كتبت: سارة محمد علي
شهد الأسبوع الماضي وصول العلاقات الإيرانية الألمانية إلى أدنى مستوياتها؛ وذلك بعد أن أعدمت إيران المعارض الإيراني الألماني الحاصل على الإقامة الأمريكية، جمشيد شارمهد، زعيم مجموعة “تندر” المعارضة والمصنفة كجماعة إرهابية في طهران، وهي منظمة تدعو إلى إعادة إيران إلى الملكية التي أسقطتها الثورة عام 1979 .
وجاء الحكم بإعدام شارمهد على خلفية اتهامه بالضلوع في هجوم على مسجد بشيراز جنوب إيران أودى بحياة 14 شخصا في أبريل/نيسان 2008.
وفي المقابل ردت ألمانيا بإغلاق القنصليات الإيرانية في ألمانيا وسحب السفير الألماني من طهران، كما طالبت رعاياها بمغادرة الجمهورية الإيرانية، وتوعدت بعقوبات قاسية ضد النظام الإيراني.
طهران تنفذ حكم الإعدام وبرلين تحتج
صباح الاثنين 28 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت وكالة أنباء ميزان التابعة للسلطة القضائية الإيرانية بيانا جاء فيه: “بعد اتباع الإجراءات القانونية، والموافقة النهائية على قرار القضاء من قِبل المحكمة العليا، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق جمشيد شارمهد، هذا الصباح” .

عقب إعلان القضاء الإيراني تنفيذ الحكم، أدان المستشار الألماني أولاف شولتز، عملية الإعدام، وكتب في منشور له على منصة إكس: “لم يُمنح جمشيد شارمهد حتى الفرصة للدفاع عن نفسه في المحاكمة ضد التهم الموجهة إليه”، ووصف الإعدام بأنه “فضيحة”.
وفي اليوم نفسه نددت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بالإعدام وانتقدت ما وصفته بـ”النظام اللاإنساني” في إيران، وقالت بيربوك في بيان لها، إنَّ “قتل جمشيد شارمهد يُظهر مرة جديدةً طبيعة النظام اللاإنساني الذي يحكم طهران: نظام يستخدم الموت ضد شبابه وسكانه ورعايا أجانب”، مضيفةً أن برلين أوضحت مرارا أن “إعدام مواطن ألماني ستكون له عواقب وخيمة”.
وتابعت أن «اغتيال» شارمهد تزامن «مع التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، ويظهر أن النظام الديكتاتوري والظالم مثل نظام الملالي، لا يعمل وفقا للمنطق الدبلوماسي الطبيعي»، وفق بيانها المنشور على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الألمانية.

كما نشرت غزالة شارمهد، ابنة جمشيد شارمهد، تدوينة على منصة إكس تطالب فيها الحكومة الإيرانية بتقديم دليل على إعدام والدها، وتسليم جثمانه لذويه في حال تم تنفيذ الحكم بالفعل، كما طالبت الحكومتين الألمانية والأمريكية باتخاذ موقف صارم ضد النظام الإيراني.
عراقجي: جواز السفر الألماني لا يمنح حصانة للمجرمين
في المقابل ردَّ وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في منشور له على منصة إكس، قائلا: “لا يوجد إرهابي محصن من العقاب في إيران، وجواز السفر الألماني لا يوفر الحصانة لأي شخص، فما بالك بمجرم إرهابي؟!”.

