كتب: محمد بركات
رحبت الصحافة الإيرانية بالاتفاقية الشاملة التي وقعت الجمعة 17 يناير/كانون الثاني 2025، بين إيران وروسيا باعتبارها خطوة استراتيجية تُظهر التزام البلدين بتعزيز علاقاتهما الثنائية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، كذلك فقد أشادت الصحف بتوقيت المعاهدة الذي يعكس واقعية سياسية في التعامل مع التطورات العالمية، مشيرة إلى أن التعاون الإيراني الروسي يأتي كجزء من رؤية أوسع لتعزيز العلاقات مع الدول الصديقة ومواجهة الهيمنة الغربية.
اتفاقية قبل تولي ترامب
ففي هذا الشأن، تناولت صحيفة فرهيختكان في عددها السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، أهم النقاط التي وردت في المعاهدة المبرمة، حيث ذكرت في تقريرها، أنه “بعد زيارة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، لطاجيكستان، توجه إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتوقيع معاهدة استراتيجية شاملة لمدة 20 عاما. هذه المعاهدة، التي تعد ثمرة ثلاث سنوات من المفاوضات، تشمل مقدمة و47 مادة وتهدف إلى تعزيز التعاون بين إيران وروسيا في مختلف المجالات، وقد جرت مراسم التوقيع في الكرملين بحضور الرئيسين، في حين تعد هذه المعاهدة امتدادا للتعاون التاريخي بين البلدين، لتحل محل اتفاقية عام 2001”.
ويكمل التقرير: “وتغطي المعاهدة مجموعة واسعة من الملفات، من ضمنها الاقتصاد، والدفاع، والطاقة، ومكافحة والإرهاب، والتعاون البيئي، والأمن السيبراني، والأنشطة الفضائية. إضافة إلى ذلك، تهدف إلى تحديث العلاقات لمواجهة التحديات المشتركة، مثل العقوبات الغربية، ففي قطاع الطاقة، أشارت المعاهدة إلى تنفيذ مشاريع جديدة، مثل تصدير الغاز الروسي عبر إيران، ما يمكن أن يحول إيران إلى مركز طاقة إقليمي، وهذا التعاون يهدف أيضا إلى مواجهة الضغوط الغربية على روسيا في مجال الطاقة”.
ويضيف: “تشمل المعاهدة كذلك بنودا بخصوص تسهيل التجارة والنقل، وتوسيع التعاون في الزراعة والأمن الغذائي، كما تؤكد أهمية التعاون الجمركي والمشاركة الفعالة في منظمات دولية مثل بريكس ومنظمة شنغهاي، كذلك تنص المعاهدة على التعاون العسكري والتدريبات المشتركة وتعزيز القدرات الدفاعية، وهناك أيضا التزام بعدم انتهاك سيادة أي طرف واحترام الحدود الوطنية، في حين لم يتم تضمين اتفاقية نظام بحر قزوين القانوني في المعاهدة، حيث لم تُصدق عليها إيران بعد، وبدلا من ذلك، استندت المعاهدة إلى اتفاقية 1948 لضمان حقوق إيران”.
وقد أبرز المقال قلقا بشأن تنفيذ بنودها، حيث ذكر أنه “رغم إمكانيات المعاهدة، فإن نجاحها ما يزال يعتمد على توفير البنية التحتية المناسبة والتخطيط الدقيق، كذلك فهناك تحديات تشمل قضايا النقل والبنوك، فلتجاوز العقوبات، تبحث إيران وروسيا عن بدائل مالية، مثل العملات الوطنية والبنوك المشتركة، أيضا فإن المعاهدة ملزمة قانونيا وتحتاج إلى موافقة البرلمان الإيراني ومجلس صيانة الدستور، ما يميزها عن اتفاقية إيران والصين غير الملزمة”.
ثمرة سياسات الوفاق
وقد امتدحت صحيفة آرمان ملي في عددها السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، سياسات الحكومة في العلاقات مع دول الجوار، حيث كتبت: “بدأ الرئيس الإيراني وفريق السياسة الخارجية بالتواصل والتفاوض مع دول الجوار، ومن ثم مع دول الشرق والغرب على التوالي، وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية قد نالت تأييدا من القوى المؤيدة، فإن المعارضة من بعض الأطراف المتشددة لم تكن راضية عن ذلك، حيث كانت ترى أن السياسة الخارجية لإيران يجب أن تقتصر على التعاون مع الجيران والدول الشرقية فقط مع تجنب الغرب، بينما تمسكت الحكومة بسياسة خارجية متوازنة، وذلك في تطبيق جلي لسياسة الوفاق الخارجي”.
