كتب: محمد بركات
ظل الجدل حول سياسات حجب المواقع في إيران قائما، على مدى سنوات، إذ باتت القيود المفروضة على الوصول إلى المنصات الرقمية جزءا من المشهد العام، مما أثر على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وبينما تبرر الجهات الرسمية هذه الإجراءات بأسباب تتعلق بالأمن القومي وحماية القيم الثقافية، يرى كثيرون أنها تعيق حرية التعبير وتحدّ من فرص النمو في الاقتصاد الرقمي. ومع تغير الحكومات، تتجدد النقاشات حول إمكانية تخفيف هذه القيود، لكن تنفيذ أي إصلاح يواجه دائما تحديات معقدة، تتراوح بين الانقسامات الداخلية والاعتبارات الأمنية والسياسية، مما يجعل مستقبل الإنترنت في إيران موضع تساؤل مستمر.
حيث صرح محمد جواد آذري جهرمي، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، الثلاثاء 25 فبراير/شباط 2025، في ما يتعلق باستكمال رفع الحجب عن المواقع في إيران، قائلا: “ليس لديَّ أي معلومات حول خطة الحكومة لتنفيذ الخطوتين المتبقيتين، لأنني لا أملك أي اتصال أو علاقة بهيكل الحكومة الحالية، وأتابع الأخبار مثل عامة الناس، لكن يبدو أن الرئيس أصدر تعليماته بتنفيذ الخطوة الثانية من هذه الخطة قبل عيد النوروز، أهم عيد قومي في الأجندة الإيرانية ويرجع تاريخه لنشأة الإمبراطورية الفارسية والذي سيوافق 21 مارس/آذار 2025، والتي تتضمن رفع الحجب عن يوتيوب وتليغرام”.
كذلك، وفي معرض إجابته عن سؤال حول كونه من الأشخاص الذين وعدوا برفع الحجب خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ وذلك لكونه أحد مستشاري بزشكيان في حملته، ولماذا لم يُنفذ هذا الوعد المهم بعد، وكذلك عن سبب التزم الصمت خلال هذه الفترة، قال: “إذا كان اعتراضكم واعتراض الناس هو على صمتي، فأود أن أوضح أنه إذا تحدثتُ في هذه الظروف، فإن أولئك الذين يجب عليهم فتح الفضاء الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي قد يشعرون بأن هناك استقطابا وضغطا، مما سيمنع تنفيذ قرار رفع الحجب، وصمتي هو لتهيئة الأجواء لتنفيذ هذا القرار”، مضيفا: “في هذه الظروف، علينا أن نسمح بمواصلة سياسات رفع الحجب بعيدا عن الاستقطابات”.
كما أكد وزير الاتصالات الأسبق أن “الحكومة تدعي أنها تعمل على خطة من ثلاث خطوات لرفع الحجب، وقد نفذت الخطوة الأولى، وتم رفع الحجب عن واتساب ومتجر جوجل بلاي”.
وتعليقا على تصريحات آذري جهرمي، قالت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، خلال لقاء مع وسائل الإعلام الثلاثاء 25 فبراير/شباط، 2025، إنه “لا يمكنني التعليق على تصريحاته، ولكن نأمل أن تحدث انفراجات في هذا المجال”.
وفي ردها على سبب عدم إصدار أي إعلان رسمي حول هذا الموضوع، أوضحت: “إذا قمنا بالإعلان عن شيء ولم يتحقق، فسيؤدي ذلك إلى إحباط الناس، لذا أفضل الاكتفاء بالتعبير عن الأمل في أن يتحقق ذلك، إن شاء الله”.
جدير بالذكر، أن مهاجراني كانت قد أعلنت على هامش اجتماع مجلس الوزراء الذي أنعقد في 12 فبراير/شباط 2025، عن جهود الحكومة لرفع الحجب، حيث أوضحت قائلة: “في ما يتعلق برفع الحجب والتصفية، تم بالفعل إخراج بعض المنصات من قائمة الحجب، إن حوكمة الفضاء الإلكتروني، التي تُعدّ إحدى القضايا المهمة للحكومة، لا تعني الحجب أو التقييد، فهناك برامج مستمرة في هذا الإطار، ورئيس المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني هو رئيس الجمهورية نفسه، كذلك فإن اجتماعات هذا المجلس تعقد بحضور الرئيس للتصويت واتخاذ القرارات، كما أن هناك توافقا وتعاونا جيدا لتحقيق تطلعات الشعب”.
كما أكدت أن “رفع الحجب عن تليغرام ويوتيوب مدرج على جدول أعمال وزير الاتصالات والمجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، ونأمل أن يتم تنفيذ هذا الإجراء في أقرب وقت ممكن”.
حجب المواقع في إيران.. بين الوعود والتعقيدات
لطالما كان حجب المواقع الإلكترونية في إيران واحدا من أكثر القضايا المثيرة للجدل، إذ شكَّل عائقا أمام المستخدمين العاديين ورواد الأعمال، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ تدابير متباينة عبر السنوات. فمنذ فرض القيود الصارمة على العديد من المنصات العالمية، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، وجد الإيرانيون أنفسهم مضطرين إلى استخدام أدوات تجاوز الحجب، مثل برامج الـVPN، مما أدى إلى خلق سوق سوداء ضخمة لهذه الأدوات، حيث أنفق ما لا يقل عن 200 ألف مليار ريال، ما يعادل 214 مليون دولار، على تداول وبيع برامج تجاوز الحجب، وأثر بشكل مباشر على الاقتصاد الرقمي.
