كتب: محمد بركات
شهدت العلاقات بين إيران والمملكة المتحدة فصولا متكررة من التوتر بسبب قضايا الاعتقال، مما أثار جدلا واسعا على المستوى الدولي، فمع تزايد حالات احتجاز الأجانب ومزدوجي الجنسية، باتت هذه القضايا محورا للخلافات الدبلوماسية بين طهران والدول الغربية، وسط اتهامات متبادلة ومفاوضات معقدة، نهجا ربما تأخذه طهران عن عمد لمحاولة الضغط على الأطراف الأخرى، وربما خطوات تراها طهران لازمة لحماية نفسها.
فخلال تصريحات له، قال أصغر جهانغير، المتحدث باسم السلطة القضائية، الأربعاء 19 فبراير/شباط 2025، بأنه تم توجيه تهمة التجسس للمواطنين البريطانيين الذين اعتقلوا في يناير/كانون الثاني 2025.
وأضاف جهانغير أن هؤلاء الأفراد قد خضعوا لعملية مراقبة استخباراتية دقيقة، حيث كانوا تحت رصد الأجهزة الأمنية في المحافظة قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم من قبل منظمة استخبارات الحرس الثوري في محافظة كرمان.
كذلك فقد أشار إلى أنهم دخلوا إيران تحت غطاء السياحة، لكنهم في الواقع كانوا يقومون بجمع المعلومات في عدة محافظات داخل البلاد تحت ستار الأنشطة البحثية والدراسات العلمية، موضحا أن هؤلاء الأفراد تعاونوا مع مؤسسات واجهة مرتبطة بأجهزة استخبارات تابعة لدول غربية ومعادية، وذلك تحت غطاء الأنشطة البحثية.
وفي السياق نفسه، صرح إبراهيم حميدي، رئيس المحكمة العليا بكرمان، الثلاثاء 18 فبراير/شباط 2025، بأن المتابعات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية كشفت ارتباط المعتقلين بعدة مؤسسات تابعة لأجهزة استخبارات أجنبية، وأن التحقيقات لا تزال مستمرة لاستكمال المعلومات حول القضية.
كذلك، قال حميدي إن لقاء السفير البريطاني لدى إيران، هوغو شورتر، الذي جرى في 12 فبراير/شباط 2025، مع المتهمين الأمنيين البريطانيين جرى في النيابة العامة والثورية بمركز محافظة كرمان، وذلك بناء على تنسيق قضائي وأمني مسبق.
وكان إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، قد أكد في تصريحات له الثلاثاء 18 فبراير/شباط 2025، خبر اعتقال مواطنين بريطانيين في كرمان، حيث قال: “نعم، نحن على علم بهذه القضية، وبحسب الأعراف المتبعة في وزارة الخارجية، قمنا بالتنسيق من أجل زيارة قنصلية من قبل سفيرهم للمعتقلين”، وأضاف بقائي: “بالطبع، المعلومات الأكثر دقة حول هذا الموضوع بحوزة السلطة القضائية”.
هذا وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد أعلنت في 12 فبراير/شباط 2025، أن اثنين من مواطنيها قد تم اعتقالهما في إيران، إلا أنهما مُنحا إذنا لتلقي المساعدات القنصلية، وأضافت الخارجية البريطانية: “نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بتوجيه تهمة التجسس لمواطنين بريطانيين في إيران، ونحن مستمرون في إثارة هذه القضية مباشرة مع السلطات الإيرانية، كما نقدم الدعم القنصلي لهما، ونتواصل من كثب مع أفراد عائلتيهما”.
وخلال بيانها، شددت الخارجية البريطانية على أن المواطنين البريطانيين، ومن ضمنهم من يحملون الجنسية المزدوجة الإيرانية البريطانية، معرضون لخطر كبير يتمثل في الاعتقال أو الاستجواب أو الاحتجاز عند السفر إلى إيران، حيث قالت: “إن امتلاك جواز سفر بريطاني أو وجود أي صلة بالمملكة المتحدة قد يكون سببا كافيا لقيام السلطات الإيرانية باعتقالكم”.
