كتبت: شيماء جلهوم
تحوز إيران 28 موقعا في قائمة اليونسكو للتراث اللامادي للإنسانية، وهي من بين أربع دول حازت أعلى نسب المشاركة في القائمة الدولية لتراث البشرية، من بين أهم المواقع التي تحوزها إيران، كان “تخت سليمان”، وهو من أعظم بقايا الحضارة الفارسية القديمة، التي صمدت أمام الغزو الروماني، ثم الفتح العربي لبلاد فارس، وما تلاه من حكم المغول.
يقع تخت سليمان في جبال غرب إيران، على بعد 48 كيلومترا شمال شرقي محافظة تكاب، ويمتاز بموقع طبيعي متفرد، ومناظر طبيعية خلابة، وتحيط به البحيرات الطبيعية والأودية والمقابر القديمة. بحسب موقع إيسنا، فإن تخت سليمان هو بقايا القلعة القديمة لسكان الميدانيين، في ذروة العصر البارثي والساساني، قبل أن تدمر الغزوات التي طالت بلاد الفرس، حضارتها القديمة، وفي الوقت الذي انهارت فيه كل مظاهر الحياة في غالبية القلعة القديمة، كانت الظروف الطبيعية المحيطة بالقلعة القديمة، هي السبب الذي جعلها أرضا مناسبة للحياة في عصر كسرى أنوشروان، واستقرت فيها الحضارة الساسانية القديمة، ومع نقل النار المقدسة إليها ازدادت الأهمية التاريخية للقلعة.
تضم المجموعة التاريخية لتخت سليمان، معبد النار “آزار غشب”، ومتحف الهدايا، وجبل السجن، وقلعة بلقيس، وكل منها يحمل كثيرا من الأسرار التي لم يكشفها التاريخ بعد، وإضافة إلى كل ما تحويه مجموعة العرش، فهي أرض ميلاد “زرادشت”، الفيلسوف الفارسي وصاحب الديانة الزرادشتية.
جبل السجن
من أهم المعالم المسجلة ضمن مجموعة تخت سليمان، “جبل السجن”. وبحسب موقع نسيم، فإن الجبل يعتبر معلما سحريا، على شكل مخروط مجوف، يقع على بعد ثلاثة كيلومترات غرب العرش السليماني، وهو من بقايا معبد مقدس يعود إلى الألف الأولى قبل الميلاد.
يعتبر بعض علماء الآثار أن جبل السجن كان في البداية بحيرة لا تختلف عن بحيرة تخت سليمان الباقية حتى اليوم، لكن جفت مياهها وأصبح بشكله الحالي.
من عجائب ذلك الجبل وجود ينابيع نشطة للمياه والبترول داخل أخدوده حتى الآن.
البحيرة السحرية
أكثر البحيرات سحرا على مستوى العالم، وهي أحد معالم السياحة في مجمع تخت سليمان، وتقع هذه البحيرة على بعد 25 كيلومترا من العرش السليماني، ويبلغ قطرها نحو 85 مترا، وقطر الجزيرة العائمة فوقها نحو 45 مترا.
السحر الذي تملكه بحيرة العرش ليس فقط في مناظرها الخلابة، لكن لأن اتجاه الريح فيها لا يأتي أبدا من اتجاهين، بل من جانب إلى آخر في كل مرة.
كما أن العشب المتحرك أو عشب “غول” هو أحد ظواهرها الفريدة، ومن المثير للاهتمام أن عشب البحيرة أخضر اللون في كافة فصول السنة، ويرجع البعض حركة العشب إلى حركة الأرض نفسها، ويرجعه البعض الآخر إلى العوامل الطبيعية والرياح.
تعتبر بحيرة سليمان، بحيرة مقدسة في الثقافة الفارسية القديمة، ولها خصائص علاجية، كما يقال إنها تحوي كثيرا من كنوز الحضارات القديمة المتتابعة على بلاد فارس، من الساسان إلى الأسكندر الأكبر، وهرقل. على مدار القرون الماضية، حاول كثيرون الوصول لأعماق البحيرة لسبر أغوارها وكنوزها إلى أنهم لم يعودوا قط، وظلت البحيرة تملك سرها المقدس حتى اليوم.
من الأسرار التي تملكها البحيرة، الجداول المائية التي تتدفق من هذه البحيرة، بمعدل 59 لترا في الثانية، وتمتلئ البحيرة من المياه الجوفية الموجودة في قاع البحيرة.

ميلاد زرادشت في تخت سليمان
في ذلك المكان الذي يقدسه كثير من الإيرانيين حتى اليوم، ولد الفيلسوف الإيراني “زرادشت”، في الألفية الأولى قبل الميلاد، نبي الساسان وصاحب الديانة المجوسية، أو عبادة النار.
تعتبر تعاليم الزرادشتية، هي التعاليم الأساسية التي تتبعها جميع الأديان، والأساس الذي قامت عليه سبع عشرة أرجوزة تركها الحكيم المعلم، كانت تدور حول اختيار الإنسان بين قوى الخير وقوى الشر.
بحسب العديد من الروايات، فإن قصة زرادشت لا تختلف عن قصص الأنبياء، وأن المعجزة والأسطورة التي يبدأ بها الخط الدرامي في حياة كل نبي لم تتغير كذلك في ميلاد زرادشت، الذي حمل معه العديد من المعجزات الأسطورية التي وقعت ذات يوم في المنطقة الملاصقة لتخت سليمان، حيث كان الكهنة والسحرة يتوعدون ميلاد الطفل الذي سيقضي على السحر، وأن كبير السحرة “دورسرو” ونائب الملك في المقاطعة سمعا بميلاد النبي الذي سيقضي على السحر والوثنية، فأرسل كبير السحرة ثلاثة ليحضروا زرادشت له في معبد النار، وعندما جاءوا بالطفل وضعوه في النار، وعندما عادت والدة الطفل إلى المنزل لم تجده فذهبت إلى معبد النار لتدعو الآلهة بأن ترده، وعندما ذهبت الأم وجدت ابنها زردشت يعبث داخل النار ويلهو فأخذته، وقام كبير السحرة بتدبير مكيدة أخرى، فأمر السحرة بإحضار الطفل مرة أخرى ووضعه في وسط طريق يمر به قطيع كبير من الماشية، ولكن حينما مر القطيع جاءت أول بقرة وقامت بحماية الطفل من بقية القطيع، وعندما جاءت والدته رأته يلهو على الطريق أخذته للمنزل، وفكر كبير السحرة بمؤامرة أخرى، فأخذ الطفل ووضعه في جحر ذئاب، إلا أن الذئاب حينما عادت لجحرها سكنت في مكانها وعجزت عن التحرك، وظهرت عنزتان في الجحر وأرضعتا الطفل.

في رحلة زرادشت في البحث عن الحقيقة غادر زوجته واعتكف في الجبل، بحثا عن إشارة تأتيه لتهديه إلى طريق الحق، وتروي الأسطورة الفارسية عن النبي الفارسي القديم أنه على الجبل يستوضح أفكاره، التي تخرج في بطء شديد كأنها ولادة متعثرة، وتزعم الأساطير أنه في أثناء وقوفه على الجبل رأى نورا يسطع فوقه، وإذا به “فاهومانا” كبير الملائكة، جاء ليقود زرادشت إلى السماء ليحظى بشرف لقاء الرب، ويستمع إلى تكليفه بأمر النبوة، فصدع بالأمر، ثم قال بعدها: “سأنزل إلى الناس، وأقود شعبي باسم آورمزدا من الظلام إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الشر إلى الخير”.