كتب: زينب بيه
شهد نظام التعليم في إيران في عام 2023-2024 تراجعاً، انعكس بوضوح في معدلات الامتحانات النهائية والإحصائيات الرسمية التي نُشرت في أواخر يوليو/تموز. هذه الإحصائيات كشفت عن تباين كبير في الأداء التعليمي بين المحافظات، حيث سجلت محافظة يزد أعلى معدل بـ12.4%، في حين كانت محافظة سيستان وبلوتشستان في أدنى مستوياتها بـ7.74%. إضافة إلى تدهور ملحوظ في مستوى التعليم مقارنةً بالسنوات السابقة، مما يعكس أزمة حقيقية علی مستوی کل المحافظات. وکذلك تسلط هذه الدراسة الضوء على أزمة التعليم في محافظة سيستان وبلوتشستان، التي تعاني من نقص حاد في المعلمين، وتحديات اقتصادية واجتماعية تؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم.
فوفقاً لتقرير نشرته صحيفة هم ميهن، بتاريخ 1 سبتمبر/أيلول 2024، تحدث أحد معلمي محافظة سيستان وبلوتشستان عن تدني جودة التعليم، وعدم قدرة الطلاب على القراءة والكتابة، وتشغيلهم كعُمّال، وعلى الأقل فإن الطلاب الذين ينتقلون من الصف السادس إلى الصف السابع، من بين كل 20 طالباً، هناك 4 إلى 5 منهم لا يعرفون القراءة والكتابة. وبناءً على تصريحات المعلمين في المناطق النائية، فإن مباني السكن الطلابي إما مغلقة وإما قليلة، ومع إلغاء وسائل النقل المدرسية، أدى ذلك إلى انخفاض مستوى التعليم، والهروب من المدارس… كل هذه الظروف تَظهر نتائجها في امتحانات الطلاب النهائية، وهذا الوضع يزداد يوماً بعد يوم، مما سيجعل البلاد تواجه موجة من الأمية. الوضع المالي وجودة التعليم هما العاملان الرئيسيان في هذه الكارثة.
معدلات الامتحانات النهائية والإحصائيات الرسمية لعام 2023–2024:
نُشرت صورة لمعدلات امتحانات الطلاب النهائية على وسائل التواصل الاجتماعي، في أواخر شهر يوليو/تموز لهذا العام، حيث أظهرت أن أعلى معدل كان في محافظة يزد بمعدل 12.4، حيث إن الدرجة الكلية في نظام التعليم الإيراني تكون عادةً من 20، وأدنى معدل في سيستان وبلوتشستان بـ7.74%. وبالنسبة لمعدلات بعض المحافظات الأخرى فكانت كالتالي: طهران 10.67، خُراسان الجنوبية 11.81، جُلِستان 9.65، خُراسان الشمالية 9.82، كِرمان 9.44، بوشهر 9.49، قزوين 10.89، خُراسان رَضَوي 11.27، قُم 11.27، أصفهان 11.43، سمنان 11.62، هَمَدان 10.23، هُرمُزغان 8.76، وبعد أيامٍ من نشر هذه النسب، أُعلنت إحصائيات رسمية تُظهر تدهوراً كبيراً في الوضع التعليمي، حيث قُورنَت درجات هذا العام بالسنوات السابقة، وأظهرت جميع المحافظات تراجعاً شديداً في الأداء الدراسي.
وتراجعَ معدل الطلاب في محافظة خُراسان الجنوبية من نحو 14.5 إلى 11.8، وكانت معدلات الامتحانات النهائية لجميع التخصصات النظرية أقل من 10، في محافظاتٍ مثل سيستان وبلوتشستان، كِرمان، هرمزكان، فارس، بوشهر، وغيرها
أعلنَ رئيس جودة التربية والتعليم، في نهاية شهر أغسطس/آب، أن معدلات الطلاب في الصف الثاني عشر قد ارتفعت في أربع تخصصات، حيث ارتفع معدلهم في تخصص العلوم التجريبية من 11.23 إلى 12، وفي تخصص الرياضيات من 10.79 إلى 11.82، وفي الدراسات الإنسانية من 8.75 إلى 9.13. وارتفع المعدل الإجمالي لجميع التخصصات من 10.23 إلى10.89.
أزمة التعليم في سيستان وبلوتشستان:
تُعانى سيستان وبلوتشستان، من بين جميع المحافظات من ظروف تعليمية صعبة. يقول دانش دادالله زهی، مُعلم بالمرحلة المتوسطة في سيستان، أن المدارس في المنطقة تفتقر إلى المعلمين المتخصصين، حيث يدرس مواد مثل الأحياء والكيمياء معلمون غير متخصصين. إضافة إلى ذلك، يعاني الطلاب من نقص في المواد الدراسية ويواجهون صعوبات في التعامل مع أسئلة الامتحانات النهائية المعقدة، التي تتطلب معرفة أعمق عن المحتوى المقرر. كما أن الفقر يمنع الطلاب من شراء الكتب والمراجع الإضافية، ولا توجد إمكانيات لدروس التقوية في المناطق الريفية والنائية.
