كتبت: شروق السيد
شهدت الأيام الأخيرة حراكاً مكثفاً في أروقة الحكومة الرابعة عشرة بإيران، حيث تسلّم الوزراء الجدد مهامهم، في مراسم تسليم وتسلم جرت بحضور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. في هذه المراسم، تم التركيز على البرنامج الحكومي الشامل الذي ستتبعه الحكومة الجديدة، وتحديد المهام الرئيسية لكل وزارة، كما أشار بزشكيان إلى أهمية اختيار الشخصيات المناسبة لتنفيذ خطط الحكومة، والتي تستهدف تحقيق التنمية في مختلف القطاعات كالصحة، الاقتصاد، التعليم، والبنى التحتية.
وفقاً لتقرير وكالة “خبر أونلاین” الإيرانية بتاريخ 5 سبتمبر/أيلول 2024، فبعد أن سجلت حكومة الوفاق الوطني رقماً قياسياً في البرلمان بقبول جميع أعضائها، فقد تسلّم الآن كل وزير في الحكومة مهامه بوزارته وبدأ في متابعة أهدافه وواجباته. كما حضر مسعود بزشكيان أيضاً بعض هذه الجلسات، وضمن ذلك مراسم توديع وزراء الاقتصاد والصحة والإسكان والتنمية ووالشؤون الداخلية والخارجية والتعليم والتربية والعلوم، والتي عُقدت بحضور الرئيس في الأيام الماضية.
برنامج الحكومة الرابعة عشرة هو “وثيقة الرؤية العشرينية” وليس برنامجاً جديداً!
أول حفل كان يتعلق بتقديم الوزراء السابقين والجدد في البلاد، والذي عُقد يوم الإثنين 26 أغسطس/آب 2024/ بحضور رئيس الجمهورية.
ولكن بالنظر بشكل أدق إلى تصريحات الرئيس في هذه المناسبات، يمكن ملاحظة أن مسعود بزشكيان كان يذكّر، باستمرار بضرورة التزام الوزراء ومديريهم بتنفيذ أهداف وثيقة الرؤية العشرينية(هي وثيقة لتوضيح أفق تطور إيران في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية)، وبرنامج التنمية السابع (هي خطة لمدة خمس سنوات، تهدف إلى تطوير الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية)، إلى حد أن بزشكيان في حفل توديع وتقديم الوزراء السابقين والجدد، صرح قائلاً: “في هذا المسار، كل من يستطيع أن يعمل ضمن إطار أهداف الحكومة وينفذ وثيقة الرؤية والسياسات العامة وقانون البرنامج، ستكون له الأولوية لدينا، ولن نسعى أبداً إلى إعطاء المناصب الهامة فقط للمقربين منا. في هذه الحكومة، من ارتفع دون حق سينخفض، ومن نزل بغير حق سيرتفع، كل من عمل من أجل هذا النظام وتنفيذ الرؤية فهو معنا، والمعيار لكون الشخص معنا أو لا هو إيمانه وقدرته على تنفيذ وثيقة الرؤية”.
الجنس والعرق ليسا معيارين للمشاركة في الحكومة!
كان أحد المواضيع الرئيسية التي أكدها مسعود بزشكیان، سواء في أثناء الحملات الانتخابية أو عند اختيار الوزراء وأعضاء الحكومة، هو الاستعانة بتيار يسمى الخبراء والنخب في مجالات معينة، فهو يؤمن بأنه يجب الرجوع إلى المتخصصين في كل مجال، وفي هذا السياق، قال في حفل توديع وتقديم الوزراء السابقين والحاليين لوزارة الطرق والتنمية الحضرية: “في الحكومة الرابعة عشرة، لن يتم استبعاد أي مدير فقط؛ لأنه كان في الحكومات السابقة، أو لأنه يختلف معنا في الرأي، بل إن المعيار هو القدرة والكفاءة والخبرة، وسندعم بكل ما أوتينا من قوة، جميع المديرين الذين يتمتعون بهذه الصفات”.
وأكد أيضاً “أننا نسعى لإحياء الإيمان بالقدرة لدى الجميع بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين، ونحن على يقين بأنه إذا كانت لدينا الإرادة، فسننجح بالتأكيد في تحقيق الأهداف”.
