كتبت- ميرنا محمود
يجتمع وزراء من تركيا والعراق والإمارات العربية المتحدة وقطر في إسطنبول لمناقشة مشروع “مسار التنمية” الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار والذي سيربط الخليج العربي بأوروبا. وسيتم خلال الاجتماع مناقشة خارطة الطريق والآثار المستقبلية والإقليمية للمشروع، وفق ما نشر موقع “ medyascope” يوم الأربعاء 28 أغسطس/آب 2024.
وتستضيف تركيا قمة تضم أربع دول ضمن نطاق مشروع “مسار التنمية”، الذي يحظى بأهمية حيوية للتجارة والنقل الإقليمي. من المتوقع حضور وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلي، وزير النقل القطري جاسم بن سيف السليطي، وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل محمد المزروعي، ووزير النقل العراقي رزاق محيبس الصدافي إلى الاجتماع الذي سيعقد في إسطنبول في 29 أغسطس.
تعتبر القمة استمرارًا لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى العراق في أبريل الماضي بعد 12 عامًا. ومن المتوقع أن يتم اتخاذ “قرارات هامة” خلال الاجتماع الذي سيعقد في قصر دولمة بهجة (Dolmabahçe).
نطاق وتكلفة المشروع
يهدف مشروع “مسار التنمية” إلى ربط الخليج العربي بأوروبا عبر تركيا عن طريق البر والسكك الحديدية. يشمل المشروع:
- طريق سريع بطول 1190 كم من البصرة إلى أوفاكوي على الحدود التركية.
- خط سكة حديد فائق السرعة بطول 1176 كم من البصرة إلى تركيا.
- ومن المخطط إنشاء 320 كيلومترًا من الطرق السريعة و615 كيلومترًا من السكك الحديدية داخل تركيا.
وبهذه الطريقة، ستتمكن وسائل النقل البرية من النقل بشكل متواصل من خليج البصرة إلى الحدود البلغارية. كما تستمر أعمال البنية التحتية للتنظيم التقني التي ستسرع عمليات الجمارك.
وسيتم إنشاء خط سكك حديدية جديد بين إسطنبول وإدرنة للوصول إلى الحدود البلغارية.
ومن المقرر تنفيذ المشروع، الذي تقدر تكلفته الإجمالية بـ 17 مليار دولار، على ثلاث مراحل في 2028 و2033 و2055. وتتوقع الحكومة العراقية أنه مع اكتمال المشروع، سينخفض الوقت اللازم للنقل بين شنغهاي وروتردام من 33 يومًا إلى 15 يومًا.
الخبراء يناقشون: ما هي فرص تحقيق “مسار التنمية”؟
تختلف آراء الخبراء حول إمكانية تنفيذ مشروع “مسار التنمية”. تؤكد مُنَسِّقَة أبحاث العراق في مركز دراسات الشرق الأوسط (ORSAM)، بيلغاي دومان، أن المشروع سيسهم في الاستقرار الإقليمي وسيكون مكملاً لمشاريع النقل الأخرى. ووفقًا لدومان: “هذا ليس مشروع طريق فحسب، بل هو أيضًا مشروع تطوير. لن تكون هناك مشاكل تمويلية نظرًا لدعم دول الخليج”. وتذكر دومان أن المشروع ليس بديلاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية، بل هو مكمِّل لها. وتشير أيضًا إلى أن إيران مستعدة للمشاركة في المشروع وأن الدول الأوروبية ستنظر بشكل إيجابي إلى المشروع من أجل تنويع موارد الطاقة لديها. تظهِر آراء دومان إمكانية وجود تعاون إقليمي واسع النطاق للمشروع وقدرته على خدمة مصالح متنوعة لعدة دول.
وفي تصريحات لـ VOA بالتركية، قالت الدكتورة دومان: “أولاً، هذا المشروع ليس مشروعًا يمكن إنجازه من اليوم إلى الغد. إننا نتحدث عن مشروع طويل الأمد يتكون من خمس مراحل. أحد أهم مراحل المشروع هو ميناء الفاو الذي يجري بناؤه في البصرة. تم الانتهاء من 90% من الميناء. من المتوقع وصول أول سفينة في نهاية عام 2025. تم الانتهاء من دراسة الجدوى الفنية لخط السكك الحديدية حتى الحدود التركية. سيمر الطريق السريع أيضًا عبر عشر محافظات في العراق. تخطط تركيا لبناء طرق جديدة تصل إلى كابيكولي. سيتم استخدام موانئ مرسين وإسكندرون. هذا حقًا ليس مشروع طريق بل مشروع تنموي.”