نقص المعلمين المتخصصين وترك مهنة التعليم:
يصل معدل طلاب مدارس المدن الكبرى مثل طهران، وأصفهان، وخراسان، إلى 14، مما يشير إلى أن مستوى أسئلة الامتحانات يشمل محتوى الكتب الدراسية. ويقول المُعلم: “يرجع تدني معدل الطلاب في سيستان وبلوتشستان إلى نقص المعلمين المتخصصين والموارد التعليمية، في المدارس العادية بالمحافظة، ونادراً ما يوجد طلاب يتمتعون بمستوى كافٍ من التعليم، باستثناء المدارس الخاصة”.
كما أشار إلى أن طلاب الصف السادس، من بين كل 20 طالباً، هناك 4 إلى 5 منهم لا يجيدون القراءة والكتابة. وأحد أسباب ذلك هو تطبيق نظام التقييم الوصفي بشكل غير صحيح، حيث تتم ترقية الطلاب إلى المراحل التالية دون رسوب. ويضيف أن معدل الطلاب كان أعلى من 10 في السنوات السابقة. وحالياً تزداد نسبة الطلاب الذين يتركون التعليم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وتصل إلى ذروتها في المرحلة الثانوية. يُفضل الطلاب العمل في وظائف مثل البناء أو النجارة أو الصيد بدلاً من الدراسة، لأنهم يمكنهم كسب نحو 400-500 ألف تومان = 95-118 دولاراً، من خلال هذه الأعمال.
سياسة توظيف المعلمين تسببت في أزمة تعليمية:
تواجه سيستان أزمة كبيرة في التعليم بسبب النقص الحاد للمعلمين المتخصصين، حيث تفتقر المدارس إلى معلمين في مواد مثل الأحياء والكيمياء، وبسبب هذا النقص، تُعاني سيستان من فجوة كبيرة في التعليم. ووفقاً للمسؤولين، هناك نقص يبلغ عدده 16 ألف معلم في المحافظة، كما لم تُخصص أي حصص للمدرسين المتخصصين في مكتب توظيف المعلمين، ويُعد هذا تمييزاً واضحاً ضد المحافظة، وأغلب الانتقادات موجهة أيضاً إلى سياسة التوظيف التي لا تأخذ بعين الاعتبار البُعد المحلي، حيث يتم توظيف معلمين من خارج المحافظة، مما يؤدي إلى انتقالهم السريع من المنطقة… كما تُظهر الإحصاءات أن معدل الطلاب تاركي التعليم في سيستان يصل إلى 38%، و14% منهم محرومون من التعليم، و24% هجروا الدراسة بأنفسهم.
الفقر ونقص الفرص يدفعان الأطفال بعيداً عن التعليم:
يتجه الطلاب بشكل متزايد نحو التعليم الفني والمهني، ويعود سبب ترك الدراسة إلى الفقر ونقص الفرص الوظيفية، وعدم توافر سكن للطلاب، وإلغاء خدمات النقل المجانية، بحيث إنه يضطر الطلاب في المرحلة الابتدائية إلى السير 10-12 كم للوصول إلى المدرسة، في حين قد يصل الطلاب في المرحلة الثانوية إلى 20-30 كم.
تُظهر الإحصاءات تزايد عدد الطلاب الذين يتركون الدراسة، خصوصاً بين الفتيات بسبب قضايا ثقافية. وآخر التقارير تُظهر أن معدل الأطفال تاركي التعليم في إيران ارتفع بنسبة 26% وسيستان هي الأكثر تأثراً، حيث تفوقت على جميع المحافظات الأخرى في هذه النسبة، ووصل عددهم إلى نحو 930 ألف طفل في السنة الدراسية 2022-2023.
المناطق النائية: أمية متزايدة وبيئة تعليمية غير ملائمة:
تحدث السيد “ق”، مدير مدرسة ابتدائية بقرية تُدعى إسلام آباد في خُراسان الجنوبية، لم يرغب في ذكر اسمه في التقرير؛ خوفاً من الملاحقات من قِبل السلطات، ولكنه قال لصحيفة “هم میهن“: “إن العديد من العائلات لا تستطيع تحمُّل أقل التكاليف لتعليم أبنائها. وهو لديه 17 عاماً من الخبرة في التدريس، ويقول: الآن نشهد تدهوراً في المستوى التعليمي للطلاب، بحيث يكون الطالب في العمر المناسب للصف الثالث الابتدائي، لكنه يجلس في الصف الأول… الوضع يكون أصعب بالنسبة للفتيات، عندما يصلن إلى المرحلة المتوسطة، يتوجب عليهن ترك الدراسة؛ لأنهن بحاجة إلى الانتقال إلى مدينة أخرى للتعليم، ولكن بسبب ثقافة العائلات والظروف المادية ينتهي الأمر بهن إما بالزواج وإما بالبقاء في المنزل.
ويقول بيروز نامي، مدير مدرسة في خوزستان، ولديه 36 سنة من الخبرة في التدريس: “إنه على الرغم من أن خوزستان غنية بالنفط، فإنها فقيرة ونائية من حيث الوسائل والمرافق التعليمية، إضافة إلى طقسٍ شديد الحرارة، والمدارس لا تملك وسائل تبريد مناسبة”.
وإصلاح هذه الأزمات يتطلب جُهوداً متعددة الجوانب تشمل تحسين شروط العمل للمُعلمين، وتوفير الموارد التعليمية الكافية، وإعادة تقييم سياسات التوظيف والتوزيع. من الضروري أيضاً تعزيز الدعم المالي للمناطق النائية وإعادة النظر في سياسات التعليم لضمان تحقيق فرص تعليمية متساوية وشاملة لجميع الطلاب، بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الثقافية.