ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “هم ميهن” الايرانية الإصلاحية حوارا، يوم السبت 15 فبراير/شباط 2025، أجرته مع مسعود سبهر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آزاد شيراز، حول أداء بزشكيان وحكومته وطموحات الشعب.
فيما يلي الحوار:
كيف تقيمون أداء الرئيس بزشكيان خلال الأشهر الستة الأولى من حكومته؟ وفقا لاستطلاع رأي أجراه مؤخرا مركز شناخت، يرى المشاركون أن استمرار حكومة الراحل رئيسي كان يمكن أن يكون أفضل بكثير من حكومة بزشكيان. هل توافقون على هذا الرأي؟
عند تقييم أداء السيد بزشكيان، لا بد من أخذ الإمكانات والموارد المتاحة له بعين الاعتبار، إضافة إلى العوامل التي فُرضت عليه بفعل الظروف. بناءً على ذلك، يمكن الحكم على أدائه. أما الرأي القائل بأن “استمرار حكومة رئيسي كان سيكون أفضل من الوضع الحالي”، فأنا أرفضه تماما. في الواقع، وبعيدا عن الموجة الإعلامية التي صورته كـ”شهيد الخدمة والشعب”، كان استمرار حكمه سيقود إيران مباشرة نحو كارثة.
والسبب واضح وهو أن القوى المسيطرة على الحكومة، بالتنسيق مع البرلمان، كانت تضع السياسات بناءً على شعارات أيديولوجية جامدة، ولم يكن هناك مجال لتعديل المسار ولو بنسبة 1% بسبب تلك الشعارات. من الطبيعي أن يشعر الناس بالإحباط، لكن المشاكل الحالية نتيجة حتمية للقوانين الاجتماعية والاقتصادية السابقة. وأقصى ما استطاعت حكومة بزشكيان فعله هو الحيلولة دون حدوث انسداد تام في العديد من المجالات.
كما أن هناك العديد من الأمثلة التي توضح أن سوء فهم طبيعة الاقتصاد السياسي أدى إلى تباطؤ الأوضاع. وبناءً على الأدلة الموضوعية، يمكن القول إنه لو استمرت الحكومة السابقة، لكانت المؤشرات الاقتصادية، مثل التضخم، أسوأ بكثير، ومعدل البطالة أعلى، والوضع الدولي أكثر تأزما، كما أن احتمالية اندلاع حرب بسبب الصراع في غزة كانت ستزداد. أما ثقافيا، فقد انعكس التراجع بوضوح في مهرجان فجر السينمائي هذا العام، حيث كانت الأفلام المعروضة من إنتاج الحكومة السابقة، ما يعكس التدهور الناتج عن إقصاء الشخصيات الثقافية المؤثرة. في كل مجال تقريبا، تمكن بزشكيان من فرض قدر من السيطرة على الأوضاع.
فلا أحد يتوقع من السيد بزشكيان تحقيق معجزة، لكنه يسعى على الأقل إلى إبقاء الأبواب مفتوحة جزئيا بدلا من إغلاقها بالكامل. عندما يظل الباب مواربا، يبقى هناك بصيص أمل. أما رئيسي، فقد كان يتجه نحو إغلاق كل الأبواب، دون أي فرصة لإعادة فتحها. صحيحٌ أن الناس غير راضين، وهذا أمر مفهوم، لكن الاعتقاد بأن استمرار رئيسي كان سيمنع الشكاوى ليس واقعيا، بل كان سيؤدي إلى تفاقمها بأشكال مختلفة، في رأيي.
في جزء من استطلاع مركز شناخت، تم تحليل مدى محبة الناس للسيد بزشكيان، ومدى صدقه مع الشعب، ومدى اهتمام الحكومة بآراء وانتقادات المواطنين. أظهرت النتائج أن نسبة كبيرة من المشاركين أعربوا عن محبتهم له بدرجة متوسطة إلى عالية، كما أكد العديد منهم أنه صادق مع الناس. لكن عند السؤال عن مدى اهتمام الحكومة بآراء المواطنين، جاءت الإجابة سلبية، حيث رأى نحو 50% أن الحكومة لا تستمع إلى الانتقادات. ما تفسير هذه الفجوة؟ وكيف تؤثر على مستوى الأمل والثقة بمستقبل هذه الحكومة؟
في الواقع، الأمر لا يتعلق بعدم رغبة السيد بزشكيان في الوفاء بوعوده أو الاستماع إلى مطالب الشعب، بل بأن الأدوات والموارد ليست تحت تصرفه. عندما يكون 70% من الاقتصاد خارج سيطرته، كيف يمكنه إحداث تغيير حقيقي؟ وعندما اختار فريقه الحكومي بنوايا حسنة لكنه انتهى بتشكيل واحدة من أكثر الحكومات غير المتجانسة بعد الثورة، فكيف يمكنه توقع الانسجام والتعاون بينهم؟ نتيجة لذلك، نشهد تدخلا غير مسبوق في تعيين المسؤولين وأعضاء البرلمان، حيث تحاول جهات متعددة فرض عناصرها في المناصب، وهو أمر لم نشهده من قبل بهذه الدرجة. إضافة إلى ذلك، تعاني الحكومة من أزمة مالية خانقة، فلكي تنفذ مشاريعها تحتاج إلى موارد، لكن موارد الدولة أُهدرت بشكل كبير. ورغم كل هذه الصعوبات، لم تخفّ الضغوط والعقوبات الخارجية على الإطلاق.
