كتب: محمد بركات
بعد إقرار الموازنة الجديدة من قبل البرلمان الإيراني، لا تزال تصريحات الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، التي أدلى بها في البرلمان أثناء حضوره لتقديم مقترح الموازنة الجديدة للعام 2025 في 22 من أكتوبر/تشرين الأول، تثير التكهنات بشأن زيادة أسعار البنزين من عدمها، فقد صرح بزشكيان أمام البرلمان قائلا: “إن الإصلاح في النظام النقدي ودعم الوقود أمر ضروري، فقد زاد استهلاك البنزين خلال هذا العام بنسبة بلغت٤٠% عن عام 2019، وهو العام الذي اندلعت فيه المظاهرات بسبب رفع أسعار البنزين، بينما تشير الدراسات إلى أن معدل النمو السكاني والدخل القومي أقل من ذلك بكثير”. وتابع: “اليوم تبلغ تكلفة إنتاج البنزين، بدون احتساب سعر النفط والتي تشمل تكاليف التكرير والنقل والتخزين، نحو 80000 ريال (ما يعادل 0.2 دولار). هذا العام بلغت تكلفة استيراد البنزين نحو 900 ألف مليار ريال (ما يعادل مليارا و725 مليون دولار)، وفي حال استمرار الوضع الحالي، ستبلغ التكلفة في العام القادم نحو 1300 ألف مليار ريال (ما يعادل 2 مليار و492 مليون دولار)، حيث ستصل تكلفة كل لتر من البنزين المستورد بين 300 و400 ألف ريال (بين دولار ودولار ونصف)”. وذلك وفقا لتقرير وكالة موقع خبر أونلاين الإخباري الإيراني بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول. تلك التصريحات فسرها كثيرون على أنها إشارة ضمنية من رئيس الجمهورية على زيادة أسعار البنزين، وهو الأمر الذي تعهد بعدم فعله مرارا وتكرارا.
وقد تعالت أصوات نواب البرلمان ضد تلك التصريحات رافضين زيادة أسعار الوقود في الوقت الحالي، ومن بين تلك الأصوات جاء تصريح النائب البرلماني حسين علي حاجي دليجاني، وذلك خلال جلسة البرلمان العلنية التي عقدت للتصويت على الموازنة يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول، مبررا رفضه تلك الموازنة، قائلا: “إحدى المشاكل الأساسية التي تواجه البلاد هي عدم التوازن في قطاع الطاقة، لكن الحكومة لم تحدد برنامجها لمعالجة هذا الخلل، خاصة في ما يتعلق بالكهرباء، في مشروع الميزانية. إضافة إلى ذلك، لم يتم توضيح موقف الحكومة بشأن البنزين بوضوح في مشروع ميزانية العام المقبل”، وذلك وفقا لتقرير موقع خبر أونلاين الإخباري بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول.

كما صرح غلام رضا تاج جردون، البرلماني ورئيس لجنة الموازنة المشتركة، في ما يتعلق بزيادة أسعار الوقود، قائلا: “نحن على دراية بوضع الطاقة في البلاد، فنحن نواب في البرلمان ولسنا ممثلي الحكومة. استوردت الحكومة هذا العام البنزين بمئات مليارات الدولارات، ولكن أثر هذا على اقتصادنا بشكل كبير. إنهم يقولون إن الحكومة تريد رفع سعر البنزين؛ أنا في جميع الأحوال ضد زيادة أسعار المشتقات والبنزين، لكنني أقبل السياسات الرقابية. في مشروع الميزانية، خفضت الحكومة قيمة واردات البنزين من ملياري دولار إلى 1.2 مليار دولار، مما يعني أن رفع سعر البنزين ليس هو الحل، بل يجب على الحكومة أن تقلل من استهلاك سبعة ملايين لتر من البنزين من خلال سياسات معينة؛ حتى لا تتزايد الضغوط على الناس”، وذلك وفقا لموقع تجارت نيوز الاقتصادي الإيراني بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول.