من ناحية أخرى، أعرب أيدين سيزار، مدير مركز الدراسات التركية الروسية، عن شكوكٍ جدية حول جدوى المشروع. ويُقَيِّم سيزار قائلاً: “على الرغم من أن مسار التنمية يبدو ممكنًا للوهلة الأولى، إلا أنه مشروع ولد ميتًا”. يستند هذا الرأي إلى الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط، والمشاكل السياسية والوضع القانوني في العراق، والمخاوف المحتملة لإيران، والتنافس مع مشاريع النقل الأخرى في المنطقة. بالإشارة إلى أن إيران تحتل موقعًا حيويًا في مشروع الممر الشمالي-الجنوبي الروسي ومبادرة الحزام والطريق الصينية، يتوقع سيزار أن إيران قد تعارض مشروع مسار التنمية. ويذكر أيضًا أنه على الرغم من أن تركيا ترى العراق دولة مستقلة ومستقرة، إلا أن الوضع الحالي لا يتوافق مع هذا التصور. تلفت تحليلات سيزار الانتباه إلى العقبات الجيوسياسية التي تعترض المشروع وتعقيد الديناميكيات الإقليمية، مما يؤكد على أن تحقيق المشروع قد لا يكون سهلاً كما يبدو.
العلاقات التركية العراقية والبعد الأمني
تأتي القمة في إطار الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بين تركيا والعراق. وخلال الزيارة التي تمت في أبريل، تم توقيع 26 اتفاقية بشأن الطاقة والتجارة وتقاسم المياه. وفي الأسبوع الماضي، تم التوقيع على اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين وصفت بأنها “تاريخية”.
أردوغان في العراق بعد 12 عامًا: توقيع اتفاقية مسار التنمية
اتفاقية الأمن بين تركيا والعراق: توقعات وشكوك وصعوبات في التنفيذ
ترى تركيا أن إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق أمر بالغ الأهمية من أجل أمن المشروع. في حين أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: “لا يمكننا السماح بأي هجوم من أراضي العراق على دولة أخرى”، صرَّح الرئيس أردوغان أنهم يتوقعون أن يتم إعلان حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية في العراق قريبًا.
مشروع “مسار التنمية” يحمل الإمكانية لتغيير توازنات التجارة والنقل الإقليمية. ومع ذلك، يبدو أن نجاح المشروع يعتمد على حل مشاكل التمويل، وضمان الاستقرار الإقليمي، والحفاظ على التعاون بين الدول. يمكن أن تكون القمة في إسطنبول نقطة تحول حاسمة لمستقبل هذا المشروع الضخم.
القرن الحادي والعشرون: عصر الطرق والممرات البديلة للسويس
%12 من التجارة العالمية تتم عبر قناة السويس.
ويجري تطوير العديد من مشاريع النقل البديلة للقناة، التي تعرضت مؤخرًا لتهديداتٍ من الحوثيين الذين ينشطون في اليمن.
في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، هناك العديد من المطالبات بوجود طرق وممرات إقليمية في اتجاه الشرق والغرب والشمال والجنوب. وأهمها مشروع “الحزام والطريق”، الذي تضعه الصين على جدول الأعمال العالمي منذ عام 2013.
على الرغم من أن هناك تراجعًا في الأجندة بعد هجوم حماس المعروف باسم “إعصار الأقصى” على إسرائيل، إلا أن ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الاقتصادي (IMEC)، الذي يحظى بدعم من الولايات المتحدة، والذي يخطط لربط الهند بأوروبا عبر ميناء حيفا الإسرائيلي، يعتبر بديلاً لمشروع “حزام وطريق”.
كما يهدف الممر الدولي الشمالي-الجنوبي الذي تم تنشيطه بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أذربيجان في الأيام الأخيرة إلى ربط الهند بروسيا عبر إيران وأذربيجان. ويتضمن الممر مرورًا عبر بحر قزوين، بالإضافة إلى فروع في تركمانستان وكازاخستان، وذلك وفق ما نشره موقع “voaturkce“.
كيف يمكن للصين وإيران والدول الأوروبية أن تنظر إلى “مسار التنمية”؟
هل من الممكن تحقيق طريق التنمية مع وجود الكثير من مشاريع الطرق؟
ترى مُنسِّقَة أبحاث العراق في منظمة (ORSAM) “بيلغاي دومان” أن مشروع مسار التنمية سيحظى بدعم القوى الإقليمية والعالمية لأنه مكمل لهذه المشاريع وليس بديلاً عنها.
تقول الدكتورة دومان: “من الضروري أن توقع 17 دولة اتفاقًا لمشروع حزام وطريق. سيمر مشروع مسار التنمية عبر دولتين. ومع ذلك، لن تعتبر الصين هذا المشروع بديلاً لمشروعها. فهي لديها استثمارات هامة في العراق بالفعل. بل ستدعم إيران للانضمام إلى هذا المشروع.
إيران ترغب أيضًا في المشاركة في هذا المشروع، وأعلم أن هذا قد تم التطرق إليه. سترحب الدول الأوروبية، التي ترغب في تنويع مصادر الطاقة بعد أزمة أوكرانيا، بالمشروع على الرغم من عدم وجود موقف واضح حتى الآن. يمكن التفكير في تحديث خط سكك حديدية برلين-بصرى العثماني. تتخذ تركيا خطوات حذرة. يمكن لدول أخرى من المنطقة الانضمام إلى المشروع الذي سيزيد من استقرار المنطقة”.