حيث كانت أهم ورقة رابحة لدى بزشكيان هي تحسين العلاقات الخارجية، لكنه لم ينجح في ذلك. فقد تولى الرئاسة في توقيت شديد السوء، حيث كانت الإدارة الأمريكية على وشك التغيير، واندلعت حرب غزة، والآن يواجه تحديا جديدا بعودة ترامب. لذلك، يجب أن يكون التقييم مبنيا على الإمكانات المتاحة له. وبلا شك، كان بزشكيان “أفضل الخيارات المتاحة” وكان خيار الجميع. كنا نعلم أنه لم يكن ليصل إلى الرئاسة دون دعم من السلطة، لكن ذلك الدعم لم يكن بسبب القناعة أو المحبة، بل كان اضطرارا.
إلى جانبه، هناك جهات لا تكترث بالمصلحة الوطنية وتعمل على عرقلة الأمور قدر الإمكان، رغم دعوات العقلاء داخل النظام إلى التكاتف والتعاون. نرى مقاومة شديدة في قضايا مثل الرقابة على الإنترنت، وقانون الحجاب، والانضمام إلى الاقتصاد العالمي، ومجموعة العمل المالي(FATF)، وهي جميعها وعود انتخابية للرئيس لكنه لم يتمكن من تنفيذها بسبب هذه التحديات. انتقادات المواطنين تتركز حول عدم تحقيق هذه الوعود، وعلى الرغم من أن الرئيس يستمع إلى هذه الانتقادات ويسعى إلى تنفيذ التغييرات، فإنه يواجه هجوما شديدا من معارضيه.
لقد أشرتم إلى أن الحكومة تسلمت خزينة فارغة، وهذا صحيح، لكن في أول موازنة قدمها السيد بزشكيان، اتبع نهج الحكومة السابقة نفسه، حيث قدم موازنة مشابهة لكن بمعدل تضخم أعلى، ما أثار انتقادات الخبراء. كما أكد المطلعون على الشأن المالي أن الحكومة تفتقر إلى أي خطة اقتصادية طويلة الأمد. وفي ما يخص التعيينات، فقد تبنّى السيد بزشكيان نهجا قائما على العلاقات الشخصية، ومنح بعض الصلاحيات بأسلوب أدى إلى تفاقم التدخلات في شؤون الحكومة. ألا تعتقدون أن هذه الأمور واضحة للناس، وأنها تلعب دورا رئيسيا في تزايد الاستياء تجاه الرئيس؟
بالتأكيد، عندما يرى المواطنون هذه الأوضاع، فمن حقهم أن يكونوا غير راضين. لكن يجب أيضا النظر إلى الظروف السياسية التي يعمل فيها الرئيس. عندما يتولى المسؤولية في أواخر الصيف، يكون أكثر من 90% من الموازنة قد تم تحديده مسبقا من قبل الإدارات السابقة، مما يترك له هامشا ضيقا جدا للمناورة. ذلك الإرث الذي تسلمه يحتاج إلى “جراحة اقتصادية عميقة”، وأول المتضررين من هذه الإصلاحات هم أقوى الفئات في المجتمع، الذين يتمتعون بسلطة ونفوذ وحصانة، إضافة إلى امتلاكهم وسائل إعلامية قوية وصوتا مرتفعا.
وفي ظل هذا التوازن الهش الذي يجب الحفاظ عليه، فإن النتيجة الطبيعية ستكون استمرار استياء الناس. فبدون إصلاحات هيكلية حقيقية وتغيير في المسارات السياسية والاقتصادية، لن يكون هناك رئيس قادر على مواجهة البرلمان ومجلس صيانة الدستور وغيرها من القوى، لذلك يجب أن يكون قويا جدا حتى يتمكن من الصمود أولا، ثم تنفيذ هذه الإصلاحات الصعبة لاحقا.
برأيكم، مع كل هذه الظروف التي أشرتم إليها، هل يجب أن نتوقع تراجعا في أمل وثقة الناس بالحكومة أم ازديادها؟
إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فبلا شك ستقل ثقة الناس وأملهم في الحكومة. والدفاع الوحيد الذي يمكن تقديمه عن السيد بزشكيان هو أنه أفضل خيار متاح، أي إنه حتى لو تم استبداله بأي شخص آخر في ظل هذه البنية القائمة، فلن يكون الأداء أفضل. لكنه، على الأقل، تمكن ولأول مرة، من تهدئة بعض الأطراف المتطرفة التي كانت تتجاوز حدودها.
فبرأيي، شعار “التوافق” نجح إلى حد ما حتى الآن، وساهم في استمرار دوران عجلة البلاد، ومنع حدوث انسداد كامل. والسبب في دفاعي عن السيد بزشكيان يتجسد في بيت الشعر لسعدي:
أيها المترف قد لا تلمس في خبز الشعير لذة، لكنه في فمي لذيذ رغم تنافرك منه
فحور الجنة يرين الأعراف جحيما، لكن سل أهل النار فالأعراف لهم جنة