله عبر الأراضي السورية، فإنه قد يواجه مصيرا مشابها لمصير حسن نصر الله، الأمين العام الأسبق لحزب الله اللبناني الذي اغتالته إسرائيل خلال غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت في سبتمبر/أيلول 2024.
وكان لبعض دول الخليج العربي أيضا نصيبها من تلك المحاولات لإنهاء التحالف بين طهران والنظام السوري، فقد حاولت الإمارات العربية المتحدة قبل أسابيع قليلة من هجوم فصائل المعارضة السورية، أن تبعد الأسد عن محور إيران؛ حيث تعهدت الإمارت بأنها ستعطي لبشار الأسد مبالغ مالية ضخمة وتساعده في عملية إعادة إعمار سوريا جراء الدمار الذي شهدته نتيجة الحرب، مقابل الابتعاد عن محور إيران وحزب الله، وفق تقرير موقع عصر إيران الصادر في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
الدعم الإيراني للأسد
لم تقف إيران مكتوفة الأيدي في وجه كل تلك العروض والتهديدات، بل سعت لتوطيد العلاقة مع النظام السوري، خصوصا في الآونة الأخيرة مع بدء الاشتباكات مجددا.
خلال حديثه التلفزيوني الثاني والذي أجرى مساء الإثنين 2 ديسمبر/ كانون الأول 2024، صرح مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، بشأن الأوضاع في سوريا قائلا: “نحن ندعم الحكومة السورية بكل الطرق المتاحة، ونحن ندعم سيادة الحكومة السورية على جميع أراضيها”، كذلك فعند سؤاله عن إمكانية المشاركة العسكرية لإيران في سوريا، أجاب قائلا: “هذا الموضوع سيُناقش دبلوماسيا. وزير الخارجية الإيراني تحدث في تركيا، وستجري محادثات بين قادة الدول الأربع في قطر الجمعة المقبل، وهم: روسيا، إيران، تركيا، وسوريا، فما تم حتى الآن يتعارض مع قرار مجلس الأمن، يجب إدانة أولئك الذين يقدمون الدعم لمثل تلك الفصائل في سوريا، وفي الفترة القادمة، سيجمعني لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة الأوضاع، نحن نتابع الجهود الدبلوماسية الخاصة بهذا الأمر”،وفق ما جاء في تقرير موقع ألف بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وكانت قد جمعت مكالمة هاتفية بين بزشكيان وبشار الأسد، شدد فيها بزشكيان على الدعم الكامل من جانب إيران لحفظ واستقرار الأراضي السورية، مؤكدا أن ما يحدث الآن هو مؤامرة صهيونية أمريكية لمحاولة الضغط على سوريا، ولكن سوريا ستتخطى تلك المحنة بفضل قيادتها، حسب ما جاء في تقرير موقع خبر أونلاين بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي إطار الدعم الدبلوماسي الإيراني لسوريا، سافر عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى سوريا وتركيا، لينقل رسالة إيران إلى الحكومة السورية ويؤكد على دعم بلاده الكامل لها، وخلال زيارته إلى تركيا، أكد عراقجي أن المساس باتفاق أستانا المبروم في ديسمبر/كانون الأول 2016 لن يكون مسموحا، وأن على تركيا أن تجلس على طاولة المفاوضات لإيجاد حل للصراع الدائر في سوريا، وفق ما جاء في تقرير وكالة أنباء إيسنا بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كذلك، فقد أكد محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، خلال مكالمة هاتفية جمعته مع رئيس البرلمان السوري، حمودة الصباغ، على دور سوريا المهم حيث صرح: “إننا نعتبر سوريا جزءا أساسيا من جبهة المقاومة، وندعم نضال سوريا ضد فصائل المعارضة”، مشيرا إلى أن تنشيط تلك الفصائل بعد الهدنة في لبنان مباشرة هو خطة صهيونية أمريكية، كما شدد على أهمية التعاون بين برلماني إيران وسوريا في المحافل الدولية، وفق ما أفاد به تقرير موقع تازه نيوز الإخباري بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ولم يقتصر الدعم الإيراني على ذلك، فتشير التقارير إلى أن إيران أرسلت رسالة إلى واشنطن عبر وسطاء عراقيين في بغداد وذلك بعد 24 ساعة فقط من هجوم الفصائل المسلحة على ضواحي حلب، وحسب التقارير فقد حملت الرسالة موقف طهران بشأن التطورات في سوريا، مؤكدة أن إيران لن تتوقف عن دعم الحكومة والشعب السوري، حسب ما ورد في تقرير تازة نيوز الإخباري بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
تحالف إيران والأسد
منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، كان دعم إيران لسوريا عاملا حاسما في الحفاظ على استقرار الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وقد أتى هذا الدعم ضمن إطار العلاقات الاستراتيجية العميقة بين البلدين، حيث تعتبر إيران سوريا جزءا أساسيا من محور المقاومة الذي يهدف إلى التصدي للنفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.
فعلى الصعيد العسكري، لعبت إيران دورا محوريا في تقديم المشورة العسكرية واللوجستية للحكومة السورية، فمع تصاعد الصراع وتحول الاحتجاجات إلى مواجهات مسلحة مع الجماعات المعارضة والميليشيات الإرهابية، أرسلت إيران مستشارين عسكريين لتدريب الجيش السوري وتقديم المساعدة في التخطيط العملياتي. علاوة على ذلك، دعمت إيران تشكيل مجموعات عسكرية مثل لواء فاطميون زينبيون، التي ضمت مقاتلين من جنسيات مختلفة، لدعم الجيش السوري في معاركه ضد الجماعات المسلحة مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة، وفق ما جاء في تقرير مركز دراسات إرم الصادر في 16 سبتمبر/أيلول 2018.
واقتصاديا، قدمت إيران دعما ماليا كبيرا لسوريا خلال الأزمة، حيث وقعت اتفاقيات لتوريد النفط والغاز والمنتجات الأساسية. وقد ساعد هذا الدعم الحكومة السورية في مواجهة الأزمات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية وتدمير البنية التحتية جراء الصراع. كما قدمت إيران خطوط ائتمان مالية لتأمين الاحتياجات الأساسية للشعب السوري، مما ساهم في التخفيف من الأعباء الاقتصادية الناجمة عن الحرب.
أما سياسيا، فقد وقفت إيران بثبات إلى جانب الحكومة السورية في المحافل الدولية، حيث دعمت طهران موقف دمشق في الأمم المتحدة ومنعت تمرير قرارات ضدها في مجلس الأمن بالتعاون مع روسيا. كما شاركت إيران في المحادثات الدولية مثل محادثات أستانا وسوتشي، بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة السورية يضمن وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة، حسب ما جاء في تقرير موقع شبكة العالم الصادر في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، بما في ذلك الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية ومحاولات بعض الدول الإقليمية لفصل دمشق عن طهران، استمرت إيران في تقديم دعمها الثابت لسوريا. في السنوات الأخيرة، ومع تراجع حدة النزاع وبدء إعادة الإعمار، بدأت إيران في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع سوريا من خلال توقيع اتفاقيات طويلة الأجل لإعادة تأهيل البنية التحتية وتطوير المشاريع المشتركة، حسب ما جاء في تقرير موقع دنياي اقتصاد بتاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024.