في خضم التغيرات السياسية التي شهدتها إيران مؤخرا، يبرز تحدٍّ رئيس يواجه حكومة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشکیان، يتمثل في بطء وتيرة التعيينات في المناصب المتوسطة، على الرغم من الوعد بالتغيير والإصلاح، لا تزال العديد من الوجوه القديمة تحافظ على مواقعها، مما أدى إلى تصاعد الانتقادات داخل الأوساط السياسية.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “هم ميهن” تقريرا يوم الأربعاء 25 سبتمبر/أيلول 2024، يسلط الضوء على كيف أن التأخير في تغيير المديرين المتوسطين قد أثار استياء بعض مناصري بزشکیان، حيث تم التعبير عن هذه الاعتراضات بشكل علني بعد أن كانت خلف الكواليس السياسية.
افتتحت الصحيفة تقريرها بكلمة من كلمات الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان، قائلة: “لدينا خياران: الأول هو مواصلة المسار الذي أوصلنا إلى هنا، والثاني هو تغيير وإصلاح المسار السابق”. هذه الجملة قالها بزشکیان كمرشح للانتخابات قبل الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة لعام 2024م.
انتخابات صوَّت فيها، بعد جولتين من المنافسة وفي معركة استمرار الوضع الراهن والتغيير، 16 مليون إيراني لصالح التغيير، ليُعلن اسم مسعود بزشکیان الرئيسَ التاسعَ في تاريخ إيران، ومع تفويض هذه المهمة من قبل هؤلاء الملايين الـ16، توجه بزشکیان إلى مؤسسة الرئاسة لتحقيق التغيير، الآن بعد ما يقارب الشهرين منذ أن بدأ رسميا عمله رئيسا للجمهورية، وأكثر من شهر منذ أن بدأ مجلس وزرائه عمله، حيث شرع الوزراء في تنفيذ خططهم لتحقيق الأهداف التي أعلنها الرئيس الجديد، وبطبيعة الحال، لتحقيق هذه الأهداف، لا بد من وجود أشخاص بجانبه يسيرون في الاتجاه نفسه.
خارطة الطريق صحيحة، ولكن من ينفذها؟
إحدى القضايا التي أشار إليها مسعود بزشکیان مرارا خلال جولتي الانتخابات الرئاسية، هي أنه بدلا من كتابة برامج وقوانين جديدة، يجب الرجوع إلى البرامج التي تمت كتابتها بالفعل ولكن لم تُنفذ بشكل جيد: “نحن لسنا بحاجة إلى كتابة برنامج جديد أو تنفيذ سياسة جديدة وتغيير المسار؛ إذا كان الطريق غير مناسب، يجب إعادة دراسته، ولكن إذا كان الطريق صحيحا فلا حاجة إلى برنامج آخر”.
ويرى مسعود بزشکیان أن خارطة الطريق التي تم وضعها خارطة صحيحة، ولكن السؤال هو: ما هو الوضع في ما يتعلق بالاقتراب من الهدف أو الابتعاد عنه؟ ولماذا يدّعي البعض أن الحكومة لم تدخل بالقدرة اللازمة؟ ربما يمكن أن نجد أحد الأسباب في مجال التنفيذ والأشخاص الذين كان من المفترض أن ينفذوا تلك الخارطة، كما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في حفل تقديم وزير الصحة محمد رضا ظفر قندي، في السادس والعشرين من أغسطس/آب 2024: “يجب قول الكلمة الصحيحة مرة واحدة، ليس من المفترض أن نغير المسار باستمرار ونتبع طرقا خاطئة”. لذلك من الطبيعي أن الحاجة إلى التغيير وإنهاء وجود المتسببين في الوضع الحالي وأولئك الذين لا يملكون القدرة على السير في المسار الصحيح أمر حتمي، ويجب أن يتولى المسؤولية أشخاص قادرون على تنفيذ خارطة الطريق بشكل صحيح.
-انتقادات لبطء وتيرة التعيينات في حكومة بزشكيان
وفقا لما قاله مسعود بزشکیان، فإن ضرورة التغييرات في الحكومة لضمان السير على الطريق الصحيح أمر حتمي، وفي الأيام التي كان يتم فيها تقديم الوزراء الجدد، أعلن عن سياسة بشأن هذا الموضوع، ففي السادس والعشرين من أغسطس/آب 2024، قال في خطابه: “ليست لدينا نية لتغيير جميع المديرين في البلاد، بل إن معيارنا هو اختيار الأشخاص المناسبين بناءً على مؤشرات محددة، وبطبيعة الحال، إذا حصل مدير على تقييم جيد، فسيبقى في منصبه، أما المديرون الذين تم تعيينهم بدون تخصص وكفاءة، فسيتم إبعادهم”.
