ترجمة: علي زين العابدين برهام
أصبح سعید جلیلي والشخصيات المنتمية إليه في البرلمان والمؤسسات الأخرى أكثر نشاطا، فجلیلي يخطب بثقة أكبر منصة تلو أخرى، ورجاله في البرلمان يستعدون لاستخدام صلاحيات المجلس ضد وزراء حكومة بزشکیان، وفي الفضاء الإلكتروني، أصبح أتباعه أكثر حدة في مهاجمة رؤساء السلطات. فما الدافع وراء هذه التحركات، وما الهدف الذي يسعى إليه تيار جليلي من خلال تصعيد خطابه المتطرف؟
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” السبت 22 فبراير/شباط 2025، تقريرا أجابت فيه عن هذه الأسئلة، مستعرضةً الجبهات التي يتحرك فيها سعيد جليلي ورفاقه.
ذكرت الوكالة أنه كان من المتوقع أن يزداد نشاط تيار جليلي مع اقتراب انتخابات مجالس المدن والقرى، إلا أنهم تحركوا من الإعلام إلى البرلمان، ومن الخطابات إلى الفضاء الافتراضي، ومن الطبقات الظاهرة للسياسة إلى الغرف الخفية، لتنفيذ استعداد كامل للوصول إلى مجالس المدن والقرى؛ على أمل أن تتمكن هذه المؤسسة من فتح القفل المغلق لشعبية سعيد جليلي وإرساله إلى الرئاسة، خاصة مع إعلان مسعود بزشكيان أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية مرة أخرى.
نشاط جليلي وحلفائه على 5 جبهات
أضافت الوكالة أنه بصرف النظر عن مدى دقة هذا الخبر ومدى استمرارية هذا القرار في حال تأكده، فإن تصعيد نشاط هذا التيار على خمس جبهات -“خطابات جليلي المباشرة”، و”الإعلام الرسمي”، و”البرلمان”، و”الشارع”، و”الفضاء الرقمي”- يُعد أمرا لا يمكن تجاهله.
وأشارت إلى أن جليلي يتنقل بثقة متزايدة من منصة إلى أخرى لإلقاء خطاباته، بينما يرفع رجاله في البرلمان سيف استخدام صلاحيات المجلس ضد وزراء فريق بزشكيان. وفي الفضاء الافتراضي، تتصاعد وتيرة هجمات أنصاره ضد رؤساء السلطات بشكل أشرس من السابق، في حين يعلو صوت مؤيديه في الخطابات بجرأة أكبر. ما الذي يدفع هذا النشاط المتصاعد، وما الهدف الذي يقف خلف تسارع تيار جليلي نحو التطرف؟
رفض التفاوض.. ورقة رفعها جليلي في الهواء
أوضحت الوكالة أنه بعد اعتماد استراتيجية عدم التفاوض بين إيران والولايات المتحدة خلال فترة حكومة ترامب، بدا كأن سعيد جليلي استعاد حيويته، هذه الاستراتيجية، التي اقتصرت على التفاوض مع أمريكا ولإدارة الأمريكية الحالية (أي للسنوات الأربع القادمة)، أعطت دفعة جديدة لتيار جليلي الذي كان يتجه نحو التراجع، وأعادت إليه شيئا من الزخم.
وتابعت أنه برغم أن جليلي كان قد بدأ في زيادة وتيرة خطاباته مؤخرا، فإن خطابه الأخير أمام الطلاب قبل شهر، أثار تساؤلات عديدة لدى المراقبين. فقد أثار خبر خطابه في مراسم اعتكاف طلابي بأصفهان ضجة إعلامية، وتصاعدت الأمور أكثر بعد أسبوعين عندما ألقى خطابا آخر أمام طلاب في طهران، مما أثار ردود فعل واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.
