كتب: محمد بركات
قرار ينفي الآخر، هكذا كانت قرارات حكومة بزشكيان بشأن أسباب انقطاع الكهرباء، فبعد أن أصدر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، قراراً بمنع استخدام المازوت، تخرج المتحدثة باسم الحكومة لتقول أن المازوت لا يزال مستخدما. وبينما يصرح نائب الرئيس التنفيذي بأن عدم استخدام المازوت هو السبب في قطع الكهرباء، يقول وزير البترول إن السبب هو تأخر الشحنات عن المحطات.
أصل القصة:
بدأت القصة 2 نوفمبر/ترين الثاني 2024 عندما نشرت فاطمة مهاجراني، المتحدثة الرسمية للحكومة، عبر حسابها على منصة إكس تغريدة تعلن فيها توجيه الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بوقف استخدام المازوت في عدد من محطات توليد الكهرباء في إيران، حيث كتبت: “ليس من العدل أن يتحمل جزء من المجتمع تكلفة إنتاج الكهرباء بحياته. ومن هنا، وبتوجيه من رئيس الجمهورية، سيتم وقف استخدام المازوت في ثلاث محطات كهرباء في أراك وكرج وأصفهان، التي تتمتع بظروف خاصة. يمكن استبدال إنتاج السم، تقصد توليد الكهرباء عن طريق حرق المازوت، بخطط إيقاف الكهرباء المنتظم لفترة مؤقتة”.
بعدها صرح محمد جعفر قائم بناه، مساعد الرئيس التنفيذي، في تصريح للصحفيين على هامش أعمال اللجنة الوطنية للحد من التلوث عن حظر استخدام المازوت في جميع محطات الكهرباء، وأكد أن هذا القرار يشمل ثلاث محطات فقط بموجب قرار من مجلس الوزراء.
وأضاف أن “البلاد تعاني منذ سنوات من مشكلة تلوث الهواء، والتي تؤثر على تأمين الكهرباء”، مضيفا أن استهلاك 16 مليون طن من المازوت سنويا في مدينة أراك تسبب في مشاكل صحية، ما دفع الرئيس إلى إصدار أمر بحظر استخدام المازوت، وأشار إلى أن هذا قد يؤدي إلى انخفاض الكهرباء وقطع التيار، ولكنه أمر لا مفر منه حفاظا على أرواح المواطنين، وفق ما جاء في تقرير وكالة جماران الإخبارية بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
أحدث ذلك القرار حالة من السخط والرفض لدى المجتمع الإيراني؛ حيث ازدادت عمليات قطع التيار الكهربي على مستوى البلاد، كما نشرت الحكومة خطة لتخفيف الأحمال ما زاد من غضب الشارع الإيراني، فقد صرح رضا سبه وند، عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، أن عدم استخدام المازوت سيؤدي إلى انقطاع مبرمج للكهرباء والغاز، كما حدث في الصيف مع انقطاع الكهرباء للقطاعات الصناعية التي تأثرت بشكل كبير، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة، مضيفا أن هناك حاجة لزيادة واردات الغاز من الدول المصدرة، ولكنها ترتفع الأسعار في فصل الشتاء بسبب زيادة الطلب، مما يجعل الغاز غير اقتصادي في بعض الأحيان، لذلك يجب اللجوء إلى المازوت لسد الفراغ، حسب ما أفاد به موقع اتاق إيران أونلاين في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
من جهة أخرى، أكد جعفر قادري، نائب رئيس لجنة الاقتصاد في البرلمان، ضرورة إيجاد حلول لانقطاع الكهرباء، لأن ذلك يؤثر سلباً على الإنتاج في الصناعات مثل الأسمنت، والصلب، والألومنيوم، ما يؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات في السوق، وليس وقف حلول بديلة، موضحا أن العديد من المصانع التي كانت تحقق أرباحا في السنوات السابقة أصبحت تعاني من خسائر كبيرة بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر.
كذلك، فقد كتبت صحيفة فرهيختكان تعليقاً على قرار بزشكيان: “في الظاهر، يُعتبر قرار وقف استخدام المازوت في المحطات المذكورة خطوة إيجابية، لكن يبدو أن الحكومة لم تأخذ في الحسبان الأسباب الفنية لهذا القرار، أو أنها لم توضح بشكل كامل سبب انقطاع الكهرباء المنتظم. فقد أظهرت الأبحاث أن ثلاث محطات كانت تمثل حوالي 9% من إجمالي استهلاك المازوت في محطات الطاقة، ولكن العديد من الشركات الصناعية، مثل مصانع الأسمنت، تستهلك أيضا المازوت. ينبغي على الحكومة معالجة هذه المسائل من خلال الخبراء الفنيين بدلا من التعامل معها عبر الحملات الإعلامية أو التصريحات السريعة”، وفقا لتقرير الصحيفة بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الأول 2024.