وأضاف: “لقد قاد هذا المجرم وبدون خجل هجوما إرهابيا على مسجد، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا بريئا، ومن ضمنهم نساء وأطفال، وأُصيب أكثر من 200 شخص في هذا الهجوم”، مشيرا إلى أن “الأدلة الكافية متاحة للجميع للتحقق منها”.
كما قامت وزارة الخارجية الإيرانية بمشاركة المنشور مصحوبا بمقطع فيديو لمشاهد الحادث الذي أشار إليه عراقجي والذي أعدم شارمهد على خلفية اتهامه بالضلوع في تنفيذه.
الاتحاد الأوروبي يتوعد إيران بعقوبات وعراقجي يتهمه بالنفاق
وبعد ساعات أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا أعرب فيه عن إدانته الشديدة لواقعة إعدام المواطن الإيراني الألماني جمشيد شارمهد، متوعدا باتخاذ خطوات حازمة ضد إيران، بحسب البيان المنشور على الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي.
وأكد البيان أن إعدام شارمهد يعد ضربة قوية للعلاقات بين طهران والاتحاد، مضيفا: “في ضوء هذا الحدث المروع، سيدرس الاتحاد الأوروبي الآن اتخاذ إجراءات حازمة وهادفة”.
وأكد الاتحاد الأوروبي أن عقوبة الإعدام “قاسية وغير إنسانية”، لافتا إلى زيادة حالات الإعدام بإيران في العامين الماضيين، ودعا طهران إلى وقف تنفيذ هذه العقوبة.
وطالب الاتحاد الأوروبي إيران بإنهاء احتجاز المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية لأهداف سياسية، واتهم إيران بمنع المواطنين الأوروبيين المعتقلين فيها من الحصول على الخدمات القنصلية والمحاكمة العادلة، واصفا إياه بأنه أمر “غير مقبول”، ويمثل انتهاكا للقوانين الدولية.
كما أعرب الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل ، عن “الإدانة بأشد العبارات الممكنة” لتنفيذ السلطات في طهران حكم الإعدام بحق “المواطن الأوروبي” جمشيد شارمهد، الذي كان يحمل الجنسيتين الإيرانية والألمانية، معلنا أن الاتحاد الأوروبي “يدرس اتخاذ تدابير ردا على ذلك”.
وأشار بوريل في منشور على منصة إكس، إلى أن ““الاتحاد الأوروبي يعارض بشدةٍ عقوبة الإعدام في جميع الأوقات وفي جميع الظروف، فهي انتهاك للحق في الحياة وإنكار مطلق للكرامة الإنسانية”.
وأضاف منسق الدبلوماسية الأوروبية: “نشارك الأسرة والأحباء حزنهم، ونعرب عن تضامننا مع الحكومة الألمانية التي نتواصل معها”.
في المقابل رد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، على بوريل بمنصة إكس، قائلا: “إن أوروبا لا تمثل سوى النفاق” وأضاف موجها خطابه إلى بوريل: “أحب أن أصدق كلامك عن ضرورة أن تكون الحياة وكرامة الإنسان محميتين، ولكن المشكلة هي أن زملاءك الأوروبيين يدعمون دون خجل، الإبادة الجماعية في غزة والمجازر في لبنان”.
وتساءل وزير الخارجية الإيراني عن انعدام الإجراءات الأوروبية لوقف قتل أكثر من 50 ألف فلسطيني في قطاع غزة وعودة 1.5 مليون لاجئ لبناني إلى ديارهم، كما أشار إلى انعدام مساعي الاتحاد الأوروبي لدعم عائلات من قتلوا على يد جمشيد شارمهد، بحسب تعبيره.
وفي السياق نفسه، استدعت الخارجية الإيرانية السفير الألماني في طهران ماركس بوتسل؛ وذلك للاحتجاج على ما وصفه بتدخل بعض المسؤولين الألمان بشأن الصلاحيات القضائية لإيران في ما يخص إعدام شارمهد، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”.
وذكرت الخارجية الإيرانية، أن المسؤول عن منطقة أوروبا الغربية في وزارة الخارجية الإيرانية أوضح أن دعم شارمهد، “المسؤول عن تفجير مسجد في إيران”، يتعارض مع مزاعم الحكومة الألمانية بشأن سيادة القانون ودعم حقوق الإنسان ومكافحة الإفلات من العقاب ومحاربة الإرهاب.
وأضاف أن حيازة جواز سفر دولة ثالثة لا تمنح أي فردٍ الحق في التهرب من قوانين بلاده، على حد تعبيره.
كما أشار إلى “دعم ألمانيا للإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، وضمن ذلك تزويد هذا الكيان بالأسلحة”، واعتبر هذا الدعم نوعا من المشاركة في هذه الجرائم الدولية الجسيمة، وعلى الأخص الإبادة الجماعية، بحسب توصيفه.
إغلاق القنصليات الإيرانية في ألمانيا
في المقابل ردت ألمانيا في بيان نشره الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الألمانية، في اليوم ذاته، بأنها استدعت رئيس البعثة الدبلوماسية الإيرانية في برلين؛ للاحتجاج على إعدام شارمهد، جاء فيه: “نقلنا احتجاجنا الشديد على تصرفات النظام الإيراني، ونحتفظ لأنفسنا بحق اتخاذ إجراءات إضافية”.
وأضافت أنه بالتوازي مع هذا الإجراء، احتج السفير الألماني في طهران لدى وزير الخارجية الإيراني بأشد العبارات على “قتل” شارمهد. وتابعت أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، قامت باستدعاء السفير الألماني ماركوس بوتسل، إلى برلين للتشاور.

