كتب: محمد بركات
صرح رفائيل غروسي، الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، خلال مؤتمر صحفي في طوكيو، الخميس 20 فبراير/شباط 2025، بأن إيران لا تزال لا تتعاون بشكل كافٍ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقال: “نريد تقديم حلول تقنية موثوقة للقضاء على إمكانية حصول إيران على سلاح نووي، لأن هدفنا الرئيسي هو منع إيران من تصنيع سلاح نووي أو مساعدتها على إثبات أنها لا تنوي إنتاجه”.
وأضاف غروسي: “إن المسؤولين الإيرانيين يدّعون عدم نية إيران امتلاك سلاح نووي، ونحن نقول إننا نثق بالجميع، لكننا بحاجة إلى التحقق، ولن نقتنع حتى يتم إنشاء نظام رقابي شامل ومضاد للاختراق بالكامل، وآمل أن نتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة”.
كذلك، وصف غروسي الاتفاق النووي الإيراني، والمعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، بأنه اتفاق لا يصلح والظروف الراهنة، حيث صرح بأنه “يجب التوصل إلى اتفاق جديد، والوكالة الدولية للطاقة الذرية مستعدة، ومن الواضح تماما أنه بدون الوكالة، سيكون أي اتفاق غير واقعي ومجرد وثيقة غير فعالة”.
وتابع: “لقد تجاوزت إيران جميع القيود التقنية التي تم النص عليها في الاتفاق، فقد كان الاتفاق ينص على نوع واحد فقط من أجهزة الطرد المركزي، لكن إيران تمتلك الآن أنواعا متعددة، كما قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهو مستوى يقترب من الاستخدام العسكري. لذا، فإن البرنامج النووي الإيراني اليوم يختلف تماما عن التصور الذي كان قائما وقت إبرام الاتفاق”.
كما أشار إلى أنه “مع ذلك، قد يكون من الممكن الحفاظ على الفلسفة العامة للاتفاق السابق، وهي نهج شيء مقابل شيء، حيث تقيد إيران أنشطتها النووية مقابل الحصول على حوافز مالية واقتصادية، ولكن بخلاف ذلك، لم يعد بالإمكان تنفيذ برجام، ويبدو أن هناك إجماعا على هذا الأمر”.
وخلال حديثه، أضاف غروسي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال إنه مستعد للعودة إلى اتفاق، كما أن الشركاء الأوروبيين في مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، يسعون أيضا إلى نوع من الاتفاق، موضحا أن التحدي الرئيس يكمن في صياغة إطار للتفاوض، لأن المفاوضات كانت تجرى سابقا في إطار مجموعة 5+1، لكن هذا الإطار لم يعد ممكنا اليوم، وأردف: “إن الخلافات والانقسامات بشأن إيران أصبحت عميقة جدا، لذا قد يتم اقتراح أساليب تفاوضية مختلفة. ومع ذلك، فنحن مستعدون”.
وفي نهاية حديثه، شدد غروسي على أن التوصل إلى أي اتفاق جديد يعتمد على تفاعل إيران مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وعبر عن ذلك بقوله: “على الرغم من أن زيارتي الأخيرة لطهران في نوفمبر/تشرين الثاني كانت بناءة، حيث ناقشت إمكانية وقف التخصيب عند المستويات العالية وبعض التفاصيل الفنية، فإنه سيكون من الصعب على طهران اتخاذ قرار حاسم ما لم يحدث تفاعل واضح مع الإدارة الأمريكية الجديدة”.
من جانبها، أصدرت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بيانا، الخميس 20 فبراير/شباط 2025، ردا على تلك التصريحات، وبحسب مركز الدبلوماسية العامة والإعلام التابع لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فقد ذكر البيان أنه “من المتوقع أن يتحدث المدير العام للوكالة، بصفته مسؤولا رفيع المستوى في منظمة دولية مهمة، دائما بموضوعية ومهنية، بعيدا عن أي انحياز سياسي”.