لكن في هذه الأثناء، أثار بطء وتيرة التغييرات في المديرين المتوسطين اعتراض بعض مناصري بزشکیان، وخرجت أمثلة على هذه الاعتراضات من وراء الكواليس السياسية لتُعلن بشكل علني، على سبيل المثال، قال سعيد شریعتي، عضو المجلس المركزي لحزب “اتحاد ملت”، في التاسع من سبتمبر/أيلول 2024: “إن تغيير المديرين المتوسطين في أجهزة الدولة أمر ضروري، فعلى كلٍّ، كان هناك مديرون في الحكومة السابقة لهم توجهات مقربة من تلك الحكومة، والآن بعد أن تغيرت الحكومة، يجب عليهم أن يبادروا بتقديم استقالاتهم، لأنهم يجب أن يدركوا أن تصويت الشعب للحكومة الجديدة يعني أنهم لا يريدون استمرار النهج الإداري السابق، التوقع العام هو أن المديرين الذين أبدوا أداء غير مرضٍ يجب أن يتنحوا سريعا بأنفسهم”.
وفي مثال آخر، قال غلام علي رجائي، الناشط السياسي، في مقابلة مع موقع “نامهنیوز” في 16 سبتمبر/أيلول 2024: “كنا نتوقع أن يقوم الرئيس بمساعدة النائب الأول بتسريع عملية تعيين المديرين، لكن ذلك لم يحدث، ونتلقى بعض الشكاوى من قِبل بعض القوى الفاعلة في مقر انتخاب السيد بزشکیان، حيث يقولون إن مديري الحكومة السابقة لا يزالون في مناصبهم وينظرون إلينا بتحدٍّ، رضا القاعدة الاجتماعية للحكومة خلال عمليات التعيين والإقالة لم يتحقق بعد، كنا نتوقع تغييرات أسرع في مجال الإدارة الحكومية، لقد مرّ نحو شهر منذ أن منح البرلمان الثقة للحكومة، وبالتأكيد خلال هذه الفترة أكمل الوزراء مراجعاتهم، والآن يجب أن تبدأ تغييرات نواب الوزراء بوتيرة سريعة”.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى تعليق من قِبل أحد أعضاء البرلمان، حيث كتب هادي بيجي نجاد على تويتر: «عندما يستغرق تشكيل الحكومة وقتا طويلا، ويظل المديرون في حالة من عدم اليقين بين البقاء أو الرحيل، مع فقدان الدافع، فإن هذه فترة ذهبية لأعداء النظام الذين لديهم أكثر من 40 عاما من الخبرة في محاولة الإضرار به”.
انتقادات في البرلمان احتجاجا على تعيينات بزشكيان
على الرغم من أن وتيرة التغييرات بطيئة بشكل واضح وأن حالة عدم اليقين ما زالت قائمة في بعض المناصب، فإن المثير للاهتمام هو أن بعض القرارات الصادرة عن الحكومة أثارت اعتراض بعض أنصار المرشح المنافس، بمعنى أنهم لا يتحملون حتى هذه التغييرات البسيطة وبدأوا في انتقادها.
أبرز مثال على عدم تحمُّل هذه التغييرات يمكن رؤيته في البرلمان، حيث دعا محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، من خلال منصة البرلمان، إلى ضرورة التنسيق بين رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان في التعيينات. وفي مثال آخر، انتقد محمود نبويان، عضو البرلمان، تلك التعيينات القليلة، وكتب على تويتر: “الوحدة الوطنية لا تتحقق من خلال وصول مثيري الفوضى وداعميهم إلى السلطة، بل بقدوم الشباب المؤمن، الثوري والشعبي، يمكن تحقيق الوحدة الوطنية والحفاظ على النظام في المجتمع وحل مشاكل الشعب، الوحدة الوطنية تعني الوحدة مع الشعب، وليس الوحدة مع من يخل بأمن الشعب وسلامه”.
واختتمت الصحيفة تقريرها قائلة: “السؤال المطروح هو: لماذا، بعد مرور شهرين، لا يزال العديد من المديرين السابقين الذين كانت هناك ضرورة لتغييرهم من أجل تعديل المسار وتحقيق أهداف الحكومة، يجلسون على مقاعدهم الإدارية ويواصلون السير في الطريق الخاطئ الذي كانوا عليه؟”.
على أي حال، فإن هذا البطء في وتيرة التغييرات مقلق، ولكن الأمر الذي يجب مراعاته هو أن نواب الوزراء والمديرين المتوسطين سيكون لهم دور في النتائج التي ستقدمها الحكومة، ومن ثم فإن النقطة المهمة هي أن النتيجة النهائية للحكومة، سواء كانت جيدة أو سيئة، في النهاية ستُسجل باسم شخص واحد، إذا كانت النتيجة جيدة، فسيظهر مئات من المدعين الذين ينسبون النجاح إلى أنفسهم، لكن إذا كانت النتيجة سيئة، فلن يقول الناس إن هذا المدير أو ذلك النائب تسبب في تدمير منطقة معينة، أو عدم تحقيق النتائج المرجوة، بل سيقولون بكل وضوح، في الشوارع والأسواق، إن مسعود بزشکیان هو المسؤول عن الوضع الذي حدث، كان الأمر كذلك في الماضي، وسيكون كذلك في المستقبل.