ويكمل التقرير: “أشار الخبراء في العلاقات الدولية إلى أن أي نوع من أنواع تعزيز العلاقات مع الجيران مثل روسيا سيكون له تأثير إيجابي على مكانة إيران في الساحة الدولية، خصوصا في ظل محاولات معارضي إيران لإبقائها في حالة من العزلة الدولية، فقد أكد جلال خوش شهره، الخبير في الشؤون الدولية، أن هذا الاتفاق يمثل خطوة من إيران وروسيا كدولتين تقاومان الهيمنة الغربية، ويهدف إلى تعزيز التعاون والتخلص من العزلة التي يعاني منها كلا البلدين. وفي الوقت نفسه، أكد أن إيران تحاول توجيه دبلوماسيتها في اتجاهين متوازيين، حيث بدأت مؤخرا مفاوضات مع أوروبا حول قضايا نووية واقتصادية، مع مواصلة العمل على تعزيز العلاقات مع روسيا”.
كما أكد خوش شهره أن “إيران إذا استمرت في تعزيز علاقاتها مع الشرق تحت الضغوط، فإن ذلك سيتسبب في تعميق الانقسامات مع الغرب، وهو ما لا ترغب الدول الغربية في حدوثه، خاصةً أن تلك الدول لا تريد أن ترى إيران تتحول إلى حليف استراتيجي لروسيا في المنطقة”.
ضرورة الواقعية في نظرة إيران تجاه روسيا
وتعليقا على تلك الاتفاقية، نشرت صحيفة مردم سالاري مقابلة مع حسين بهشتي بور، المتخصص في الشأن الروسي، السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، جاء فيها: “قال بهشتي بور إن الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران وروسيا، والموقعة في 2001 خلال حكومة خاتمي، تُعد أول تعاون ثنائي بعد الجانبين بعد الثورة الإسلامية، وقد صادق البرلمان الإيراني والدوما الروسي (مجلس النواب الروسي) عليها، وتم تمديدها خلال حكومات أحمدي نجاد، وروحاني، ورئيسي، وفي 2022، اقترح رئيسي تحديث الاتفاقية لمواكبة الاحتياجات المتغيرة، واستغرقت المراجعة نحو ثلاث سنوات، وتحدد الاتفاقية الجديدة خارطة طريق لعشرين عاما قادمة، مع تركيز على التعاون في مجالات النقل، والطاقة، والنفط، والغاز، والطاقة النووية”.
ويكمل التقرير: “إن العلاقة مع روسيا مثلت لإيران فرصا وتهديدات، على حد سواء، فمن الفرص البارزة، الدعم الروسي في المجالات الدفاعية، مثل صواريخ إس-300 والطائرات، والمشاريع النووية، مفاعل بوشهر، إضافة إلى التعاون السياسي في طاجيكستان وسوريا. أما التهديدات، فتشمل تصرفات روسيا المنفردة في القوقاز، وتخليها عن دعم حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، وعدم وضوح موقفها من اتهامات الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية”.
ينتقد بعض المعارضين خيانة روسيا لإيران، لكن العلاقات الدولية تعتمد على المصالح، فعلى سبيل المثال، دعمت روسيا العقوبات على إيران حين كانت تعتبرها مصلحة، لكنها وقفت بجانب إيران بعد الاتفاق النووي، لذلك لا يجب أن تعتمد إيران على روسيا فقط، بل تحتاج إلى سياسة توازن مع القوى الكبرى مثل الصين، وأمريكا، وأوروبا. لتطوير العلاقات مع روسيا، كذلك، تحتاج إيران إلى تحسين البنية التحتية التجارية، وتشكيل اتحادات بين المنتجين والمصدرين، وحل مشكلات البنوك والعملات. إن الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي يوفر فرصا تجارية هائلة، لكن تحقيق النجاح يتطلب معالجة تحديات مثل لوائح FATF وتسهيل عمليات التأمين والتجارة”.
الاتفاقية التي أقلقت الغرب
وقد أشارت صحيفة جام جم في عددها السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، إلى ادعاءات بعض الجهات بعدم أهمية تلك الاتفاقية، حيث قالت إنه “في حين تسعى وسائل الإعلام المعادية الناطقة بالفارسية والغربية إلى التقليل من أهمية هذه الاتفاقية وتصويرها كمجرد معاهدة ثنائية للخروج من العقوبات أو للتعامل مع الحرب الأوكرانية، وذلك مع اقتراب دخول ترامب إلى البيت الأبيض، فقد أظهرت إيران وروسيا منذ فترة طويلة، تنسيقا واضحا في مواجهة حلف الناتو خلال سنوات ضعف تأثيره، وقد بعثتا برسائل واضحة إلى واشنطن في هذا الصدد”.
ويكمل التقرير: “وفي هذا السياق، صرح ديميتري بيسكوف، المتحدث الصحفي باسم الرئيس الروسي، الجمعة 17 يناير/كانون الثاني 2025، قبيل توقيع الاتفاقية، قائلا: “التكهنات المتعددة حول اختيار توقيت توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران، قبيل تنصيب ترامب، تثير السخرية. دعوا منظّري المؤامرات يستمرون في تصوراتهم كما يشاؤون”. وأضاف: “هذه المعاهدة المشتركة بين الاتحاد الروسي والجمهورية الإيرانية تعبر عن تطلعات شعبي البلدين الصديقين والجارتين، وترفع العلاقات بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية”.