وكان غلام رضا دهقان ناصر آبادي، البرلماني الإيراني، قد صرح موضحا سبب الخلل في قطاع المحروقات قائلا: “عدم التوازن في قطاع البنزين له عدة أسباب، وأحدها هو عدم استثمارنا في صناعات النفط التكميلية والأساسية؛ لذا فإن أحد أسباب هذا الخلل في قطاع الطاقة هو قلة الاستثمار في هذه الصناعات”، وذلك وفقا لتقرير موقع ديده بان إيران التحليلي الإيراني بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا للتقرير، فقد أكمل ناصر آبادي قائلا: “في ظل الأوضاع الحالية، حيث تأثرت معيشة عامة الناس بشكل كبير بالعقوبات غير العادلة والأوضاع الاقتصادية المختلفة، قد يؤدي رفع أسعار البنزين إلى خلق توترات سياسية واجتماعية. في حال قررت الحكومة السماح باستيراد السيارات وإدخال سيارات عالية الجودة وتوسيع نطاق الاستثمار في حقل البتروكيماويات والمصافي، فإن البرلمان سيوافق بالتأكيد على رأي الحكومة بشأن رفع الأسعار. أما إذا اتجهت الحكومة إلى زيادة سعر البنزين من طرف واحد، فسيعارض البرلمان ذلك باعتباره ممثلا للشعب ومدافعا عن مصالح الأمة، لأن زيادة سعر البنزين ليست حلا لمعالجة عدم التوازن”.

وفي هذا السياق، صرح النائب وعضو لجنة التخطيط والموازنة، مهرداد لاهوتي، تعليقا على تصريحات بزشكيان حول تكلفة إنتاج البنزين وإمكانية رفع سعره قائلا: “أنا لا أوافق على كلام الرئيس بشأن تكلفة إنتاج البنزين بـ80000 ريال للتر، إذ يستند في حساباته إلى سعر النفط المصدّر”، وفق تقرير موقعبارسينه الإيراني التحليلي بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول.
وأضاف لاهوتي: “إن تكلفة إنتاج كل لتر بنزين لدينا أقل من 20000 ريال (أقل من 0.1 دولار) فنحن منتجون للنفط ولسنا مستوردين، ولكن يتم احتساب هذه الأرقام وفقا لسعر استيراد النفط. سعر النفط الذي ننتجه يتراوح بين نحو 12000 و14000 ريال، وبالتالي فإن تكلفة إنتاج لتر البنزين أقل من 20000 ريال”.
وأكد لاهوتي أن القول بأن تكلفة إنتاج البنزين المحلي تبلغ 80000 ريال غير منطقي، موضحا أنهم يحتسبون الأمر كأنهم لو كانوا سيصدرون هذا البنزين، فسيبيعونه بـ80000 ريال للتر. وأشار أيضا إلى أن الحكومة استوردت بنزينا هذا العام بقيمة 90 ألف مليار تومان، وأنه وفق الميزانية للعام المقبل، كان يجب تخصيص 1300 ألف مليار ريال للاستيراد، لكن المبلغ المحدد هو 650 ألف مليار ريال، مما يشير إلى نية الحكومة خفض واردات البنزين. وبما أن الحكومة لا تستطيع تقليل الاستهلاك، فقد تضطر إلى رفع السعر، الأمر الذي لن يقبله البرلمان في ظل الظروف الحالية.

ومن بين المنتقدين لعدم وضوح سياسية حكومة بزشكيان بشأن أسعار البنزين، الصحفي عباس عبدي، الذى انتقد ذلك الأمر قائلا: “قال السيد بزشكيان بشكل غير مباشر أثناء تقديم مشروع الميزانية للبرلمان، إن الحكومة قد تخطط لزيادة سعر البنزين، مما أثار قلق الرأي العام. لكن وبعد يومين من تلك التصريحات، أعلن أمين مجلس الإعلام الحكومي أن الرئيس سيتحدث مع الشعب قبل أي زيادة في الأسعار، بينما نفى رئيس لجنة الموازنة المشتركة احتمال زيادة أسعار البنزين”. تعتبر هذه التصريحات جزءا من بروتوكولات الحكومة التي توضح الوضع الكارثي لطريقة بيع الطاقة مع تأكيد استمرار السياسات السابقة. قبل شهرين، أكد بزشكيان أنه يجب دفع 5 مليارات دولار لاستيراد البنزين هذا العام، وهو ما كان من الممكن استخدامه في ضروريات أخرى، لكنه تم اتباع السياسات نفسها في الميزانية. إن ما يحدث يثير تساؤلات حول كيفية بيع البنزين بسعر 15000 ريال لكل لتر مع الحاجة إلى إنفاق 5 مليارات دولار لاستيراده وتقديم دعم للبنزين المحلي. من أين ستأتي هذه الأموال؟ هل سيتم اقتطاعها من جيوب الناس أو تقليل النفقات الضرورية الأخرى؟”، وفقا لتقرير موقع تجارت نيوز الإيراني الاقتصادي بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول.

