كتب: محمد بركات
لم تكن العقوبات وحدها هي السبب الرئيسي في الوضع الاقتصادي السيئ الذي وصلت إليه إيران، حيث تواجه إيران مشكلات على المستوى الداخلي تؤثر على حياة الشعب اليومية، من بينها أزمة تهريب النفط.
يعد تهريب النفط من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الإيراني، حيث يؤدي إلى نزيف كبير في الموارد الوطنية ويُضعف قدرة الدولة على تحقيق التنمية المستدامة، وقد تفاقمت هذه الظاهرة نتيجة التفاوت الكبير بين أسعار النفط المحلية والدولية، ما جعلها مصدر جذب للشبكات الإجرامية المحلية والإقليمية.
فخلال اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة تهريب السلع والعملات والذي عقد 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، أشار مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، إلى أن الوضع الحالي الذي أدى إلى تهريب يومي لما يقارب عدة عشرات من ملايين اللترات من الوقود، يُعد كارثة ودليلاً على عدم الكفاءة، حيث قال: “بالنسبة لي، ليس فقط كرئيس للجمهورية، بل حتى كمواطن إيراني، من غير المقبول على الإطلاق أن يقال إننا نُهدر يومياً بين 20 إلى 30 مليون لتر من الوقود من خلال التهريب، في حين أن عملية الإنتاج والتوزيع بأيدينا”.
كما وصف بزشكيان عملية التخطيط طويلة الأمد لحل هذه المشكلة بأنها غير فعالة، مؤكداً ضرورة تصميم حلول عملية وفعالة في فترة قصيرة.
كما أكد بزشكيان أن الحل الفعال لهذه المشكلة لا يكمن بمعاقبة الأشخاص الذين تورطوا في المرحلة النهائية من هذه الأزمة، مما يؤدي إلى خلق مشاكل أخرى بتهديد معيشتهم. وأوضح أنه ينبغي إصلاح جذور هذه المشكلة.
هذا وقد كلف الرئيس الإيراني رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة تهريب السلع والعملات، علي رضا رشيديان، بعقد اجتماعات مكثفة ومنتظمة خلال شهر واحد، لتقسيم المشكلة حسب القطاعات المتأثرة، وإجراء دراسة متخصصة لتحديد أسباب المشكلة في كل قطاع، ووضع حلول تنفيذية بالتعاون مع الخبراء، مشيراً إلى أن تكرار هذه المسألة من خلف المنابر لن يحلها، بل يجب السعي إلى معالجتها من جذورها.
وخلال هذا الاجتماع، تم تقديم تقرير مفصل حول كيفية ومسارات وأسباب تهريب ما بين 20 إلى 30 مليون لتر من الوقود يومياً من البلاد. كما عرضت الجهات ذات الصلة آراءها والحلول المقترحة لمواجهتها.
وفي ختام الاجتماع، قررت اللجنة اعتبار أي عملية شراء، أو بيع، أو نقل، أو تخزين للملابس والدقيق خارج الضوابط المحددة من قبل الحكومة مخالفة قانونية، وذلك استنادا إلى الفقرة 4 من المادة 18 من قانون اللجنة.
تهريب الوقود.. من أين تبدأ الأزمة؟
تأخذ عملية تهريب الوقود في إيران عدة خطوات في عدة مراحل مختلفة، حيث تبدأ عملية التهريب من قبل الحكومة نفسها، فوفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة النفط، فإن الوزارة نفسها هي المنتج والموزع الرئيسي للوقود في إيران.
كذلك، فوفقاً لما صرح به جليل سالاري، المدير السابق لشركة التكرير والتوزيع الوطنية للمنتجات النفطية، فإن الحصص المخصصة لكل قطاع تحدد من قبل 16 هيئة حكومية تشارك في هذه العملية، مما لا يدع مجالاً للشك أن بداية عملية التهريب لا تخرج عن النطاق الحكومي.
في المراحل التالية، يتم تحويل هذا الوقود المهرب إلى شبكات متعددة من المستفيدين والمهربين الصغار والكبار، وبهذا الشأن، فقد صرح رشيديان بأنه تم تسجيل 25 ألف قضية تهريب وقود خلال الأشهر التسعة الماضية، واعتقال حوالي 24 ألف شخص متهمين بتهريب الوقود.
بعد ذلك، تأتي شبكة ضخمة من العصابات المحلية للتهريب، والتي لا تقتصر على عدد محدود، حيث تم الكشف عن 24 إلى 25 ألف شبكة محلية فقط، بينما يبقى عدد غير معروف من شبكات التهريب التي لم تُكتشف.
