كتب: ربيع السعدني
من المرتقب أن توقع إيران وروسيا في يوم 17 يناير/كانون الثاني 2025، على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في موسكو، واستبدال وثيقة التعاون الجارية، على أسس العلاقات والمبادئ التي وُقِعت عام 2001، وسط مساعي أطراف دولية لوضع عراقيل أمام توقيع هذه الاتفاقية.
ويمثل توقيع هذه الوثيقة بين طهران وموسكو نهجا مهما في العلاقات الثنائية يرسم رؤية مشتركة للتعاون في مختلف المجالات.
قالت المتحدث باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، إن طهران تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، خاصةً الصين والهند وروسيا، وتواصل توسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول الثلاث، لكن هذا لا يعني تجاهل الغرب.
ووفقا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية المستقلة “إيسنا”، أوضحت مهاجراني في مقابلةٍ يوم 3 يناير/كانون الثاني الحالي: “نأمل أن يتم التوقيع على وثيقة التعاون الشامل بين إيران وروسيا في 17 يناير/كانون الثاني 2025، بناءً على المناقشات والترتيبات التي جرت على هامش زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى كازان وتفاصيل مناقشاته مع الأعضاء، سيقوم بزيارة روسيا”.
وأضافت: “وسيتم في هذه الزيارة تنفيذ قضيتين هما: مشروع الممر الشمالي الجنوبي الذي اكتملت أعماله ويجري العمل فيه، ونقل الغاز الروسي إلى إيران الذي يتفق عليه الطرفان”.
علاقات تاريخية وثيقة
العلاقات بين روسيا وإيران لها جذور تاريخية عميقة تمتد لعدة قرون، وتشهد تطورات مستمرة حتى اليوم، وقد شهدت فترات من التحالف والتنافس، وتعكس التفاعلات الجيوسياسية والاقتصادية بين البلدين.
وقد التقى الرئيسان بزشكيان وبوتين في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024، في العاصمة التركمانستانية عشق آباد، ومن المقرر أن يلتقيا مجددا في 17 يناير/كانون الثاني 2025 بالعاصمة الروسية موسكو، وهو الموعد المحدد لتوقيع البلدين على اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين للاعوام الـ25 القادمة.

وللعلاقات بين إيران وروسيا 3 مجالات رئيسية للتعاون هي: العلاقات الثنائية، والعلاقات الإقليمية، والتفاعل في الساحة الدولية، وأهم محاور هذه العلاقات الثنائية هي الطاقة والتكنولوجيات الحديثة والاقتصاد والصناعات العسكرية والدفاعية والتقنيات الحديثة، حيث يمكن اعتبار كل من البلدين قطبا في مجال النفط والغاز والطاقة النووية.
ما مضمون عقد الـ20 عاماً بين إيران وروسيا؟
تحمل هذه المعاهدة بحسب موقع “جهان نيوز” الإخباري، إحدى المنصات الإعلامية المقربة من التيار الأصولي في إيران، عنوان “قانون المعاهدة على أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين الجمهورية الإيرانية والاتحاد الروسي”، وتم التوقيع عليها يوم 12 مارس/آذار 2001 في موسكو بحضور الرئيسين الإيراني والروسي، مدة هذه المعاهدة التي أقرها برلمانا البلدين هي في الأصل 10 سنوات، ولكن بعد انتهاء المدة تم تمديدها مرتين لمدة 5 سنوات لكل منهما.
اتفاق طويل الأمد
ووفقا لموقع “تابناك” المنصّة الإعلامية المقربة من التيار المحافظ في إيران، في تقرير نُشر يوم التاسع من يناير/كانون الثاني، فإن إطار هذه المعاهدة بمثابة الأساس للعلاقات بين إيران وروسيا، والتي تطورت بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، وفي عام 2019، عندما زار وزير الخارجية آنذاك جواد ظريف موسكو، اعترف البلدان بأن الاتفاقية القديمة لم تعد تعكس تعميق العلاقات بين موسكو وطهران.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، أي قبل شهر واحد فقط من التدخل الروسي في أوكرانيا، قام الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، بأول زيارة رسمية له لموسكو، وكان أحد الأهداف الأساسية لإيران في هذه الرحلة هو دفع المفاوضات بشأن هذه المعاهدة إلى الأمام، وسلم رئيسي مسودة اتفاقية التعاون لمدة 20 عاما، والتي تظهر رغبة إيران في تعزيز شراكتها مع روسيا.