وأوضحت أن جليلي، بمعرفته العميقة بقاعدة الناخبين في مختلف مناطق إيران وطهران، يحاول بشكل انتقائي، توجيه أصوات المحافظين، خاصة بين المراهقين الذين على وشك الحصول على حق التصويت، نحو نفسه بوتيرة هادئة، فخطابه في مراسم الاعتكاف يمكن أن يكون إحدى هذه الخطوات المدروسة.
من جهة أخرى، هناك تساؤل كبير موجَّه لوزير التربية والتعليم حول سبب ودوافع تنظيم هذا الخطاب، ولماذا كانت الوزارة سلبية إلى هذا الحد في هذا الشأن. إضافة إلى هذين الخطابين، ألقى جليلي خطابات أخرى خلال الشهر الماضي، حيث ركزت جميعها على قضايا إسرائيل والغرب وسياسة إيران الخارجية من وجهة نظره.
البرلمان وخروقات رجال جليلي
ذكرت الوكالة أن الأيام الأخيرة شهدت خطوة جديدة في تصعيد نشاط سعيد جليلي داخل البرلمان، حيث قام حميد رسائي، أحد أبرز المقربين منه، بتسجيل فيديو لتصريحاته ضد عبد الناصر همتي خلال جلسة غير علنية، ثم قام بنشره على قناته بمنصة تليغرام. وبعد ساعات، قام شريكه السياسي، أمير حسين ثابتي، بنشر تسجيل خلال جلسة اللجنة الاقتصادية، التي كانت مخصصة بشكل غير رسمي لمناقشة طلب استجواب همتي.
وأضافت أنه ورغم أن هذه الإجراءات لا تشكل مخالفة قانونية وفقا لنظام البرلمان الداخلي، فإن النائبين من فريق جليلي استخدما هذه الخطوة لتسجيل اسميهما كأول من يطالب باستجواب أول وزير في حكومة بزشكيان. وبغض النظر عن مدى تأثير أداء همتي وإدارته على الوضع الحالي لسوق الصرف، فقد استغل هذا التيار ارتفاع أسعار العملات وتأثيرها المباشر والطويل الأمد على الأوضاع المعيشية كأداة لمواجهة خصومه الانتخابيين.
وأشارت إلى أن ما حدث في مقر البرلمان يُعتبر بلا شك، بداية لسلسلة من التحركات الجديدة من قبل نواب فريق جليلي. هذه الأنشطة، التي تتسارع من حيث الكم والكيف، تهدف إلى تعطيل عمل حكومة بزشكيان. العبارة التي استخدمها رسائي، والتي جاء فيها: “محاكمة همتي بدلا من استجوابه”، تُظهر بوضوحٍ أن الأمر يتجاوز مجرد أداء مهام النيابة عبر أدوات الرقابة والاستجواب. رجال جليلي في البرلمان يسعون إلى شل حركة الحكومة بالكامل.
شاشة التلفزيون غنيمة بين أنصار جليلي
ذكرت الوكالة أن في ذكرى الاحتفال بالثورة، تحوّل الإعلام الرسمي إلى ما يشبه احتفالا لأنصار جليلي والتيار المحافظ، والتي اتخذت الآن شكلا جديدا من التحالفات القائمة على المصالح. هذه الصورة أصبحت أكثر وضوحا عندما استضافت قناة “خبر” سعيد جليلي، بينما استضافت قناة “أفق” محمد مهدي مير باقري، عضو مجلس الخبراء.
وأضافت أنه في مساء ذلك اليوم، بينما كان جليلي يلقي كلمته، كان مير باقري ضيفا خاصا على قناة “أفق”، حيث صرّح قائلا: “الإيرانيون عموما لا ينخدعون بنموذج التنمية الغربي، لأن ما نراه في قطر وتركيا ليس سوى واجهة للتنمية وليس جوهرها. لقد نقلوا الأدوات فحسب”.
