ترجمة: نوريهان محمد البهي
أثار خطاب ترامب في دافوس 2025، موجة من القلق بين الحلفاء، مع تأكيده سياسات اقتصادية وأمنية مثيرة للجدل.
نشرت صحيفة فرهيختگان تقريرا مفصلا، السبت 25 يناير/كانون الثاني 2025، حول الخطاب الراديكالي لترامب في دافوس 2025، مشيرة إلى أن هذا الخطاب ليس مجرد لحظة سياسية استعراضية، بل هو زلزال أيديولوجي أحدث شقا في أسس النظام العالمي.
وأضافت الصحيفة أن منتدى دافوس العالمي، باعتباره واحدا من المؤسسات التي تأسست على قيم الرأسمالية العالمية والقيم الغربية والأمريكية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يواجه الآن تناقضا داخليا.
ووفقا للتقرير، فإن القضية الأبرز في منتدى دافوس لعام 2025 هي ترامب الرئيس الأمريكي؛ الذي تم تنصيبه في البيت الأبيض قبل أيام، ويقدم الآن خطابا افتراضيا يسخر من كل الأسس التي بُني عليها دافوس.
وأكدت أن كل جملة من كلمات ترامب، إلى جانب شعاراته الانتخابية وأوامره التنفيذية، تُحدث زلزالا بين حلفاء الولايات المتحدة.
كما أشارت إلى أن دافوس، الذي كان منتدى اقتصاديا يجمع النخب والرأسماليين العالميين، أصبح هذا العام منصة تهدف إلى تقديم حلول لمواجهة “العالم الحر” لظاهرة الترامبية وانتشارها.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المخاوف من ظهور ترامبية أكثر راديكالية كانت واضحة في كلمات الحلفاء الأوروبيين والخليجيين والأوكرانيين للولايات المتحدة.
حوار خارج المألوف
أشارت الصحيفة إلى مشاركة إيران في دافوس 2025، مشيرة إلى أن إيران كانت ممثلة بشكل غير رسمي من خلال جواد ظريف، النائب الاستراتيجي للرئيس الإيراني.
وأضافت أن ظريف أجرى مقابلة مع فريد زكريا، أحد أبرز الوجوه الإعلامية في المعسكر الديمقراطي، حيث تناول المواقف الرسمية للحكومة الإيرانية بشأن المقاومة وفلسطين والعلاقات بين إيران والغرب.
ووفقا للتقرير، كان دفاع جواد ظريف عن مواقف وسياسات إيران الإقليمية قويا ومتماسكا. وأشارت إلى أن تأكيده الواضح والصحيح لرفض فكرة أن الجماعات المقاومة هم وكلاء أو ممثلون لإيران يعبرون عن السياسة الرسمية للدولة الإيرانية في دعم المقاومة.
وأكد ظريف أن جذور مشاكل المنطقة لا تكمن في تدخل إيران، بل في الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل ممارستها.
وأوضح ظريف أن الدعم الإيراني المستمر لحقوق شعوب المنطقة والشعب الفلسطيني يقوم على القوة الناعمة وليس المصالح التجارية.

تحليل مثير للجدل
أوضحت الصحيفة، أنه على الرغم من أن مواقف ظريف الحازمة في هذه القضايا كانت متماسكة ومقنعة، فإن تحليله لدور الولايات المتحدة في المنطقة، خاصةً في ما يتعلق بالمفاوضات النووية بين إيران وأمريكا، يبقى محل نقاش.
ووفقا للتقرير، أفادت الصحيفة بأن ظريف قد قلل من أهمية الإجراءات الأمريكية خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، مدعيا أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي (برجام) كان نتيجة تأثير جماعات الضغط الإسرائيلي، التي أدت- حسب قوله- إلى وقوع ترامب في خطأ معرفي!
وأوضحت أنه مع صحة أن الضغوط الإسرائيلية لعبت دورا مهما في تشكيل سياسات الولايات المتحدة، خاصة في عهد ترامب، إلا أن حجة ظريف تتجاهل العلاقة العميقة والهيكلية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث كانت الحكومات الأمريكية، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، دائما متوافقة مع مصالح إسرائيل، وغالبا ما جاء هذا التوافق على حساب استقرار المنطقة.
كما أشارت إلى رواية جواد ظريف عن فترة ترامب، مشيرة إلى أن هذه الرواية، عكس مواقفه المتماسكة ودعمه الواضح لإيران في قضايا المقاومة، تبدو مبسطة إلى حد ما.