تفاصيل الاتفاقية الشاملة
منذ عام 2001 شعرت كل من طهران وموسكو بضرورة تأطير العلاقات ضمن اتفاقية شاملة، وخلال السنوات الماضية بادرت كل من طهران وموسكو إلى إعداد نصوص لها، ويبدو أن الاتفاقية التي سيتم التوقيع عليها في 17 يناير/كانون الثاني الجاري، هي النسخة الأكثر نضجا، وتشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية الواسعة، وقد وصفتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بـ “المعاهدة الكبيرة وغير المسبوقة” مع إيران، وفقا لما نشرته وكالة أنباء “إيسنا” يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
الاتفاقية والرؤية الشاملة
إن خارطة الطريق التي وضعتها إيران وروسيا لمستقبل علاقاتهما، تركز عليها الأطراف الأخرى بدقةٍ أكثر من أية اتفاقية أخرى، ومع قرب موعد توقيعها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تكثر التكهنات الإعلامية بشأن بنودها، وفيما يتعلق بالبنود أعلن أندريه رودينكو، نائب وزير الخارجية الروسي، أن الاتفاقية التي يجري الإعداد لها للشراكة الشاملة بين موسكو وطهران ستشمل أيضا مجالات الدفاع والأمن.
وأوضح رودينكو في مقابلة مع “وكالة تاس” الرسمية للأنباء بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024: “في ما يتعلق بمحتوى هذه الوثيقة الأساسية، لن أكشف عن تفاصيلها في وقت مبكر، ولا يسعني إلا أن أقول إن هذه الاتفاقية ستلبي تحديات واحتياجات البلدين في العصر الحالي، وتغطي تقريبا جميع المجالات المهمة والواعدة للتعاون الثنائي بين روسيا وإيران، وضمن ذلك الدفاع والأمن”.
وأضاف أن “الأحكام ذات الصلة واردة بشكل أكثر إيجازا في وثيقة مماثلة صدرت في عام 2001”. وشدد على أنه “على مدى العقدين الماضيين، تغيرت طبيعة التفاعل في عدد من المجالات بشكل ملحوظ واكتسبت ديناميكية ونوعية مختلفة تماما”.
ومن جهته أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الاتفاق الجديد بين روسيا وإيران تعبير عن رغبة موسكو وطهران في التعاون بمجال الأمن والدفاع.
وبحسب تقرير وكالة “سبوتنيك للأنباء” في 11 يونيو/حزيران 2024، أكد لافروف: “تم الاتفاق بالكامل على نص اتفاقية التعاون الشامل الجديدة مع إيران، وهذه الوثيقة الشاملة لها أيضا عنصر دولي، ومن بين أمور أخرى، تولي اهتماما خاصا لتعزيز التفاعل لصالح السلام والأمن على المستويين الإقليمي والعالمي، وهي تتضمن رغبات موسكو وطهران؛ تعزيز التعاون في مجالات الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب والتطرف والتعامل مع العديد من التحديات والتهديدات المشتركة الأخرى”.
كما وصف لافروف هذه الاتفاقية بـ”الجديدة” و”الكبيرة”، قائلا: “إن نصها قد أصبح جاهزا منذ فترة طويلة، وإن الجانبين قد اتفقا عليه، وهي اتفاقية شاملة وطويلة الأمد وذات 4 فصول وليست بحاجة إلى أية تعديلات، ويهدف هذا الاتفاق إلى الارتقاء بالعلاقات بين روسيا وإيران إلى مستوى نوعي جديد”.
وأضاف لافروف في مقابلة مع وكالة أنباء “ريا نوفوستي” الرسمية الروسية يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2024: “كما أن رغبة موسكو وطهران في التعاون بشكل أوثق في مجالات الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب والتطرف والتعامل مع العديد من التحديات والتهديدات المشتركة الأخرى”.
وفي سياق متصل اقتصرت وكالة الأنباء الروسية “تاس” في ما يتعلق ببنود هذا الاتفاق على العموميات، وتقول في تقرير لها: “إن اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة سيصبح نقطة تحول في تطور العلاقات بين روسيا وإيران”، وتشهد العلاقات بين البلدين نموا غير مسبوق.
وبحسب المسؤولين في البلدين، فإن هذا الاتفاق يشمل كافة مجالات التعاون الثنائي وسيفتح آفاقا جديدة في مختلف مجالات التفاعل بين روسيا وإيران، وضمن ذلك الطاقة والنقل والصناعة والزراعة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا.
وبمعزل عن التهم الغربية لإيران بدعم روسيا عسكريا في حرب أوكرانيا بالطائرات المسيرة والصواريخ، فإن التعاون الدفاعي بين طهران وكافة الدول المستقلة يحظى بالأولوية، لكن الأولوية الأولى لدى إيران في الوقت الراهن هي جذب الاستثمارات الاقتصادية في مختلف المجالات، خاصة في مجالي الطاقة والنفط، كما أن الجانب الروسي سيحضر عند طاولة التوقيع؛ لأن هذه الاتفاقية كبيرة كما وصفها لافروف.