ويكمل البيان: “للأسف، بعض تصريحات ومواقف السيد غروسي، لا سيما مواقفه الأخيرة، تفتقر إلى هذه الخصائص، مما يثير القلق بشأن خروج هذه المنظمة الدولية المهمة عن نهج الحياد والمهنية، مما قد يضر بمصداقيتها، ففي ظل سعي الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لاستغلال هذه المنظمة كأداة لممارسة ضغوط غير عادلة على إيران، فإن مثل هذه التصريحات السياسية وغير المهنية قد تصبح ذريعة لتحقيق مصالح غير مشروعة”.
وقد وصف البيان تصريحات غروسي بأنها مثال على السلوك والتصريحات غير المهنية، وتابع البيان: “لقد طالب في تصريحاته، بأن تثبت إيران أنها لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، بينما يدرك أي عقل سليم أن أبسط مبدأ قانوني هو مبدأ البراءة الأصلية، أي إن البينة على من ادعى، والسيد غروسي يعلم، أكثر من أي شخص آخر، أن نحو ربع عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة تتركز على المنشآت النووية الإيرانية، رغم أن هذه المنشآت لا تشكل سوى أقل من 3% من إجمالي المنشآت النووية في العالم”.
كذلك فقد كررت إيران أن مساعي برنامجها النووية سلمية بحتة، حيث أوضح البيان: “لقد أكدت إيران مرارا، أن برنامجها النووي سلمي تماما، وإن تكرار هذه التصريحات السياسية من قِبل المدير العام لا يليق بمنصبه، ويجب أن يتوقف”.
كذلك، فقد كتب كاظم غريب آبادي، المدير العام للشؤون القانونية والدولية في وزارة الخارجية، على حسابه بمنصة إكس، الخميس 20 فبراير/شباط 2025، ردا على تلك التصريحات، واصفا إياها بأنها غير مهنية وبطابع سياسي واضح.
حيث كتب غريب آبادي خلال تغريدة مطولة، أنه “لا يوجد أي قيد على مستوى ونسبة التخصيب بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والالتزام الوحيد الذي يقع على عاتق الدول غير الحائزة على السلاح النووي هو عدم الانحراف نحو إنتاجه، وبلدنا ملتزم بتعهداته، وهو يتعاون وفقا لذلك، أي في إطار اتفاقية الضمانات الشاملة، ولم يتم الإبلاغ عن أي انتهاك حتى الآن، وذلك بعد تعليق إيران التزاماتها النووية في إطار الاتفاق النووي، إن البرنامج النووي الإيراني سلمي، ولم يطرأ أي تغيير على طبيعته”.
أثبت أنك لست عميلا للموساد!
لم تقتصر ردود الفعل على الدبلوماسية فقط، ففي مقال نشرته صحيفة كيهان الأصولية السبت 22 فبراير/شباط 2025، “تحت عنوان يا سيد غروسي، أثبت أنك لست عضوا في الموساد”، هاجم حسين شريعتمداري، مدير تحرير الصحيفة، تصريحات غروسي، واعتبره مرتبطا بجهاز الموساد الإسرائيلي.
حيث كتب شريعتمداري: “خلال مؤتمر صحفي في اليابان، أدلى رافائيل غروسي بتصريحات وُصفت بأنها مضحكة وخارج إطار العقل والمنطق، حيث طالب إيران بإثبات أنها لا تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية، وقد ردت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على هذه التصريحات ببيان منطقي وموضوعي”.
وأردف شريعتمداري قائلا: “الآن حان الوقت لنطلب من السيد رافائيل غروسي أن يثبت أنه ليس جاسوسا للموساد، وقد يتعجب البعض ويستنكر استخدامنا للأسلوب نفسه الذي استخدمه غروسي، والذي وصفناه بأنه مضحك وخارج عن كل القواعد العقلية والمنطقية. لكن، عكس ادعاء غروسي العبثي، فإن اتهامنا لا يخلو من الأدلة والقرائن، فلدينا شواهد تثبت ارتباط رافائيل غروسي، بجهاز الموساد الإسرائيلي، وهذه الأدلة تؤكد عدم أهليته لهذا المنصب، ومن حق إيران رفض استقباله أو السماح له بإبداء رأيه بشأن برنامجها النووي”.
