ترجمة: شروق السيد
في سياق التحولات السياسية التي تشهدها إيران، أطلقت حكومة مسعود بزشکیان مبادرة “الوفاق الوطني”، هذه الاستراتيجية التي تجسدت مؤخرا في تعيينات جديدة لأفراد من السُّنة في مناصب حساسة، وقد استعرضت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” في تقرير لها، كيفية تأثير هذه المبادرة على المشهد السياسي الإيراني.
كتبت صحيفة “هم ميهن“: بعد يوم من تأكيد تعيين أول نائب سني، والذي تزامن مع تعيين محافظ آخر سني، هذه المرة لمحافظة سيستان وبلوشستان، في حكومة مسعود بزشکیان، توجه الرئيس إلى قم للقاء مراجع التقليد الشيعية؛ هؤلاء المراجع الذين التقاهم بزشکیان من الفقهاء الذين عادةً ما يمثلون التوجهات التقليدية في مذهب الشيعة، لذلك فإن مثل هذا اللقاء بعد تلك التعيينات، والذي قوبل بترحيب علماء السنة، وضمنهم مولوي عبدا لحميد، يعد رمزا بارزا لشكل من أشكال السياسة التي يتبناها بزشکیان تحت عنوان “الوفاق الوطني”.
وتابعت الصيحفة: إذا كانت الحكومة في التوجه “التطهيري”، تلعب دور الآلة وحتى القاطرة في إقصاء وإبعاد القوى السياسية والاجتماعية المختلفة؛ ففي التوجه والخطاب المبني على “الوفاق”، تتولى الدولة دورا في اتجاه المصالحة بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، وتسعى للاستفادة من مجموعة القدرات والفرص التي تمتلكها تلك القوى المتباينة وأحيانا المعارضة، ومن خلال ذلك، تدير شؤون البلاد.
وأضافت: ومن الواضح أنَّ تبني مثل هذه السياسة وتنفيذ أمر صعب؛ حيث يتعين على الدولة هنا أن تلتزم بمجموعة متنوعة من القوى التي لديها مطالب ورغبات مختلفة، وتعتبر شخصيات متعارضة تمثلها وتفضل وجودها في الحكومة.
الوفاق السياسي في الحكومة الإيرانية
وتابعت الصحيفة: وهذا هو النهج الذي يصفه منتقدون مثل سعيد حجاریان، بأنه توزيع “فسيفسائي” للدولة، وهو ما يعتبر صحيحا من زاوية معينة؛ حيث إن حركة محرك ودوران عجلات آلة الدولة مع عناصر يرغب كل منها في السير باتجاه مختلف، في حين يفضل البعض إطفاءها أو حتى انفجارها وتدميرها، ليست ممكنة ولا منطقية، ومن هنا تتشكل مسألة جدية، وهي: هل يمكن تصور علاقة بين وفاق الدولة ونجاحها؟ هل يمكن تحقيق النجاح من خلال الوفاق؟
يبدو أنه للإجابة عن هذا السؤال، يجب التفريق بين مستويين من القوى، المستوى الأول هو القوى السياسية، في هذا المستوى، نحن نواجه قوى، بعضها تعارض الحكومة بشكل أساسي ومنهجي واستراتيجي، وقد أظهرت هذه المعارضة والصراع في الانتخابات أيضا ضد الرئيس الحالي، واستفادت من كل أداة وإمكانية لمنع فوزه وأفكاره ومؤيديه.
من الواضح أن هذه الطيف من القوى السياسية لا يمكن أن يُدرَج تحت أي خطاب، ولا ينبغي أن تتولى مناصب حساسة أو حتى متوسطة، خاصةً أن غالبية هذه القوى، في الحكومة السابقة، لم تُعيَّن بسبب كفاءتها أو خبرتها، بل فقط بسبب تقاربها السياسي مع خطاب “التطهيري”، واستمرار وجودهم في الحكومة ليس فقط غير قابل للتصور ضمن خطاب “الوفاق”، بل سيؤدي أيضا إلى إضعاف أسس هذا الخطاب والخلل في أدائه وفعاليته.
ومع ذلك، يمكن العثور على طيف من القوى الوسطى بين القوى السياسية المختلفة، رغم أنها تُعتبر خصوما من منظور المعسكرين التقليديين، فإن كلا الطيفين يوجد في حالة من الائتلاف والتقارب مع الحكومة الحالية، وإذا كانت قوى هؤلاء تقبل البرنامج العام للحكومة والسياسات المعلنة للرئيس وترافقها، فيمكن دعم وجودهم في الحكومة، وحتى يمكن القول إن تشكيل ائتلاف واسع من القوى الوسطى في الظروف الحالية بإيران يُعتبر جزءا من مسؤولية ومهمة بزشکیان، وإحدى الاستراتيجيات الأساسية لحكومته.
أما المستوى الثاني والأهم من الوفاق، فهو المستوى الاجتماعي، ويبدو أن استخدام القوى في الحكومة الرابعة عشرة (الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان)، خاصةً المحافظين، يتماشى أكثر مع هذا المفهوم للوفاق، في هذا المستوى، يُعرَّف الوفاق ليس بناءً على الانقسام والتشكيلات السياسية، بل من منظور استخدام القوى الاجتماعية المختلفة في الحكومة، والاعتراف بها ومشاركتها في السلطة.
