ترجمة: شروق السيد
أشعلت تصريحات محمد رضا عارف، النائب الأول لرئيس إيران، حول توسيع صلاحيات المحافظين نقاشاً حاداً في إيران، بين من يراها خطوة نحو تحسين الإدارة المحلية، ومن يعتبرها بداية تحول نحو الفيدرالية.
كتبت الصحيفة الإيرانية “سازندكی”، 28 ديسمبر/كانون الأول 2024: تصريحات محمد رضا عارف، النائب الأول لرئيس إيران، حول أهمية تمكين الحكومات المحلية، والتي فُسرت على أنها تلميح إلى الفيدرالية، أثارت موجة من ردود الفعل الإيجابية والسلبية.
حيث صرح محمد رضا عارف، نائب الرئيس الأول قائلاً: “من وجهة نظر الحكومة، المحافظ هو رئيس الجمهورية في المحافظة، فالحكومة في هذه الدورة تصل إلى حدود المحافظة وبواباتها، وما بعد ذلك، باستثناء المجالات السياسية والأمنية والدفاعية التي تُقرر على مستوى الحكومة، تُتخذ القرارات من قِبل المحافظة نفسها.
في حديثنا مع المحافظين، قلنا لهم أن يكونوا مستعدين لتقديم مقترحاتهم بشأن نقل صلاحيات الحكومة إلى المحافظات، بالطبع، ندرك أن متطلبات كل محافظة تختلف عن الأخرى، فالمحافظة الحدودية التي يتعين عليها عقد اتفاقيات والتعامل مع الدول المجاورة تختلف عن محافظة أخرى في وسط البلاد، من وجهة نظر حكومة مسعود بزشكيان، ينبغي أن يكون المحافظ في المحافظة صاحب القرار والرأي، وأن يتشكل برلمان صغير في كل محافظة”.
وتابعت الصحيفة: هذه التصريحات، التي وردت في الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للإدارة في الحكومة الرابعة عشرة (الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان)، فُسرت على أنها تتبنى مفهوم الفيدرالية.
وواصلت: ويرى البعض أن السيد عارف، دون أن يُصرح باسم الفيدرالية، وصف مبادئها وآلياتها، ومن منظور القانونيين، تُعتبر الفيدرالية اتفاقاً قانونياً يؤدي إلى إنشاء فروع تنفيذية وتشريعية وقضائية للحكومة داخل الوحدات في الولايات أو المحافظات.
وأضافت: في هذا النوع من الهيكل السياسي، يتم تقاسم السلطة والصلاحيات القانونية بين الحكومة المركزية والعناصر المكونة الأخرى (المحافظات، الولايات، المناطق…). هذا النظام السياسي ليس أحادي البنية ويقع على النقيض من نظام الحكم المركزي.
في هذا النوع من الأنظمة، تُقسم البلاد إلى وحدات محلية تتمتع بحقوق وواجبات محددة، تمتلك كل ولاية برلماناً خاصاً وحكومة محلية (رئيس وزراء)، تُعنى الحكومة المركزية بالقضايا المتعلقة بالجيش والدفاع والأمن والسياسات العامة، بينما تمتلك برلمانات الولايات صلاحيات كاملة للتشريع في الشؤون الداخلية للولايات.
وأردفت الصحيفة: تصريحات محمد رضا عارف الأخيرة تشبه إلى حد كبير التعريفات المعتادة للفيدرالية، ولكن ربما أحد الأسباب التي أدت إلى اتهامه بالميل نحو الفيدرالية هو أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أيضاً متهم بدعم فكرة الفيدرالية، وحتى الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي، أعرب في بعض تصريحاته عن إعجابه بهذه الفكرة، وخلال فترة رئاسته، تم طرح فكرة إدارة “فيدرالية” للبلاد، وحتى مشروع تقسيم إيران إلى 10 ولايات تم النظر فيه.