وأوضحت أن افتراض أن جماعات الضغط الإسرائيلي أو أفرادا معينين هم فقط من يقفون خلف الكواليس ويوجهون الإجراءات لا يعكس الواقع الكامل لأمريكا وترامب.
وأضافت أن المقابلة تجاهلت أن التحالف القوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو الذي استمر في تغذية عدم الاستقرار في المنطقة.
وفي هذا السياق، أشارت إلى أنه في الوقت الذي عبر فيه قادة الدول الأوروبية والحلفاء التقليديون لأمريكا في دافوس 2025 عن قلقهم من “الترامبية”، وتحدث كل منهم عن ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي بعيدا عن أمريكا، حيث تقف التحالفات التقليدية الأمريكية على حافة الضعف أو الانهيار الكامل مع صعود ترامب؛ فإن تصريحات جواد ظريف وموقفه المتفائل بشأن التوصل إلى اتفاق مع أمريكا التي يحكمها ترامب من البيت الأبيض تظل محل تأمل وإعادة نظر.
كما لفتت إلى أن نائب الرئيس تطرق أيضا إلى بعض القضايا الداخلية في هذا الحوار، والتي لم تكن تبدو مناسبة لهذا المؤتمر، بغض النظر عن صحتها أو خطئها.
ترامب في دافوس: مواجهة مع حلفائه!
أفادت الصحيفة بأن صراحة ترامب في دافوس تمثل رد فعل عنيفا ضد الأجندة الليبرالية الدولية التي كانت أساس السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدار 70 عاما الماضية، حيث كانت الولايات المتحدة نفسها تقف على رأس هذا النظام.
وأشارت إلى أن ترامب يتحدث عن أمريكا التي يجب أن تتخلى عن دورها كضامن للأمن والاستقرار الاقتصادي لحلفائها، بينما تهدد بفرض رسوم جمركية ثقيلة، مما قد يخلق تحولا عميقا في العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين أمريكا وحلفائها.
وأضافت أن راديكالية موقف ترامب ليست سياسية فقط، بل اقتصادية أيضا.
وأكدت أن ترامب أكد مرة أخرى في دافوس، وبلهجة أكثر حزما وراديكالية، فرض رسوم جمركية على “الجميع”. وأردف ترامب قائلا: “إذا لم تكن تنتج سلعتك في أمريكا، فعليك دفع الرسوم الجمركية”.
كما أوضحت أن اقتراح ترامب فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين لأمريكا أثار مخاوف في الدول الغربية، خاصة في أوروبا وكندا.
وأشارت إلى أن الاقتصادات الضخمة مثل الصين وقاعدة إنتاجها القوية قد تكون قادرة على امتصاص هذا الضغط، بينما ستكون الاقتصادات الأوروبية المترابطة الأكثر تأثرا بسياسات ترامب الجمركية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه في عام 2020، بلغت قيمة العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 1.1 تريليون دولار، وتعتمد أوروبا بشكل كبير على الوصول إلى السوق الأمريكية لصادراتها.
وأكدت أن أي تغيير مفاجئ في السياسة التجارية الأمريكية يمكن أن يعطل سلاسل التوريد، ويجعل الأسواق أكثر هشاشة، ويؤدي إلى معاناة اقتصادية كبيرة.
حلف الناتو على المحك: تحديات أمنية وضغوط مالية
أفادت الصحيفة بأن ترامب، في جزء آخر من خطابه في دافوس، طالب بزيادة الإنفاق الدفاعي لدول حلف الناتو إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدا أن اعتماد هذه الدول على الدعم العسكري الأمريكي “غير عادل”.
وأشارت إلى أن اقتراح ترامب تقليل الدعم الأمريكي لأمن أوروبا إذا لم تلبِّ دول الناتو مطالبته بزيادة الإنفاق، قد يؤدي إلى انهيار الحلف في وقت تحتاج فيه أوروبا إليه أكثر من أي وقت مضى.
وأضافت أن الدول الأوروبية تخصص حاليا جزءا كبيرا من ناتجها المحلي الإجمالي للميزانيات العسكرية، لكن طلب ترامب زيادة هذا الإنفاق إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي سيدفع دولا مثل ألمانيا وفرنسا إلى أزمة مالية غير مسبوقة.