تحقيق الوحدة الوطنية مسؤولية الجميع
لكن موضوع “الوحدة الوطنية” كان التركيز الأساسي لمسعود بزشكیان في هذه المناسبات؛ حيث أكد خلال حفل تقديم وزير الداخلية قائلاً: “لقد أظهرت، سواء خلال الحملات الانتخابية أو في تقديم التشكيلة الوزارية، في القول والفعل، أنني أسعى إلى إنشاء توافق وطني والتعاون للاستفادة من كل القدرات في تنفيذ الخطة الاستراتيجية والرؤى العامة وقوانين البرنامج”. كما أضاف: “كلنا في قارب واحد، ويجب أن نصل إلى لغة ونظرة مشتركة تستند إلى الخطة الاستراتيجية والرؤى العامة، وبتجاوز الخلافات والتوافق حول الأهداف المشتركة، إذا تقدمنا بهذه الطريقة، سنخيب آمال الأعداء، وسنحقق الوحدة في البلاد، وسنرفع مستوى الأمل في المستقبل، وسننفذ أهداف الخطة الاستراتيجية على أرض الواقع”.
التعامل الصحيح مع الطلاب
نظراً إلى أن مسعود بزشكيان يرى أن هدفه وبرنامجه في الحكومة هو متابعة السياسات العامة للنظام وسياسات القيادة، فقد أعرب خلال حفل توديع وتقديم وزيري العلوم السابق والحالي، عن رأيه في التعامل مع الطلاب قائلاً: “إن المنبر الحر الذي يؤكده خامنئي يعني أن الطالب يعبر عن رأيه بحرية ويحصل على إجابة منطقية. كل من لا يمتلك منطقاً يجب أن يقبل منطق الطرف الآخر. هذه مسائل علمية واضحة، ويجب أن نتخذ قراراتنا بناءً على الأدلة. يمكن توجيه الطالب وتبرير مواقفه، وإذا كان على حق، فيجب أن نصلح أنفسنا، وليس أن نواجهه. إذا أدركنا هذه المسألة واستطعنا قبولها، حينها سنتمكن من بناء البلاد”.
وفي سياق هذه التصريحات، أكد قائلاً: “إذا لم تساعدنا الجامعات والعلماء والمفكرون، وإذا لم نكن متّحدين ومنسجمين، فلن أستطيع أن أفعل شيئاً. كما أنه ليس من المفترض أن يُنفذ كل ما أقوله، بل الشخص الذي يستطيع تقديم أدلة أكثر قوة وعلمية هو الذي يجب أن يثبت رأيه”.
المهام الجديدة للوزارات
وقد حدد بزشكيان مهام جديدة لبعض الوزراء خلال كل من هذه المناسبات، حيث كلف إسکندر مومني، وزير الداخلية، بأن يضع في اعتباره ثلاثة مبادئ عند إدارة شؤون الوزارة؛ أولاً: المسؤولية، وثانياً: تحديد ما هي المهام التي يتحملها كل شخص في أي موقع، وثالثاً: المساءلة.
وأكد أن هذه المبادئ يجب أن تُراعى وتُطبق في هيكل إدارة وزارة الداخلية من الوزير وطاقم الوزارة، إلى المحافظين، ورؤساء البلديات، ورؤساء الأقسام.
كما وجَّه خطاباً إلى وزير الصحة قائلاً: “يجب أن تكون العناية بالمحتاجين محور اهتمامنا، حيث إن المخاطر التي تهدد المحتاجين أكبر من تلك التي تهدد الميسورين، وصحتهم أكثر عرضة للخطر وأغلبهم يتعرضون للتجاهل؛ يجب أن نرى الأشخاص الذين لا يُلاحظون في المجتمع وأن نكون صوتاً لمن لا صوت لهم. عندما يقع المحتاجون في مشكلة، لا يعرفون ما يجب فعله أو إلى أين يذهبون، وإذا عرفوا، فإن عدم قدرتهم أحياناً يمنعهم من اتخاذ أي خطوة، لذا يجب أن نكون عيوناً وآذاناً لرؤيتهم وسماعهم.
وفي هذا السياق، أكد مسعود بزشكيان خلال حفل توديع وتقديم وزير الخارجية، قائلاً: “في رأيي، إذا تمكنا من إقامة علاقات وثيقة وعقلانية مع الدول المجاورة نفسها، فسيتم القضاء على جزء كبير من ضغوط العقوبات، وسنتمكن من سد النقص في العديد من السلع الأساسية، بشرط أن نعرف ما نريد فعله”.