هذا النشاط ليس سوى نموذج واحد من تحركات فريق جليلي داخل الإعلام الرسمي، فمن الواضح أن البرامج المختلفة، بدءا من المناقشات ووصولا إلى النشرات الإخبارية، تركّز على نقد حكومة بزشكيان بشكل لاذع. جمهور الإعلام الرسمي، وإن كان محدود العدد، يمثل بالضبط القاعدة الانتخابية التي يعمل جليلي ورجاله على استهدافها وغسل أدمغتها.
الفضاء الافتراضي: قبيلة جليلي ضد رؤساء السلطات
وتابعت الوكالة أن تصاعد نشاط فريق جليلي أصبح واضحا حتى في الفضاء الافتراضي، بدءا من إعادة نشر أخبار مغرضة حول أحداث وقعت مؤخرا في جامعة طهران، وصولا إلى الهجمات المنسقة التي يشنها هذا التيار مع جيشه السيبراني ضد رئيس البرلمان.
وأضافت أنه بعد خطاب محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، حول استراتيجية عدم التفاوض مع الإدارة الأمريكية الحالية، شن أنصار جليلي موجة هجمات منسقة ضد قاليباف، متهمين إياه بالتخلف عن جليلي في جبهة الثورة، ومستذكرين تصريحاته السابقة التي دافع فيها عن التفاوض بناءً على “العقلانية الثورية”، ووصفوه بأنه يتصرف بانتهازية.
وأوضحت أن تيار جليلي يبدو مغتبطا بهذه الاستراتيجية الجديدة، حيث يراقب الحكومة الحالية وهي تتخبط، وفي الوقت نفسه يحاسب خصمه القديم والعدو السياسي قاليباف، قائلا: “أنت الذي كنت تدافع عن التفاوض بناءً على العقلانية الثورية، لماذا تتراجع الآن؟!”.
وتابعت أن هذا النشاط المتصاعد أعطى دفعة جديدة للباحث المعروف علي أكبر رائفي بور، الذي كتب: “كانوا سلبيين لدرجة أن المرشد الأعلى اضطر إلى التدخل مرة أخرى. هذه الجماعة لسنوات، جعلت الولاية هدفا وخندقا لها، وبوقاحة يصفون كل من يخالفهم، وضمن ذلك منتقدوهم، بأنهم ضد ولاية الفقيه”.
وأشارت إلى أنه إضافة إلى الهجمات المنسقة ضد قاليباف بعد خطابه، تضغط هذه الحسابات على البرلمان لاستجواب الوزراء، بل تتحدث مؤخرا بلغة جديدة عن “واجبها” في التدخل لإزالة ظريف من الحكومة في ظل تقاعس رؤساء السلطات الثلاث، وفقا لادعائهم.
الشارع: كل يوم أكثر ازدحاما
ذكرت الوكالة أن الجبهة الأخيرة لنشاط تيار جليلي هي الشارع، حيث تُعقد تجمعات غير واضحة المصدر، تُنظم بصمت وتقاعس من وزارة الداخلية، وفيها يتم وصف رؤساء السلطات الثلاث بـ”المتآمرين”. تظهر في هذه التجمعات شخصيات معروفة من الإعلام الرسمي، تدافع عن الرقابة على الإنترنت، وتوجه انتقادات لظريف وتطالب برحيله من الحكومة.
وأضافت أنه من الملاحظ دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تنظيم هذه التجمعات، التي تستضيف عادةً شخصيات معروفة من جبهة بايداري، مثل كامران غضنفري في تجمع أمام مجمع الباستور؛ احتجاجا على تصريحات ظريف.
واختتمت الوكالة التقرير، بالإشارة إلى أن ما هو واضح بشأن تصاعد هذه التحركات هو الهدف والمسار التصاعدي لها، فهي حركة جماعية مدعومة في خمس جبهات! على أمل أن يصبح سعيد جليلي رئيسا للجمهورية أخيرا. حلم ليس بعيب، لكن تحقيقه قد يكلف إيران آلاف العيوب.