كتبت :آية السيد
في سبتمبر/أيلول 2024، طرح مجلس الشورى الإيراني مشروع قانون يهدف إلى ترحيل المهاجرين الأفغان غير الشرعيين وتقليص عددهم بنسبة 10% سنويا، مما أثار مخاوف المهاجرين الذين يعيشون تحت تهديد دائم، بينما يحذر الباحثون والسياسيون من تأثيراته السلبية على المجتمع الإيراني، داعين إلى مراجعة شاملة لقوانين الهجرة.
وفقا لتقرير نشرته جريدة هم مهين بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2024، تم إصدار نسخة جديدة من قانون ترحيل المهاجرين الأفغان غير الشرعيين، وهي نسخة تشدد الإجراءات بشكل يجعلهم يعيشون في حالة من الخوف والقلق أثناء تحركاتهم اليومية. كثير منهم لا يحملون وثائق قانونية، أو انتهت صلاحية وثائقهم، مما يجعلهم يتجنبون الخروج من منازلهم أو أماكن عملهم، خوفا من مواجهة قوات الأمن المنتشرة في كل مكان سواء في الشوارع، محطات المترو، الحدائق أو الأزقة.
بعض هؤلاء المهاجرين يقيمون في إيران منذ سنوات ولديهم وثائق قانونية مثل جوازات سفر أو أوراق إقامة، ولكن بسبب عدم توفر المال لم يتمكنوا من تجديدها، أو قد تكون وثائقهم غير مكتملة، وهناك من دخلوا البلاد بطرق غير شرعية واستقروا فيها بشكل غير قانوني، بعد أن فروا من مطاردة طالبان لهم في أفغانستان، يحمل هؤلاء المهاجرون حياتهم وأحلامهم على ظهورهم متجهين نحو الحدود الإيرانية بحثا عن الأمان، حيث يعملون بجد في إيران ويرسلون الأموال إلى أسرهم التي تركوها خلفهم في أفغانستان، محاولين ضمان بقائهم على قيد الحياة في ظل ظروف صعبة.
حاليا، يعيش المهاجرون الأفغان تحت تهديد دائم حيث أعلنت السلطات الأمنية عبر مختلف المنصات خططا لترحيلهم،كما تستهدف السلطات ترحيل مليون أفغاني بحلول نهاية العام، معتبرة أن وجودهم يشكل تهديدا على الوظائف والوضع الأمني في البلاد. في المقابل، تشكلت على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات تحاول تقديم المساعدة لهم بشتى الطرق الممكنة، سعيا لدعم هؤلاء المهاجرين في ظل هذه الأوضاع الصعبة.
يسعى البعض إلى تأجيج مشاعر الكراهية تجاه المهاجرين من خلال نشر أخبار غالبا ما تكون غير صحيحة عنهم، وهي أخبار أكد الباحثون في مجال الهجرة أنها ممنهجه بشكل كامل. في 13 سبتمبر/أيلول 2024، تم نشر نص مشروع قانون مجلس الشورى الذي يتضمن تعديل قانون دخول وخروج الأجانب في إيران، ووفقا لما تم طرحه في المجلس تمت إضافة خمس فقرات جديدة إلى المادة 16 من قانون دخول وإقامة الأجانب، والتي سيتم إحالتها إلى الجلسة العلنية للمجلس بعد مراجعتها من اللجنة المختصة، ومن المتوقع أن يدخل المشروع حيز التنفيذ بعد موافقة مجلس صيانة الدستور عليه. يركز المشروع على تقلیل عدد المهاجرين في البلاد بنسبة 10% سنويا، مما يعني أنه في حال تنفیذ القانون فإن عدد المهاجرين في إيران، ومعظمهم من الأفغان، سيقترب من الصفر خلال عقد من الزمن.
الهدف: ترحيل جميع المهاجرين
يقول آرش نصراصفهانی( عالم الاجتماع والباحث في شؤون الهجرة) إن مشروع القانون الجديد المتعلق بالهجرة ما هو إلا تعديل لقوانين قديمة، ويهدف بشكل أساسي إلى ترحيل جميع المهاجرين الأفغان من إيران، و وفقا لما يقول سيبدأ التنفيذ بترحيل المهاجرين غير الموثقين، ثم يتوسع ليشمل فئات أخرى حيث أن القانون يسعى إلى زيادة تكاليف المعيشة للمهاجرين حتى يغادرون البلاد من أنفسهم، و أضاف اصفهاني أيضا أن إيران تحتاج إلى مراجعة شاملة للقوانين المتعلقة بالهجرة بدلا من إدخال مجرد تعديلات على القوانين القديمة، خاصة أن الوضع الحالي يختلف تماما عما كان عليه عندما وضعت القوانين الحالية.
