كتب: محمد بركات
استكمالا لمسلسل الصراع الدائر في المنطقة تعرض لبنان الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول، لهجوم سيبراني قوي استهدف أجهزة اتصال لا سلكية تستخدم من قبل عناصر حزب الله وبعض المدنيين، هجوم نتج عنه موجة من التفجيرات غطت أنحاء لبنان، وخلف مصابين بالعشرات كان من بينهم مجتبى أماني، سفير إيران في بيروت. الهجوم الذي توجه أصابع الاتهام فيه لتل أبيب يصعد من خطر تفاقم الأزمة في المنطقة ويشير إلى رغبة إسرائيل في الاستمرار في الحرب، كذلك يأتي هذا الهجوم اختبارا لصبر طهران على تلك الاستفزازات المتكررة والموجهة لها بشكل غير مباشر، والتي قد تفسر هذا الهجوم على أنه محاولة اغتيال صريحة لأحد سفرائها، مما يعقد الأزمة أكثر وقد يعجل بالرد الإيراني الموعود.
وفقا لتقرير وكالة مهر الإخبارية الإيرانية بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول، فقد أفادت صحيفة “النشرة” اللبنانية بأن هناك تقارير تفيد بوقوع عدة انفجارات إرهابية في بيروت أسفرت عن إصابة عدد من الأشخاص، من بينهم عناصر من حزب الله اللبناني.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية وشهود عيان، مزاعم تفيد بأن هناك ما لا يقل عن 45 من عناصر حزب الله في لبنان قد أصيبوا في تلك الانفجارات، وأكثر من 1000 شخص في جميع أنحاء البلاد، وأفادت التقارير بأن تلك الانفجارات كانت بسبب انفجار أجهزة الاتصال الخاصة بعناصر حزب الله في لبنان.
في الوقت نفسه، طلبت وزارة الصحة اللبنانية من المستشفيات أن تكون في حالة تأهب قصوى للطوارئ، كما دعت الوزارة إلى الابتعاد عن أجهزة الاتصال اللاسلكية.
وبحسب تقرير وكالة مهر الإيرانية نقلاً عن الجزيرة، فقد زعم مصدر أمني أن حادثة انفجار أجهزة البيجر، أجهزة لا سلكية صغيرة تم تطويرها في الستينيات لأغراض الاتصالات الطارئة، في بيروت تُعتبر واحدة من أكبر عمليات الاختراقات المعلوماتية والتجسس في تاريخ لبنان.
وذكر هذا المصدر الأمني لـ”الجزيرة” أن انفجار أنظمة الاتصال في لبنان نتج عن اختراق باستخدام تقنية الاتصال اللاسلكي. وبحسب التقرير، فقد وقعت انفجارات في أجهزة الاتصال الخاصة بعناصر حزب الله في عدة مناطق من الضاحية الجنوبية لبيروت، البقاع، وجنوب لبنان.
وأفادت وكالة مهر للأنباء بأن مجتبى أماني، سفير إيران لدى لبنان، قد أصيب جراء هذا الاختراق السيبراني، كما نقلت وكالة أنباء “تجارت نيوز” الخبر نفسه.
وقد صرحت وكالة إيرنا الإخبارية الإيرانية نقلا عن نرجس قديريان، زوجة السفير الإيراني، بأن السفير قد تعرض لجروح طفيفة ولكنه بخير وهو الآن في المستشفى لتلقي العلاج، كما أكدت أن السفير الإيراني لم يكن يحمل أي جهاز لا سلكي ولكنه أصيب جراء انفجار جهاز يحمله أحد مرافقيه. ووفقا لوكالة أنباء فارس الإيرانية، فقد أصيب موظفان في السفارة الإيرانية أيضا.
وقد كتبت قديريان على حسابها بتطبيق إكس: “زوجي، الدكتور مجتبی أماني، أُصيب بجروح طفيفة في حادثة انفجار البيجر في بيروت، ولكن الحمد لله حالته جيدة وتجاوز الأمر بسلام”.
بيان حزب الله بعد الاختراق:
وفقا لتقرير نشره موقع روز نو الإخباري الإيراني، فقد أصدر حزب الله اللبناني بيانا ردا على انفجار أجهزة البيجر، وجاء نص البيان كما يلي:
“في نحو الساعة 3:30 بعد ظهر يوم الثلاثاء 17-09-2024، انفجرت عدة أجهزة استقبال رسائل تُعرف باسم البيجر، والتي كانت بحوزة عدد من موظفي وحدات ومؤسسات مختلفة تابعة لحزب الله. حتى الآن، أدت هذه الانفجارات ذات الأسباب غير المعروفة إلى استشهاد طفل وشقيقين، وإصابة العديد بجروح. حاليا، تقوم الأجهزة المتخصصة لحزب الله بإجراء تحقيقات أمنية وعلمية واسعة لتحديد أسباب هذه الانفجارات المتزامنة. كما تعمل الأجهزة الطبية والصحية على علاج المصابين في عدة مستشفيات بمناطق مختلفة من لبنان. نسأل الله تعالى الرحمة لشهدائنا الذين ضحوا في سبيل القدس، ونسأله الشفاء العاجل للجرحى والمصابين. ونناشد الأهالي الكرام الابتعاد عن الشائعات والمعلومات المغلوطة والمضللة التي تروجها بعض الجهات في إطار حرب نفسية لصالح العدو الصهيوني، خصوصا أن هذه الأمور تأتي متزامنة مع تهديدات العدو الصهيوني ومبالغاته بشأن تغييرات مزعومة في الشمال، ونؤكد أن المقاومة، بكل وحداتها وعلى كافة المستويات، في أعلى درجات الجاهزية للدفاع عن لبنان وشعبه الصامد”.