الاتفاق النووي الإيراني.. محطات من الأزمات
كان الاتفاق النووي الإيراني محط جدل كبير منذ إبرامه، حيث تم توقيعه في العام 2015، خلال حكومة حسن روحاني والرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بين طهران ومجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، وهي: الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين، إضافة إلى ألمانيا، حيث فرض قيودا معينة على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات الدولية على إيران، الأمر الذي ساعد في انتعاش الاقتصاد الإيراني.
لكن وفي 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انسحاب بلاده من هذا الاتفاق، معتبرا أنه لم يكن كافيا لمنع إيران من تطوير سلاح نووي أو كبح أنشطتها الإقليمية، وواصفا إياه بأسوأ صفقة في التاريخ الأمريكي.
بعد الانسحاب، تبنت إدارة ترامب سياسة الضغط الأقصى، والتي تضمنت فرض عقوبات قاسية على القطاعات الاقتصادية والمالية الإيرانية، ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وتفاقم الأزمات الاقتصادية، ولكن ورغم الضغوط، رفضت إيران الدخول في مفاوضات جديدة، واتجهت إلى تقليص التزاماتها النووية تدريجيا.
في ذلك الوقت حاولت الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الحفاظ على الاتفاق عبر آليات مالية مثل “إنستيكس”؛ وذلك لدعم الاقتصاد الإيراني، لكن هذه الجهود لم تكن كافية لتعويض خسائر إيران الاقتصادية، ما دفعها إلى زيادة تخصيب اليورانيوم وتقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وظل الوضع على ذلك، حتى أتت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في 2020، والتي تبنت نهجا دبلوماسيا في التعامل مع الملف النووي الإيراني، حيث سعى منذ توليه الرئاسة إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه، وبالفعل دخلت إدارته في مفاوضات غير مباشرة مع إيران عبر وسطاء أوروبيين، بهدف العودة إلى الامتثال المتبادل لبنود الاتفاق.
وعلى الرغم من تحقيق تقدم في بعض الجولات، اصطدمت المفاوضات بعقبات تتعلق بمطالب إيران برفع جميع العقوبات وضمانات بعدم انسحاب أي إدارة أمريكية مستقبلية من الاتفاق، وهو ما رفضته واشنطن. كما تزامنت جهود بايدن مع تصعيد إيراني في تخصيب اليورانيوم وتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما زاد من تعقيد الوضع.
وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية، ركز بايدن على احتواء إيران عبر تعزيز التحالفات مع حلفائه في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل ودول الخليج، مع إبقاء الخيار الدبلوماسي مفتوحا، لكنه لم ينجح في التوصل إلى اتفاق جديد قبل نهاية ولايته في 2025.
وبعد وفاة إبراهيم رئيسي، في مايو/أيار 2024، تولى مسعود بزشكيان منصب الرئاسة في يوليو/تموز من العام نفسه والذي سعى إلى تمكين الدبلوماسية في حل المشاكل الخارجية لإيران، خاصةً العقوبات الدولية، وكنتيجة لذلك ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار رافائيل غروسي، مدير الوكالة الذرية، إيران لبحث مدى التزام إيران بتعهداتها النووية، وزار عددا من المنشآت النووية الإيرانية، لتفاجئ الداخل الإيراني وقتها بصدور تقرير من مجلس حكام الهيئة العامة للطاقة الذرية ينتقد عدم تعاون طهران مع المفتشين الدوليين.
ومع عودة ترامب للرئاسة في 2025، أعاد سياسة الضغط الأقصى، ولو بشكل جزئي، مشددا العقوبات وساعيا إلى فرض اتفاق أكثر صرامة يشمل الأنشطة النووية والصاروخية والإقليمية لإيران، مما زاد من التوترات الدولية في ظل تهديد تل أبيب المستمر لضرب المنشآت النووية الإيرانية.