إضافة إلى أن هذه الدول تتحمل مجتمعةً 45% من الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي، كما تواجه بالفعل تحديات اقتصادية داخلية مثل ارتفاع التضخم والحاجة إلى الاستثمار في البنية التحتية والرعاية الصحية.
ولتوضيح هذه القضية بشكل أفضل، أوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة تنفق حاليا على الصناعات العسكرية أكثر من أكبر 10 دول من حيث الميزانيات العسكرية مجتمعة، حيث بلغت ميزانيتها العسكرية في عام 2023 نحو 750 مليار دولار.
وأكدت أن إجبار دول الناتو على الوصول إلى مثل هذا المستوى من الإنفاق سيضع اقتصاداتها تحت ضغط شديد ويحرف الموارد عن الأولويات الداخلية الحيوية.
وأردفت أن المعارضة الشعبية لمثل هذه الإجراءات قد تزيد من الاضطرابات السياسية، خاصة في الدول التي يواجه الإنفاق العسكري فيها احتجاجات واسعة، مثل ألمانيا، حيث خرج الناس مرارا إلى الشوارع للاحتجاج على تبعات الحرب في أوكرانيا.
معضلة النفط: مخاطر جيوسياسية وتبعيات الطاقة
أفادت الصحيفة بأن حديث ترامب عن أسعار النفط وانتقاده “أوبك” ومنتجين آخرين للنفط يمثل نموذجا آخر لنهجه المبسط، لكن الخطير في الحكم العالمي.
وأشارت إلى أن ترامب ادعى أن الأسعار المرتفعة للنفط، والتي تفاقمت بسبب سياسات أوبك، تغذي العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ ومع أن هذه الادعاءات تحتوي على جزء من الحقيقة، إلا أن القضية أكثر تعقيدا مما يصوره ترامب.
وأضافت أن نظام الطاقة العالمي مترابط بشكل معقد، وأن مطالب ترامب بخفض أسعار النفط من غير المرجح أن تؤدي إلى النتائج المرجوة.
وأوضحت أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الاقتصادات المعتمدة على الطاقة في جميع أنحاء العالم، ومن بين الاقتصادات النفطية الكبرى التي لا تزال تعتمد على بيع النفط، تأتي دول حليفة لأمريكا في الشرق الأوسط في المقدمة، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تعتمدان بشكل كبير على عائدات النفط للحفاظ على الاستقرار الداخلي ودعم اقتصادهما.
وأكدت أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط يمكن أن يزعزع استقرار هذه الدول، مما قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية، وعلى نطاق أوسع، يمكن أن يغير ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط.
وأردفت أن الدول التي كانت حتى الآن تحمي مصالح أمريكا في المنطقة قد تضطر، في حالة تنفيذ تهديدات خفض أسعار النفط، إلى التقارب مع روسيا والصين، اللتين تتحولان إلى لاعبين أقوى في سوق الطاقة العالمي.
رد فعل أوروبا: ماذا نفعل بدون التحالف مع أمريكا؟
أفادت الصحيفة بأن قادة أوروبا أكدوا في دافوس 2025، ضرورة إعادة تقييم العلاقات مع أمريكا في ظل سياسات ترامب الانعزالية.
وأشارت إلى أن أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، دعت إلى تعزيز الاعتماد على الذات في المجالات الدفاعية والاقتصادية، مؤكدةً أن أوروبا يجب أن تستعد لمستقبل قد تكون فيه أمريكا أقل التزاما بدورها التقليدي كضامن للأمن العالمي.
وأضافت الصحيفة أن فون دير لاين شددت على أهمية تعزيز التحالفات التجارية مع الصين والهند، حيث بلغت التجارة الأوروبية مع الصين 705 مليارات يورو ومع الهند 100 مليار يورو في 2023.
وأوضحت أن هذا التحول يعكس استراتيجية أوروبية جديدة نحو التعددية القطبية وتقليل الاعتماد على أمريكا.
وفي الجانب الدفاعي، أشارت الصحيفة إلى أن تصريحات ترامب حول تقليل الدعم لأوروبا أثارت مخاوف كبيرة، خاصة في ظل الحرب الأوكرانية.
وأفادت بأن فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، دعا أوروبا إلى بناء بنيتها الدفاعية الخاصة، مقترحا إنشاء “قبة حديدية” على غرار إسرائيل. وأكدت أن هذه الدعوة تعكس إدراكا متزايدا بأن الاعتماد على أمريكا لم يعد خيارا آمنا.