هذا وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت في يناير/كانون الثاني 2025، إلقاء القبض على رجل وزوجته من بريطانيا، والذي تبين بعد ذلك أنهما يدعيان كريغ وليندزي فورمن، في أوائل العقد الخامس واللذان كانا في رحلة سياحية بإيران، في محافظة كرمان لأسباب غير معروفة إلا أن السلطات أوضحت في ما بعد أن تهمتها التجسس.
وقد كان الزوجان في رحلة حول العالم على دراجتهما النارية عندما تم اعتقالهما في يناير/كانون الثاني، وذلك بعد دخولهما إيران من أرمينيا في 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث كانا يخططان لمتابعة رحلتهما إلى باكستان.
ووفقا لوسائل إعلام بريطانية، فقد توجه الزوجان إلى كرمان برفقة دليل سياحي بعد إقامتهما في تبريز وطهران وأصفهان لفترة، وكان آخر منشور لهما على فيسبوك بتاريخ 3 يناير/كانون الثاني 2025 من مدينة أصفهان، حيث شاركا صورا شخصية لهما، لكنهما لم يصلا إلى الفندق.
وفي بيان، أعربت عائلتهما عن قلقها الشديد إزاء هذا التطور المفاجئ، مؤكدةً أنها تعمل بالتعاون مع السلطات البريطانية لضمان أمنهما وسلامتهما وإيجاد حل لهذه القضية.
إيران وبريطانيا.. عقود من الأزمات
لم تكن تلك المرة الأولى التي تعتقل فيها إيران مواطنين يحملون الجنسية البريطانية، فقد شهدت العقود الأخيرة عدة حالات اعتقال لمواطنين بريطانيين في إيران بتهم التجسس أو العمل لصالح جهات أجنبية، مما أدى إلى توترات دبلوماسية بين طهران ولندن، اعتقالات أرجعتها لندن لمحاولة إيران استخدامها كورقة ضغط على أوروبا بأكمها.
فبين تلك الاعتقالات، تأتي قضية نازنين زاغري، المواطنة البريطانية الإيرانية، والتي اعتُقلت في أبريل/نيسان 2016، في أثناء مغادرتها إيران بعد زيارة عائلية، واتُّهمت بالتآمر للإطاحة بالنظام، حينها نفت زاغري هذه الاتهامات، مؤكدة أنها كانت تعمل فقط في مجال الإعلام لصالح مؤسسة طومسون رويترز، وبعد سنوات من الاحتجاز، أُطلق سراحها في عام 2022 بعد مفاوضات مع بريطانيا، التي دفعت 400 مليون جنيه إسترليني لإيران مقابل الإفراج عنها.
وفي عام 2011، اعتُقل كمال فروغي، وهو رجل أعمال بريطاني إيراني يبلغ من العمر 76 عاما، بتهم تتعلق بـالتجسس وحيازة وثائق حساسة، وقد قضى فروغي تسع سنوات في السجن قبل إطلاق سراحه في عام 2020، وسط ضغوط بريطانية متزايدة وانتقادات منظمات حقوق الإنسان التي وصفت اعتقاله بأنه غير قانوني.
كذلك ففي عام 2017، اعتقلت السلطات الإيرانية أنوشه آشوري، وهو مهندس بريطاني إيراني، وحكمت عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة التجسس لصالح جهاز المخابرات البريطاني، وعلى الرغم من انكاره لتلك الاتهامات، فإنه احتجز لفترة طويلة حتى أُفرج عنه في 2022، كجزء من صفقة دبلوماسية شملت دفع مستحقات مالية لإيران.
ولم تكن بريطانيا فقط المستهدفة من وراء تلك الاعتقالات، فمنذ أقل من شهر، تم الإفراج عن الصحفية الإيطالية تشيشيليا سالا، والتي كانت محتجزة في إيران بعد إلقاء القبض عليها أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024، من سجن إيفين بعد مفاوضات دبلوماسية مكثفة، والذي جاء بعد أيام قليلة من احتجاز المواطن الإيراني محمد عابديني في ميلان، بناء على طلب من وزارة العدل الأمريكية.