موقف الخارجية الإيرانية:
وفقا لوكالة أنباء برنا الإيرانية، فقد أدان عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، الهجوم الإرهابي الإسرائيلي على لبنان وذلك خلال اتصال هاتفي مع عبد الله بوحبيب، وزير الخارجية اللبناني.
كما قدم تعازيه وأعرب عن تضامنه مع الحكومة والشعب وأسر الشهداء والمصابين في هذا الحادث، معلنا استعداد بلاده لتقديم أي مساعدة أو دعم لعلاج الجرحى أو نقلهم إلى طهران.
وأشار عراقجي أيضا إلى إصابة السفير الإيراني لدى لبنان في هذا الحادث الإرهابي، وقدم شكره للحكومة اللبنانية على التدخلات العلاجية السريعة، واستفسر عن آخر المستجدات المتعلقة بعلاجه.
من جانبه، شكر وزير الخارجية اللبناني نظيره الإيراني على هذا الاتصال وأعرب عن تقديره لتضامن إيران واستعدادها لتقديم المساعدة، مؤكدا أن الحكومة اللبنانية ستتابع هذا الحادث الإرهابي بجدية.
هل تقف إسرائيل وراء هذا الاختراق؟
أفادت وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية بأن الكيان الصهيوني وراء تلك الانفجارات، وأنه قد اخترق أجهزة الاتصالات اللاسلكية في عدد من المناطق في البلاد، واصفة هذا الفعل بأنه “عمل عدائي غير مسبوق، ونقلت وكالة أسوشيتيد برس عن مسؤول لبناني، قوله إنه يُعتقد أن استهداف وسائل الاتصال نتيجة هجوم من قبل الكيان الصهيوني”.
وفي هذا السياق، كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن أحد أهم مستشاري نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، قد قام بحذف تغريدة لمح فيها بشكل غير مباشر إلى أن إسرائيل كانت وراء الانفجارات في لبنان. هذا هذا وقد صرحت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية في وقت لاحق، بأن يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، ومسؤولين في الأجهزة الأمنية أجروا مشاورات واسعة منذ صباح اليوم بشأن لبنان.
كيف حدث هذا الاختراق؟
وفقا لتقرير صحيفة همشهري أونلاين الإيرانية، فهناك عدة سيناريوهات محتملة لاختراق وانفجار أجهزة البيجر، والتي تشير التقارير إلى أنها من تصنيع شركة تيليريم الإيرانية ، وهي كالتالي:
اختراق وتشويش الترددات:
تعتمد أجهزة البيجر على الاتصالات اللاسلكية لاستقبال الرسائل. يمكن للمهاجمين استهداف هذه الأجهزة من خلال إحداث تشويش في الترددات المستخدمة عبر استخدام معدات التشويش أو إرسال إشارات ضارة لعرقلة عمل الأجهزة.
الاختراق والتلاعب بالبيانات:
عند تحليل بروتوكولات الاتصال التي تستخدمها تلك الأجهزة، قد يتمكن المهاجمون من اختراق النظام وإرسال رسائل ضارة أو رموز تؤدي إلى تعطيل الجهاز أو حتى تدميره. هذه الهجمات تتطلب خبرة تقنية عالية وتشمل استغلال الثغرات البرمجية في الأجهزة.
الهجمات السيبرانية المادية:
في حالات نادرة، يمكن للمهاجمين التلاعب بالبيجرات بحيث تؤدي إلى رد فعل مادي مثل الانفجار عند تلقي رسالة معينة. هذه الهجمات معقدة وخطيرة للغاية وتتطلب وصولا ماديا سابقا إلى الجهاز أو إرسال أجهزة مبرمجة بشكل مسبق إلى الهدف.
استخدام البرمجيات الخبيثة:
قد يتمكن المهاجمون من تثبيت برمجيات خبيثة على البيجر تقوم تلقائيا بتنفيذ عمليات ضارة. يمكن نقل هذه البرمجيات عبر الاتصالات اللاسلكية، خاصة في الطرز الأحدث التي تدعم التحديثات البرمجية.
من هو مجتبى اماني؟
مجتبى أماني، السفير الإيراني في بيروت منذ العام 2022 ورئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة سابقاً، ولد في عام 1963 وتخرج في جامعة طهران وحاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، شغل سابقا منصب نائب مدير عام مكتب الدراسات السياسية والدولية في وزارة الخارجية الإيرانية، بعد ذلك، تم تعيينه رئيسا لمكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة وظل في هذا المنصب لمدة 9 سنوات. وهو أحد الدبلوماسيين الإيرانيين الذي يصف نفسه بأنه “دبلوماسي ثوري” ومعارض لأي علاقة أو ثقة بالولايات المتحدة، ويؤكد استراتيجية تسميها السلطات في إيران “تدمير إسرائيل من الداخل”.