كتبَت: زينب بيه
شهدت علاقات إيران بالاتحاد الأوروبي تقلبات كثيرة بعد الثورة الإيرانية، وخصوصاً مع الدول الثلاث إنكلترا وفرنسا وألمانيا؛ فخلال كل هذه السنوات، كانت سياسات هذه الدول تابعة لسياسة الولايات المتحدة ضد إيران، كلما بلغتْ التوترات بين طهران وواشنطن ذروتها، تُظهر أوروبا دائماً عدم رغبتها في توسيع العلاقات، بل انضمت أيضاً إلى البيت الأبيض في عدائه مع طهران.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة هم مهين يوم الخميس 29 أغسطس/آب 2024، فإن الدور الجديد للخلاف بين إيران وأوروبا الذي بدأ منذ عام 2022 هو نقطة تحول في تاريخ هذه العلاقات، حيث إن هذه المرة، بينما كانت الولايات المتحدة تُظهر جهدها لحسم خلافاتها مع إيران بعد الجمود الذي حدث في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي المشترك، كانت الدول الأوروبية الثلاث مصممة على زيادة أبعاد التوتر … يمكن الإشارة إلى هذا بما وقع فى آخر اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث اقترح كلًا من المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، و صندوق النقد الدولي على طاولة الأعضاء قراراً معادياً لإيران، وحاولوا إقناع الولايات المتحدة بالانضمام إليهم.
وفي شهر مارس/آذار 2022، وبالتزامن مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، توقفت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي التي كانت قد بدأت جولة جديدة في حكومة الرئيس الإيراني السابق، منذ نوفمبر/تشرين الأول من نفس العام. جاء ذلك تزامنًا مع زيارة رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران، للحديث حول ملف الضمانات الذي وعد أن يساهم في إزالة العقبات من الطريق المضطرب للوصول إلى اتفاق في فيينا عاصمة النمسا. وفي الوقت نفسه، صرح سيرغي لافروف، الوزير الروسي للشؤون الخارجية، بأن موسكو تطالب بضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة على الكرملين بعد الهجوم على أوكرانيا لن تؤثر على المعاملات بين روسيا وإيران بعد إحياء الاتفاق النووي.
مِن توقف مفاوضات فيينا إلى العقوبات الجديدة وتصعيد النزاع
تسببت التصريحات الدبلوماسية الروسية في إعلان جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، عن توقف مفاوضات فيينا. بعد إعلان هذا الخبر، صرح إنريكي مورا، نائب بوريل: كانت الوفود الإيرانية والأمريكية بناءةً لتحقيق الاتفاق، لكن من الضروري أن نأخذ فترة استراحة للحفاظ على الأجواء الإيجابية، ونعمل مع جميع الأطراف لتجاوز هذه العقبة.
واعترفت طهران باستخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية في سبتمبر/أيلول 2022، وبدأت الاحتجاجات عام 2022، واعتقال المواطنين الأوروبيين ومزدوجي الجنسية، مما أدى إلى إعادة ملف حقوق الإنسان في إيران إلى طاولة المفاوضات، ليمثل ذلك بداية الجولة الجديدة من الصراع في العلاقات بين طهران والقارة الخضراء.
وبالتزامن مع هذه التطورات، بدأت الولايات المتحدة وأوروبا جولة جديدة من العقوبات ضد إيران. في 15 يوليو/تموز، وأعلن مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان تمديد العقوبات المفروضة على إيران لعام آخر بسبب دعمها لموسكو واستمرارها في الأعمال المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر. ووفقاً للبيان، تم تمديد العقوبات حتى 27 يوليو/تموز 2025، نظراً لدعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا وتأييدها للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط والبحر الأحمر.
وخلال فترة حكومة الرئيس الأسبق، لم يبد أي من الطرفين أي قرار لحسم هذه التوترات، حتى صرح ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو (حلف شمال الأطلسي)، في أبريل/نيسان 2024 بتصريحات عدائية، واصفًا إيران بأنها جزء من محور الشر الذي يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية، ويقف ضد الديمقراطية في الغرب.
تخفيف التوترات مع الغرب وتعزيز استراتيجيات التفاعل الإقليمي والدولي
تحدث مسعود بزشکیان في مناظرة سياسية بمشاركة محمد جواد ظريف ومهدي سنائي، خلال منافسات الانتخابات الرئاسية الجديدة عن خططه في السياسة الخارجية، مشيرًا إلى أهمية تقليل التوترات مع الغرب كما دافع عن هذه السياسة في المناظرات التلفزيونية.
أكد بزشكيان في خطاب تنصيبه رئيساً للجمهورية أمام البرلمان، على ضرورة تغلب إيران على الظروف المعقدة الحالية وفتح مسارات التنمية المستدامة. وأشار إلى أن العالم بحاجة إلى استغلال هذه الفرصة النادرة لحل المشكلات الإقليمية والعالمية بالمشاركة السلمية لإيران. وأضاف أن الأهداف الرئيسية لسياسته الخارجية ستشمل حماية المصالح الوطنية، ضمان أمن الشعب، تنمية الاقتصاد، وتحسين جودة الحياة، من خلال التفاعل البناء مع العالم والحفاظ على حقوق الشعب.
وأكد عباس عراقجي، في برنامجه لرئاسة وزارة الخارجية، على أن التعامل مع أوروبا سيكون بموقف متساوٍ وبناءً على الاحترام المتبادل. وبعد حصوله على ثقة البرلمان، صرح في أول مقابلة له مع وكالة كيودو اليابانية بأن وزارة الخارجية ستعمل على إدارة التوترات مع واشنطن وإعادة بناء العلاقات مع الدول الأوروبية، بشرط تخليها عن نهجها العدائي. وذكر أن الهدف الرئيسي هو إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 ورفع العقوبات.
بعد تعيينه، تواصل معه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا) لبحث العلاقات الثنائية، ما يعكس إرادة طهران لتخفيف التوترات والعودة إلى المفاوضات … وقد أعرب عراقجي في بيان صادر من وزارة الخارجية، عن ترحيب إيران بتطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، مؤكداً على ضرورة حل الخلافات وتصحيح سياسات أوروبا.
تحديات الحكومة الإيرانية الجديدة: تصعيد نووي، تهديدات أوروبية، وأزمة دبلوماسية
تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة في علاقاتها مع الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي، وعدم التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى تفعيل “آلية الزناد” من قِبَل أوروبا، مما سيُعيد جميع العقوبات المفروضة على إيران. وخلال اجتماع مجلس الأمن، أصدرت الترويكا الأوروبية بياناً جديداً هددت فيه إيران بتفعيل “آلية الزناد” لإعادة فرض العقوبات السابقة. وأشارت الترويكا إلى أن استمرار إيران في تصعيد أنشطتها النووية يتجاوز حدود الاتفاق النووي، ويجعل العودة إلى طاولة المفاوضات أكثر صعوبة. الآن تستعد الدبلوماسية الإيرانية لبدء عملية التفاعل الإيجابي مع أوروبا، في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لإجراء الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر، وبالطبع فإن هذا المسار سيواجه العديد من التحديات.
وفي يوم الثلاثاء، خلال أول لقاء للحكومة الجديدة مع المرشد الأعلى علي خامنئي، قال في جزء من حديثه المخصص للسياسة الخارجية: يجب ألا نعقد الأمل على الأعداء، فلا نتوقع موافقتهم على برامجنا؛ هذا لا يتعارض مع إمكانية التفاعل معهم في بعض الأحيان، ولكن لا تضعوا ثقتكم في الأعداء.