برلمانيون: الرئيس الإيراني لم يقصد ما قال بخصوص البنزين!
على الجانب الأخر، صرح رضا سبه وند، عضو لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني، خلال لقاء له معلقا على تصريحات بعض المسؤولين بشأن تكلفة إنتاج البنزين التي أثارت قلقا بشأن احتمال زيادة الأسعار، قائلا: “لا، لن يكون هناك زيادة في سعر البنزين العام المقبل”. كما أوضح أن المقصود من كلام بزشكيان هو أن تكلفة إنتاج البنزين مرتفعة فقط، وفقا لتقرير موقع خبر أونلاين الإخباري الإيراني بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا للتقرير، فقد صرح سبه وند: “يجب علينا ترشيد استهلاك الوقود والبنزين، لأن استهلاكنا المفرط للبنزين اضطرنا إلى استيراده، وقبل أي إجراء، يجب أولا أن يتم اتخاذ خطوات للحد من تهريب الوقود، ثم يجب إجبار مصنعي السيارات على إنتاج سيارات موفرة للوقود، والسماح بوجود سوق تنافسي للسيارات، مما يعني أنه يجب أن يتم استيراد السيارات من خلال القطاع الخاص. على الرغم من أن هذا سيزيد الضغط على النظام المصرفي، لأنه يتطلب تأمين العملة، لكن لا خيار آخر لدينا. وبعد تنفيذ كل هذه الإجراءات، يمكن للحكومة أن تفكر في زيادة سعر البنزين.”

هذا وقد صرح حسين صمصامي، النائب البرلماني عن محافظة طهران، بهذا الخصوص قائلا؛ “في الاقتراحات والافتراضات الأولية لمشروع ميزانية العام المقبل، تم طرح موضوع زيادة سعر الوقود بما يتناسب مع معدل التضخم، ولكن في مشروع الميزانية المقدم للبرلمان لم يُذكر هذا الموضوع بشكل صريح، كما أن الحكومة أعلنت أنها لا تنوي زيادة سعر الوقود والبنزين العام المقبل”، وذلك وفقا لتقرير موقع خبر أونلاين الإخباري الإيراني بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول.

هل تشهد إيران مظاهرات جديدة بسبب ارتفاع أسعار البنزين؟

يعيد الحديث عن إمكانية زيادة سعر البنزين في إيران إلى الأذهان الاحتجاجات الشعبية التي وقعت في عامي 2019 و2021. فقد اندلعت مظاهرات واسعة في إيران خلال هذين العامين؛ احتجاجا على زيادة أسعار الوقود والأوضاع الاقتصادية المتردية وتدهور مستوى المعيشة، بجانب انتقادات واسعة للنظام السياسي. فقد بدأت موجة المظاهرات الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بعد قرار الحكومة الإيرانية المفاجئ رفع أسعار الوقود بشكل حاد، حيث أعلنت زيادة سعر البنزين بنسبة تصل إلى 300%، مما أثار غضبا شعبيا واسع النطاق، حينها بررت الحكومة هذه الزيادة بحاجتها إلى تقليص دعم الطاقة، واستخدام الأموال الناتجة لدعم الفئات الفقيرة. لكن، سرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات الاقتصادية إلى تعبيرات عن السخط من القمع والفساد المنتشر في المؤسسات الحكومية.
كانت ردود فعل السلطات الإيرانية تجاه احتجاجات 2019 حادة، حيث قامت الحكومة بقطع الإنترنت على مستوى البلاد لعدة أيام، ما جعل من الصعب على المتظاهرين نشر المعلومات حول الأحداث والتواصل في ما بينهم. وتعرض المتظاهرون لقمع عنيف من قِبل قوات الأمن، فقد أُطلقت النار على المحتجين وسجلت منظمات حقوقية مئات القتلى وآلاف الجرحى والمعتقلين. وانتقدت منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل منظمة العفو الدولية، هذه الإجراءات ووصفتها بأنها انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. وتحدثت التقارير عن مقتل ما يصل إلى 250 شخصا، رغم نفي الحكومة هذه الأرقام واعتبارها مبالغات، وذلك وفقا لتقرير موقع بي بي سي.
أما في عام 2021، فقد تكررت المظاهرات ولكن في سياق مختلف، إذ تركزت على مشكلات مختلفة مثل نقص المياه وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل أكثر حدّة، خاصة في محافظات مثل خوزستان التي تعاني من الجفاف وسوء إدارة الموارد المائية. وتضافرت عوامل أخرى، مثل التضخم المتزايد الذي أثر على أسعار السلع الأساسية وارتفاع معدلات البطالة، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة. دفعت هذه الأوضاع المواطنين للنزول إلى الشوارع؛ للتعبير عن استيائهم من السياسات الحكومية.