وفي صباح 1 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت وزارة الخارجية الألمانية بيانا لها ذكرت فيه أن ألمانيا ستقوم بإغلاق القنصليات الإيرانية في كل من فرانكفورت وميونخ وهامبورغ ، لكنها ستسمح بإبقاء السفارة مفتوحة، وأعلنت الوزارة في بيانها، أن برلين تعمل مع الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات إضافية على إيران، بحسب البيان المنشور على الموقع الرسمي للوزارة.
كما وصفت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بأنها تراجعت إلى «أدنى مستوياتها»، وأعلنت الوزيرة الألمانية، أن السفارة الألمانية في طهران لن تغلق، وأردفت: «إغلاقها سيكون أعظم خدمة يمكن تقديمها لمثل هذه الأنظمة. نحن نعلم أن هناك أيضا إيران أخرى»، بحسب ما نقل عنها موقع دويتش فيله الألماني.
ورأت بيربوك أن إعدام شارمهد يبرز أن «نظام الظلم الإيراني يواصل العمل بكامل وحشيته، حتى مع التغيير الأخير في القيادة»، مشيرة إلى أن النظام الإيراني «يعرف بشكل أساسي لغة الابتزاز والتهديد والعنف»، بحسب تعبيرها.
وأضافت أن ألمانيا أبقت سفارتها في طهران و«قنواتها الدبلوماسية» مع إيران، للدفاع عن «الألمان الآخرين» الذين «يحتجزهم النظام ظلما»، حسبما قالت بيربوك.
وفي السياق ذاته دعت الحكومة الألمانية رعاياها في إيران إلى مغادرة الأراضي الإيرانية، بسبب “اتخاذهم رهائن” من قبل طهران، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، في مؤتمر صحفي: “أصدرنا منذ فترة طويلة تحذيرا من السفر إلى إيران، وطلبنا من الألمان في إيران مغادرة البلاد، لأننا رأينا من خلال قضية جمشيد شارمهد أن إيران تحتجز المواطنين الألمان رهائن”.
في المقابل، اعتبر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إغلاق القنصليات الإيرانية في المدن الألمانية المشار إليها “عقوبة ضد الإيرانيين”، مشيرا إلى مساعي بلاده لتعويض المواطنين الإيرانيين في ألمانيا من خلال تعزيز عمل باقي البعثات الدبلوماسية.

