كتب: سید نیما موسوی
ترجمة: علي زين العابدين برهام
منذ إنشاء دوقية كييف في أوكرانيا الحالية ووصولها إلى الشواطئ الشمالية لبحر قزوين (مازندران)، اندلعت سلسلة من الصراعات بين روسيا وإيران. قامت دوقية كييف (الفارانجيون)، وهم الفايكنغ الذين هاجروا إلى أوكرانيا، بشن هجمات على الشاطئ الجنوبي لبحر قزوين في استر آباد (مدينة جرجان الحالية في إيران) منذ القرن التاسع الميلادي، وفي ذلك الوقت، حكمت حكومة طبرستان العلوية جنوب بحر قزوين.
وفي الفترات التالية كانت هناك تلك الصراعات المتفرقة، ففي أثناء الحكم الصفوي في إيران (القرن السابع عشر)، وقع أول صراع بين إيران وروسيا في منطقة داغستان الحالية، في عهد الملك ألكسيس الأول والشاه عباس الثاني في إيران وأدى إلى سقوط قلعة سانجا في داغستان على يد القوات الإيرانية. بعد بضعة عقود، أثناء سقوط الأسرة الصفوية وحكم الأفغان لعدة سنوات لإيران، هاجم بيتر كبير الشواطئ الجنوبية لبحر قزوين واستولى على هذه المنطقة، واستمر الاحتلال حتى عهد نادر شاه الأفشاري ملك إيران في القرن الثامن عشر.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، وعلى الرغم من دور الاستعمار الأوروبي في إضعاف إيران؛ لكنّ حدثين مهمين عرضا العلاقات بين إيران وروسيا للخطر؛ الأول: الحروب بين إيران وروسيا بداية القرن التاسع عشر في عهد فتح علي شاه القاجاري والتي أدت إلى انفصال القوقاز عن إيران، والثاني: الحادثة التي وقعت في أذربيجان بعد الحرب العالمية الثانية والحرب العالمية الثانية. في عهد ستالين، خطط الاتحاد السوفييتي، بدعم من جمهورية جعفر بيشيفاري المتمتعة بالحكم الذاتي، للتواجد في شمال غرب إيران للحصول على امتياز نفط الشمال من الحكومة الإيرانية.
كان التهديد النووي الذي أطلقه ترومان ضد ستالين في بداية الحرب الباردة ورفع قضية إيران إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سبباً في انسحاب الاتحاد السوفييتي من أذربيجان. لكن منذ الستينيات وتصاعد الصراع بين الكتلتين الغربية والشرقية بعد أزمة الصواريخ الكوبية، استغل شاه إيران محمد رضا بهلوي الخلافات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لإقامة الصناعات الثقيلة في إيران بمساعدة الاتحاد السوفييتي. وكان بناء مصنع صهر الحديد في أصفهان من أهم هذه الصناعات الثقيلة التي بنيت بمساعدة الكتلة الشرقية وظهرت مع انعطاف الشاه نحو الاتحاد السوفييتي.
وبعد ثورة 1979، حالت العلاقات الأمنية بين إيران والاتحاد السوفييتي دون حدوث تحركات مثل الانقلاب العسكري على الثورة. وأهم هذه الحركات الانقلابان الفاشلان في طبس وقاعدة نوجه الجوية في همدان عشية الحرب مع العراق، التي فشلت مع الموالين للسوفييت.
لكن حرب الثماني سنوات مع العراق، باعتبار أن الاتحاد السوفييتي كان من أهم داعمي صدام حسين، أحدثت فجوة خطيرة في مسار العلاقات بين إيران والاتحاد السوفييتي. كما حاولت إيران موازنة ومنع تكثيف التعاون بين الاتحاد السوفيتي والعراق من خلال دعم المجاهدين الأفغان الذين كانوا في صراع مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
ومع نهاية حرب الثماني سنوات، تغيرت العلاقات الإيرانية السوفييتية. ففي السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط الاتحاد السوفييتي، وقّعت إيران على أهم اتفاقية عسكرية في تاريخها مع الاتحاد السوفييتي. وخلال زيارة هاشمي رفسنجاني الشهيرة إلى موسكو، تم توقيع عقد عسكري بقيمة 10 مليارات دولار بين البلدين.
والعقد الذي تم تنفيذه على أساس اتفاقية الأسلحة لمدة 15 عامًا بين الشاه وبريجنيف كان من الاحتفالات السياسية، وبعدها واصل الجانبان تعاونهما في بعض المجالات مثل أفغانستان.
وفي عهد حكومة الدكتور نجيب في أفغانستان، تحقق أنه ولأول مرة أصبح سياسي شيعي يدعى “سلطان علي كشتمند” رئيساً لوزراء جمهورية أفغانستان الديمقراطية. وقد مهد هاشمي رفسنجاني، بموجب الاتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي بقيادة غورباتشوف، الأرضية لعودة حكومة الدكتور نجيب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي.