هذا وقد بدأت سياسة حجب المواقع في إيران منذ العقد الأول من الألفية الثالثة عندما فرضت السلطات قيودا على العديد من المنصات الأجنبية بدعوى حماية القيم الثقافية والدينية والمخاوف الأمنية، وقد تصاعدت هذه الإجراءات خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع الاحتجاجات الشعبية المتزايدة التي شهدتها إيران، والتي كان آخرها ما شهدته عقب مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في سبتمبر/أيلول 2022، حيث لجأت الحكومة إلى تضييق الخناق على الإنترنت؛ في محاولة للحد من تدفق المعلومات.
فمع بداية انتشار الإنترنت في إيران خلال فترة رئاسة محمد خاتمي، بين أعوام 1977 و2005، لم تكن هناك سياسات واضحة لحجب شبكات التواصل الاجتماعي. ورغم وجود مخاوف أمنية وتحذيرات من بعض الجهات السياسية، لم تُفرض قيود صارمة على منصات مثل أوركوت والتي كانت تحظى بشعبية في ذلك الوقت، ولكن وبحلول عام 2008، بدأت أولى إشارات التقييد في الظهور.
وفي عهد محمود أحمدي نجاد، من 2005 إلى 2013، بدأت أولى موجات الحجب الواسعة، ففي عام 2008، وقبل الانتخابات الرئاسية لعام 2009، تم حجب منصات رئيسية مثل يوتيوب وتويتر، رغم عدم وجود اضطرابات سياسية بارزة في ذلك الوقت. ومع اندلاع احتجاجات 2009، تسارعت وتيرة القيود، ليشمل الحجب فيسبوك، وياهو مسنجر، وجي توك؛ ما دفع المستخدمين إلى البحث عن أدوات كسر الحجب للوصول إلى هذه المنصات. اللافت أن أحمدي نجاد، الذي كان من أبرز مؤيدي الحجب، تحول لاحقا إلى منتقد له، معتبرا أنه يقيد حرية التعبير.
ومع وصول حسن روحاني إلى الرئاسة، من 2013 إلى 2021، شهدت إيران تحسنا في جودة الإنترنت وتوسيع نطاق الوصول إليه. غير أن ذلك لم يمنع استمرار سياسة الحجب، فتم حجب “وي تشات” عام 2013، ثم فايبر، فيما كان تليغرام أكثر المنصات تأثرا، حيث حُجب عام 2018 بقرار قضائي، رغم مقاومة الحكومة هذه الخطوة، كما تم حجب موقع كلوب هاوس في 2021 خلال فترة الانتخابات الرئاسية.
وقد استمرت القيود مع تولي إبراهيم رئيسي السلطة عام 2021، حيث تم حجب واتساب إنستغرام، وسكايب. ورغم تصريحاته السابقة بمعارضة الحجب، لم تتخذ حكومته أي خطوة لإيقافه، مما أثار انتقادات واسعة.
أما مع وصول مسعود بزشكيان إلى سدة الحكم بإيران في يوليو/تموز 2024، أثيرت آمال جديدة بشأن تخفيف القيود على الإنترنت ورفع الحجب عن بعض المنصات المحظورة، فقد تعهد بزشكيان خلال حملته الانتخابية باتخاذ خطوات فعلية لفتح الفضاء الإلكتروني، معتبرا أن القيود المفروضة ألحقت ضررا بالاقتصاد وأدت إلى تفاقم معاناة المواطنين في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.
ومنذ تسلمه الرئاسة، بدأت الحكومة في تنفيذ وعودها تدريجيا، حيث تم في المرحلة الأولى رفع الحجب عن تطبيق واتساب ومتجر جوجل بلاي في ديسمبر/كانون الأول 2024، في خطوة لاقت ترحيبا واسعا بين الإيرانيين، خاصةً رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة الذين يعتمدون على هذه المنصات للوصول إلى الأسواق العالمية، كما رفعت من آمال المواطنين في فتح جميع التطبيقات والمواقع المحظورة الأخرى.
ورغم هذه الخطوات، لا تزال عملية رفع الحجب تواجه تحديات كبيرة، حيث لم يتم حتى الآن اتخاذ قرار نهائي بشأن باقي المنصات المحظورة مثل تليغرام ويوتيوب، ويعود ذلك إلى الخلافات داخل المؤسسات الحاكمة، لا سيما داخل المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، الذي يتكون من جهات مختلفة ذات توجهات متباينة. فبينما يدعو بزشكيان إلى تخفيف القيود، تعارض بعض التيارات الأصولية هذا التوجه، بحجة أنه قد يؤدي إلى زيادة الاستقطاب السياسي والاجتماعي داخل البلاد.
إضافة إلى ذلك، فإن العامل الأمني لا يزال يشكل عقبة رئيسية أمام رفع الحجب الكامل، حيث ترى بعض الأجهزة الأمنية أن السماح بحرية الوصول إلى المنصات الاجتماعية قد يسهم في تأجيج الحركات الاحتجاجية وإضعاف سيطرة الدولة على تدفق المعلومات.