من هذه الزاوية، فإن استخدام المسؤولين المحافظين من قوميات وديانات مختلفة، وكذلك النساء والشباب، يعتبر مهما وضروريا بحد ذاته، ومن دون مراعاة ذلك، لا يمكن تحقيق الوفاق، حتى لو كانت جميع الأحزاب والتيارات السياسية قد شاركت في الحكومة وأعربت عن رضاها عن دورها.
الأولوية للوفاق الاجتماعي في حكومة بزشکیان
وأضافت: بعبارة أخرى، إن مجرد تشكيل حكومة تعتمد على القوى الوسطى من التيارين السياسيين الرئيسيين في البلاد (اللذين يتماشيان أيضا تماما مع خطاب الرئيس) لا يحقق الوفاق، ما لم يكن هذا الاتفاق السياسي مصحوبا باتفاق اجتماعي يتم فيه النظر بجدية إلى القوميات والمذاهب والنساء والشباب.
يمكن أيضا أن نذهب خطوة أبعد وندعي أن خطاب الحكومة الرابعة عشرة قد أعطى الأولوية لـ”الوفاق الاجتماعي” على “الوفاق السياسي”، ومن ثم، في بعض الحالات، يُفضَّل تعيين محافظين من أهل السنة ومن قوميات معينة على الخيارات الإصلاحية الفارسية والشيعية.
هذه المقاربة للوفاق، بالطبع، أكثر تعقيدا، فهي أقل إرضاء للقوى السياسية الداعمة للحكومة، بل قد تؤدي إلى النقد والاعتراض، ومع ذلك، من منظور أوسع، ومع قبول تنوع القوى الاجتماعية النشطة والفعالة في إيران، يمكن القول إن استراتيجية الحكومة التي يتبناها بزشکیان تمثل نهجا أكثر أساسا وجدية تجاه الوفاق.
خصوصا إذا أضفنا العامل الخارجي إلى تحليلنا، وأخذنا بعين الاعتبار الظروف الجيوسياسية لإيران والتهديدات الخارجية في اعتباراتنا، وكذلك الحالة الراهنة للمنطقة والوضع شبه الحربي في البلاد، فإن اعتماد نهج اجتماعي تجاه الوفاق، خاصة في المحافظات والمناطق الحدودية والمناطق القومية بالبلاد، يتجاوز مستوى التصريحات والشعارات والمسؤوليات والاستراتيجيات السياسية للحكومة، ويكتسب أهمية وضرورة أمنية.
تتسم الظروف الحالية في إيران بطريقة تجعل من غير الغريب أن تدعم المؤسسات الأمنية، التي كانت في السابق تعارض تعيين محافظ أو مسؤول محلي من أهل السنة أو من القوميات الإيرانية لأسباب مختلفة، مثل هذه التعيينات اليوم، حتى على مستوى المحافظين أو نواب الرئيس؛ خاصةً أن تجارب الأحداث عام 2022 وما شهدته من اضطرابات وصراعات عنيفة في المحافظات الحدودية والقومية، لا سيما في سيستان وبلوشستان، قد مرّت بمرحلة خطيرة.
لكن النقطة الأساسية والحساسة في تعزيز الوفاق الاجتماعي لا تتمثل في استخدام الأقليات والمهمشين والمستبعدين، بل في الحفاظ على تعاون وكسب تأييد القوى والنخب الذين تم استخدام آرائهم ومواقفهم لتبرير وإضفاء الشرعية على الظروف والتمييزات التي تتعارض مع الوفاق الاجتماعي حتى الآن، من هذه الزاوية، فإن مراجع التقليد في قم، خاصةً التيارات الأكثر تقليدية في الحوزة العلمية، تلعب دورا مهما.
التوفيق بين التقليد والتحديث
وتابعت: لا يمكن ولا ينبغي الحديث عن الوفاق مع تجاهل ممثلي ومتحدثي التيار التقليدي، إذا كنا نتحدث عن الوفاق الاجتماعي، فإن المؤسسات التقليدية، وعلى رأسها الدين والحوزة العلمية، تعتبر أيضا عنصرا مهما وقوة مؤثرة؛ قوة، لو أن رضا شاه بهلوي، وفي بعض الفترات ابنه، لم يتجاهلوها وتوصلوا إلى توافق معها، لربما لم يكونوا ليقعوا قط في فخ نهضة رجال الدين ثم الثورة، الثورة التي جاءت بعد عدة عقود من حركة التحديث الدستورية بمثابة العودة إلى التقليد والصدى القوي لصوت الدين.
إذا كانت التحديثات القسرية لبهلوي قد فشلت بتلك القوة في مواجهة التقليد ورجال الدين، فإنّ وضع حكومة مثل حكومة بزشکیان، التي لديها قاعدة تأييد تبلغ 30% وتعاني من العقوبات الاقتصادية وظل الحرب في الخارج ومعارضين مسلحين في الداخل بشكل واضح، فلذلك حتى لو كانت لدينا توجهات علمانية، فإنه من منظور توازن القوى ومن أجل تعزيز الدعم الاجتماعي لخطاب واستراتيجية الحكومة التوافقية، من الضروري مراعاة الاعتبارات التقليدية ودمج المرجعية الشيعية مع نهج مثل تعيين مديرين من أهل السنة، إن مثل هذا النهج الشامل هو الذي يعزز الوفاق الاجتماعي ويجعله واقعا؛ وفاق بين جميع الإيرانيين ومن أجل إيران.