في البرلمان الحادي عشر، وقع عدد من النواب على مشروع قائم على الفيدرالية، لكنه أُزيل من جدول الأعمال لأسباب لم يُعلن عنها، منذ وقت قريب، نشر مركز أبحاث البرلمان دراسة بعنوان “تقريب نظام إدارة البلاد نحو النظام الفيدرالي”.
وأشار التقرير إلى عدة أسباب تدعم إنشاء نظام فيدرالي في إيران، منها الاعتماد على عائدات النفط، التدخل غير المناسب في آليات السوق، ضعف القدرات الفنية والإحصائية، وعدم التنسيق في التخطيط، والإشراف الاستراتيجي، وتنظيم الأنشطة البرمجية في الأجهزة التنفيذية.
وتابعت الصحيفة: والآن، تحدث نائب الرئيس الأول، مسعود بزشكيان، عن علاقات تبدو قريبة من الفيدرالية، وقال السيد عارف: “إحدى القضايا المهمة والجادة هي اللامركزية، ورؤية الحكومة الحالية هي نقل الشؤون التنفيذية إلى المحافظين”.
ورغم ذلك، قام بتعديل تصريحاته الأولية عبر شبكة “إكس”، وكتب: “في اجتماع المجلس الأعلى للإدارة، أكدتُ أنه في حكومة الوفاق الوطني، باستثناء المجالات السياسية والأمنية والدفاعية التي تُتخذ قراراتها في الحكومة، فإنه في بقية المجالات ستتخذ المحافظة قراراتها بنفسها، وسيتم توسيع صلاحيات المحافظين أكثر مما هي عليه لتعزيز تقدم المحافظات وتطويرها، أما التفسيرات الأخرى لهذا التصريح، فهي ليست استراتيجية الحكومة”.
الفيدرالية الاقتصادية
وأضافت الصحيفة: الاهتمام بالفيدرالية ليس مقتصراً على الإصلاحيين، فمحسن رضائي مير قائد، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، أيضاً يُعتبر من أكثر السياسيين الإيرانيين الذين دافعوا عن فكرة الفيدرالية، وقد صرّح محسن رضائي قائلاً:
“الفيدرالية الاقتصادية هي نوع من إدارة المجتمعات بشكل فيدرالي، في هذا النموذج، تقتصر إدارة البلاد على الاقتصاد والتبادلات التجارية، إضافة إلى الأمور العلمية والتقنية.
وأضافت: الإدارة الإقليمية في المجتمعات البشرية لها تاريخ قديم، وتُطبق حالياً بصورتين: تقليدية وحديثة، الشكل التقليدي يتمثل في الإدارة الإقليمية كما هو الحال في المشيخات على سواحل الخليج الفارسي، والتي كانت موجودة أيضاً في إيران قبل عهد البهلوي.
أما الشكل الحديث فيُمارَس في الدول المتقدمة مثل الدول الأوروبية والأمريكية، وتُدار كل فيدرالية بطريقة ديمقراطية، الفيدرالية الاقتصادية هي شكل محدود من الإدارة الفيدرالية، حيث تقتصر على الأمور الاقتصادية، في حين تُدار القضايا السياسية والدفاعية بشكل مركزي”.
وتابعت: يؤكد المدافعون عن الفيدرالية الاقتصادية، ومنهم محسن رضائي الذي يصر عليها كثيراً، أن الفيدرالية الاقتصادية في مجال الاقتصاد تُعد محاولة لحل التفاوتات الوطنية داخل البلاد بطريقة سلمية، وتقريب وجهات النظر بين المكونات المختلفة للوصول إلى حلول مناسبة لتقليل التفاوتات الاقتصادية بين القوميات والأقليات، كما تُعتبر وسيلة لتقديم استجابة ديمقراطية لهذه القضايا، مع الحفاظ على وحدة البلاد وتماسكها.