يتضمن مشروع القانون بندا (ب) الذي يقتضي توزيع السكان الأجانب بحيث لا يتجاوز عددهم 3% من إجمالي السكان في أي مدينة أو محافظة خلال ثلاثة أشهر من تنفيذ القانون، كما ينص بند (ج) على تقليص عدد الأجانب المقيمين في البلاد بنسبة 10% سنويا، كما يعرب أصفهاني عن قلقه بشأن تحديد نسب معينة من السكان للمحافظات دون أخذ الإمكانيات الثقافية والاجتماعية لكل منطقة في الاعتبار، و يشير إلى أهمية إجراء دراسات شاملة حول هذه النسب، كما أن النص يتطرق أيضا إلى إنشاء “المنظمة الوطنية للإقامة” وهي نسخة محدثة من “المنظمة الوطنية للهجرة” التي لم يتم استعراض تفاصيلها بالكامل بعد، حيث أعلن المتحدث باسم لجنة الشؤون الداخلية أنه في 17 سبتمبر/أيلول، سيبدأ دراسة مشروع إنشاء هذه المنظمة التي تهدف إلى تنظيم دخول وخروج الأجانب وتطوير هيكل تنظيمي على المستويين الوطني والمحلي.
خطورة تشكيل تحالف غير مقدس
ويعرب أصفهاني عن قلقه من تشكيل “تحالف غير مقدس” بين قوى سياسية مختلفة هدفه قمع المهاجرين الأفغان، حيث يعتبرهم أضعف وأقل المجموعات صوتا في إيران، ويعتقد أن مشروع القانون البرلماني بشأن الهجرة سيتعرض لتعديلات أخرى، و يرجح أن يعود النقاش حول قانون “المنظمة الوطنية للهجرة” إلى الواجهة مجددا، و يشير إلى أن القانون الحالي ليس كافيا ويحتاج إلى تعديلات شاملة لتلبية القضايا المعقدة المتعلقة بالهجرة.
طرد 5 ملايين مهاجر في 6 سنوات
يوضح محمد مهدي دهدار (الباحث في سياسات الهجرة لدى جمعية دياران)، أن النص الحالي لمشروع القانون لا يتضمن بنودا جديدة، ويشير إلى أنه منذ عام 2017 وحتى منتصف عام 2023 تم ترحيل حوالي 5 ملايين، أما في العام الماضي فقد تم ترحيل أكثر من 1,3 مليون مهاجر، كما ينتقد التعامل القاسي مع المهاجرين حيث لا يتوفر لهم مكان لتقديم شكاواهم أو متابعة قضاياهم، مما يزيد من تعقيد المشكلة.
الأمن والنظرة التهديدية للمهاجرين
يشكك محمد مهدي دهدار في فعالية طرد المهاجرين لتقليص أعدادهم، ويشير إلى أن سياسات إيران لطالما تضمنت طرد المهاجرين كجزء أساسي، وأن البنود الحالية ليست جديدة، كما يرى أن التنفيذ الفعلي لهذه السياسات يواجه تحديات بسبب نقص الإمكانيات، كما تساءل عن الأسس التي تبنى عليها نسب التوزيع السكاني الجديدة، و أشار إلى أن الأبعاد الأمنية غالبا ما تطغى على السياسات وتغذيها المخاوف العامة، مما يؤدي إلى معاملة غير لائقة تجاه المهاجرين حيث يشدد على ضرورة توافر بيانات دقيقة حول المهاجرين لتحسين السياسات مع تسهيل إجراءات الحصول على الإقامة القانونية ورفع تكلفة الإقامة الغير قانونية.
تحذيرات أمنية
قال محسن روحی صفت (الدبلوماسي الإيراني السابق في أفغانستان)، إن التهديد الأمني من تنظيم داعش كان وراء الضغط لترحيل المهاجرين الأفغان، كما اعتبر أن النخب الأمنية لم تتخذ التدابير المناسبة رغم التحذيرات السابقة، وأضاف أن معالجة قضية المهاجرين تحتاج إلى خطة شاملة بدلا من مجرد تعديلات قانونية بسيطة، في 10 سبتمبر/أيلول 2024، أعلن قائد الشرطة أن مليوني مهاجر غير موثق سيرحلون بحلول نهاية العام، بينما أكد وزير الداخلية أن طردهم أمر عاجل بسبب تأثيرهم على سوق العمل، أما روحیصفت فيرى أن هذه التصريحات تخلق توقعات غير واقعية، ويشدد على ضرورة مراعاة الآثار الاقتصادية وحقوق الأفراد الذين عاشوا لسنوات في إيران.