جدير بالذكر أنه وبالنظر إلى استهلاك الوقود اليومي، يتبين أن وقود الديزل يشكل الحصة الأكبر بنسبة 80% من التهريب، ويعود ذلك إلى سهولة نقله، والفارق الكبير في السعر بين الداخل والخارج، كذلك غياب نظام رقابة ذكي على توزيعه، بخلاف البنزين.
ويكمن السبب الرئيسي وراء تهريب الوقود في الفارق الكبير بين أسعار الوقود داخلياً وأسعاره في الدول المجاورة لإيران، حيث يتم بيع البنزين والديزل المهرب بأسعار تصل من 30 إلى 200 ضعف السعر المحلي، مما يحقق مكسباً كبيراً للمهربين.
معدلات تهريب الوقود في إيران
وفقاً لآخر الإحصاءات المنشورة، فإن حجم تهريب الوقود اليومي في إيران يقدر بين 20 إلى 30 مليون لتر، بقيمة حوالي 4600 ألف مليار ريال إيراني بسعر السوق المتفق عليه، أي ما يعادل تبلغ نحو 7 مليارات دولار سنوياً.
ويأتي ذلك في الوقت الذي نجحت فيه الحكومة على موافقة البرلمان لاستيراد وقود بقيمة 1300 ألف مليار ريال للسنة القادمة، ما يعادل مليارين و492 مليون دولار، في حين أن منع التهريب قد يوفر 3.5 أضعاف هذا المبلغ.
وسائل تهريب الوقود
وحول وسائل تهريب الوقود من إيران إلى الدول المجاورة فهناك ثلاث طرق رئيسية، أولها النقل البري والبحري، فعن طريق ناقلات النفط والسفن غير المرخصة، تتم حوالي 40% من عمليات تهريب الوقود.
كذلك تلعب مصافي البترول الصغيرة ووحدات الهيدروكربونات دوراً في عملية التهريب، حيث يتم خلط الوقود المهرب وبيعه كمنتج مصفى للدول المجاورة.
كذلك فإن عمليات الترانزيت التي تمر بها شحنات الوقود تسهل عملية التهريب، حيث يتم ملء جزء من خزانات الناقلات بوقود عالي الجودة داخل الأراضي الإيرانية، وتهريبه خلال رحلات النقل بين الدول.
آثار تهريب الوقود على الاقتصاد الإيراني
تتسبب عمليات تهريب الوقود إلى خسائر اقتصادية كبيرة لإيران، تأتي أولى صورها في الخسائر المالية المباشرة، حيث تُقدر قيمة الوقود المهرب سنوياً بما لا يقل عن 7 مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم يمكن أن يُستخدم في تمويل مشاريع تنموية، تحسين البنية التحتية، ودعم القطاعات الحيوية. ومن جانب آخر، فإن الهدر المالي الناتج عن التهريب يزيد من عجز الموازنة العامة.
كذلك، فقد أدت عمليات التهريب المستمرة في ضياع الدعم الحكومي لهذه السلعة، حيث تخصص الحكومة الإيرانية جزءاً كبيراً من مواردها لدعم أسعار الوقود لجعلها في متناول المواطنين، في حين تؤدي عمليات تهريب الوقود إلى استفادة المهربين والدول المجاورة من هذا الدعم بدلاً من المواطنين الإيرانيين. هذا التهريب يحرم المجتمع من عوائد الدعم.
أيضا فلتهريب الوقود أثر سلبي على الصناعات المحلية، حيث تعتبر الطاقة ركيزة أساسية للإنتاج الصناعي، واستمرار عمليات التهريب تتسبب في تفاقم نقص الوقود المدعوم للقطاعات الإنتاجية المحلية، مما يؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج. هذا النقص يضعف القدرة التنافسية للمنتجات الإيرانية في الأسواق المحلية والدولية.
ويأتي التأثير السلبي على العملة المحلية أحد أكبر السلبيات المتعلقة بالتهريب، فمن أجل تعويض نقص الوقود بسبب التهريب، تضطر إيران إلى استيراد الوقود بكميات أكبر. هذا يزيد الطلب على العملات الأجنبية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الصرف، وتراجع قيمة الريال الإيراني، الأمر الذي يُفاقم التضخم ويزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين.
كذلك، فيشجع تهريب الوقود على نمو شبكات تهريب محلية وإقليمية، مما يعزز الاقتصاد غير الرسمي. هذه الشبكات غالبًا ما ترتبط بأنشطة غير قانونية أخرى، مثل غسل الأموال وتهريب السلع، مما يُشكل تهديدًا للأمن الاقتصادي والاجتماعي.
أيضاً فاستمرار التهريب يُضعف الثقة في جدوى الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني، فالشركات المحلية والدولية قد تتردد في ضخ استثمارات جديدة بسبب غياب آليات الرقابة الفعّالة والخسائر الناتجة عن التهريب.