وقال عراقجي في تدوينة على حسابه بمنصة إكس: “يعد إغلاق القنصليات الإيرانية في ألمانيا بمثابة عقوبة ضد الإيرانيين الذين يعيشون في ذلك البلد”، معتبرا أن “الحكومة الألمانية تمارس عقوبات على عشرات الآلاف من الإيرانيين”.
وأضاف: “أؤكد لمواطنينا في ألمانيا أنه من خلال تعزيز الأقسام القنصلية لسفارتنا في برلين والبعثات الدبلوماسية المجاورة، سنبذل قصارى جهدنا لتعويضهم عن هذا الوضع المؤسف”.
كما صرح هانز بيتر أوغل، القائم بأعمال السفارة الألمانية في طهران، بأن المسؤول عن منطقة أوروبا الغربية في وزارة الخارجية الإيرانية أبلغ ألمانيا احتجاج إيران الشديد على قرار إغلاق القنصليات، وأوصل رسالة إلى الخارجية الألمانية أدان فيها ما وصفه بالنهج المدمر وغير المبرر الذي تتبعه الحكومة الألمانية تجاه الشعب الإيراني، وضمن ذلك الإيرانيون الذين يعيشون في ألمانيا الألمانية، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا”.
وجاء في الرسالة: “إن قرار الحكومة الألمانية وقف أنشطة القنصليات الإيرانية إجراء غير مبرر، ويعتبر قرار الحكومة الألمانية إغلاق هذه المراكز حرمانا متعمدا للإيرانيين من الاستفادة من الخدمات القنصلية، وينتهك حقوقهم الأساسية”.
وأضاف: “تعتبر وزارة الخارجية الإيرانية تصريح وزيرة الخارجية الألمانية سخيفا وتطفليا وغير مهني ويفتقر إلى اللياقة، وتعتبره خاليا من أي أساس أو قيمة قانونية”، وشدد على أن ما وصفه بالنهج غير البناء الذي تتبعه ألمانيا يعد خطأ كبيرا في التقدير، وستكون الحكومة الألمانية مسؤولة عن عواقبه”.
وأردف: “إن الجمهورية الإيرانية، من خلال التذكير بمبادئ وقواعد القانون الدولي، وضمن ذلك احترام السيادة الوطنية، وحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام الولاية القضائية للدول، إضافة إلى ضرورة التزام جميع الحكومات بمنع الإرهاب ومكافحته، فإنَّ نهج الحكومة الألمانية يعبر عن عدم احترام مبادئ وقواعد القانون الدولي، ويعد بمثابة دعم للإرهاب وقتل الأبرياء، تحت ستار حماية المواطنين”.
شارمهد من الاختطاف إلى المقصلة
وتجدر الإشارة أن شارمهد كان يقيم سابقا بالولايات المتحدة، واختُطف من قبل عناصر تابعة للنظام الإيراني في أثناء سفره من ألمانيا إلى الهند، بعد توقفٍ دام 3 أيام في دبي، وذلك في 2 أغسطس/آب 2020، وتم نقله إلى إيران، في عملية وُصفت بالمعقدة دون ذكر تفاصيلها، لتبدأ جلسات محاكمته، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا”.

وفي فبراير/شباط الماضي، أعلنت السلطات القضائية بإيران أن محكمة الثورة في طهران أصدرت حكم الإعدام بحق شارمهد، المواطن الإيراني-الألماني البالغ من العمر 69 عاما، بتهمة “الإفساد في الأرض”، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء ميزان التابعة للسلطة القضائية الإيرانية.
وخلال مؤتمر صحفي في 26 أبريل/نيسان الماضي، صرح مسعود ستايشي، المتحدث السابق باسم السلطة القضائية الإيرانية، بأن “شارمهد قد تم تأكيد الحكم عليه من قبل المحكمة العليا، وستتم الإجراءات التنفيذية لاحقا”، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء فارس الإيرانية.
وأفادت وكالة “ميزان” التابعة للسلطة القضائية في اليوم نفسه، بأن حكم إعدام شارمهد صدر بناءً على مزاعم تتعلق “بتخطيط عملية تفجير في حسينية سيد الشهداء في شيراز”، وهي تهمة ينفيها شارمهد وأفراد عائلته ومحاموه.

كما شهدت ألمانيا تظاهرات أمام السفارة والقنصليات الإيرانية على أراضيها؛ احتجاجا على إعدام شارمهد.