وأضافت: في النظام الفيدرالي، تُوزَّع الموارد الاقتصادية بشكل نسبي بين مراكز السلطة المتعددة، مثل المحافظات أو الولايات، ويُعتبر التوزيع العادل للإمكانيات والثروات في جميع أنحاء البلاد وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي على مستوى الدولة ككل.
هذا التنوع والانتشار في توزيع الموارد يؤدي إلى تعزيز مشاركة الناس في الشؤون الاقتصادية، ويمهد الطريق لإنشاء منظمات وجمعيات متنوعة.
وأوضحت الصحيفة: هذا التنوع الهيكلي يُسهّل تلبية احتياجات المواطنين ويساهم في تطوير البلاد. وبذلك، تصبح الحكومة المركزية بمثابة المحرك الرئيسي للتحديث الاجتماعي والاقتصادي، نتيجةً لذلك، تُعزز العلاقة بين الشعب والحكومة الوطنية، حيث تتحول الولاءات المحلية الضيقة إلى ولاءات وطنية.
في النظام الفيدرالي، يُعد التطوير السياسي والاقتصادي عاملاً ضاغطاً يدفع النخب إلى إعادة توزيع السلطة على مختلف مستويات المجتمع، على سبيل المثال، في النظام الفيدرالي الألماني، يتم توزيع السلطة بشكل هرمي بين المستويات العليا والوسطى والدنيا من المجتمع.
وتابعت: التكامل والترابط الاقتصادي بين المركز والولايات المختلفة يؤدي إلى توثيق الروابط بين أفراد النظام السياسي، ويصبح الاقتصاد إحدى الأدوات المهمة لتعزيز الوحدة الوطنية في جميع أنحاء البلاد، كما أن المشاركة الفعالة للمواطنين في الشؤون الاقتصادية تُساهم في الاستفادة من رأس المال الفكري لتحقيق التنمية المستدامة، وبفضل هذا النظام، يتحقق النمو الاقتصادي بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
ردود الأفعال
وتابعت الصحيفة قائلة: لا أحد يعرف السبب الرئيسي وراء طرح مثل هذه التصريحات المثيرة للجدل من قبل النائب الأول لرئيس الإيراني، محمد رضا عارف، لكن يبدو أن السيد عارف قد أدلى بها كرد فعل على النظام الإداري الحالي الذي يوصف بالشلل وعدم الكفاءة.
يعتقد البعض أن تصريحات محمد رضا عارف لا تعني الفيدرالية بالضرورة، وأن مسألة تفويض الصلاحيات إلى المحافظين لتطوير وتقدم المحافظات قد تم تفسيرها على أنها محاولة لتحويل إيران إلى نظام فيدرالي.
وأضافت: يرى العديد من المحللين أن المركزية هي أحد الأسباب الرئيسية لعدم التوازن الجغرافي في التنمية، حيث تراكمت الثروات في مراكز القوى السياسية والاقتصادية مثل طهران، مشهد، أصفهان، تبريز، وقم، مما أدى إلى عدم المساواة الجغرافية.
المركزية في إيران، إن كانت لها علامات واضحة، فواحدة من أبرزها الطرق السريعة والطرق الرئيسية التي تنتهي جميعها في العاصمة.
وتابعت الصحيفة: المركزية الإدارية تعني إدارة كل الأمور من مركز واحد، في إيران، كل شيء يتمحور حول طهران: السياسة تُدار من طهران، الخطط تُوضع في طهران، والموارد تُوزّع من طهران، لذلك، من الطبيعي أن تنتهي جميع الطرق إلى طهران.
إلى جانب المركزية الإدارية، تعاني إيران أيضاً من مركزية اقتصادية، مما جعل المشكلة أكثر سوءاً، إذا نظرت إلى خريطة النقل في إيران، ستجد أن نهاية جميع الطرق تؤدي إلى طهران، سواء كانت طرقاً أو سككاً حديدية أو طرقاً سريعة.