ويضيف: “ومن جانبه أكد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، عبر منصة التواصل الاجتماعي إكس، أن الاتفاقية الاستراتيجية تُعد نقطة تحوّل رئيسية لتعزيز العلاقات الثنائية، وهي ليست مجرد اتفاق سياسي، بل خريطة طريق للمستقبل”. وأشار إلى أن “التقليل المتعمّد من شأن هذه الاتفاقية باعتبارها مجرد رد فعل روسي وإيراني على وصول ترامب يعكس قلقا غربيا متزايدا إزاء ظهور نموذج عالمي جديد يشهد على تراجع الهيمنة الأحادية بقيادة الولايات المتحدة”، مضيفا أن “التعاون الإيراني الروسي ليس فقط ذا بُعد ثنائي، بل يشكّل دليلا عمليا على إمكانية صياغة نموذج بديل للهيمنة الغربية”.
ويردف التقرير: “في المقابل، علّقت أنيتا هيبر، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، على المعاهدة الشاملة بين إيران وروسيا، معتبرةً أنها تُرسل رسالة واضحة جدا تُبرز عدم اهتمام البلدين بالسلام، كما اعتبرت أنها تعكس محاولة روسيا للحصول على دعم لتصعيد عدوانها غير القانوني ضد أوكرانيا، مما يُظهر ضعف روسيا في هذا السياق، وأشارت وكالة الأنباء الفرنسية، قبل لحظات من توقيع الاتفاقية، إلى أن “روسيا وإيران على وشك توقيع معاهدة جديدة لتعزيز علاقاتهما العسكرية والاقتصادية، وهي خطوة بين اثنتين من أكثر الدول الخاضعة للعقوبات عالميا، ما قد يثير مخاوف الغرب”.
في الوقت المناسب
وبهذا الشأن أيضا كتبت صحيفة خراسان تقريرا، السبت 10 يناير/كانون الثاني 2025، يشير إلى أهمية المعاهدة وتوقيتها في ظل قرب تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، حيث كتبت: “رسالتي إلى العالم الجديد، كان هذا عنون أول مقال مكتوب لمسعود بزشكيان بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، والذي رسم فيه بيان السياسة الخارجية لحكومته، ويعكس هذا البيان فهما للسياسة الواقعية التي ترى العالم كما هو، وليس كما ينبغي أن يكون، كما يتضح من هذا المقال أن بزشكيان يركز على سياسة خارجية متوازنة وعملية”.
ففي أغسطس/آب 2024، كتب بزشكيان أن “الصين وروسيا كانتا دائما صديقتين وداعمتين لنا في الأوقات الصعبة، ونقدّر هذه الصداقة، فروسيا شريك استراتيجي وجار ذو قيمة لإيران، وحكومتي ملتزمة بتوسيع وتعزيز التعاون المشترك، خاصةً في أطر مثل بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي”.
ويكمل التقرير: “شهدت الأشهر الماضية دورا بارزا لروسيا في علاقات إيران الخارجية، فقد كان الاجتماع الأخير بين بزشكيان وبوتين في الكرملين الثالث خلال أربعة أشهر، مما يعكس أهمية الحفاظ على العلاقات الوثيقة والحوار المستمر بين طهران وموسكو وسط تعقيدات العالم الحالية”.
ويضيف: “يتأهب العالم في يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025 لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مما يهدد بمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في النظام الدولي. توقيع الاتفاقية الشاملة بين إيران وروسيا قبل 3 أيام من تنصيب ترامب يبعث برسالة واضحة لمواجهة الهيمنة الأمريكية، فوفقا لتقارير، فإن العودة المحتملة لترامب تهدد بتفكيك النظام العالمي المتعدد الأطراف الذي استمر منذ الحرب العالمية الثانية، مما يخلق فراغا في القيادة الدولية ويزيد الفوضى الجيوسياسية”.
ويوضح التقرير: “تزايدت دوافع التعاون بين طهران وموسكو في ظل الظروف المعقدة الحالية، حيث شهدت الدولتان نزاعا جيوسياسيا في سوريا يستهدف تقويض نفوذهما في الشرق الأوسط. كما أن فشل الولايات المتحدة في تحقيق وقف إطلاق النار بغزة في الفترة الأولى عزز التقارب بين إيران وروسيا، إذ ترى الدولتان أن الغرب غير قادر على ضمان الاستقرار في المنطقة، فوفقا لمراكز أبحاث، ترى إيران في روسيا محورا مهما لمواجهة الهيمنة الأمريكية، في حين تعتبر روسيا إيران جسرا استراتيجيا بين آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط وجنوب آسيا، مما يعزز مشروع الاتصال الأوراسي”.