بدأ تحسن علاقات غورباتشوف مع إيران بزيارة وزير الخارجية السوفييتي إدوارد شيفردنادزه إلى طهران في مارس/آذار 1989 ثم بعد أيام قليلة من خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي إلى موسكو.
بعد أسبوعين فقط من وفاة الإمام الخميني، المرشد الأعلى لإيران في يونيو/حزيران 1989، سافر هاشمي رفسنجاني يرافقه علي جنتي، رئيس المكتب، وصادق خلخالي، رجل الدين اليساري وعضو البرلمان، وبهزاد نبوي، وزير الصناعات الثقيلة إلى موسكو.
الرحلة التي قامت بها إيران لشراء طائرات سوخوي 24 وطائرات ميغ 29 ديفينس إس 200 ودبابات تي 72. لاحقاً، ونظراً لعدم إدراج نظام إس 200 في الاتفاق النهائي، توجه ناصر نوبري، سفير إيران في موسكو في ذلك الوقت، إلى إستراحة غورباتشوف على ساحل سوتشي في خطوة مثيرة للاهتمام وأبدى موافقته على إضافة إس 200.
وفي عهد رئاسة أكبر هاشمي، وبسبب بدء المحادثات بين إيران والاتحاد الأوروبي، وكذلك انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تكن العلاقات بينه وبين بوريس يلتسن جيدة.
دعمت إيران الانفصاليين في الشيشان، ومسلمي البوسنة، وموقف أذربيجان في حرب كاراباخ؛ بالإضافة إلى ذلك، مع بداية تطوير معاهدة منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا الوسطى، التي كانت تعتبر الفناء الخلفي لروسيا، زادت هذه الخلافات.
ومع بداية العقوبات الأمريكية على إيران، كانت إيران ترى دائماً في الانحياز إلى روسيا وسيلة للهروب من الحصار الأمريكي، لكن في الوقت نفسه، لم يكن بوتين مهتما لسنوات، وبقربه من إيران الخاضعة للعقوبات، وجد نفسه في موقف ضعيف بالنسبة لأوروبا وأمريكا.
ولذلك، فإن سياسة التطلع إلى الشرق، التي بدأت في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأثناء رئاسة علي لاريجاني لأمانة مجلس الأمن القومي الإيراني، لم تتمكن من توفير الأساس لتحسين هذا التعاون. في غضون ذلك، حتى أزمة أبخازيا عام 2008 لم تجعل إيران تتوصل إلى خيار أفضل.
وأخيراً، مع دخول أوباما البيت الأبيض وشهر العسل بين هيلاري كلينتون وسيرجي لافروف، أصبحت العلاقات بين إيران وروسيا أضعف، حتى صوتت روسيا لصالح قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران في يونيو 2010. جاء هذا التصويت الإيجابي خلال فترة شهر العسل بين ميدفيديف وأوباما، شهر العسل الذي أدى إلى توقيع معاهدة البداية الجديدة بين روسيا وأمريكا في ربيع عام 2010.
لكن منذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومع نشر الدرع الدفاعي الصاروخي لحلف شمال الأطلسي في رومانيا وبولندا، عوضت روسيا سياسة التغريب التي ينتهجها ميدفيديف بسياسة أوراسية التي قدمها بريماكوف (وزير الخارجية الروسي السابق) منذ سنوات عديدة.
وتزامن هذا التحول مع فوز بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية عام 2012، ومن ثمار التحول المذكور أعلاه بالنسبة لإيران، التعاون العسكري بين إيران وروسيا في القضية السورية منذ عام 2015.
ومع كل هذه التغييرات، فإن إقامة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي وكأس العالم 2018 في روسيا كانت من الممكن أن تجعل بوتين لا يزال يعتبر روسيا دولة أوروبية، وهذا لن يعمق علاقاته مع إيران.
ولكن في الوقت الحالي، ونظراً للمعادلات الأمنية بعد الحرب في أوكرانيا، بل وحتى توسع حلف شمال الأطلسي في شرق آسيا، فإن بوتين ليس لديه خيار سوى أن يكون أوراسياً. ومن وجهة النظر هذه، فإن النهج الذي اتبعه في التعامل مع كوريا الشمالية وإيران خلال هذه السنوات الثلاث منطقي.
وكانت نتيجة هذا التغير في سلوك بوتين، نتيجة حرب أوكرانيا، عضوية إيران في اتفاقيات شنغهاي ومجموعة البريكس، اتفاقيتان طالما اهتمت إيران بالمشاركة ولعب دور فيهما. ويبقى أن نرى كيف ستؤثر تطورات الولاية الثانية لرئاسة ترامب على مستقبل العلاقات الإيرانية- الروسية.