قد يقول البعض إن هذا أمر طبيعي؛ لأن طهران هي العاصمة وأكبر سوق استهلاكي، لكن هل كل الطرق في تركيا تنتهي بأنقرة؟ هل يتم إرسال جميع منتجات المراكز الصناعية في تركيا إلى أنقرة أو إسطنبول؟
في ظل هذه الظروف، ما الحل؟ هل الحل هو السعي لتحقيق تنمية متوازنة على أساس التخطيط الإقليمي، أم الانتقال إلى الفيدرالية؟
علق عدد من المحللين السياسيين والاقتصاديين على تصريحات النائب الأول لرئيس الجمهورية، من بينهم آرش رئيسي نجاد، الباحث والمحلل السياسي، الذي كتب على إنستغرام: “جيل ثوري كان في شبابه يسعى وراء طيف متنوع من “الوحدة”، أصبح اليوم مفتونًا بالفيدرالية والنظام الفيدرالي، وكأنهم وجدوا إكسير الشفاء في خريف العمر؛ غير مدركين أن إنشاء حدود مصطنعة داخل دولة ذات استمرارية تاريخية هو خطوة نحو التقسيم، إيران بالنسبة لهم لا تزال فأر تجارب”.
وأضاف رئيسي نجاد: “الفيدرالية كانت وسيلة للوحدة بين دول مستقلة: ألمانيا كانت تضم 350 إمارة، وأمريكا تألفت من 13 مستعمرة منفصلة، في مثل هذه الظروف، تم قبول الفيدرالية كـ’عملية موحِّدة’. على العكس، تركيا، رغم تنوعها العرقي، هي دولة موحدة لا تتقبل الفيدرالية”.
ويعتقد رئيسي نجاد أن “الفيدرالية، من خلال إنشاء حكومات داخل الحكومة، ستضيف عبئًا جديدًا على الجهاز الإداري العريض والبطيء وغير الفعال للبلاد، والذي هو أحد أسباب الاستياء في المجتمع الإيراني، في الوقت الحالي، الحد من تدخل الحكومة في الإدارة هو القرار الحكيم، وليس إيجاد مبررات لتوسيعها”.
من جهة أخرى، انتقد بعض المحللين بشدة تصريحات النائب الأول واعتبروها تمهيدًا للاستقلال الذاتي وتقسيم إيران، ويرى هؤلاء أن الفيدرالية تُستخدم في حالات عدم وجود أمة موحدة بالمعنى الحقيقي، بينما إيران أمة قديمة ذات استمرارية تاريخية.
ومع ذلك، يدافع أنصار محمد رضا عارف عن موقفه، معتبرين أن إيران هي وحدة متماسكة لا يمكن زعزعتها، رغم تنوعها، يقول الناشط السياسي الإصلاحي، عباس موسايي: “إيران، كما أنها تمتلك مساحة شاسعة وتنوعًا ثقافيًا ومناخيًا، فإن مشكلات مناطقها مختلفة أيضًا، الإيمان بالالتزام بحل المشكلات مع مراعاة هذا التنوع والوفاق للتغلب عليها، لا يعني بأي حال من الأحوال الإيمان بالفيدرالية”.
واختتمت الصحيفة: يصف الاقتصاديون الهيكل الحالي للدولة بأنه أشبه بمبنى قديم لم يعد يحتمل إصلاحات جذرية، بينما يُعتبر تحسين النظام الإداري أمرًا ضروريًا، فإن الأولوية تكمن في إصلاح الفكر الحاكم، كتب الآقتصادي الإيراني، مسعود نيلي في وقت سابق في صحيفة “دنياي اقتصاد”: “أكبر آفة تواجه نظام الحكم لدينا هي وجود تحليلات استراتيجية متباينة، مع إعطاء أوزان مختلفة تمامًا للقضايا، بين المسؤولين الرئيسيين في اتخاذ القرار”.
نأمل أن لا تؤدي الإصلاحات التي يقترحها السيد عارف إلى انحراف البلاد عن مسارها الأساسي.