وبعد ذلك الهجوم الذي تعرضت له الحكومة، أعلنت فاطمة مهاجراني، أن استهلاك المازوت لم يتوقف بشكل كامل، بل تم تقليصه، حيث قالت إن هناك نوعا من المازوت الذي يعتبر ضارا بالصحة وقد تم إيقاف استخدامه. كما أوضحت أنه في المناطق البعيدة عن المناطق السكنية، يتم حالياً استخدام خليط من المازوت والديزل، مشيرة إلى أن تقليل هذا الوقود هو ضمن الخطط الحالية، ويتم استخدامه لتوفير الوقود لمحطات الطاق، في تراجع مباشر للحكومة عن قرارها السابق، حسب ما جاء في تقرير موقع خبر بأن بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
أيضا صرح وزير الطاقة الإيراني، عباس على آبادي، خلال الجلسة العلنية للبرلمان الإيراني، والتي الثلاثاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني أثناء مناقشة تقرير لجنة الطاقة حول انقطاع الكهرباء في فصل الشتاء وتأمين وقود محطات الطاقة إنه سيتم وقف العمل بخطط تخفيف الكهرباء، وأنه الآن لا توجد مشكلة في عملية إنتاج أو نقل الكهرباء. وذلك وفق ما أفادت وكالة انباء آنا الإخبارية بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ما سبب تراجع الحكومة، وهل كان للمازوت تأثير سلبي على البيئة؟
كان السبب الرئيسي لتراجع الحكومة عن قرارها السابق هو أن المازوت لم يكن يشكل مشكلة من الأساس، فقد أظهرت الإحصائيات أن المازوت كان له دور ضئيل جدا في الوقود المستخدم في المحطات، حيث لم يتم استخدام أي كمية من المازوت في محطات الطاقة في المدن الكبرى مثل طهران لعدة سنوات. وبالتالي، فإن حرق المازوت يساهم بشكل طفيف في تلوث الهواء.
فرغم أنه لا توجد إحصائيات دقيقة ومنظمة حول كمية استهلاك المازوت في المحطات، لكن وفقا لتصريحات ناصر إسكندري، نائب مدير إنتاج الكهرباء في شركة الكهرباء الحرارية، فإن حصة المازوت في سلة الوقود لمحطات الكهرباء منذ بداية عام 2023 حتى تاريخ شهر أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام قد بلغت 3 % فحسب، وهناك 93 % يتم توفيرها من الغاز الطبيعي، و4% عبر الديزل، وفقا لما جاء في تقرير موقع فاكت نامه الإخباري بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ومن جهة أخرى، فإن تصريحات المسؤولين في وزارة الطاقة تبين أن سبب انقطاع الكهرباء لم يكن قرارا جريئا لوقف حرق المازوت بهدف تقليل التلوث، بل كان نتيجة عدم توافر الوقود الكافي من الديزل لمحطات الكهرباء في الأشهر الماضية، مما يعني أن الحكومة حاولت خلق ذريعة وقف استخدام المازوت لتبرير عمليات الانقطاع المتكررة، ولما وضح الأمر اضطرت للتراجع مرة أخرى، أو بشكل أخر، خرجت لتقول إنها ستقلل من استخدامه، حسب ما جاء في تقرير صحيفة همشهري بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وبهذا الشأن كتبت صحيفة همشهري: “كان أحد الوعود الرئيسية لبزشكيان أثناء حملته الانتخابية هو تعزيز الشفافية في اتخاذ القرارات الاقتصادية وإبلاغ الشعب بجميع المستجدات. ومع ذلك، واجهت أزمة انقطاع الكهرباء تفسيرات متناقضة، حيث حاول بعض المسؤولين تضخيم قضية وقف استخدام المازوت في محطات الطاقة لتبرير الانقطاعات واعتبارها قرارا شجاعا، على الرغم أن الأمر لا علاقة له باستخدام المازوت، أن ما حدث يلزم الحكومة لإعادة حساباتها بشأن الشفافية مع الشعب، فمثل تلك المواقف تؤدي إلى تآكل الثقة العامة في الحكومة وسياساتها الاقتصادية”.